المحتوى الرئيسى

"التعليم الزيتوني" في تونس يصارع من أجل البقاء

02/14 11:06

ينسب "التعليم الزيتوني" في تونس الي جامع الزّيتونه، ثاني اهم المعالم الاسلاميه في تونس بعد جامع عقبه بن نافع بالقيروان، وهو في الوقت نفسه اقرب ما يكون الي جامعه اسلاميه لنشر الثقافه العربيه الاسلاميه في بلاد المغرب.

ويصارع "التعليم الزيتوني" من اجل البقاء بعد ان احتدم الصراع بين السلطات التّونسيه والشيخ حسين العبيدي، امام جامع الزّيتونه، علي خلفيه قرار حكومي من قبل كل من وزاره التّعليم العالي والبحث العلمي، ووزاره التّربيه، ووزاره الشّؤون الدّينيّه بسحب وثيقه استئناف التّعليم الزيتوني.

الوثيقه تعود الي سنه 2012 وكانت بمثابه اتفاق بين تلك الوزارات وشيخ جامع الزّيتونه تقضي باعاده "التعليم الزيتوني"، ويعتبرها الشيخ العبيدي حكما رسميا، في حين تري وزاره الشؤون الدّينيه انها لا ترتقي لان تكون وثيقه قانونيه وهي مجرد "وثيقه رمزيه".

وفي حديث لوكاله الاناضول، قال الشيخ حسين العبيدي، امام جامع الزيتونة ان "جامع الزيتونه تعرّض لضربات عديده، اخرها رغبه الدّوله في سحب وثيقه استئناف التّعليم الزيتوني، وذلك جراء ضغوط خارجيه".

وعما يعنيه بـ"الضغوط الخارجيه"، تابع العبيدي انه "في الظاهر نري اننا في تونس انتقلنا من حكم الي اخر، لكن في الخفاء العكس هو الصّحيح، فالحكم فرنسي تملي فيه فرنسا ما تشاء".

ومضي قائلا ان قرار الحكومه سحب وثيقه استئناف التّعليم الزيتوني، انما هو "قرار خاضع لضغوط خارجيه، اي ان الدوله وكانها تحت ضغوط خارجيه منها فرنسا ارادت ان تفسخ هذه الوثيقه".

واعتبر ان السلطات التونسيه لم تفلح من الجانب القانوني او السياسي، مضيفا "الان نشتم من رائحه ما تفعله انها ستتبع اسلوب العنف وبذلك نعود لعهد دكتاتوريه الدّوله".

ولم يعط العبيدي توضيحا حول دوافع فرنسا والجهات الخارجيه لاستهداف التعليم الزيتوني علي وجه الخصوص.

في المقابل، اعتبرت وزارة الشؤون الدينية، في بيان سابق لها، ان قرار سّحب الوثيقه جاء متناغما مع القانون ومطبقا لمقتضياته باعتبار ان وزاره الشؤون الدينيه هي السلطه الوحيده المؤهله للنظر في جميع المسائل المتعلقه بجميع المساجد دون استثناء.

وبين الوزير في البيان انّ وثيقه استئناف التعليم الزيتوني هي وثيقه ادبيه رمزيه تُشفع لاحقا بوضع برنامج كامل للتعليم الزيتوني وتنظيمه من قبل هيئه علميه يتمّ تكوينها بالاتّفاق فيما بعد، ودون ان يترتّب عليها ايّ مفعول قانوني.

في المقابل قال رئيس ديوان وزير الشؤون الدّينيه، عبد الستار بدر في تصريح لـ"الاناضول" ان "المشيخه كان لها رئيسها والمنبر كان له امامه وان ما يهم الوزاره في هذه المساله هو المنبر"

واعتبر بدر ان "جامع الزيتونه يلعب وظيفتين الاولي تعبديه شانه في ذلك شان بقيه المعالم الدّينيه والمساجد واخري علميه وله في ذلك مشيخته والوزاره لا دخل في الجانب الثاني باعتبار ان القانون يسمح للوزاره بالاشراف علي كامل المعالم الدينيه وليس هناك استثناء في القانون."

واشار الي ان "الوزاره طالبت ان يكتفي شيخ الجامع الاعظم بالمشيخه الدّينيه (الجانب التعليمي) وان يعيد الجامع الي سلطه الاشراف ولكنه ابي وتجرا علي شتم الوزاره "

وبحسب رئيس الدّيوان الوزاري فانه "لم توضع برامج ولم يتم هيكله هذه المَشيخه ولم يتم تنظيم لقاءات واجتماعات مع وزارة التعليم العالى التي ستعطي الشهادات العلميه في نهايه المطاف والتي يجب ان تكون معترفا بها من قبل الدّوله وبالتالي يجب ان يتبع الجامع للدوله حتي يصبح لهذا المحصل العلمي مصداقيه وكون ملائمه لسوق الشغل وضمانه للطالب في ايجاد وظيفه مستقبلا."

علي العويني وهو احد شيوخ الزيتونه الذين انشقوا عن الشيخ الحالي حسين العبيدي قال ان العبيدي "قام بطرد تعسفي في حق الطلبه والشيوخ وهي عمليه تكررت عديد المرات وشملت ما لا يقل عن 20 من شيوخ الزّيتونه."

واضاف العويني لـ"الاناضول" ان "ذلك ما دفع بعدد من الشيوخ الي الابتعاد والانشقاق عنه وسحب ثقتهم منه لانه لم يكن يحترم النّظام الدّاخلي للمؤسسه فجامع الزيتونه هي مؤسسه اسلاميه علميه تربويه مستقله بينما هو خرق هذا المبدا بهجومه علي الجميع."

الشيخ العبيدي من جانبه اكد لـ"الاناضول" انه "يملك من الوثائق ما يكفي لاسناد قرار اعاده استئناف التعليم الزيتوني وانه تمّ القيام باجراءات ومنها تخصيص الهيئه العلميه واعاده الاسم الاصلي لها اي مشيخه الجامع الاعظم وفروعه لتصبح كل الامور منظمه وفق عقود مع وزارات التعليم العالي والتربيه والشؤون الديّنيه بان الزيتونه مؤسسه اسلاميه علميه تربويه مستقله عن الدوله والتعليم الحكومي غير تابعه للدوله وليست سياسيه."

هذه الصراعات كادت تنسي الكثيرين جمال هذا المعلم الذي يعود تاسيسه الي سنه 79 للهجره (699 ميلاديه) علي يد احد قاده الفتوحات الإسلامية ويدعي حسان بن النعمان، بما يحمله من ثراء وتاريخ يشهد عليه العالم العربي والاسلامي في كامل انحاء العالم، وبما يحمله من ابعاد حضاريه وفكريه.

وفي ظلّ كل هذه التجاذبات، يبقي التعليم الزّيتوني الضحيه الاكبر، وهو الذي تخرج منه كبار الفقهاء التونسيين والعرب ومنهم المؤرخ ابن خلدون وابن عرفه، ومحمد الطاهر بن عاشور صاحب تفسير التحرير والتنوير، ومحمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر.

ايضا مصلحون وادباء تخرجوا من هذا الجامع العريق، منهم المصلح الزعيم عبد العزيز الثعالبي وشاعر تونس ابو القاسم الشابي صاحب (ديوان اغاني الحياه)، ومن حلقاته العلميه برز المصلح الجزائري ابن باديس والرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين وغيرهم كثير من النخب التونسيه والمغاربيه والعربيه.

ويدرس التعليم الزيتوني اصول الدّين والفقه الإسلامي وكل العلُوم الصحيحه من فيزياء وكيمياء ورياضيات وعلوم طبيعيه فضلا عن الاداب العربيه.

وبحسب الشيخ حسين العبيدي، شهد جامع الزيتونه عراقيل عديده من اهمها ايقاف العمل به في الحقبه البورقيبيّه (من ١٩٥٩ الي ١٩٨٧) التي عرفت تجفيفا لمنابع العلوم الإسلامية والدّينيه بـ"املاءات فرنسيه"، تلتها فتره حكم بن علي (من 1989 حتي 2011) وما عرفته ايضا من تضييقات خاصّه في كل ما يتعلق بالمسائل الدّينيه.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل