المحتوى الرئيسى

رؤية نقدية لفيلم نيكول كيدمان الجديد "ملكة الصحراء"

02/16 23:36

لعبت المستكشفه "غيرترود بيل" دوراً عظيماً في رسم خارطه الشرق الاوسط كما نراه اليوم – الا ان الفيلم الجديد للمخرج فيرنر هيرزوغ عن حياتها يفضل تناول الجانب الرومانسي علي تناول الجانب التاريخي او السياسي، كما يقول الصحفي في بي بي سي ماثيو اندرسن.

يصفها البعض بانها النسخه النسائيه لـ "لورنس العرب"، و"المراه التي اسست العراق"، و يلقبها البعض بـ "مس بيلّ". وقد اعادت الاحداث التي وقعت في الشرق الاوسط منذ عام 2000 الاهتمام بها، وهي المعروفه بانها المعماريه، والمستكشفه، واللغويه، والرحاله، والمستشرقه، والكاتبه، والجاسوسه ايضا.

كان لبيلّ تاثير هائل عند اعاده رسم خارطه المنطقه بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية في نهايه الحرب العالميه الاولي. وباعتبارها "سكرتيره الشرق لبريطانيا"، ساهمت في وضع حدود العراق، وكتبت دستوره، وضغطت بقوه لمسانده الامير فيصل، الذي تدعمه بريطانيا، لينصّب اول ملك علي ذلك البلد الجديد.

كانت ذات شخصيه استثنائيه، ونالت انجازاتها اعجابا غير مسبوق بالنظر لمكانه المراه في ذلك الزمن. لكن علينا الا ننسي ان البلد الجديد الذي ساهمت في تاسيسه من تركيبه متعارضه من الاكراد والسنه والشيعه، كان بلدا غير مستقر. فقد انهار وتحول الي دكتاتوريه بعثيه، وتعصف به اليوم تجاذبات وتوترات طائفيه قاتله. نتذكر "بيلّ" الان لاننا نتساءل: من كان صاحب هذه الفكره في المقام الاول؟

لم يهتم فيلم "ملكه الصحراء" بالمرّه بالتاثيرات التي خلّفتها انجازات "بيلّ"، ولا بتداعيات التاريخ او بالسياسه التي نفذتها هذه الامبراطوريه او تلك.

من المؤكد انه سيُقارن برائعه ديفيد لين لعام 1962، فيلم "لورنس العرب". فهذا الاخير يصوّر بعضاً من تلك الشخصيات ويجسّد بشكل درامي لحظات تاريخيه مماثله. انها مقارنه يدعوك اليها فيلم "ملكه الصحراء" منذ لقطاته الاولي بتصوير سينمائي شامل لمناظر الصحراء.

فيلم هيرزوغ لا يقدم تعليقا عما يجري سياسيا علي الاطلاق، فالمغامره الاستعماريه بمجملها ليست الا خلفيه نابضه بالحيويه لحقبه مليئه بعاطفه ماساويه لقصتي حب فاجعتين في حياه "بيل".

وهذا يمثل عيبا وفرصه ضائعه؛ اذ ان الفيلم يتناول حياه امراه تحدّت تقاليد واعراف زمانها، ويضعها في اكثر القوالب المبتذله الممكنه. انه فيلم عادي بشكل مخيّب للامال من مخرجٍ تعوّدت اعماله ان تكون رائعه بغرابتها.

لعبت "نيكول كيدمان" دور "مس بيلّ" واجادته. انها تدخل في نقاشات لاهثه علي ضوء الشموع، وتلقي نظرات الازدراء والتحدي علي المسؤولين المتعجرفين، وتنظر بحزن عبر النافذه، وتشدّ خصلات شعرها خلف اذنيها بحياء واحتشام.

يلعب الممثل "جيمس فرانكو" دور اول حبيب لها، هنري كادوغان، وهو دبلوماسي مبتديء في السفاره البريطانيه بطهران. يتودد كادوغان اليها عن طريق خدعه بلعب الورق ويستغل معرفته باللغه الفارسيه في القرون الوسطي، ثم يتقدم لطلب يدها للزواج منه. لكن والدها يحرمها من الزواج منه، وتنتشر الشائعات بان كادوغان مقامر.

وبينما كانت هي في انجلترا تحاول اقناعه بالعدول عن رايه، يتحطم قلبها بعدما قرات ما جاء في رساله وصلتها، فتبدا "مس بيلّ" في خوض تجربه مثيره عبر الصحراء.

نري بعض المنطق في تنامي ثقه "بيلّ" بنفسها، والفتها للمناظر الطبيعيه وللشعوب في تلك المنطقه، وللغاتهم واسلوب تفكيرهم. الا انه عند مقابلتها للرائد تشارلز داوتي-وايلي (ديميان لويس، بطل مسلسل "الوطن"، نجد انفسنا وقد عدنا ادراجنا الي قصص الحب العاطفيه من الطراز القديم.

الرجل الاخر في حياتها هو تي. ايه لورنس- لورنس العرب- مع كونه اعزّ صديق مثليّ الجنس، اكثر من كونه مشروعاً للحب والزواج. لورنس (يمثله بطل فيلم "الشفق"روبرت باتيسن) غير مقنع، ومثير للسخريه نوعاً ما. وقد ادي اول ظهور له علي شاشه الفيلم – وكان يرتدي كوفيه علي راسه، وكان من الصعب التعرف عليه- الي موجه من الضحك، وعلو الاصوات بين جمهور المشاهدين في برلين.

ينتقل الفيلم من حدثٍ الي اخر باسلوب مالوف الي درجه انني كنت متاكداً طيله وقت الفيلم ان المخرج هيرزوغ كان يحاول خداعنا. لقد عوّدنا هذا المخرج بحيويته علي اظهار الامور الغريبه في الحياه، ربما لسخافتها، وكنا نظن انه في ايه لحظه انه سيدخل المشهد شخصيه غريبه الاطوار، تدل عيناه مثلا علي الياس او الذعر، او ان سحليه مجنونه، علي شاكله مخلوقات هيرزوغ، ستخرج من رمال الصحراء وتغيّر مجري الاحداث.

الا انه لم تكن هناك ايه مفاجات. تجد لفتات بسيطه وقليله بما يمكن ان يقال عنها انها غريبه، وذلك بطريقه تصوير الحيوانات، وخاصه الجمال بشفاهها المتدليه ورؤوسها الدائره: تدخل هذه اللقطات عنوه بشكل فكاهي بين مشاهد رصينه. وفيما عدا هذا، تغوص جميع الاحداث في طراز مبتذل لافلام الحب الرومانسيه.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل