المحتوى الرئيسى

شفيق ناظم الغبرا يكتب: الحرب على «الدولة الإسلامية» بين العنف والإصلاح

02/12 17:04

«داعش» او تنظيم «الدوله الاسلاميه» ليس فصيلاً عنيفاً فحسب، وما التركيز علي جانبه العنيف الا تصغير لحجم المشكله المرتبطه به الان وفي الفتره القادمه.

ان تصنيف تنظيم «الدوله الاسلاميه» بصفته تنظيماً ارهابياً يتجاوز التصنيف العادي، وذلك لانه يستخدم الجيوش والقدرات العسكريه ويواجه جيوشاً وتحالفات كبري، كما وقع في هجوم الصيف الفائت، عندما اقتحم هذا التنظيم اجزاء كبيره من العراق وقبل ذلك من سوريه. لهذا بالتحديد، لا بد من رؤيه مختلفه للمشهد، فالحركه الجهاديه في العالم الإسلامى والتي تمثل «الدوله الاسلاميه في العراق والشام» احد تعبيراتها، هي نتاج ضعف حاله حقوق الإنسان واحتكار الاقتصاد والفقر والبطاله وتردي السياسه والمؤسسات في الواقع العربي، ففي الواقع العربي ارستقراطيه رافضه للتغيير ومتردده حياله ومعها اجهزه رسميه وجيوش تخشي احتمال قيام ثورات جديده، وقد ارعبها مشهد عام 2011 وقررت ان تقف بقوه ضد تداعياته ونتائجه. لكن ما يعيب هذه النخب العربيه انها حتي الان غير قادره علي اعاده انتاج مشهد ما بعد الاستقلال، خصوصاً انها فقدت الزخم الذي سبق ان ميزها، وهي حتي الان لم تلتقط اشاره رئيسيه، فهي لن تنجح في استعاده المبادره من دون دمج القوي الجديده التي افرزها الواقع العربي في السنوات العشرين الماضيه، وهذا يتطلب اصلاحات وتنازلات وشراكه جاده مع الشعوب العربيه. ان مغالاه القوي الرسميه والنخب الحاكمه في رفض الاصلاح بعد ثورات 2011، باستثناء تونس والمغرب، سيساهم في تمكين القوي العنيفه والجهاديه السلفيه، كحال «الدوله الاسلاميه» واخواتها.

وعندما نتمعن في الحاله الجهاديه الاوسع سنجد اننا امام عنف ينبثق من مضمون، فهناك مازق المسلمين في العلاقه مع المنظومه الدوليه (شعور بالتهميش والعنصريه، الذي يعكس حاله التوتر حول الصراع المستمر في فلسطين)، وهناك مازق المواطن العربي في علاقته بدولته الوطنيه (اصلاح وتغيير وعداله ومساواه وثورات وسوء اداره وخوف من التغيير وارتباك)، ثم هناك مازق العلاقه بين العرب وايران في ظل تمدد الاخيره اقليمياً.

قيام الاردن مثلا باعدام ساجده الريشاوي المرتبطه بالعمليات الانتحاريه في الاردن عام 2005، لم يكن الا رده فعل علي الاعدام الدموي من قبل «الدوله الاسلاميه» للطيار الاردني الاسير معاذ الكساسبه. في هذا الاعدام دخل الاردن نفق الانجرار نحو العنف، والواضح ان اعدام الريشاوي لم يقتصّ من قريب ولا من بعيد من «الدوله الاسلاميه» علي فعلها الدموي وغير الانساني، فقبل ايام كان اسمها مطروحاً للتبادل، ثم بعد يومين تم اعدامها. ساجده الريشاوي امراه مستضعفه وضحيه فقدت نصف عائلتها، وقد استغلتها قوي اكبر منها من دون ادراك منها او حتي مقدره منها علي رفض ما دُفعت للقيام به. «الدوله الاسلاميه» ارادت ان تورط الاردن بردود فعل وبمشاركه اكبر في العمليات الجويه، وهذا ما حصلت عليه. لنتخيل ان الولايات المتحده ساومت علي سجناء غوانتانامو في صفقه تبادل، ثم قررت -كرد فعل علي اعدام الرهينه الاميركيه- اعدام عدد من المتهمين في احداث 11 سبتمبر المسجونين في غوانتانامو.

ان الاوضاع التي اطلقت «الدوله الاسلاميه في العراق والشام» (داعش) ما زالت قائمه، فالازمه السوريه بصوره خاصه ثم العراقيه هي في كارثه مستمره. الولايات المتحده لن تعود الي العراق بقوات تقاتل علي الارض ولا دول الخليج والمملكه العربيه السعوديه او مصر والاردن او حتي تركيا ستدخل الي عمق الاراضي العراقيه من دون تصور واضح لحل المساله السوريه. اما الجيش العراقي، فقد سقط في الامتحان التاريخي، وهو عاجز عن القيام بدور كبير منذ انهياره المفاجئ في الصيف الماضي، لهذا يعتمد النظام في العراق علي الميليشيات، كميليشيا «ابو الفضل العباس» و «حزب الله» العراقي وغيرها، والتي تقوم بتجاوزات كبيره (وفق الكثير من المراقبين لا تقل عن تجاوزات «الدوله الاسلاميه») بحق المدنيين والاسري وغيرهم. وفعلاً خسرت «الدوله الاسلاميه» الاف المقاتلين في القصف الجوي، لكنها كسبت في المقابل الاف المقاتلين المتطوعين من دول مثل مصر وشمال افريقيا واليمن والخليج. وحتما يفكر هؤلاء باوطانهم، وسيعودون اليها في احد الايام.

سيبقي العنف سلاحاً تستخدمه الدول الاقوي كما يستخدمه الطرف الاضعف لارباك خصم قوي ولخلق بيئه مناسبه لانضمام مزيد من الافراد، وذلك تمهيداً لبناء قوه اكبر. الدول تستخدم الطائرات والمدافع التي تؤدي الي وقوع خسائر مدنيه، والعنف الصادر عن الجماعات يقوم بالشيء ذاته، وبينما تقوم جيوش الدول بضرب المدنيين لجعلهم يتراجعون عن دعم الجماعات المسلحه، تقوم هذه الجماعات من جانبها بضرب المدنيين لاحراج الدول ولاضعاف ارادتها السياسيه. وفي الحالتين يكون الارهاب هو السلوك الذي يستهدف المدنيين والاسري.

ان اخطر ما في الواقع العربي هو ان كل عنف ضد الدول والانظمه والاجهزه التابعه لها يتحول مبرراً لاغلاق المساحه العامه ولمنع النقاش السلمي والتعبير غير العنيف. التطرف يضرب بعنف ويمنع كل نقاش حيث يسيطر (كما هو الحال في مناطق «الدوله الاسلاميه»)، لكن الانظمه ترد في الوقت ذاته علي المختلفين معها، سواء كانوا من «الاخوان المسلمين» والتيارات الاسلاميه السلميه والتيارات المدنيه المطالبه بالحقوق والاصلاح من خلال اغلاق المساحه والتفرد وانتهاك الحريات، فهناك من يعتقد في الجهاز العربي الرسمي ان الحرب علي الارهاب هي الفرصه الذهبيه للحرب علي الحقوق والحريات والتعبير والتظاهر السلمي، وذلك بهدف اعاده الوضع العربي الي ما كان عليه قبل 2011. هذا الضغط علي القوي المدنيه والحقوقيه سيصب بشكل مباشر لصالح انتشار العنف، كما سيقوض مع الوقت اسس الدوله الوطنيه بصفتها دوله جامعه لكل الناس. ان هروب الدوله الوطنيه العربيه من متطلبات الاصلاح في ظل ما يقع في المنطقه والعالم (تغيرات في ميزان القوي العالمي، ازمات اقتصاديه، حركات شعوب، تطرف) هو وصفه لانهيار الدول كما ثبت في الوضع العربي حتي اللحظه.

العرب -كما المسلمون- ليسوا مختلفين عن حضارات وشعوب اخري، فعصر الارهاب في اميركا اللاتينيه تراجع جذرياً عندما بدا التحول الديموقراطي وبدات الانظمه السياسيه في نسج حوارات سياسيه وقانونيه مع فئات عنيفه رفعت السلاح في وجه الدوله. وقد تم دمج من وافق علي التخلي عن السلاح مقابل حريات وحقوق واستقلال قضاء وعداله. في اميركا اللاتينيه في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، بدات عمليه تسامح جاد وانتقال مدني مسؤول. وفي الولايات المتحده توقف زمن العنف الملون وارهاب بعض الجماعات البيضاء في سبعينات القرن العشرين، وذلك في ظل اقرار الحقوق المدنيه ودمج الملونين في النظام الاميركي الاجتماعي والحقوقي.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل