المحتوى الرئيسى

السيّد لـ «السفير»: هذه هي القصة الحقيقية لـ«المزارع» وقواعد الاشتباك

02/16 02:32

كلام كثير قيل حول هويه مزارع شبعا وهل هي لبنانيه ام سوريه، وهل تخضع للقرار 425 ام للقرارين 242 و338.

وكلام كثير قيل حول طبيعه قواعد الاشتباك التي رست علي الخط الأزرق وما بعده، في اعقاب الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب عام 2000.

ولكن، ماذا يقول من شارك في المفاوضات الصعبه مع الموفد الاممي تيري رود لارسن حول ترسيم المزارع والخط الازرق، ومن واكب كواليس الاجتماعات وخفايا العروض التفاوضيه العابره للحدود؟

في هذه المقابله التي اجرتها «السفير» مع اللواء الركن جميل السيد والذي كان المدير العام للامن العام في تلك الحقبه، يكشف السيد عن اسرار ووثائق تضع حداً لالتباسات سياسيه وجغرافيه، تتصل بملف الصراع مع اسرائيل، علي الحدود الجنوبيه.

ما هي الهويه الحقيقه لمزارع شبعا، استنادا الي الوثائق التاريخيه؟

يؤكد اللواء جميل السيّد ان مزارع شبعا منطقه تقع حصراً وجغرافيّاً بين لبنان وسوريا شرقاً، وليس بين لبنان واسرائيل، ذلك ان قسما من تلك المزارع هو املاك اميريه للدوله اللبنانيه واملاك خاصه لمواطنين لبنانيين كانوا يقيمون فيها بموجب مستندات وسندات ملكيه مسجّله في دائره صيدا العقاريه، وقسمٌ اخر منها مسجّل في الدوائر العقاريه السوريه ويعود الي مواطنين سوريين.

وحتي العإم 1967 كان عدد اللبنانيين المقيمين في مزارع شبعا حوالي 15 الف نسمه في حوالي 1500 منزل ومزرعه ولم تكن اسرائيل في اي وقت معنيه بها ولا باي نزاع حولها او ادعاء بملكيتها، وحيث من المعترف به تاريخياً ورسميّا ايضاً ان الحدود الجنوبيه بين لبنان واسرائيل كانت قد رسمت في العام 1923 بين الانتداب الانكليزي في فلسطين والانتداب الفرنسي في لبنان حينذاك، ثم اعيد تاكيد الحدود نهائيّاً باشراف الامم المتحده في العام 1949 بموجب اتفافيه الهدنه اللبنانيه ـــ الاسرائيليه.

وحول الاطار القانوني الذي ينظم وضعها بين لبنان سوريا، يقول انه حين رُسمت الحدود السوريه ـــ اللبنانيه لمزارع شبعا زمن الانتداب الفرنسي والانكليزي لم تُدْرج في الخرائط الرسميه، ما دعا الحكومه اللبنانيه لتوجيه مذكره الي الحكومه السوريه في العام 1946 والتي ردّت بموجب المذكره الرقم (ق574- 53/124) تاريخ 29/9/1946 «بان ما حصل هو خطا فني بحت لم يقصد منه ادخال المزارع المذكوره في نطاق سوريا...».

وبناءً عليه، تالفت لجنه لبنانيه – سوريه لترسيم الحدود عام 1949 برئاسه وزير الدفاع اللبناني حينذاك الامير مجيد ارسلان، وكان اخر المحاضر الموقّعه بين الجانبيبن في عام 1966 ينصّ علي ان الحدود الدوليه بين لبنان سوريا في منطقه مزارع شبعا هي تلك العائده لحدود الملكيات العقاريه لدي كل من البلدين، الا ان هذا الترسيم المتفق عليه لم ينتقل الي الخرائط الرسميه بين لبنان وسوريا بسبب اندلاع حرب 1967.

يشير السيد الي ان اسرائيل خلال حرب 6 حزيران 1967 احتلت اسرائيل قسماً من هضبه الجولان، ثم في 15 حزيران احتلت ستاً من مزارع شبعا، ثم ثلاثاً اخري في العشرين منه، ثم خمساً في الخامس والعشرين منه وطردت اهاليها الي الداخل اللبناني بعدما دمرت حقولهم ومنازلهم، وتواصل القضم الاسرائيلي تباعاً لتلك المنطقه حتي شهر نيسان 1989 حين احتلت اسرائيل المزرعه اللبنانيه الاخيره، وهي مزرعه بسطره، وطردت اهلها البالغ عددهم ثلاثين عائله لبنانيه.

ويوضح انه في مطلع شهر ايار من العام 2000، اوفدت الامم المتحده مبعوثها تيري رود لارسن للتداول مع الدوله اللبنانيه في شان الانسحاب الاسرئيلي. وقد جاء في رساله كوفي انان ان الانسحاب سيتم الي «خط اقرب ما يكون الي الحدود الدوليه بين لبنان واسرائيل» وحيث اوفد لهذه الغايه خبير الخرائط في الامم المتحده السيد «بنتر» الذي جاء بخريطه تمثل خط الانسحاب الاسرائيلي، وتبين ان هذا الخط يتضمن خروقات مغايره للحدود الدوليه المعترف بها.

ويضيف: لما كانت لدينا خرائط رسميه دوليه وسجل رسمي موقّع من قبل لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة حول ترسيم العام 1949، فقد واجهْنا بنتر بهذا السجل التاريخي المحفوظ لدي الجيش اللبناني وابلغناه بوجود نسخه طبق الاصل عنه لدي كل من الامم المتحده واسرائيل، فاجاب بان سجل الاسرائييين قد ضاع في وقت سابق، وان سجل الامم المتحده قد تلف اثر تسرب مائي في الامم المتحده، وبالتالي فسجلّنا وحده غير موثوق، رافضاً اقتراحنا بعرضه علي خبراء.

وبعدما جري تكليف العميد الركن امين حطيط من قبل الرئيسين اميل لحود وسليم الحص بالاشراف العملي علي الارض فقد امكن ازاله كل تلك الخروقات، مع التحفظ علي ثلاث نقاط محدوده علي الخط الازرق للانسحاب في الحدود اللبنانيه الاسرائيليه.

يكشف السيد ان قواعد الاشتباك لم تحدد داخل الاجتماعات التقنيه او الرسميه التي جرت مع المبعوث الاممي لارسن، لكن، في اطار تاكيد احترام الخط الازرق من قبل كل الاطراف المعنيه، بما فيها المقاومه، فقد جري التداول بيني وبين لارسن حول الضوابط العمليه بما يحافظ علي الهدوء الحدودي، وافضي النقاش الي اعتماد الضوابط التاليه او ما سُمّي لاحقاً بقواعد الاشتباك:

اولاً: ان خرق الخط الازرق علي الحدود الدوليه من قبل اي طرف يعني الاباحه للطرف الاخر الرد عليه علي الخط الازرق نفسه.

ثانيا: ان الخرق خارج الخط الازرق في العمق، اي في الداخل اللبناني او الاسرائيلي، يقابله خرق في العمق.

ويوضح انه خلال الاجتماعات مع تيري رود لارسن وفريقه، وبعدما جري اعتماد الخط الازرق بين لبنان واسرائيل، جري التطرق الي موضوع المزارع التي احتلتها اسرائيل تباعا كما ذكرنا، وحيث قدّمنا للارسن مختلف المستندات والوثائق التي تثبت لبنانيتها، مطالبين بانسحاب اسرائيل منها وفقاً للقرار 425، اجاب لارسن انه لا خرائط رسميه لدي الامم المتحده للحدود الدوليه بين لبنان وسوريا في تلك البقعه، وان اسرائيل تعتبرها تابعه للجولان بالقرارين 242 و338 وليس للقرار 425.

اضاف: بناء لهذا الرفض اقترحنا علي لارسن ان نسال الجانب السوري عن مدي استعداده للتوقيع معنا علي خريطه الحدود في منطقه مزارع شبعا، وفقا لترسيم عام 1966، فابدي لارسن تفهمه للمحاوله وعدم قناعته بنجاحها.

عن رد الفعل السوري علي الاقتراح اللبناني يقول السيد: اجتمعت حينذاك بمدير الشؤون الجغرافيه في الجيش اللبناني العميد نعيم فرح رحمه الله، وطلبت منه تصنيع خريطه مبدئيه تظهر فيها الحدود الفاصله بين لبنان وسوريا في منطقه مزارع شبعا ثم عرضتها علي الجانب السوري واننا امام فرصه تاريخيه لتحرير المزارع من الاحتلال في حال قبولهم بالتوقيع عليها، وحيث القانون الدولي يعتبر تلك الحدود شاناً خاصاً بين البلدين فقط، وجاء الجواب السوري بالموافقه.

ابلغت لارسن بالموافقه السوريه وعرضت عليه الخريطه المصنعه حديثا للحدود اللبنانيه السوريه في مزارع شبعا والجاهزه للتوقيع من قبل الفريقين، فذهب بها الي اسرائيل ثم ابلغ الجانب اللبناني رسمياً انه: «سواء كانت هناك خريطه ام لم تكن، فان اسرائيل ترفض الانسحاب من المزارع، ونحن كامم متحده نؤيد موقف اسرائيل في هذا المجال».

وحول تاثير الرفض الاممي والاسرائيلي لخريطه ترسيم حدود مزارع شبعا بين لبنان سوريا، علي واقع تلك المنطقه، وهل صحيح انه شخصيا ساهم في «اختراع» حجه المزارع لتبرير احتفاظ المقاومه بسلاحها، يقول السيّد: نتيجه لشكوكنا حول انحياز لارسن للجانب الاسرائيلي فقد كُلفت من الرئيسين لحود والحص بصياغه رساله باسم الحكومه اللبنانيه الي كوفي انان حول مزارع شبعا، وقد جاء في نص الرساله: «ان مزارع شبعا هي لبنانيه، ويشكل الانسحاب الاسرائيلي منها جزءاً لا يتجزا من تنفيذ القرار 425، وفي خلاف ذلك يكون هذا الانسحاب غير كامل وتنطبق عليه صفه اعاده الانتشار لقوات الاحتلال مع ما يترتب عليه من نتائج...». وبالطبع لم نحصل علي الجواب المرجو من الامم المتحده التي رضخت للضغط الاسرائيلي للبقاء في المزارع.

وبالتالي، وخلافا لكل ما قيل ويقال، فان الطرف اللبناني حينذاك لم يفتعل بقاء الاحتلال لتبرير بقاء المقاومه، بل سعي الي زوال هذا الاحتلال، لكن الرفض جاء من الطرفين الدولي والاسرائيلي. ونتيجه بقاء الاحتلال في مزارع شبعا فقد ادّي النقاش بيني وبين لارسن الي اضافه قاعده ثالثه للاشتباك وهي: ان كل عمل عسكري في منطقه مزارع شبعا يُرد عليه في تلك البقعه حصراً ولا يُرد عليه في العمق الداخلي او علي الخط الازرق الحدودي بين البلدين.

وعما اذا كان القرار 1701 بعد حرب تموز 2006 قد نسف قواعد الاشتباك المتوافق عليها منذ عام 2000، يلفت السيد الي ان القرار 1701 هو عباره عن وقف لاطلاق النار وتوسيع لمهام قوات الامم المتحده وبعض قيود علي حركه المقاومه ولا علاقه له بترسيم حدود او قواعد اشتباك. وبمجرد انتهاء العدوان من دون اي تعديل علي الخط الازرق او في مزارع شبعا، فقد عادت تلك القواعد تلقائياً الي ما كانت عليه منذ العام 2000 بين لبنان واسرائيل.

وعن مصير تلك القواعد بعد اعلان السيد حسن نصرالله مؤخرا عن تحرره من الاعتراف بها، يقول اللواء السيّد: لقد استهدفت اسرائيل في القنيطره مجموعه من حزب الله، كانت تنتقل في وضح النهار في سيارتين مدنيتين، داخل خطوط الجيش السوري، وليس في المنطقه المنزوعه السلاح او الي جانب الشريط الاسرائيلي الشائك، وكانّ العدو اراد بذلك ان يرسي قاعده اشتباك ضد الحزب ليستفرده ويستبيحه في اي مكان في سوريا علي اساس انها ساحه «كل مين ايدو الو» وان الحزب سيكون عاجزاً عن الردّ.

ولذلك كان يستحيل علي المقاومه ان تسمح للعدو الاسرائيلي بفرض امر واقع او قاعده اشتباك من طرف واحد، فكان ان ردّت علي العمليه الاسرائيليه بعمليه مضاده في منطقه لبنانيه محتله هي مزارع شبعا، وكرّست من خلالها حقيقه ان المقاومه هي نفسها في لبنان سوريا، وبالتالي فالمعركه واحده في الساحتين، وما ينطبق علي احداها يسري تلقائيا علي الاخري.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل