المحتوى الرئيسى

ثلاثة مشاهد للعلم.. وتنويعات أسوانية على الثورة المصرية

02/07 02:50

لا يزال الشوق للكتابه الادبيه عن الثوره يناوش كثيرًا من الكتاب المصريين، وقد بدا البعض في نشر روايات وانواع اخري من الكتب التي تسجل احداث اهم ما جري في تاريخ مصر المعاصر في تلك الايام الثمانيه عشر المجيده. بصوره نجد معها ان الثوره قد اثّرت في بنيه الكتابه وجددت اشكالها في الوقت نفسه. وينتمي هذا الكتاب الصغير الجميل للروائي الموهوب احمد ابو خنيجر الذي سبق ان قرات له عملين روائيين مدهشين في اصالتهما وجده كشوفهما، الي هذا النوع الجديد من الكتابه الذي بدا بكتابي احمد زغلول الشيطى وسعد القرش عن ايام الثوره في ميدان التحرير. ففي الكتاب مزيج فريد من التقرير الصحفي والسرد الروائي، يمنحه مذاقه الفريد. كما ان فيه رغبه واضحه في ان يكتب الروائي وقائع هذه الثوره النبيله كما جرت في اسوان، دون الاكتفاء بالجانب التسجيلي الذي يحصر التجربه في حدوده الضيقه، ويحيلها الي عمل وصفي محدود القيمه. وهذه الرغبه هي التي دفعت الكاتب بعدما قدَّم لنا المشاهد الثلاثه الي اضافه امثولتين تفتحان النص علي مجموعه من التاويلات الخصبه، وتمنحان الجانب التوثيقي فيه بُعدًا فنيًّا، يتيح لنا معرفه رؤيه الكاتب لما جري، ورايه في ما حدث بعد انتهاء مشاهده الثلاثه.

ولحرص الكاتب من البدايه علي ان يزود عمله بهذا الجانب الفني الذي يتيح له الاستمرار والفاعليه وراء اللحظه الانيه التي صدر عنها، فانه يفتتحه بهذا الموقف الصوفي هتف بي قف! وكنت علي العتبه قال: اتدخل عليّ بغير طهر، عُد! واقام جدارًا من حجر وصمت كي يدرك القارئ من البدايه اننا بازاء موقف دونه جدران من حجر وصمت. واننا بحاجه الي طهر، لان الدنس قد طال كل شيء، لذلك لا يفاجئنا المشهد الاول المعنون تحيه الصباح حينما نجد انه مشهد تدنيس العلم! الرمز والقيمه التي استباحتها سنوات البلاده والتردي والهوان. فبعدما صار العلم مزقا مهترئه، وصارت تحيه الصباح التي تزرع في التلاميذ روح الانتماء الي امه لها امجاد وتواريخ، فعلا لا معني له يؤدي بصوت باهت وحماس مفقود. كان طبيعيًّا ان يصل التردي والهوان الي حد ان يلتقط مدرس التاريخ، لاحظ اهميه ان يكون مدرس للتاريخ لا يقيم اي وزن لتواريخ بلاده، مزقه من العلم تطايرت ويهم بان يمسح بها حذاءه المتسخ. هنا ينقض عليه الراوي صارخًا: انت اتجننت (ص 14)، وهو ينتزع منه مزقه العلم، مدافعًا عن نفسه ازاء سخريه الاخرين الذين لا يرون في انفعاله وهو يصرخ، انه العلم/ الرمز/ القيمه، الا شطحات شاعر لا يدرك ما ال اليه الواقع.

هذا المشهد الافتتاحي الصادم للعلم وما جري له، ولمصر كلها معه، يفتح المجال للتعرف علي ما اصاب الشعب المصري نفسه، في غياب الوعي بعلمه ووطنه وذاته، من تدهور، وما جري لمؤسسته التعليميه هي الاخري من خراب. ليس فقط لانها تتعايش مع صاريه خاليه من العلم، بعد ان تطاير مزقًا، بصوره جعلت تحيته خاليه من اي معني من معاني العزه والوطنيه، لكن ايضًا لتسلل الاسلاميين الي بنيه التفكير التعليمي فيها، والزعم بان تحيه العلم مش اسلاميه، غير شرعيه، التحيه والعظمه لله سبحانه وتعالي . (ص 17)، ويعود السرد بالزمن الي الوراء، ليكشف لنا الراوي متي بدا التردي والدمار. بعد ان اهدرت السياسه لحظه رفع العلم المصري علي الجانب الاخر من القناه في حرب 1973، واهدرت معه الدرس الذي وعاه الراوي منذ سنوات تلمذته الاولي. وكانما النص يرد بالتاريخ الطويل لسيره العلم المصري منذ بدايه الدوله الحديثه مع محمد علِي حتي علم ثورة 1952 وتبدياته الراهنه، علي مدرس التاريخ الارعن الذي اراد ان يمسح به حذاءه الوسخ.

في المشهد الثاني لوحات وصور وبعد مفتتح يقيم تناظرًا بين سوموزا حاكم نيكاراجوا الكريه، وما سوف يقدمه في مشهده عن عصر مبارك، ينتقل بنا الي جغرافيا مدينه اسوان في فتره ما قبل اندلاع ثوره 25 يناير المجيده، حيث اختفي العلم من فضاء المدينه، ولم يعد يظهر الا في مباريات كره القدم، التي نادرًا ما رفرف فيها منتصرًا، خصوصًا بعد صاعقه صفر المونديال، علي الرغم من ان هذا الصفر كان تقييمًا حقيقيًّا لاداء السلطه وقدراتها (ص43) لكن العلم كان يرفرف في سماء تلك المدينه، خصوصًا في شارعها الرئيسي في زمن عبد الناصر، وحتي في زمن السادات حتي اندلاع ثوره يناير 1977، لكن مشهد الرئيس الذي ترفرف علي مسيرته الاعلام اختفي من فضاء المدينه، وحلت مكانه صور قبيحه للرئيس او حتي لزوجته يروج بها منافقو الحزب الوطني لانفسهم، ويغطون بها علي استمرار الفساد وتفشيه في شتي مناحي الحياه في المدينه. هكذا استبدلت بالعلم/ الرمز والقيمه صورًا لشخص او اشخاص زائلين، لا تعترف بقيمتهم المدينه، في نوع من نزع الشرعيه عن النظام الفاسد قبل ان يسقط سقوطه المدوي بثوره 25 يناير.

لذلك يعنون ابو خنيجر المشهد الثالث بـ استعاده العلم ، ويفتتحه بمقتطف دال من صلاح عبد الصبور لترتفع لترتفع يا ايها المجيد... يا علمي يا علم الحريه ، وهو مفتتح دال وموظف فنيًّا، لان اولي الاستعادات هي استعاده الحريه التي هي رديف لاستعاده العلم، لان هذا المشهد هو المشهد الذي سيستعيد فيه الشعب بالثوره التي فرضت ارادته في تغيير النظام علمه وذاته معًا. فاستعاده العلم هنا تتحول الي استعاره داله علي استعاده الشعب لحقوقه المهدره في ان يكون هو مصدر كل السلطات في بلده. وان يفرض ارادته علي دوله الشرطه الظالمه، ودوله الفساد التي جري فيها تجريف كل شيء، وسد الافق امام الشباب في مستقبل افضل. ويقدم الينا هذا القسم، بعد استقراء فني لاحداث ما قبل الثوره في اسوان، ولاخر زياره لمبارك وحرمه باعتبارها نبوءه اسوانيه بالنهايه، او استشراف لما سيحدث بعد اسبوع في 25 يناير، ما يمكن دعوته بسجل ما دار في ميدان التحرير الاسواني، اي ميدان المحطه، الذي تحول رديفًا لميدان التحرير الرئيسي في العاصمه، ولما جري فيه في جمعه الغضب الاسوانيه، حيث فرض الشعب ارادته علي مؤسسه القمع/ الشرطه التي تفرعنت وتجبَّرت.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل