المحتوى الرئيسى

الحلقة (2): الموجة الثانية للثورة في مصر وتونس

02/03 02:43

* كان الهتاف بـ«اسقاط المرشد او اسقاط النظام» في مصر وتونس باكوره الموجه الثانيه من الثورات

* عادت مظاهرات ودعوات تدعو لعوده العسكر انقاذا للبلاد وترسيم خطه انتقاليه جديده

* واستمرت احتجاجات ومظاهرات اعضاء النيابة العامة في مصر اعتراضا علي تعيين السلطة التنفيذية للنائب العام الجديد مصره علي اسقاطه

تواصل «الشرق الأوسط» نشر حلقات من فصول كتاب «من بوعزيزي الي داعش: اخفاقات الوعي والربيع العربي»، من تاليف الكاتب والباحث السياسي المصري هاني نسيره الذي يعمل حاليا مديرا لمعهد العربيه للدراسات بقناه «العربيه» بدوله الامارات. ورصد المؤلف في كتابه الصادر عن «وكاله الاهرام للصحافه» - والتي حصلت «الشرق الاوسط» علي حق نشر حلقات من فصوله - سنوات الثورات العربية الاربع وتابع الكاتب تشابهاتها واختلافاتها، وحاول تفسير اسباب تعثر ثورات ونجاح اخري في اسقاط من ثارت بوجهه، حين اشتعلت من جسد بوعزيزي بتونس ومن اشباهه في مصر، الي الانتقال من دعوي الربيع العربي ووعده وامنياته الي حقيقه «داعش» الداهمه.

وفيما يلي الحلقه الثانيه من الكتاب:

* كانت تونس باكوره الموجه الاولي من الثورات العربيه عام 2011، واستلهمتها مصر في نفس العام سريعا، وبمقابل ذلك كانت ثوره 30 يونيو سنه 2013 المصريه التي اسقطت وانهت حكم الاخوان المسلمين بالكامل، باكوره موجتها الثانيه فاستلهمتها تونس التي شهدت في يونيو ويوليو سنه 2013 مظاهرات شبيهه بمظاهراتها تنادي بنهايه حكم الاسلاميين. وكما كانت احداث الاتحاديه في مصر زخما اودي بجلاديه كان مقتل محمد البراهمي بـ14 رصاصه امام منزله علي يد متطرفين زخما اودي بحكومه النهضه!

هذا بينما انتظر الليبيون كذلك انتهاء فتره المؤتمر الوطني العام الذي سيطر عليه هؤلاء ليثوروا في وجوههم من جديد، واكد ثورتهم فوز القوي المدنيه بانتخابات البرلمان الليبي التي عقدت في يونيو سنه 2014، ولكن ما هي الازمات التي صنعها الاسلاميون وهم في الحكم او الحكومه وسقطت بعد ذلك بهم؟ فكانت سببا في انتاج هذه الموجه الثانيه؟

في الشهور الاربعه الاولي من عصر مرسي، صدر عن منظمه حقوقيه مصريه، معتمدا علي وثائق وشهادات حيه، تقرير بعنوان «القتل مستمر» يمتد رصده من بدايه يوليو 2012 وحتي نهايه اكتوبر من العام نفسه. وقد وقعت الحالات الموثقه في هذا التقرير علي نطاق 11 محافظه، وكانت حصيله تلك الحالات التي تم رصدها، والتي لا تمثل الا عينه من الانتهاكات المستمره بشكل يومي علي يد الشرطه: مقتل 11 شخصا عن طريق الاستخدام غير القانوني للقوه او الاطلاق العشوائي للرصاص في المجال العام، وتعذيب ثلاثه اشخاص اخرين حتي الموت داخل اقسام الشرطه، بالاضافه الي العديد من حالات التعذيب وسوء المعامله في الاقسام واماكن الاحتجاز الاخري التابعه للشرطه، كما يضم التقرير قائمه بسبع حالات اخري وقعت خلال الفتره المذكوره لوفيات داخل السجون واقسام الشرطه توجد بها شبهه تعذيب ادي الي الوفاه، وهذا مثال لا حصر من واقع المشهد في مصر، وهذا خلال الشهور التاليه من حكم مرسي التي وصلت في نوفمبر وديسمبر عام 2012 لقمه تازيماتها واستمرت طوال الشهور الثلاثه الاولي من عام 2013.

لذا من المهم الا يمر عبورا ما شهدته مصر في الذكري الثانيه لثوره 25 يناير سنه 2013 الماضي وقبلها، والتي هتف الكثيرون باسقاط النظام والرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعه الاخوان المسلمين بقوه فيها، وانتفضت اغلب محافظات مصر ضد نظام الرئيس محمد مرسي، وهو ما اعتبره العديد من المراقبين - مؤيدين ومعارضين - محاوله او مخاض ثوره ثانيه تولد في الذكري الثانيه لثوره 25 يناير سنه 2011

وكذلك ينبغي الا يمر عبورا اقدام شاب تونسي علي حرق نفسه في 12 مارس سنه 2013 والذي توفي بعدها بيوم في نفس المشفي الذي قضي فيه بوعزيزي، في محاوله بوعزيزيه جديده ضد حكم النهضه، قامت علي اثرها تظاهرات في شارع الحبيب بورقيبه والقصبه، وعاد الهتاف من جديد وعاد الغضب والاحتقان والعنف الناتج عن توالد الازمات ولكن هل يمكن تكرار نفس التجربه حرفيا كما كان في موجه الثورات الاولي سنه 2011.

كان الهتاف بـ«اسقاط المرشد او اسقاط النظام» في مصر وتونس باكورتي ما يسمي الربيع العربي، باكوره الموجه الثانيه من الثورات، كانت اولي علامات نجاحها سقوط طلاب الاخوان والنهضه في الانتخابات الطلابيه في مارس سنه 2013، ثم في عدد من النقابات، التي سيطروا عليها لاكثر من عقد، وهو ما فسر استمرار نزيف المصداقيه الذي اصاب جماعه الرئيس المعزول والكثير من الاسلاميين منذ مشاركاتهم في البرلمان المنحل في يونيو سنه 2014، حتي توليهم الرئاسه، ففي عهدهم لم تكن تخلو اي مدينه يزورها مسؤول من حكومتيهما من مظاهره ضده بل عادت تظاهرات ودعوات تدعو لعوده العسكر انقاذا للبلد وترسيم خطه انتقاليه جديده كما شاهدت مصر في مظاهرات يوم الجمعه 15 مارس سنه 2013، ولكن حاول الجيش والقوات المسلحه التوسط في الحوار بعد احداث الاتحاديه في ديسمبر سنه 2013 ولكن رفضت رئاسه الاخوان توسطه بينها وبين القوي المدنيه التي رفضت الحوار معها.

* اولا: ازمات الدوله الاصوليه بين مصر وتونس:

* كما هي الاصوليه منظومه وعد! تستند للماضي المثالي وتبني باسترجاعه ما تراه مستقبلا مامولا، كانت دولتها كذلك دوله وعود، ولم تكن دوله واقع اصطدمت به واصطدم بها، كادت تسقطه فاسقطها..

شهد العام الاول من حكم الاخوان في مصر او النهضه في تونس ازمات هددت المجتمع المصري والتونسي واصطدمت بمفهوم الدوله المعاصره ومؤسساتها، قضاء واعلاما ومكونات اجتماعيه وسياسيه، رات المجتمع والدوله مجتمع دعوه بالمعني الديني ومعارضه غير مقبوله بالمعني السياسي.

بدات الازمه مصريا مع الاعلان الدستوري الذي حصن قرارات مرسي في 21 نوفمبر الماضي، وما ترتب عليها من اجراءات، رغم العنف في الخطاب ولغه التخوين الوطني والتفكير الديني السائده، وكذلك مع مشاهد الحضور المسلح والازمه التشريعيه والدستوريه والاقتصاديه والاجتماعيه في مصر ومعها ازمه مختلف مؤسسات الدوله دون حل او رؤيه قادره علي الحل، يؤثر البعض معها البحث عن المجهول او البحث بعيدا عن الانقاض!

واشتعلت الازمه اكثر مصريا مع الذكري الثانيه للثوره المصريه في 25 يناير سنه 2013، وللثورات ذكريات ونفحات تنشط فيها دائما، سواء في الموجه الاولي او الموجه الثانيه، ربما باستثناء ما تحول منها لما يشبه الحرب الاهليه سوريا وليبيا ويمنيا.

دفعت الذكري الثانيه للثوره المصريه المعارضين في الداخل، والمراقبين في الخارج، للحديث عن ازمه انهيار دوله القانون، بما فيهم وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي - الذي اصبح الرئيس المنتخب فيما بعد - في تصريحه المنشور في 29 يناير الماضي الذي اكد فيه نصا ان «الصراع السياسي في البلاد قد يؤدي الي انهيار الدوله» ثم ازدادت الاحداث احتداما وصراعا وسقط عشرات القتلي في الذكري الثانيه للثوره وكذلك الذكري الثانيه لمذبحه بورسعيد التي راح ضحيتها في فبراير سنه 2012 سبعون شهيدا، مما يجعل الازمه المصريه اكثر عمقا من مجرد الازمه السياسيه والدستوريه والتشريعيه، الماثله في قرارات غير توافقيه للرئيس المعزول الذي حصن قراراته في اعلانه الدستوري في 21 نوفمبر الماضي، وحصن معه التاسيسيه المطعون في دستوريتها - وما نتج عنها - وتم تاجيل الحكم الي جلسه 3 مارس سنه 2013، وكذلك استحواذ النظام الجديد علي بني الدوله وهياكلها واستهدافه لاستقلال القضاء والتشريع ومحاصره انصاره للهيئات القضائيه مرات عديده، بما فيها المحكمه الدستوريه العليا، وهجومها علي مقار لاحزاب وقوي المعارضه..

وبينما كان التوريث علي سبيل المثال واحدا من ابرز تهم ومبررات الاسقاط لمبارك خصوصا وكذلك بن علي والقذافي وعلي عبد الله صالح، فقد استبدلت بالتوريث وشائج قرابات السلطه الجديده ومصالحها، كما لم تحدث تحولات ملحوظه في مسارات ومستويات التنميه، وقد ارتفعت ديون مصر لاعلي مستوي لها علي مدار تاريخها وهو 1.6 تريليون جنيه، و«وصل احتياطي النقد الاجنبي خلال شهر فبراير (شباط) عام 2013 الي 13.5 مليار دولار، وهو ما يكفي بالكاد لتغطيه واردات مصر لمده ثلاثه اشهر» ويتراوح الاحتياطي السائل بالفعل بين سته وسبعه مليارات دولار فقط، مما زاد صعوبه الحصول علي الواردات بما فيها المواد الخام التي يحتاجها المصنعون المصريون، وشهدت البورصه المصريه تراجعا بنسبه 5 في المائه بدايه مارس سنه 2013، مستشعره خطرا يلوح في الافق، وما يفعله الرئيس محمد مرسي لوقف هذا التراجع ليس بالكثير. وظل مرسي مترددا لمده عام في التفاوض علي حزمه انقاذ قدرها 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، وهو مبلغ تحتاجه مصر بشده، ويماطل مرسي لقلقه من الغضب الشعبي تجاه الاصلاحات التي يريدها صندوق النقد الدولي ومنها خفض الدعم، الذي يستنفذ 25 في المائه من ميزانيه الدوله، وتذهب 50 في المائه من الميزانيه لدفع فوائد الديون ورواتب العاملين في القطاع العام.

كما امتدت هذه الازمه فكريا مع صعود فتاوي القتل وبعض وجوه العنف الديني في مصر وتونس، وانتشار الاحتجاجات وموجات العصيان المدني في بعض المناطق وقطاعات مهمه كالشرطه ورجال الامن، وتهديد الامن القومي الحدودي او المصالح الحيويه كالموانئ والقناه، فضلا عن استمرار الازمه السياسيه والدستوريه بعد اقرار الدستور الجديد اواخر شهر ديسمبر سنه 2012 رغم كونه اكثر اعتدالا. كذلك كان الصعود السلفي الجهادي الذي حاول ان يفرض احكامه علي الشارع في ظل حكم الاخوان والنهضه! ويمكننا التدليل علي الازمه العميقه للتسلطيه الناشئه بازمه الحكم في مصر مع مؤسستي القضاء والاعلام وكذلك مع قضيه المدنيه والمواطنه.

* معارك مع القضاء والاعلام:

* يبدو ان التسلطيه الناشئه، بنظامها الايديولوجي والتنظيمي، تخشي بشكل رئيسي القضاء كسلطه دستوريه حاكمه وضابطه والاعلام كسلطه شعبيه، ولا تريدهما الا متحيزه لها ولمصالحها وممارستها بشكل رئيسي، ورغم ان القضاء هو من اشرف علي كل الانتخابات التي فاز فيها الاسلاميون قبل الثوره مثل انتخابات 2005 او الانتخابات النقابيه، وكذلك علي اربع اختيارات شعبيه كبيره منذ ثوره 25 يناير في مصر، بدءا من الاستفتاء علي التعديلات الدستوريه حتي الانتخابات الرئاسيه، الا انه منذ حكم المحكمه الدستوريه العليا بحل البرلمان في 14 يونيو تعالت نوبات التشنج والاتهام للقضاء من قبل الاسلاميين سلطه وقوي في الان نفسه، وبداوا يتلبسون قميص المحاكمات الثوريه واتهامات المؤسسات القضائيه علي طريقه شباب الثوره في اتهام المؤسسه القضائيه ورجالاتها وانهم من بقايا النظام السابق، رغم انهم من كانوا يرفضون ذلك اثناء انعقاد جلسات البرلمان المنحل!

ورغم ان الرئيس المصري المعزول محمد مرسي اتي لناخبيه محمولا علي وعود انقاذ الثوره والفصل بين السلطات واحترام احكام القضاء، واحترام الدستور، الا ان اول قراراته كان لصالح جماعته او عشيرته - التعبير الاثير لديه - في 8 يوليو معبرا عن ذلك ومصطدما بالمحكمه الدستوريه العليا التي اقسم امام جمعيتها العموميه علي احترام الدستور، حيث اصدر القرار رقم 11 لسنه 2012 بعوده مجلس الشعب ويلغي قرار حله ويدعوه للانعقاد وايده فيه عدد من المثقفين الذين عارضوه فيما بعد، وخاصه بعد الازمه الدستوريه، ولكنه تراجع عن هذا القرار يوم 11 يوليو.

ولكنه عاد لنفس المنطقه ثانيه وبنفس التوجه مراوغا في 11 اكتوبر حيث اصدر قرارا بتعيين النائب العام عبد المجيد محمود سفيرا لمصر في الفاتيكان، والقضاه (النادي والمجلس الاعلي للقضاء) والنائب العام يرفضون، وازمه تصر علي تراجع الرئيس، واعتبر صدور القرار يوما اسود في تاريخ القضاء المصري.

ولكن بعد ذلك بيومين فقط 13 اكتوبر تراجع مرسي ثانيه عن قراره واستقبله مع وفد من القضاء بحجه سوء الفهم، بعد ثوره وخضه كبيره في اوساط القضاء، بشكل عنيف قادها نادي قضاه مصر وعدد كبير من ممثلي استقلال القضاء وانضم لهم بعض رموز القضاء مثل المستشار طارق البشري.

ثم اعاد الكره ثالثه باعلانه الدستوري الجديد في 21 نوفمبر سنه 2012 والذي اقال فيه النائب العام عبد المجيد محمود وحصن فيه قراراته السابقه واللاحقه واصدر الرئيس محمد مرسي اعلانا دستوريا تضمن عده مواد اهمها اعاده التحقيق في كافه قضايا القتل للمتظاهرين والتعذيب واعاده التحقيق والمحاكمات في جرائم قتل الثوار وفقًا لقانون حمايه الثوره، وهو ما يستحيل حدوثه ما لم تتوفر ادله جديده، كما اتضح في مادته الرابعه تمرير مشروع الدستور استعجالا حيث عدل وفقه الماده 60 من الاعلان الدستوري الصادر في 30 مارس سنه 2011 لتكون مدته سته شهور من تاريخ تشكيل التاسيسيه وليس ثمانيه شهور كما كان ينص الاعلان الدستوري المشار اليه.

وقد جاءت الماده الخامسه من هذا القرار تغولا والغاء واضحا لدور القضاء واستقلاله، حيث تنص تنصيصا علي انه «لا يجوز لايه جهه قضائيه حل مجلس الشوري او الجمعيه التاسيسيه لوضع مشروع الدستور». كما صدر قرار من الرئاسه نشر في الجريده الرسميه بتعيين نائب عام جديد بديلا للنائب العام السابق، وقرار اخر بمنع معاشات استثنائيه لاسر الشهداء، وهو ما اتي متاخرا بمثابه لذه اخر الطعام الدسم، الذي تفجرت بسببه ازمات القضاء، وهو ما اعقبه عموميه طارئه للقضاء يوم 23 نوفمبر، واخري للصحافيين ومليونيه واعتصام في التحرير، وتعليق محكمه النقض لعملها يوم 29 نوفمبر، وعمت المظاهرات ميادين مصر وتمت اشتباكات الاتحاديه الاولي، واستقال علي اثرها عشره مستشارين من مستشاري الرئيس، وغيرها من الاحداث كان من ابرزها تعليق محكمه النقض لعملها في 29 نوفمبر الماضي باغلبيه 231 عضوا من اعضائها ومعارضه 19 عضوا فقط.

واستمرت احتجاجات وتظاهرات اعضاء النيابه العامه في مصر اعتراضا علي تعيين السلطه التنفيذيه للنائب العام الجديد مستمره ومصره علي اسقاطه، رغم محاولات وزير العدل غير الناجعه لايجاد مخرج امن للمشكله، رميا للكره في ملعب المجلس الاعلي للقضاء والعكس، وقد اعلن نادي القضاه رفضه الاشراف علي الاستفتاء علي الدستور وهو ما التزم به غالبيه القضاء الجالس او العالي، بما يوازي 14 الف قاض من بين 16500 قاض كثير منهم من معاوني النيابه المعينين حديثا، المهددين في وظائفهم حال لم يستجيبوا للاشراف.

وتونسيا نشب في ديسمبر سنه 2012 خلاف حاد في المجلس التاسيسي ضد ما اراده اعضاء حركه النهضه في المجلس التاسيسي من انه لا يجب علي هذه الهيئه ان تكون مستقله، ويري العديد من المراقبين انه كان ثمه سعي جاد من النهضه للسيطره علي القضاه وارهابهم في ظل عدم وجود هيئه لتسيير القضاء، ما برحت تعتمد سياسه «العصا والجزره» مع القضاه، فاما «الاقصاء والعزل» واما «اطاعه الامر» وقد حاول الغاء صفه الاستقلال عن الهيئه العدليه التي تماثل المجلس الاعلي للقضاء في مصر، مؤكدين ان هذه الهيئه يجب ان تكون تابعه للسلطه التنفيذيه مباشره، لكن رفض نواب المجلس التاسيسي المدنيون هذه التبعيه المدعاه وحافظوا علي استقلال القضاء في مسوده الدستور. وقد استمر النزاع بين النهضه الاكثر مرونه من الاخوان والقوي المدنيه الاخري خاصه مع صعود الارهاب في جبل الشعانبي وعمليات انصار الشريعه في عدد من الاماكن وانتهي بخروج ناعم للنهضه من الحكومه وتشكيل حكومه تكنوقراط بقياده مهدي جمعه في 10 يناير سنه 2014 رغم ما ابدوه من عدم رغبه في ذلك طوال الفتره السابقه.

ولكن لا بد ان نشير الي ان النهضه وحكومتها في تونس كانت اكثر مرونه واقل قدره ووطاه - ان لم تكن اقل رغبه - علي حسم الامور في تونس التي تقوي قواها المدنيه ووعيها المدني الشعبي، قياسا لحكم الاخوان ومرسي في مصر الذي نجح سريعا في حرق المراحل، وتجاوزها رغم اعتراضات المعارضه وتحفظات مؤسسات رقابيه وقضائيه اخري علي ما خطه من مسار ومرجعيه دستوريه، فتونسيا وتحديدا في مارس 2012 تخلت النهضه عن مطلب بالتنصيص ضمن الدستور الجديد الذي يعكف علي صياغته المجلس الوطني التاسيسي (البرلمان المؤقت) وهو ما اصاب التيارات الاسلاميه بخيبه امل كبيره بعد تخلي النهضه عن مطلبها، وموافقتها علي مقترحات المعارضه بالابقاء علي الفصل الاول من دستور 1959 الذي يقول ان «تونس دوله حره، مستقله، ذات سياده، الاسلام دينها، والعربيه لغتها، والجمهوريه نظامها»، كذلك تراجعت النهضه مره اخري في اغسطس (اب) 2012 وتحديدا «لجنه الحريات والحقوق» بالمجلس التاسيسي، تحت ضغوط واحتجاجات وتظاهرات المعارضه العلمانيه ومنظمات المجتمع المدني، عن اعتماد مشروع قانون تقدمت به حركه النهضه وينص علي مبدا «التكامل» بين الرجل والمراه عوضا عن «المساواه»، وراي المحتجون ان عباره «تكامل» قابله لاكثر من تاويل وقد تكون مدخلا لضرب المكاسب الحداثيه للمراه التونسيه التي تحظي بوضع حقوقي فريد من نوعه في العالم العربى بفضل مجله الاحوال الشخصيه الصادره في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبه الذي حكم البلاد من 1956 الي 1987. وقد دعت «هيئه التنسيق والصياغه» المكلفه بمراجعه ما يتم تضمينه في الدستور من مشاريع قوانين قبل ان يعتمدها المجلس، ان ينص الفصل 28 من باب الحقوق والحريات علي «مبدا المساواه بين الرجل والمراه، والمحافظه علي تكافؤ الفرص، مع اعتماد معيار الكفاءه»، اضافه الي «تجريم العنف ضد المراه».

وفي 17 اكتوبر 2012 اعلنت حكومه الجبالي (التي استقالت علي وقع اغتيال شكري بلعيد في 19 فبراير سنه 2013) موافقتها علي مطالب الصحافيين الذين نفذوا، في اليوم المشار اليه، اضرابا عاما هو الاول في تاريخ الصحافه التونسيه، لتطبيق المرسومين 115 و116 اللذين ينظمان قطاع الصحافه والاعلام، بعد ان رفضت تطبيقهما المرسومين، رغم انهما نشرا في الجريده الرسميه بعدما صادقت عليهما الحكومه السابقه برئاسه الباجي قايد السبسي في نوفمبر 2011، وقال مراقبون ان الحكومه تعمدت عدم تطبيق المرسومين حتي يتسني لها تعيين مقربين منها علي راس وسائل الاعلام العموميه «خدمه لاجنداتها السياسيه والانتخابيه». وينظم المرسوم 115 «حريه الصحافه والطباعه والنشر» فيما ينص المرسوم 116 علي «احداث الهيئه العليا المستقله للاتصال السمعي والبصري»، وهي هيئه «تعديليه» تتولي تعيين مسؤولي المؤسسات السمعيه والبصريه العموميه وتحمي استقلاليتها ازاء السلطات.

ويري محللون ان النهضه اخطات التقدير عندما اعتقدت انها تستطيع فرض مواقفها ومشاريعها علي بقيه الطبقه السياسيه والمجتمع المدني في تونس بحجه امتلاكها «شرعيه» انتخابات 23 اكتوبر 2011.، لذا تغبط النهضه حكم مرسي في مصر الذي استطاع فرض ما اراد وتحصين ما اراد من قرارات وجمع كل الصلاحيات بيده فتره طويله من الوقت.

كذلك زادت حده القمع للاعلام والمؤسسات الاعلاميه، قبل نجاح الموجه الثانيه من الثورات، تجاه حريات الراي والتعبير، مثالا دالا علي ذلك ما حدث في مصر فجر يوم التاسع من مارس سنه 2013 من هجوم جماعه «حازمون» علي احدي صحف المعارضه (جريده الوطن) او مقر جريده «الوفد» وحزبها، الاقدم والاكثر عراقه في تاريخ مصر الحزبي الحديث، يوم 15 ديسمبر سنه 2012، او حصار مدينة الإنتاج الإعلامي المصرية الذي بدا قبل ذلك باسبوع في 7 ديسمبر من نفس العام.

وهو ما نراه يقف وراء نفس الذهنيه التي هاجمت قناه «نسمه» التونسيه في 10 اكتوبر سنه 2011 او اقتحمت قناه «العاصمه» الليبيه في 8 مارس 2013، وتعدت علي مراسل احدي القنوات، واحتجبت صحف ليبيه في 9 مارس اعتراضا علي هذا الحادث، كما لا يمكن فصل هذه الحوادث عن نحو مائه قضيه حريه راي وتعبير في بلد كمصر بعد الثوره، ما بين حجب وحظر وقتل وتعد وغلق قناه او صحيفه واحتجاب 11 صحيفه مستقله وحزبيه يوم 4 ديسمبر سنه 2012 اعتراضا علي الاعلان الدستوري للرئيس محمد مرسي في 21 نوفمبر وتداعياته حتي حصار المحكمه الدستوريه العليا قبل ذلك بيومين وفي مارس تم الاعتداء علي الصحافيين اثناء تغطيتهم للتظاهرات امام مكتب الارشاد في 16 مارس سنه 2013 وهو ما توالت حلقاته ولا تزال في مصر.

وفي نفس السياق لم تختلف ازمه الاعلام التونسي كثيرا عن ازمه الاعلام المصري، فحسب مركز تونس لحريه الصحافه تعرض 36 صحافيا لانتهاكات خلال شهر ديسمبر 2012، واكثر من 50 صحافيا تعرضوا لانتهاكات مماثله في شهر يناير الماضي، سواء عبر احالتهم للقضاء، او الاعتداء عليهم. كما تزايد عدد الدعاوي القانونيه، المرفوعه ضد الصحافيين بتهمه «انتهاك القيم الاسلاميه»، كما تمت محاكمه 6 صحافيين في شهر ديسمبر 2013 اي بمعدل محاكمه كل 6 ايام، وهو ما لم يحدث في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وفيما يتعلق بالقنوات التلفزيونيه، تعرضت قناه «الحوار» الخاصه التي يملكها الناشط الحقوقي الطاهر بن حسين، والتي تنتقد بشده سياسه حركه النهضه لمضايقات مختلفه.

وفي السادس من فبراير عام 2013 قتل المناضل والناشط السياسي المعارض لحكومه النهضه في تونس شكري بلعيد برصاصتين غادرتين امام منزله، وفق فتاوي لتيارات سلفيه صاعده تستحل دمه، اعطتها سلطه الاسلاميين مساحات حاضنه ومتفاعله معها، واكدت المعارضه علي ان من فتح قصر قرطاج لامثال هؤلاء هو المسؤول عن اغتيال بلعيد، الذي يعد الثاني في تاريخ تونس بعد الاستقلال، ثم اغتيل بعده محمد البراهمي في 25 يوليو سنه 2013 وهو ما فتح الباب بقوه نحو التغيير ونحو خروج ناعم للنهضه من الحكم..

* ذكوريه وتمييز معاد للمراه والاقليات:

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل