المرسي أبوالعباس.. رحلة الطريق إلى الله

المرسي ابو العباس هو الامام شهاب الدين ابو العباس احمد بن عمر بن علي الخزرجي الانصاري المرسي البلنسي يتصل نسبه بالصحابي الجليل سعد بن عبادة الأنصاري (رضي الله عنه).

هو سيد الخزرج وصاحب سقيفه بن ساعده التي تمت فيها البيعه لابي بكر الصديق بالخلافه. .وكان جده الاعلي قيس بن سعد اميرًا علي مصر من قبل الامام علي كرم الله وجهه عام 36هـ.(656م).

ولد ابو العباس المرسي بمدينه مرسيه سنه 616هـ.(1219م) ونشا بها وهي احدي مدن الاندلس واليها نسب فقيل المرسي .

لما بلغ سن التعليم بعثه ابوه الي المعلم ليحفظ القران الكريم، ويتعلم القراءه والكتابه والخط والحساب.

حفظ القران في عام واحد وكان والده عمر بن علي من تجار مرسيه، فلما استوت معارف ابي العباس والحقه والده باعماله في التجاره، وصار يبعثه مع اخيه الاكبر ابو عبد الله فتدرب علي شؤون الاخذ والعطاء وطرق المعاملات، و استفاد من معاملات الناس واخلاقهم.

وفي عام 640هـ. (1242م) كانت له مع القدر حكايه عظيمه، وذلك حين صحبه والده مع اخيه وامه عند ذهابه الي الحج فركبوا البحر عن طريق الجزائر حتي اذا قاربوا الشاطئ هبت عليهم ريح عاصفه غرقت السفينه غير ان عنايه الله تعالي ادركت ابا العباس واخاه فنجاهما الله من الغرق، وقصدا تونس واقاما فيها، واتجه اخوه محمد الي التجاره، واتجه ابو العباس الي تعليم الصبيان الخط والحساب والقراءه وحفظ القران الكريم .

كان لابي العباس في تونس مع القدر حكايه اخري حددت مستقبله، واثرت علي اتجاهه فيما بعد ذلك انه تصادف وجود ابي الحسن الشاذلي علي مقربه منه في تونس، ويروي ابو العباس نفسه عن لقائه باستاذه الشيخ ابي الحسن الشاذلي فيقول "لما نزلت بتونس وكنت اتيت من مرسيه بالاندلس، وانا اذ ذاك شاب سمعت عن الشيخ ابي الحسن الشاذلي وعن علمه وزهده وورعه فذهبت اليه، وتعرفت عليه فاحببته ورافقته".

لازم ابو العباس شيخه ابا الحسن الشاذلي من يومها ملازمه تامه، وصار لا يفارقه في سفر ولا في حضر، وراي الشيخ الشاذلي في ابي العباس طيب النفس وطهاره القلب والاستعداد الطيب للاقبال علي الله فغمره بعنايته، واخذ في تربيته ليكون خليفه له من بعده، وقال له يومًا:" يا ابا العباس ما صحبتك الا ان تكون انت انا وانا انت, وقد تزوج ابو العباس من ابنه شيخه الشاذلي، وانجب منها محمد و احمد وبهجه التي تزوجها الشيخ ياقوت العرش.

اما ابو الحسن الشاذلي فهو تقي الدين ابو الحسن علي بن عبد الجبار الشريف الادريسي مؤسس الطريقه الشاذليه واستاذ ابي العباس فينتهي نسبه الي الادارسه الحسينيين سلاطين المغرب الاقصي . وفي عام 642هـ. 1244م.

خرج ابو الحسن الشاذلي الي الحج، وسافر الي مصر عبر الاسكندريه، وكان معه جماعه من العلماء والصالحين وعلي راسهم الشيخ ابو العباس المرسي، واخوه ابو عبد الله جمال الدين محمد وابو العزائم ماضي .

حج الشيخ ابو الحسن الشاذلي وعاد الي تونس، واقام بها ولحق به ابو العباس المرسي، ثم وفدوا جميعًا الي مصر للاقامه الدائمه بها، واتخذ من الاسكندريه مقامًا له ولاصحابه، ولما قدموا الي الاسكندريه نزلوا عند عامود السواري، وكان ذلك في عهد الملك الصالح نجم الدين ايوب(في عصر الدوله الايوبيه( لما استقروا بالاسكندريه اتخذ الشاذلي دارًا في كوم الدكه نزل بها هو واصحابه وعلي راسهم ابو العباس، وبداوا يدعون الي الله في كل مكان حتي قصدهم العلماء والفضلاء ولازم مجالسهم الطلاب والمريدون وذاع صيتهم في الديار المصريه.

اختار الشيخ ابو الحسن الشاذلي جامع العطارين لالقاء دروسه فيه، وعقد حلقات الوعظ والارشاد فيه، واقام الشيخ ابو العباس المرسي خليفه له واذن له في القاء الدروس، وارشاد المريدين وتعليم الطلاب ومناظره العلماء وتلقين مبادئ واداب السلوك .

اقام ابو العباس المرسي رضي الله عنه 43 عامًا بالاسكندريه ينشر فيها العلم ويهذب فيها النفوس، ويربي المريدين ويضرب المثل بورعه وتقواه... واستاذن ابو العباس شيخه الشاذلي في القيام بامر الدعوه في القاهره، واتخذ من جامع اولاد عنان مدرسه لبث تعاليمه ومبادئه بين الطلاب والمريدين، واتخذ هذا المسجد ماوي له وكان يذهب كل ليله الي الاسكندريه ليلتقي بشيخه ابي الحسن ثم يعود الي القاهره، ولم يستمر طويلًا اذا عاد واستقر بالاسكندريه . و في عام 656هـ. (1258م.)

اعتزم الشيخ ابو الحسن الشاذلي الحج فصحب معه جماعه من اخوانه، وعلي راسهم ابو العباس المرسي وابو العزائم ماضي، وفي الطريق مرض مرضًا شديدًا فمات رضي الله عنه، ودفن بحميثره من صحراء عذاب وهي في الجنوب من اسوان علي ساحل البحر الاحمر .

لما ادي الشيخ ابو العباس فريضه الحج بعد وفاه شيخه عاد الي الاسكندريه فتصدر مجالسه، واخذ شانه في الارتفاع، وذاع صيته فامه الطلاب والمريدون من جميع البلاد، ورحل اليه الزوار وذوو الحاجات من جميع الاقطار، وتوافد عليه العلماء والامراء والاغنياء والفقراء .