المحتوى الرئيسى

تونس.. حين يتحول الغضب الرياضي إلى ممارسة عنصرية

02/11 19:07

تحول خروج تونس من نهائي امم افريقيا الي ما يشبه الانتقام من الافارقه من ذوي البشره السوداء من خلال ممارسات عنصريه، فاتحا واحداً من الملفات الشائكه والمسكوت عنها في المجتمع التونسي، والذي يعاني منه مواطنون تونسيون ايضاً.

يشهد الشارع التونسي، ومنه الرياضي خاصه، غضباً كبيراً بعد اقصاء تونس من ربع نهائي كأس أمم إفريقيا علي اثر خطا تحكيمي في مباراتها امام غينيا الاستوائية ليتطور هذا الغضب "الرياضي" الي ما يشبه "انتقام ضمني" يتجلي في ممارسات عنصريه ازاء افارقه سود في تونس.

والعنصريه في تونس هي واحده من المواضيع الشائكه المسكوت عنها، فهي بالنسبه للبعض "فزاعه " يستعملها المدافعون عن حقوق الاقليات للتفرقه وجلب انتباه المجتمع الدولي. ولكنها للبعض الاخر حقيقه مفزعه، وجب التصدي وفق الاعراف والقوانين الدوليه.

جان دارك زاقور اتت الي تونس في 2013 هرباً من الازمه السياسيه والاجتماعيه في ساحل العاج، موضحه ان انتماءها الي عائله تعاطت السياسه عرض حياتها وحياه اخواتها للخطر، مما دفعهم الي مغادره بلدهم نحو تونس. وتعيش الان في شقه بحي من احياء تونس العاصمة برفقه مجموعه من الطلبه الافارقه، وتحاول كسب لقمه عيش من بيع مواد تجميل افريقيه.

تروي جان دارك في حوار مع DW عربيه كيف تعرضت في العديد من المناسبات الي مضايقات واعتداءات بسبب لونها، مضيفه بالقول: "اضطررت لتغيير مكان سكني بعد ان تعرضت الي اعتداء متعمد بالحجاره من قبل ابناء الحي، الذي كنت اقطن فيه"، وهو حي شعبي بولايه اريانه قرب العاصمة تونس.

الممارسات العنصريه، التي تتعرض لها جان دارك، تتكرر بشكل يومي. "تتبعني يومياً ضحكات الاستهزاء حيثما امر، وكلمات تنم عما هو اكبر من العنصريه، مثل "القرده" والكحلوشه (السوداء)، اضافه الي كلمات نابيه تعبر عن الاحتقار والاستفزاز".

ورغم هذا كله، ليس لجان دارك اي سبيل كي تتقدم بشكوي علي من اعتدي عليها، لانها تفتقر حتي الان لغطاء قانوني يبقيها في تونس بشكل شرعي. وتبقي مجبره علي البقاء لانها لا تستطيع العوده الي ساحل العاج، كما انها ترفض ان تقوم بمغامره اختيها اللتان اتجهتا الي ليبيا ومن هناك الي السواحل الايطاليه علي متن قوارب الهجره غير الشرعيه عبر البحر المتوسط.

سيمون ريجينال، طالب من الكاميرون يدرس المحاسبه في احدي الجامعات الخاصه بتونس، لا يتقاسم مع جان دارك الشقه فحسب، بل وبعض فصول ماساه التعرض للعنصريه ايضاً. يقول سيمون ان اكثر ما تعرض له من ممارسات واساءات عنصريه غرابه هي تلك التي صدرت عن احد اساتذته في الجامعه.

"يسموننا افارقه بينما هم ايضاً افارقه، اعتقد ان هناك ازمه هويه كبيره في تونس"، يقول الشاب الكاميروني الذي يستقر بتونس منذ ثلاث سنوات. ويبلغ عدد الطلبه الافارقه في تونس نحو 8 الاف طالب، وتراجع هذا العدد تدريجياً في السنوات الماضيه نظراً لغياب منظومه تسهل قدومهم الي تونس و"بسبب ارتفاع نسب الممارسات العنصريه في المجتمع التونسي".

تبدو علامات التاثر علي المسؤوله عن الاتصال بجمعيه الطلبه والمتدربين الافارقه في تونس مريم توري وهي تتحدث عن الاعتداءات الاخيره التي استهدفت مواطنين من دول افريقيه في العديد من المناطق علي خلفيه خروج تونس من كأس الأمم الإفريقية.

وفي حوار مع DWعربيه توضح مريم توري ان "الجمعيه سجلت العديد من الاعتداءات الجسديه ضد طلبه من أفريقيا جنوب الصحراء بعد المباراه مباشره، كما شهدت وسائل التواصل الاجتماعي موجه من العنصريه، ما اجبر العديد من الطلبه الافارقه علي البقاء في منازلهم في اليومين التاليين للمباراه خوفاً من التعرض للشتم او الضرب".

وتضيف مريم توري بالقول: "كثيراً ما يتعرض الافارقه السود في تونس الي العنصريه في وسائل النقل العمومي والخاص ايضاً، فسائقو سيارات الاجره يرفضون التوقف لافريقي اسود في العديد من المناسبات".

وكانت مريم قد توجهت العام الماضي برساله الي التونسيين عبر الفيسبوك، اثارت جدلاً واسعاً بعد ان عبرت فيها عن حزنها واسفها لمظاهر العنصريه التي عرفتها منذ قدومها الي تونس قبل ثلاث سنوات وروت فيها تفاصيل مؤلمه عما يتعرض له اصدقاؤها الافارقه من تمييز عنصري.

لكن علي الجانب الاخر، يتحدث هشام الميموني، سائق سياره اجره، عن تجاربه الشخصيه مع افارقه سود، تميزت في اغلبها بالتوتر، اذ يري الميموني ان الافارقه السود المستقرين في تونس "يتسمون بالعنف ويمارسون العنصريه تجاه التونسيين". وفي كل مره يقل فيها الميموني طالباً افريقياً، الا وتخاصم معه بسبب "تصرف عنيف او غير مؤدب" تجاهه.

ويقول الميموني ان "تونس بلد يتسع لجميع الاجانب وليس بلداً عنصرياً ولكن المقابله الاخيره التي جمعت تونس بغينيا الاستوائيه والظلم الذي شهدناه اكد لنا اننا مكروهون من طرف بقيه الافارقه"، مستطرداً: "كلهم عيسي حياتو"، في اشاره الكاميروني رئيس الاتحاد الافريقي لكره القدم، الذي اثارت قراراته الاخيره غضب التونسيين.

وفي ظل هذا التجاذب وتبادل الاتهامات والاحكام المسبقه، يقول الباحث في الانثروبولوجيا الاجتماعيه والثقافيه الامين البوعزيزي في حوار مع DWعربيه ان "ظاهره العنصريه ليست متفشيه في تونس بالاشكال المتعارف عنها في البلدان التي شهدت انقسامات او حروب علي اسس طائفيه او عرقيه او دينيه، والتي قد تؤدي الي مذابح او اقصاء او كراهيات منفلته". ولكن الخبير التونسي لا ينفي في الوقت ذاته وجود هذه الظاهره التي تتجلي خاصه في مناسبات معينه.

ويضيف الامين البوعزيزي: "كره القدم واجواءها كثيراً ما تفجر هذه الظاهره وتجلي ذلك مؤخراً في موجه العنصريه التي لحقت خساره الفريق الوطني التونسي امام فريق غينيا الاستوائيه. لكن احقاقاً للحق، هذه الظاهره كثيراً ما تتفجر ايضاً بين محبّي الفرق التونسيه فيما بينها"، موضحاً ان "ذلك يحصل مثلاً خلال فرق الساحل في مواجهه العاصمه".

ويبرر الباحث التونسي ذلك بان "اجواء المباريات الرياضيه كثيراً ما تؤجج وتفجر طاقه هويه، تعبر عن حب جارف للوطن او الجمعيه لا تستثار الا اثناء عدوان حقيقي او وهمي".

ويشبّه الباحث التونسي اجواء المباريات الرياضيه بـ"المعركه الحقيقيه" التي يتوقف فيها العقل ليفسح المجال للغرائز حيث تستحضر اللغه ترسبات ثقافيه تعكس صوره الاخر وتحوله الي "عدو مستباح". وتحتوي اللهجة التونسية علي كلمات مثل "كحلوش" و"وصيف" لوصف اصحاب البشره السوداء، وهي كلمات عنصريه رغم تغلغلها في الثقافه الشعبيه، فكلمه "وصيف" مثلاً تعني العبد او الخادم.

وكغيرها من منظمات المجتمع المدني المناهضه للتمييز العنصري، تعمل جمعيه " منامتي" (حُلمي) علي محاربه افه العنصريه عبر الثقافه والعمل التربوي والتوعوي. تقول رئيسه الجمعيه سعديه مصباح في حوار مع DWعربيه ان "تونس هي التي اعطت اسمها لقارة افريقيا، وهي اول بلد عربي ومسلم يلغي تجاره الرق ورغم ذلك فسود البشره في تونس يعانون من نظره دونيه في الشارع وفي كل مكان اخر".

وعن مشاكل الطلبه الافارقه في تونس تقول سعديه مصباح: "انهم يعانون من سوء معامله السلطات التونسيه خاصه في المطارات ومراكز الشرطه"، مضيفه ان "اصحاب المؤسسات التعليميه الخاصه يعاملون الطلبه الافارقه بمكيالين، وقد تم معاينه ذلك في احدي الجامعات الخاصه، حيث دفع موريتاني ابيض البشره رسوماً اقل بكثير من طالب موريتاني من ذوي البشره السوداء". ولا تتوقف الممارسات العنصريه علي مواطني الدول الافريقيه من ذوي البشره السوداء فقط، بل تتعداه الي التونسيين منهم، والذين يشكلون ما نسبته نحو 15 بالمائه من المجتمع التونسي.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل