المحتوى الرئيسى

أوطان الأمن والإعلام والخوف العام

02/07 17:52

اقرا ايضا: قبل ان يزداد جرحنا عمقًا واتساعًا 25 يناير.. وتعريه مفهوم الياس "شارلي ايبدو" و(ليس افظع من جهاله فاعله) سوريا .. و انتظار ما سيجيء ذات يوم "التعداد الطائفي" يشق صف الوطن

كي لا تتحيروا كثيرًا في فهم واستيعاب مشهد قتل المعتقل المقيد علي سريره في المستشفي بعشر رصاصات علي يد امين الشرطه المكلف بحراسته.. وهو في كل الاحوال مشهد من تلك المشاهد التي تنفرد بالندره   البالغه في سياقات حكايات البشر المتداوله عن الذل والخزي والعار.. اقرءوا هذا المقطع من روايه (مزرعة الحيوانات) التي كتبها الروائي الانجليزي جورج أورويل سنه 1945م .. (.. الا وحده بوكسر بقي واقفا وراح يتململ ذهابا وايابا.. ثم قال لا استطيع فهم ما حصل.. لا يمكن ان اصدق مثل هذه الامور قد تحدث في مزرعتنا .. لابد انها نشات عن خطا نابع من ذاتنا.. وفيما كانت كلوفر تنظر الي التل امتلات عيناها بالدموع ولو تسني لها التعبير عن افكارها لقالت: ليس هذا ما كنا نهدف اليه فمشاهد الرعب والذبح لم تكن مما كانت تتوقعه ولو تمثلت لديها صوره عن المستقبل لكانت عن مجتمع يخلوا من الجوع والضرب والسياط فيما الجميع سواسيه ويعمل كل علي قدر طاقته لقد جاء وقت لا يجرؤ فيه احد علي البوح بما يجول في فكره.. فالكلاب الشرسه في كل مكان. وباتت الحيوانات تشاهد رفاقها يمزقون اربا.. اربا ولا يدافعون عنهم..)..

بوكسر وكلوفر هما احد ابطال الروايه التي يحذر فيها(ارويل) من نشوء المجتمع الخاضع الخنوع.. السائر بالاقدام الراجفه علي طريق لا يعرف الي اين سيؤدي به ويسير فيه الناس بخطي الخوف علي الطريق المبلل بالدمع والدم ..

كنت قد كتبت كثيرًا عن ان علماء الاجتماع في الغرب باتوا يعتبرون الان للخوف صوره واحده فقط وهو صورته كــ (انفعال فردي) نتيجه ظروف خاصه ماليه او اجتماعيه او ما يشبه ذلك.. وليس هناك ثمه شيء اسمه(خوف عام) والحقيقه انهم معذورون في ذلك فبعد ان استقرت العلاقه عندهم بين السلطه والمجتمع.. واصبحت السلطه في الوعي العام(مجرد تنظيم مفيد يتفق ومقتضيات الضروره) تلك الضروره التي تنظم علاقات الحقوق والواجبات في مكان يتشارك فيه الناس العيش.. لم يعد هناك شيء اسمه خوف من السلطه او الحكومه او الامن.. سنري ان هذا المفهوم الانساني شديد السمو لم يتكون عندهم بسهوله بل جاء بعد رحله معاناه طويله وكفاح ونضال مضني.. بذلتها الشعوب الغربيه لتطهر حاضرها وتحمي مستقبل ابنائها واحفادها من الامتهان والارتهان والاستبداد والمذله.. مفهوم انتزعه الناس انتزاعا من قلب المحن الضروريه كما يقولون .

صاحب ذلك اتساع رقعه الحركه المجتمعيه الي حدود شاسعه الاطراف وصاحب ذلك نشاط ويقظه واستنفار اهلي ادي الي تقويه اركان المجتمع في وجه الدوله.. ذلك الغول الشرس الذي قبض في اياديه علي الاعناق.. الدوله الحديثه الان في المجتمعات المتقدمه تتجه يومًا بعد يوم الي اللامركزيه والانحسار.. بعد ان ثبت بالتجربه انها(اخطر جهاز عنف منظم) في التاريخ بتغلغلها في كل صغيره وكبيره في حياه الناس.. ذلك التدخل الذي اصبح منقطع النظير بعد التقدم التقني الذي حدث في اجهزه المتابعه والرصد.. او من خلال الاجهزه الاعلاميه والامنيه والتي باتت هي(الدوله) وقوتها وسطوتها.. وحلت مقوله(حصن حكمك بالامن والاعلام)محل مقوله(حصن حكمك بالعدل والتنميه).

طبيعي اذن الا يكون في هذه المجتمعات( خوف عام او خوف جماعي او خوف سياسي) الا ان الامر يختلف كثيرًا جدًا في مناطق اخري من العالم خاصه تلك التي تشكلت السلطه فيها بعد الحرب العالميه الثانيه علي ايدي( ديكتاتوريات عسكريه) اكثرها في الشرق الاوسط وامريكا اللاتينيه.. فعاشت شعوب تلك المجتمعات في مناخ رعب لا ينتهي وكانت هدفًا لكل الوان الاستبداد وانتهاك الحقوق واصبح معلوم باليقين ان هناك شيئًا اسمه(الخوف السياسي)الذي يكون حيث يكون الاعتقال والتعذيب والاختطاف والاختفاء .

دراسات كثيره اهتمت بدراسه وفهم الدوافع الباعثه لهذا النوع الخطير من الخوف.. واتضح انها كلها ذات اصل سياسي واجتماعي وثقافي صنعته الدوله القامعه واصبح هناك نوع من الميراث السياسي والاجتماعي والاقتصادي والاخلاقي يتناوله ويتداوله الناس اسمه(الخوف).. واكدت الدراسه ان الدوله تحرص علي غرس هذا النوع من (الخوف) كي تتم لها السيطره الكامله دونما اي اعتراض ويتكون بالتبعيه ما يعرف بالمجتمع الصامت المجزا حيث يسود الهلع الكامن في اعماق النفوس والاحساس العارم باللاجدوي.. والاحباط.. والياس.

ونصحت الدراسه للتغلب علي هذه الظاهره(العار)في تاريخ البشريه في العصر الحديث.. نصحت باهميه اكتشاف (القوي الحيويه التي تولد الاراده في النفوس للتغلب علي الخوف) باعتبار ان الانسان خلقه الله وجعل له (اراده حره) وظيفتها تحقيق السعاده له من خلال ما يقول وما يفعل وهو يسعي الي تكوين محيط فاضل يعيش فيه..  واكتشفت هذه الدراسات ان ( التربيه الدينيه ) و(تنامي الوعي الثقافي) من شانه ان يحث هذه (القوي الحيويه ....) علي البعث الدائم المستمر.. مع ضروره السعي لكسر احتكار الدوله لاجهزه الاعلام.

في روايه(عالم جديد جريء) لهكسلي والتي كان قد كتبها عام(1932م) وتنبا فيها بدور رهيب لوسائل الاعلام والاتصال الجماهيري في التحكم بمشاعر الناس- كمسرح العرائس - وتوجيهها الوجهه المطلوبه التي تحددها السلطه سواء بطريق الخداع والتزييف والتضليل او بطريق توجيه الاهتمام الي موضوعات بعينها.. وتجنيب الاهتمام بموضوعات بعينها مع التاكيد علي سطوه الدوله وقوتها.. الدوله التي يجلس علي راسها (السيد الكبير مُحِبْ الجميع) والذي لا يتوقف عن ابتكار اعظم اختراعاته لصالح الجميع وسعاده الجميع.. برمجه شامله تضبط المجتمع.. (نحن في عالم السعاده والانضباط..!!!) والسعاده هنا هي الرضي بالواقع .. لا طموح ..لا فرديه.. لا تنافس.. وايضا لا حب ..!!

نجحت هذه السياسه التي توقعها (هكسلي).. في مرحله الدوله الوطنيه(الحديثه) عندنا بعد الاستقلال.. نجحت في التاسيس لما عرف بجمهوريه(الامن والاعلام).. التي اسس لها عميقًا جدًا.. المرحوم جمال ح.عبد الناصر.. كما اخبرتنا الدراسه المهمه للمستشار طارق البشري( 23يوليو والديمقراطيه).. استخفت تلك الدوله بالناس_ وثقتهم واحلامهم ومشروعهم التاريخي في التقدم والتنميه واللحاق بركب التطور والتكنولوجيا_ استخفافا عارمًا.

وانتشرت الافكار السوداء لتلك الجمهوريه البغيضه في كل مكان.. في اللغه والموضوع والمصطلح في علاقه المثقفين بانفسهم وبعضهم ومجتمعاتهم.. في علاقات الناس في الشوارع والطرقات.. في اجهزه الدوله ودواليب الحكومه.. في احاديث الصباح والمساء.. في العيون الخائفه والصدور المرتجفه.. وامتلات الذاكره بملفات الهلع والذعر والارتعاش.. وسار كل ذلك علي نحو منتظم ومستمر.. وغدا الناس مجرد ارقام في لوائح التعداد واصبح الخوف دماء تجري في العروق.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل