المحتوى الرئيسى

مترجم: النموذج الغربي يتهاوى

02/04 18:40

مترجم عنThe western model is brokenللكاتبPankaj Mishra

لقد فقد الغرب القدره علي تشكيل العالم وفق رؤيته الخاصه، كما تبين في الاحداث الاخيره، من اوكرانيا الي العراق. فلماذا اذًا لا يزال يحاول اقناع العالم بان تطور كل مجتمع يجب ان يتم عبر النهج الغربي؟

“حتي الان، يعتبر القرن الحادي والعشرين دعايه سيئه للنموذج الغربي”، وفقا لكتاب “الثوره الرابعه”  لجون ميكلثوايت وادريان وولدريدج. من الغريب ان يصدر مثل هذا الاعتراف عن اثنين من محرري الاكونومست، حامله رايه الليبراليه الانجليزيه، والتي تصر دائما علي ان العالم لا يمكنه تحقيق الازدهار والاستقرار سوي من خلال النموذج الغربي. انها تقريبا تخفي حقيقه ان القرن العشرين قد ابتلي بالامراض التي تجعل النموذج الغربي اليوم يبدو غير عملي، وتجعل المدافعين عنه في حيره من امرهم. انه القرن الاكثر عنفًا في تاريخ البشريه، ولم يكن افضل دعايه للمتعصبين للحضارة الغربيه، او كما سماهم اللاهوتي الامريكي رينولدنيبور في ذروه الحرب البارده “، الذين ينظرون الي الانجازات الطارئه للغايه من ثقافتنا علي انها صيغه نهائيه او معيار للوجود الانساني “.

انتقد نيبور النظريه التي صبغت نظرتنا الي العالم لاكثر من قرن من الزمان: ان المؤسسات الغربيه للدوله القوميه والديمقراطيه الليبراليه سيتم تعميمها تدريجيا في جميع انحاء العالم، وان الطبقات الوسطي الطامحه التي اوجدتها الراسماليه الصناعيه سوف تاتي بحكومات مستقره، تمثل الشعب وقابله للمساءله. لقد وصف المفكر الروسي الكسندر هيرزن في عام 1862 الليبراليه العلمانيه بانها “هي الدين النهائي، ولكن كنيسته ليست من العالم الاخر ولكن من هذا العالم”.لقد دافع العديد من المفكرين عن “الحلم الغربي” و”القرن الامريكي” حيث تتحرك السلع والوظائف والناس بحريه، كما حاول مفكرون امريكيون صرف انظار العالم بعيدا عن فكره الثوره الشيوعيه فطرحوا الراسماليه الاستهلاكيه والديمقراطيه كبديل.

شجع انهيار الانظمه الشيوعيه في عام 1989 المزيد من المتعصبين، فقد قام فرانسيس فوكوياما بتعديل الغائيه الماركسيه القديمه بدلا من التخلص منها في اطروحته عن نهايه التاريخ، بينما تم الترويج لنظريات اكثر سذاجه تبشر بحتميه اتجاه العالم لتحقيق الازدهار والاستقرار من قبل مؤيدي العولمه امثال توماس فريدمان. يري فريدمان ان من يسعدهم الحظ فيكونوا من زبائن “ماكدونالدز” لا يحارب بعضهم بعضا.

ولكن هجمات 9/11 اجلت الاحتفال بميلاد عالم تحكمه الراسماليه والنزعه الاستهلاكيه. لكن الصدمه دفعت بالعقول الساذجه الي المزيد من التمسك بالعادات الفكريه للحرب البارده – من خلال الثنائيه الفكريه: “العالم الحر” و”العالم غير الحر” – وضاعفت الوهم القديم، فظنوا انهم يمكنهم الان زرع الديمقراطيه الليبراليه بالقوه في المجتمعات التي تابي الانصياع لها طواعيه. تساؤلات عن “صراع طويل” جديد ضد “الفاشيه الاسلاميه” ايقظت العديد من منظري الحرب البارده المتقاعدين، الذين اصبحوا يفتقدون محاربه الشيوعيه. ان النرجسيه الفكريه لم يطفئها ادراك ان الهيمنه الاقتصاديه قد بدات في التحول عن الغرب. فقد اعلن فريد زكريا في كتابه “عالم ما بعد امريكا” ان نهوض بقيه العالم ما هو الا نتيجه للافكار والافعال الامريكيه” وان العالم “يسير علي نهج امريكا” فتصبح الدول “اكثر انفتاحا وديمقراطيه”.

لقد كشفت احداث الاشهر الاخيره زيف مثل هذه الروايات السطحيه. فالصين، علي الرغم من تبنيها لاقتصاد السوق، تبدو ابعد عن الديمقراطيه من ذي قبل. ان الزعماء المستبدين وردود الفعل المناهضه للديمقراطيه والتطرف اليميني اصبحت تحدد السياسات، حتي في الدول الديمقراطيه ظاهريا، مثل الهند واسرائيل وسريلانكا وتايلاند وتركيا.

لقد القت فظائع هذا الصيف بالنخب السياسيه والاعلاميه في الغرب في بحر من الحيره، ولكن الهيمنه القويه لافكارهم ساعدتهم علي الهروب من التامل العميق في الامر، فلا يزال بامكانهم الادعاء بان العالم يسير علي خطي اميركا. لكن الصوره المثاليه للغرب والتي يسعون الي اعاده تشكيل بقيه العالم علي غرارها قد تم تفنيدها من قبل العديد من النقاد، من اليسار واليمين، في الغرب كما في الشرق.

لقد حذر هيرزن في القرن التاسع عشر من ان “جهلنا الكلاسيكي بالغرب الأوروبي سوف ينتج عنه قدر هائل من الصراعات الطائفيه والدمويه”. لقد شكك هيرزن في رؤيه التغريبيين الليبراليين الذين يعتقدون ان روسيا لا يمكنها التقدم سوي بمحاكاه الايديولوجيات والمؤسسات الغربيه. لقد اقتنع بسبب تجربته في المنفي ان الهيمنه الاوروبيه المدعومه بالكثير من الخداع الفكري وخداع النفس، لم تصل الي “التقدم”.

لقد صدقت نبوءه هيرزن: فقد اسفر القرن التالي عن اكبر حمام دم في التاريخ: حربين عالميتين، وتطهير عرقي شرس، حصدت عشرات الملايين من الضحايا. ورغم ذلك، فقد تبنت النخب الحاكمه في عشرات الدول الجديده التي ظهرت علي انقاض الامبراطوريات الاوروبيه في القرن العشرين النموذج الاوروبي، وشرعت في السعي للثروه والسلطه علي النمط الغربي. اليوم، تجتاح الصراعات الدمويه العالم الذي كان من المتوقع ان تحكمه الديمقراطيه الليبراليه والراسماليه معا.

كتب روبرت كاغان في صحيفه وول ستريت جورنال عن ايمان المحافظين الجدد ان امريكا مضطره لاستخدام “القوه الخشنه” ضد اعداء الحداثه الليبراليه الذين لا يفهمون اي لغه اخري، مثل اليابان والمانيا في اوائل القرن العشرين، وروسيا اليوم. ولكن كاغان لم يذكر اي مظهر من مظاهر القوه ينبغي علي الولايات المتحده ان تستخدمها ضد روسيا، هل هي القنابل الحارقه، كتلك التي قصفت بها المانيا، ام النوويه، كتلك التي قصفت بها اليابان، ام النابالم الذي استخدم في افغانستان، ام ان حمله “الصدمه والرهبه” في العراق هي المثال الافضل.

ان اغراء تقليد النموذج الغربي المنتصر، كما كان يخشي هيرزن، كان دائما اكبر من النزوع لرفضه. بالنسبه للكثيرين في المجتمعات القديمه والمعقده في اسيا وافريقيا، التي رضخت تحت هيمنه البلدان الاوروبيه الصغيره جدا، فبدا لهم ان الشعوب يمكنها حشد قوه جماعيه غير مسبوقه من خلال الانظمه الاوروبيه الحديثه، مثل الدوله القوميه والاقتصاد الصناعي. في القرن الذي تلا الحروب النابليونيه، تعلمت المجتمعات الاوروبيه تدريجيا كيفيه نشر الجيوش الحديثه بشكل فعال، والتكنولوجيا، والسكك الحديديه والطرق والنظم القضائيه والتعليميه الحديثه وخلق شعور بالانتماء والتضامن، في معظم الاحيان عن طريق تحديد الاخطار الخارجيه والداخليه.

بحلول الاربعينات، تسببت النزعات القوميه في اوروبا في الحروب الاكثر ضراوه والجرائم الاكثر وحشيه ضد الاقليات الدينيه والعرقيه في تاريخ البشريه. بعد الحرب العالمية الثانية، اضطرت الدول الاوروبيه الي تصور علاقات سياسيه واقتصاديه اقل عدائيه، برعايه امريكيه وضغوط الحرب البارده، مما ادي في النهايه الي تكوين الاتحاد الاوروبي

لكن الدول القوميه الجديده في اسيا وافريقيا كانت قد بدات بالفعل في رحلتها الخطره نحو الحداثه، ضاربه عرض الحائط التنوع العرقي والديني واساليب الحياه القديمه. لقد يئس الاسيويون والافارقه المتعلمون في المؤسسات ذات النمط الغربي من النخب التقليديه بقدر ما استاءوا من الهيمنه الاوروبيه علي مجتمعاتهم، فسعوا الي القوه الحقيقيه والسياده في عالم الدول القوميه القويه – والتي بدت وحدها القادره علي ضمان فرصه عادله لهم ولشعوبهم في القوه والمساواه والكرامه في عالم الرجل الابيض.

ان فكره التقدم العالمي من خلال الايديولوجيات الغربيه – الاشتراكيه والراسماليه – تم نسفها في القرن الحادي والعشرين. اذا كنا نشعر بالفزع والصدمه من الاضطارابت العالميه فذلك لاننا كنا نعيش في وهم ان المجتمعات الاسيويه والافريقيه ستصبح، مثل اوروبا، اكثر علمانيه وعقلانيه مع تسارع في النمو الاقتصادي، وان التجاره الحره من شانها ان تضمن النمو الاقتصادي السريع والازدهار في جميع انحاء العالم.

ان الظروف المواتيه لنجاح اوروبا في القرن التاسع عشر لا تتوفر في البلدان الكبيره والمكتظه بالسكان في اسيا وافريقيا. علاوه علي ذلك، فان الامبرياليه حرمتهم من الموارد اللازمه لتحقيق التنميه الاقتصاديه علي النمط الغربي. كما انها فرضت ايضا الايديولوجيات والمؤسسات المدمره علي المجتمعات التي كان لها انظمه سياسيه وبني اجتماعيه خاصه بها.

والنتيجه هي حركات تمرد لا تنتهي ومكافحه حركات التمرد والحروب والمجازر، وصعود هذه المفارقات التاريخيه والمستجدات الغريبه والمتمردين الماويين في الهند والرهبان في التبت، واقبال الشباب العاطلين عن العمل علي الانضمام الي المنظمات المتطرفه، والبؤس المتزايد الذي يدفع الالاف من الاسيويين والافارقه الي رحله محفوفه بالمخاطر الي ما يعتبرونه مركز الحداثه والنجاح.

ليس من المستغرب ان الدين في العالم غير الغربي لم يقهره طاغوت الراسماليه الصناعيه. فالمؤسسات السياسيه والاقتصاديه والايديولوجيات في أوروبا الغربيه والولايات المتحده قد نشات في ظل احداث معينه – الثورات ضد سلطه رجال الدين والابتكارات الصناعيه، وتوطيد الراسماليه من خلال الغزو الاستعماري – ولكن ذلك لم يحدث في اي مكان اخر. لذلك اصبح الدين الرسمي – ليس فقط الاسلام، بل والهندوسيه واليهوديه والكنيسه الارثوذكسيه الروسيه والبوذيه – متحالفا علي نحو متزايد مع سلطه الدوله، بدلا من فصل الدين عن الدوله.

لكن المنظرين الغربيين خلال الحرب البارده بشروا بانتشار الديمقراطيه الغربيه. وهكذا، فان قرونا من الحرب الاهليه والغزو الامبريالي والاستغلال الوحشي والاباده الجماعيه، والتي استعان بها الغربيون لبناء العالم الحديث، قد تم تجاهلها، واصبح ينظر لهم علي انهم الشعوب الديمقراطيه الليبراليه المتفوقه التي يجب علي الجميع ان يقتدي بها.

رغم ايمانه بتفوق الغرب، تفهم الكاتب الفرنسي المناهض للشيوعيه ريمون ارون اسباب تعثر عمليه التحديث في بقيه دول العالم، كما اوضح في كتبه، مثل “التقدم وخيبه الامل” (1968) و”افيون المثقفين” (1955). يري ارونان الغرب هو صانع العالم الحديث بابتكاراته السياسيه والاقتصاديه واهدافه الماديه، لكنه لم يتوانَ عن دراسه تاثير هذا علي العالم الحديث. فهو يري ان الصراعات والتناقضات التي سببها السعي للحداثه قد انهكت المجتمعات الغربية لجزء كبير من القرن الماضي. فقد بدت المجتمعات الصناعيه وحدها قادره علي تحسين الاوضاع الماديه، وتحقيق قدر من المساواه الاجتماعيه والاقتصاديه، لكن وعود المساواه التي استخدمت لتجنب الاضطرابات الاجتماعيه، كان من الصعب الوفاء بها.

ولكن اذا كانت بعض الدول الغربية قد حققت بعض المساواه الماديه، بسبب اقتصاد السوق والعمل المنظم والحريه السياسيه، الا ان الدول الاوروبيه الاكثر نجاحا قد حققت قدرا من النمو الاقتصادي قبل توسيع الحقوق الديمقراطيه تدريجيا لتشمل اغلبيه السكان. يقول ارون “لم يمر اي بلد اوروبي بمرحله التنميه الاقتصاديه التي تشهدها الهند والصين الان في ظل نظام ديمقراطي.”

اما الدول الاخري، فقد واجهت مصاعب انشاء الدول القوميه القويه وتلبيه مطالب الشعوب بالكرامه والمساواه في الوقت نفسه، مما جعل استنساخ التجربه الغربيه فيها امرا غير مسبوق ومحفوفًا بالمخاطر.

لم تكن هناك العديد من الخيارات السياسيه المتاحه امام المجتمعات التي فقدت مصادر السلطه التقليديه الخاصه بها اثناء الشروع في مغامره جديده لبناء الدول القوميه والاقتصادات الصناعيه بروح علمانيه ماديه. فقد كان علي هذه المجتمعات بناء التوافق الاجتماعي والسياسي بانفسهم لكي لا يفرض عليهم بالقوه، اما الفشل فكان سيدفع بهم الي حاله من الفوضي العنيفه.

اذا ما طبقنا تحليلات ارون علي العديد من الدول القوميه التي ظهرت في منتصف القرن العشرين، فسوف يشعر الحالمون بطفره ديمقراطيه ليبراليه راسماليه في جميع انحاء العالم بالحرج. فقد رافق الازدهار الاقتصادي الراسمالي السريع، في العديد من الحالات، حرمان من الحقوق الديمقراطيه والحريات الفرديه.

فبعد الازمه العالميه الحاده في ثلاثينات القرن العشرين، عانت الراسماليه تراجعا في الشرعيه، واصبح النمو الاقتصادي المخطط والمحمي هو السبيل لتحقيق العداله الاجتماعيه والمساواه بين الجنسين في الكثير من دول العالم غير الغربي. فقد اكتشفت الدول التي تكافح بالفعل ضد الحركات الانفصاليه من جانب الاقليات العرقيه والدينيه ان اخلاقيات الراسماليه تشكل خطرا اخر علي وحدتها الداخليه.

اما الصين، والتي كانت من المجتمعات الاكثر مساواه في العالم، فتشهد الان تفاوتا في الثروه اكثر من الولايات المتحده – حيث يمتلك 1٪ من سكانها ثلث الثروه القوميه، وقد كافحت العديد من الدول القوميه “الديمقراطيه”، مثل الهند، واندونيسيا، وجنوب افريقيا، للحفاظ علي التوافق الوطني في مواجهه حتميه خصخصه الخدمات الاساسيه مثل المياه والصحه والتعليم.

فكان علي النخب المستفيده من الراسماليه العالميه ابتكار ايديولوجيات جديده لجعل سيطرتهم تبدو طبيعيه. وهكذا، شهدت الهند واسرائيل، التي بدات باعتبارها دولا ملتزمه بالعداله الاجتماعيه، اعاده تشكيل جذري لمُثُلِها التاسيسيه بسبب تحالف الليبراليين الجدد مع القوميين، الذين يحاولون الان الدفع برعاياهم للولاء لـ “الدوله يهوديه “و” الامه الهندوسيه “.

علينا ان نولي مزيدا من الاهتمام للخصوصيه التاريخيه والتفاصيل، فنتساءل لماذا فشل بناء الدوله في افغانستان والعراق فشلا ذريعا بينما ساعدت اللامركزيه استقرار اندونيسيا، اكبر بلد مسلم في العالم، بعد فتره طويله من الحكم الاستبدادي المدعوم من الطبقه المتوسطه. علينا ايضا الاعتراف بان العراق قد يتمكن من تحقيق قدر من الاستقرار، ليس من خلال احياء مشروع الدوله القوميه المحكوم عليه بالفناء، ولكن من خلال العوده الي مؤسسات اتحاديه، علي الطراز العثماني، لاتمام عمليه انتقال السلطه وضمان حقوق الاقليات.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل