المحتوى الرئيسى

مصطلح الشرق الأوسط تحققت ولادته عام 1902

02/03 16:20

ياتي هذا الكتاب في اطار التحليل السياسي الذي اتبعه المؤلف لسياسه أوروبا الغربيه في منطقة الشرق الاوسط، فيما تشكل مقولاته حلقه جديده في سلسله اهتمامات المؤلف بالمنطقه، لانه بدا دراسته لعلاقه هذا الثنائي السياسي ما بين اوروبا الي الشرق الاوسط بكتاب عن اوروبا والشرق الاوسط، وخاصه بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

وهي الفتره التي اعلنت فيها اوروبا الغربيه عن تشجيعها لما يصفه المؤلف بانه عمليات التحرير السياسي في المنطقه، وكانت تتبع في ذلك سياسه انطلقت من عوامل شتي من الايجابيات والسلبيات. اما هذا الكتاب فهو يحلل مضامين اهداف السياسات الاوروبيه الغربيه.

ولكن بعد الاحداث الفاصله التي شهدتها السنوات الخمس الاخيره، واطلق عليها المحللون وصف الربيع العربي وهي الظاهره التي بدات كما هو معروف من تونس ومن ثم في مصر. فيما لاتزال عواقبها الخطيره ماثله في اقطار اخري تواجه مشكلات بالغه القسوه ما بين سوريا الي اليمن وغيرهما.

ويحلل هذا الكتاب سياسات الاتحاد الاوروبي تجاه هذه التطورات في مجموعها، وهي سياسات تمليها مصالح الطرف الاوروبي بالدرجه الاولي، سواء كانت مصالح اقتصاديه وفي مقدمتها امدادات الطاقه علي وجه الخصوص، او كانت مصالح استراتيجيه يجسدها بدورها ضرورات امن الاصقاع الجنوبيه من اوروبا الغربيه المطله علي البحر المتوسط.

حارت البشريه في تحديد بُعْد الزمان والمكان بالنسبه للمصطلح الذي اصبح متداولاً وشائعاً علي مستوي عالمنا باسره، المصطلح هو: الشرق الاوسط.

من حيث الزمان يكاد علماء التاريخ السياسي المعاصر يقفون عند عام 1902 الذي يتصورون انه العام الذي تبلور فيها مصطلح الشرق الاوسط بوصفه المنطقه التي تجمع بين قاره اسيا من اقصي غربها، وقاره افريقيا عند تخومها الشماليه، ولاسيما تلك المطله علي البحر الابيض المتوسط.

في هذا السياق يذهب معجم المصطلحات التاريخيه الي ان البعد الجغرافي للمنطقه التي تحمل اسم الشرق الاوسط يبدا من تركيا شمالاً، الي خليج عدن جنوباً، فيما يمتد ايضاً من ربوع وسط اسيا ثم غربها وحتي الاصقاع المغاربيه (العربيه) المطله علي المحيط الاطلسي.

وعندما يقف المؤرخون الغربيون بالذات عند سنه 1902 فلانها كانت سنه فاصله مع مطلع القرن العشرين، حيث مهدت لتوقيع الاتفاق الودي بين اكبر اثنتين من قوي الاستعمار وهما انجلترا وفرنسا، وكان تاريخ الاتفاق المذكور هو عام 1904 حيث اُطلقت يد انجلترا في المشرق (العربي) فيما اُطلقت يد فرنسا في المغرب (العربي ايضاً).

لكن تاريخ العالم يقف من جانبه عند احداث فاصله بحق وهي ايضاً متوازيه مع هذه البدايات من طرح مصطلح الشرق الاوسط.

في هذه الفتره من عامي 1902- 1905، شهد العالم اولاً اعلان نظريه البرت اينشتاين في النسبيه، كما انبهر عند تحليق اول طائره في تاريخ البشريه علي يد الاخوين ويلبور واورفيل رايت في اميركا.

بيد ان المصطلح المذكور كان قد سبقه مصطلح اخر ربما يجسد مفاهيم اكثر تحديداً وهو المصطلح التالي: الشرق الادنى.

وكانوا يقصدون به مع افول القرن التاسع عشر، تلك المنطقه الواقعه بين غرب اسيا وشمالي افريقيا التي كانت تحت سيطره الدوله العثمانيه او السلطنه التركيه، وكانت لغتها العربيه، ويغلب علي اهلها التدين بدين الاسلام.

اياً كان الامر فالحاصل ان ظل التعبير يراوح مكانه متارجحاً بين شرق اوسط وشرق ادنى، حتي اندلعت الحرب العالميه الثانيه مع مطلع اربعينات القرن الماضي، فاذا بانجلترا والحلفاء، ولاسباب استراتيجيه – عسكريه يختارون القاهره مقراً لقيادتهم، واطلقوا عليه عنوان مركز العمليات الاستراتيجيه في الشرق الاوسط.

وفيما شهدت الخمسينات وردح طويل من ستينات القرن اسبقيه لمصطلح العالم العربي - وطن القوميه العربيه، فقد اسفرت تراجيديا حرب يونيو 1967 عن عوده غالبه هذه المره لمصطلح الشرق الاوسط الذي اصبح تعبيراً مفضلاً للدلاله بالذات علي ابعاد الصراع العربي (الفلسطيني) - الاسرائيلي (الصهيوني)، وهو المصطلح الذي اختارت استخدامه ومن ثم اشاعته منظومه الامم المتحده، ابتداء من اواخر الستينات وحتي الوقت الحاضر.

لكن بحكم التقارب الجغرافي عبر المتوسط، فقد ظلت اوروبا الغربيه معنيه بالشرق الاوسط بكل ما شهدته المنطقه وماتزال تشهده من تطورات بالسلب والايجاب علي حد سواء.

من هنا نفهم عنوان الكتاب الصادر اخيراً عن جامعه اكسفورد البريطانيه، والذي لم يختر له مؤلفه عباره بديهيه مثل: اوروبا والشرق الاوسط، بل جاء عنوان هذا الكتاب علي النحو التالي: «اوروبا في الشرق الاوسط».

وجاء العنوان منطقياً، بل استكمالاً لكتاب سبق المؤلف الي اصداره عن اوروبا والشرق الاوسط.

ومن ناحيته ايضاً، يحرص مؤلف الكتاب، وهو الاكاديمي الانجليزي ريتشارد يونغز – علي ان يبادر قارئه موضحاً ان علاقه اوروبا، سواء في الشرق الاوسط او مع الشرق الاوسط، لم تكن امراً ميسوراً ولا كانت سمناً علي عسل كما قد يقال، بل كانت اقرب الي المدّ والجزر، الشد والجذب ولهذا فالعنوان الفرعي لكتابنا يضيف المعني التالي: فرصه ام استبعاد.

يتالف هذا الكتاب من 12 فصلاً يستهلها مؤلفنا بنظره تحليليه علي تحديات شرق اوسط جديد. وفيها يتوقف ملياً عند المتغيرات التي استّجدت علي عدد من مواقع ومحاور المنطقه، وجاءت عبر السنوات الاخيره علي شكل تحولات وانتفاضات او فلنقل ثورات او متغيرات، بعضها يحاول ان يرسخ استقراره في تربه الواقع، وبعضها افضي الي تحولات سلبيه، بل كارثيه في بعض الاحيان، ولكنها ادت في مجملها الي ما يصفه المؤلف بانه اعاده رسم المعالم - الكونتورات حسب تعبير المؤلف - التي تدفع الي تصوّر شرق اوسط جديد.

خصوصاً وان المنطقه، كما توضح سطور الكتاب، لازالت تُراوح مكانها، او فلنقل تتارجح ما بين ظاهره التحول الي اليه المراجعات، فضلاً عن تعّرضها حتي تاريخه لعوامل شتي منها ما يدفع مسيره التغيير الي الامام، ومنها ما يعوق هذه المسيره بل ان منها ما يؤدي الي انحراف هذه المسيره عن الغايات التي كانت تتوخي تحقيقها.

من هنا كان بديهياً ان تتوقف فصول هذا الكتاب ملياً، ومن منظور تحليل الاحداث واستقاء عبرتها، عند ما حدث ولايزال يحدث في بلد عربي مشرقي هو سوريا، وما حدث ولايزال يحدث في بلد عربي مغاربي هو ليبيا.

علي ان الكتاب يخلص منطقياً الي ما يراه المؤلف بمثابه قضايا - حاكمه كما قد نتصورها، بمعني انها ما برحت تهيمن علي المشهد السياسي العام في الشرق الاوسط، وفي هذا الخصوص يركز المؤلف علي النقطتين التاليتين:

• اولاً الطاقه (النفط والغاز الطبيعي) والواقع الاقتصادي بشكل عام (الفصل العاشر).

• ثانياً الصراع العربي - الاسرائيلي (الفصل الحادي عشر).

علي مهاد هذه الخلفيه من اهتمامات مؤلف هذا الكتاب، يعمد الدكتور ريتشارد يونغز الي انتهاج اسلوب المتابعه التحليليه لمواقف غرب أوروبا تجاه تلك الاحداث والتطورات: نلاحظ مثلاً تركيزه علي تونس سواء بحكم كونها البلد العربي الرائد في مجال تحولات السنوات الخمس الاخيره حين شهدت ما وُصف بانه «ثوره الياسمين» التي اندلعت مع اندلاع الحريق الذي اشعله الشاب بوعزيزي في اسواق المدينه، ثم باعتبارها البلد الذي اوشك ان ينهي خارطه طريق التحولات التي اعقبت ازاحه النظام القديم.

هنا يرصد الكتاب تطورات المشهد التونسي، موضحاً ان هناك من افراد الشعب في البلد العربي – المغاربي من لايزالون متشككين في جدوي مالات هذه التطورات، وهو ما يشهد به – كما يلاحظ الكتاب - انخفاض حجم الاقبال علي صناديق الاقتراع سواء في اختيارات الرئاسه او في انتخابات مجلس النواب. عند هذا الموضع من الكتاب تتحول بوصله اهتمام المؤلف الي الاتحاد الاوروبي.

وهنا يوجه الكتاب انتقاداته الي هذه المنظومه التي تضم، كما هو معروف، دول الغرب الأوروبي حيث يقول: لا يملك اكثر المحللين تعاطفاً سوي الاعتراف بان الحكومات الاوروبيه فشلت في الارتقاء الي مستوي التحديات التي اصبح يجسدها شرق اوسط جديد اعيد رسم معالمه بصوره جذريه.

والحاصل، كما توضح طروحات هذا الكتاب، ان قوي وفعاليات كثيره ظلت تحاول التاثير في مجريات الامور في المنطقه حتي منذ انتهاء الحقبه الاستعماريه، وهي فتره السيطره الاستغلاليه التي دامت في بعض انحاء الشرق الاوسط الي عقد الستينات من القرن العشرين.

علي ان الاهداف التي ظلت هذه القوي - من غرب اوروبا بالذات – تحاول التوصل اليها، كانت متباينه من دوله الي اخري حسب المصالح الخاصه لكل دوله، حتي ولو كان يضمها – كما المحنا - منظومه جامعه تحمل عنوان الاتحاد الاوروبي.

وقد كان هناك دول تسعي الي تامين حدودها المتوسطيه في الجنوب الاوروبي بالذات - من خلال توسيع افاق التعاطي مع ما ظل يجري عبر السنوات الخمس الاخيره في منطقه الشرق الاوسط، ولم يكن الامر مقتصراً علي حكايه امن الحدود، او فلنقل امن الثغور كما يقول المصطلح العربي الكلاسيكي، بقدر ما ضمت هذه الاهداف جهوداً ترمي الي تحجيم وترشيد تيارات الهجرات المتدفقه الي اوروبا واصقاعها الجنوبيه بالذات، وكانت ناشئه عن منطقه الشرق الاوسط في بعديْها العربي والافريقي علي السواء.

وفي هذا الاطار عادت قوي عده من المنطقه كي تمارس ما راته فرصاً سانحه للتاثير في المشهد السياسي الذي اسفرت عنه ديناميات ظاهره الربيع العربي.

وفي مقدمه هذه القوي – كما يوضح المؤلف - كانت تركيا التي عاودت تحركها علي صعيد الشرق الاوسط في محاوله ترمي الي استثمار، او اعاده استثمار، تاريخ طويل وحافل من علاقات انقره واسطنبول مع اقطار المشرق والمغرب العربي، وهو تاريخ يمتد بداهه الي اول سنه تعاطت فيه تركيا العثمانيه مع الشرق الاوسط العربي المسلم، وكانت بالتحديد سنه 1516 للميلاد.

وبعدها ظلت علاقات التعاطي متواصله بكل ابعادها السياسيه والاقتصاديه والثقافيه والاجتماعيه وحتي حلول سنوات العقدين الاول والثاني من القرن العشرين.

وفي المواضع الاخيره من الكتاب، يكاد المؤلف يسلّم بما سبق وان ابدته اوروبا الغربيه من مظاهر المؤازره والتفهّم للاوضاع التي اسفرت عنها ظاهره الربيع العربي، لكن المقولات شبه الختاميه لا تلبث ان تعترف بان التاييد الاوروبي اصبح خاضعاً لحالات من المراجعه او التريث او التحفظ.

دور ضئيل لاوروبا في حفز الانتفاضات

النقطه التي تهم القارئ العربي في سياق هذا الموضوع انما تتمثل في الاعتراف الموضوعي الذي يسجله المؤلف ويفنّد فيه الدعاوي التي تنسب الي غرب اوروبا بعضاً من الفضل في تحولات الشرق الاوسط التي حمل بعضها – كما هو معروف - وصف «الربيع العربي».

وهنا يضيف المؤلف قائلاً: ان الاتحاد الاوروبي قام بدور اكثر من ضئيل في حفز الانتفاضات الاجتماعيه التي شهدها العالم العربي، وعلي النقيض من ذلك، فانه بات مطالباً بان يرسم استراتيجيات جديده يتسني معها الاستجابه لعمليات الاصلاح الجاريه حالياً في منطقه الشرق الاوسط، وهي العمليه التي بدات (في راي المؤلف) في سنه 2010.

متغيرات السلب والايجاب لاتزال تغمر المنطقه

يري مؤلف كتاب "اوروبا في الشرق الاوسط"، ان مثل هذه العوامل، في حال اقترانها وتفاعل مكوناتها وتبلور النتائج التي اسفرت عنها، ادت في نهايه المطاف الي عزوف اطراف اليقظه العربيه علي نحو ما يقول تعبير المؤلف - عن تمهيد السبيل الي تعاون يجمع في اطار من التواؤم الحقيقي بين الطرفين العربي والاوروبي ويؤدي الي بناء تفاهم مجتمعي عبر البحر الابيض المتوسط.

هنا ايضاً يؤكد المؤلف اهميه ان تتدارس اوروبا الغربيه، باسلوب التعمق والتاني الموضوعي - تطورات ومالات الامور الحاليه في منطقه الشرق الاوسط، خصوصاً وان متغيرات السلب والايجاب لاتزال تغمرها وتؤثر في سياساتها ما بين العراق شرقاً الي تونس غرباً.

وما بين سوريا شمالاً الي اليمن جنوباً، فضلاً عن مصر بحكم موقعها المتوسط في المركز الجغرافي، ثم موقعها المتوسطي الي جنوبي البحر الابيض، كل هذه التطورات سوف يكون لها تاثيرها البالغ في المصالح الاستراتيجيه والاقتصاديه لدول غرب اوروبا.

وبمعني ان انشغال المنطقه الاوروبيه بامور المنطقه الشرق اوسطيه لن يكون مقتصراً علي الاهتمام السياسي او الانشغال الاكاديمي بقدر ما انه يظل - في تاكيد الكتاب ايضاً - عاملاً حاسماً ان لم يكن حيوياً في تطورات الامور علي صعيد الاتحاد الاوروبي نفسه عبر المستقبل القريب والبعيد علي السواء.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل