المحتوى الرئيسى

كافكا عاشقًا

02/11 16:35

ذات صباح، افاق جاريجور سامسا من احلامٍ مزعجه، ليجد نفسه قد تحوّل في فراشه الي حشره رهيبه.

في احد الايام، بينما كان غابرييل جارسيا ماركيز صغيرًا، قرا افتتاحيه «المسْخ». بعدها اغلق «غابو» الكتاب فزِعًا وصرخ: يا الهي! هل حدثَ هذا فعلاً!

مَنْ يصدّق انَّ اكثرَ كاتبٍ سوداويّهً في التّاريخ حدّ نسْبِ كلِّ الكتابات السّوداويّه الي مذهبٍ من اشتقاق اسمه «يا لكَ من كافكاويّ قاتم!» ان يكون يومًا ما.. عاشقًا.

بوصفها احد مصادر الالهام واسباب البقاء؛ لعبت المراه دورًا في حياه كافكا – رغم استحاله رابطهٍ طبيعيّه والتي لم تنتهي الا بفسخ خطوباته مرّتين – ادي الي ظهور ذلك جليًّا في كتاباته ويوميّاته، علي الرّغم ان كافكا تخلّص من تسعين بالمئه من كتاباته في حياته، وطلب من صديقه ماكس برود ان يتخلّص منها بعد موته، الا ان برود نشر يوميّاته في مجلدٍ ضخم (ترجم للعربيّه عن هيئه ابوظبي للثقافه والتراث في 2010) وكذلك رسائله الي عشيقتيه الشّهيرتين.

كانت لكافكا حياهً جنسيّه فعَّاله، وطبقًا لصديقه «برود»؛ كافكا كان معذّبًا برغباته الجنسيّه؛ وكاتب سيرته رينير سيتاش صرّح ان حياته كانت عامرهً بعلاقات نسائيّه غير بريئه، وكذلك مليئه بالخوف من الاخفاقات الجنسيّه. تردد علي بيوت الدّعاره وكان له اهتمامًا كبيرًا بالبورنوغرافيا، بالاضافه لعلاقاتٍ حميمه مع نساءٍ عديداتٍ في حياته.

في الثالث عشر من اغسطس من العام 1914، التقي كافكا بفيليس بيير، وهي قريبه لبْرْودْ، والتي كانت تعمل في شركه ديكتافون (شركه اسسها جرهام بيل). بعد اسبوعٍ من لقاءها كتب كافكا في يوميّاته:

«الانسه ف. ب. عندما حللتُ عند برود في الثالث عشر من اغسطس، كانت هي تجلس الي المنضده. لم اكن اعير اهتمامًا الي من كانت هي. لكن بالاحري اعتقد انها كانت لتوّها محظوظه.»

تبادل كافكا مع فيليس رسائل عديده جمعت في مجلد كبير:

«مُقْدِمٌ انا الان علي ان اسالكِ معروفًا قد يبدو مجنونًا الي حدٍ مّا والذي يجب ان اعتبره كذلك ؛ حيثُ انا الشّخص الذي سيستلم الخِطاب. وهو ايضًا اعظم اختبارٍ حتي اكثرُ الاشخاص دماثهً يمكن ان يُوضَع فيه. حسنًا، هذا هو:

اًكتُبي لي مرّهً اسبوعيًّا فقط؛ لكي يصلِ خِطابُكِ يوم الاحد. لاني لا استطيع الصمود حيال خِطاباتكِ اليوميّه؛ لستُ قادرًا علي تحمُّلِهم. علي سبيل المثال : اُجِيبُ علي خطابٍ واحدٍ منكِ، ومِنْ ثمَّ ارقدُ في السرير في هدوءٍ بيّن، لكن قلبي يتخبّطُ داخل جسدي كُلِّه، وهْو واعٍ فقط بكِ. مُتعلِّقٌ انا بكِ ؛ لا يوجد – حقيقهً – طريقٌ اُخري لشرحِ هذا، ليس ذلك قويًّا بما فيه الكِفايه. لكن، لهذا السبب الدقيق ؛ لا اريد ان اعلم ما ترتدينه ؛ ذلك يربِكُني كثيرًا لدرجه الا استطيع ان اتعامل في الحياه. وهذا هو السبب اني لا اريد ان اعلمَ انَّكِ مغرمهٌ بي. وانْ فعلتُ، كيف استطيع – ويا لي من احمق- ان اذهب واجلس بمكتبي اوهنا بالمنزل بدلا من التوثّب علي القطار بعينينين مغلقتين – فاتحًا ايّاهما فقط، عندما اكونُ معكِ؟»

في العام 1917 كان توقيتُ ظهور السّل هوما انهي العَلاقه التي استمرت خمس سنواتٍ ،لاحقًا اشار كافكا لسببٍ فيسيولوجيّ كذريعه عن السبب النفسيّ حيث قال:

اوه، يوجد سببٌ مؤسِفٌ ؛ مؤسف لعدمِ فعلِ ذلك س؛ ساختصر : صحّتي جيّدهٌ فقط ما يكفي لنفسي وحدها، ليست علي ما يُرامُ كِفايهً من اجل الزّواج. ناهيكِ عن الابوّه ! حتي الان عندما اقرا خطابكِ؛ اشعر اني استطيع ان اتغاضي عن ذلك، حتي ربّما عمّا لا يمكن اغفاله.

يستانف دعوته التي يبدو انه يوجّهها الي نفسه لا اليها:

انْ كنتُ ارسلتُ بالبريد خطابَ يوم السّبت؛ اُناشِدُكِ الا تكتبي لي مجدّدًّا وان اقطع انا وعدًا مماثلاً. يا الهي !ما الذي منعني من ارسال هذه الرّساله.؟ كلُّ شيءٍ سيكونُ علي ما يُرام. ولكن، هل من حلٍّ سلميّ ممكنٍ الان؟ هل سيكون ذا جدوي ان كاتَبَ احدُنا الاخر مرّهً واحدً فقط اُسْبوعيّا؟

لا، لو كان لِمُعاناتي ان تُشْفي بمثْلِ تلكَ الوسائل ؛ فلن تكون جادّه. وبالفعل ؛ اتوقّع اني لن اكونَ قادرًا علي تحمّلِ رسائلِ الاحد. لذا ؛ لتعويضِ فرصه يوم الاحد الضّائعه؛ اُناشِدُكِ بما تبقّي لديكِ من قوّه من اجلي في نهايه هذا الخطاب.

انْ كُنّا نقدّرُ حيواتنا؛ دعينا نهجرها تمامًا … مُكبّلٌ انا بنفسي الى الابد؛ هذا هو انا، وهذا ما يجب عليّ ان احيا به.

يبدو ذلك مفهوما بالطّبع لرجلٍ زاوج المتعه بالالم – خاصّه في تصريحه الشهير:

«لابد للكتاب ان يكون كالمعول للبحر المتجمّد بدواخلنا».

انْ مرّ يومٌ دون ذِكرٍ من فيليس؛ كان يصرخ بها لاحباطها ايّاه، ثم يعود ويعتذر متذرّعًا في خطابه التّالي ان جعلها تشعرُ بالذّنب، كان دومًا يشكو من مرضه، صداعه، ارقِه وعصبيّته، ثم تتحوّل نبرته الي نبره المُحقِّقّ ليسالها عن العمل اوعن اشياء شخصيّه: «ماذا حدث بالضبط في بيتكِ يوم الاحد؟»، «ماذا ترتدين وانتِ في المكتب؟».

في خطابِكِ الاخير ( لكم مضي من الزمن وانا جالسٌ بلا حراك مُنكبًّا فوق هذا الكلام متمنّيًا لوكنتِ هنا) هناك عبارهٌ واضحهٌ كفايهً بالنسبه لي من جميع الزّوايا. لم يحدث ذلك منذُ وقتٍ طويل – تتعلّق بالمخاوف التي تشعرين بها ازاء مقاسمتكِ الحياه معي. انتِ لا تظُنين – او لربما تتسائلين وحسب، اوربما فقط تريدين ان تسمعي ارائيَ عنها ؛ انه لدي ستجدين الدّعم الحيويّ الذي بلا شكٍ تحتاجينه. لا شيءَ صراحهً استطيع قوله حيالَ ذلك. من الممكن ايضًا ان اكون مرهقا الان فقط. اُضطُررتُ ان انتظر برقيَاتكِ حتي الخامسه مساءً. لماذا ؟ اضف الي ذلك – خلافًا لوعدكِ – اضطُررتُ ان انتظر طوال اربعٍ وعشرين ساعهً من اجل خطابكِ. لماذا ؟ وبعيدًا عن تَعَبي؛ سعيدٌ انا للغايه بخصوص خطابكِ.

الوقتُ هو المساءُ متاخّرًا. لن اكون قادرًا ان اكتب معظم احداث اليوم الهامّه. الافادات الدقيقه التي تريدينها عني عزيزتي فــــ لستُ استطيعُ اعطائكِ ايّاها. باستطاعتي ان اعطيكِها علي كل حال، فقط عند المشي بمحاذاهٍ خلفكِ في تايرجارْتين (مُتنزّهٌ عامٌ بالمانيا ) انتِ علي وشكِ التّواري، وانا علي وشك الجثوم بنفسي، فقط عندما اُذلَّ كجرو هكذا، استطيعُ ان افعل ذلك.عندما تطرحين هذا السؤإل آلان استطيعُ فقط ان اقول : اُحِبُّكِ فـــ، باقصي حدود قواي، بهذا الصدد يمكنكِ ان تثقي بي تمامًا. لكن بالنسبه للباقي يا فـــــ، لا اعلم نفسي تمامًا. مفاجاتٌ واحباطاتٌ عن نفسي تتبع احداها الاخري بتسلسلٍ لانهايهَ له , ما اتمنّاه هوان هذي المفاجات والاحباطات ان تكون لي وحدي، ساستخدمُ كلَّ قوايَ لكي اراها لا شيء، الا السّار؛ بل الاكثر سرورًا من المفاجات عن طبيعتي التي ستستحوذ عليكِ، اضمنُ لكِ ذلك ؛ لكن، ما لا استطيع ضمانه هو ان انجح دومًا في ذلك.

كيف اضمنُ لكِ ذلك في ضوء الارتباكِ المحيِّر في خطاباتي التي قد استلمتِها مني طوال هذا الوقت ؟لم نمكث معًا كثيرًا – وهذا صحيح – لكن ؛ حتي لوكنّا قد بقينا معًا بالقدر الكافي لكنتُ ساطلبُ اليكِ – بسبب تلك الـ «كنتُ سـ»؛ لذا قد صارت مستحيله علي الفِعل – ان تُطلِقي حكْمَكِ عليّ من خلال خطاباتي وليس بخبرتكِ الشخصيّه. القوي الكامنه داخل رسائلي؛ كامنهٌ بالمثل فيّ.

علاوهً علي ذلك؛ اؤمن ان عدم نضوجي؛ تلك التقلّبات في طبيعتي التي ربما سارّهٌ، ربّما غيرُ سارّه، لا تحتاج ان تكون بايّ حالٍ من الاحوال مصيريّه من اجل سعادتكِ المستقبليّه معي ؛ لستِ في حاجهٍ ان تتعرضي مباشره لاثارها. لستِ اعتماديّهً علي الاخرين يا ف، لربُما تطمحين او ربُما انتِ بالتاكيد تنزعين ان تكوني اعتماديّه ؛ لكن انتِ قليلاً ما ستستسلمين لذلك النوع من الرّغبه الي اجلٍ غيرِ مسمّي. لن تستطيعي فِعلَ ذلك.

لدي تساؤلكِ الاخير. مع ذلك؛ اذا ما كان ممكنًا لي ان اخُذُكِ كما لو انَّ شيئًا لم يكن؛ يمكنني ان اقول ان ذلك ليس مستحيلاً. لكن ما هو ممكنٌ لي – في الحقيقه هو ضروريّ – هو ان اخذكِ مهما حدث، وان اتشبّث بكِ حدَّ الهذيان.

في عام 1920 التقي بميلينا ﭼـيسينسكا وبدا علاقه دامت فتره، تبادلا رسائل عديده، جُمِّعت في كتابه «رسائل الي ميلينا» ( تُرجِمَ للعربيه عن الهيئه العامه لقصور الثقافه المِصريّه عام 1997)

«احيانًا يكون لديّ شعورٌ اننا في غرفه واحده لها بابان متقابلان وكلٌ منَّا ممسكٌ بمقبض الباب. احدنا ينقر (برمشه عين)، والاخر بالفعل خلف بابه. والان، اول واحد قد فعل، الا ان يصرّح في الحال بكلمه، فان الثاني يغلق الباب خلفه ولن يعود يُستطاعُ ان يُري.

لا استطيعُ التَّفكير في اي شيء لاكتبَ عنه؛ انا فقط اتجوّل بين السطور، تحت نور عينيكِ، في اتساع فمكِ كمَثَلِ يومٍ سارٍّ، يبقي جميلاً وسارًا حتي لو ان الراس مرهقه ومتعَبَه».

«انا قّذِرٌ يا ميلينا، قذارهً لا نهايهَ لها ؛ هذا هو السّبب في اني اثير مثل هذه الضّجه عن الطّهاره. لا احد يستطيع ان يشدو بالطّهاره كما في اعماق الجحيم. انه التغنّي الذي ظنناه شدو الملائكه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل