المحتوى الرئيسى

«الفتح العربى» | المصري اليوم

01/31 21:52

قد مهدنا بسلسله مقالات قدمناها، وهي: الامبراطور هرقل، وشعب مقهور، وانبا صموئيل المعترف، وتقسيم إداري، وكساد تِجاري، وهل يحكمنا في المده من الثلاثين من نوفمبر 2014م الي الحادي عشَر من يناير 2015م.

تحدثنا في تلك المقالات عن احوال مِصر في اثناء حكم الروم، والصراع بين الروم والفرس الذي ادي الي اضعاف كل منهما في مواجهه الاخر. ايضاً كانت قسوه الروم وشدتهم وظلمهم قد وصلت الي اشدها في معامله المِصريين، وقد كان الحال هكذا في منطقه الشام باسرها.

وذكرنا ايضًا الحرب بين الفرس والروم، وكيفيه تعرض عدد كبير من المَسيحيِّين المِصريين للقتل والاسر، وتخريب ما يقرب من ستمائه دَير. واوضحنا ما نال المِصريِّين من الوان الذل والهوان، والاساليب المريعه لما كان يفعله المُوكل عليهم لجمع الضرائب من الشعب، والاضطهاد العقيدي الذي ظهر واضحًا في قسوته نحو قِبط مِصر، وتقسيم مِصر اداريًا لتفتيت وَحدتها.

وتحدثنا عن التجاره في شبه الجزيره العربيه والعَلاقات التِّجاريه بينها وبين مِصر، التي عمِل بها عمرو بن العاص علي تعرُّف مداخل مِصر ومخارجها وطرقها وابنيتها وجنودها الروم واسلحتهم، فقد تعددت الروايات الا انها جميعها تؤكد ان عمرو بن العاص قد دخل ارض مِصر في اثناء حكم الروم، وعرف طرقها، وهكذا ادرك طبيعه ارضها، والجنود الروم، واسلحتهم، وعرف حُصونها، وكنائسها، ومبانيها.

وفي ظل معاناه المِصريِّين من ويلات اضطهادات الروم الملكانيِّين الذين قتلوا وشرَّدوا، وطاردوا الافًا، حتي ان الاب البطريرك القبطي البابا بنيامين الثامن والثلاثين من بطاركه الاسكندريه كان بعيدًا عن كرسيّه- هاربًا انذاك من وجوههم بصعيد مصر- ليحمي الايمان، تاركًا كرسي الاسكندريه مده تقارب ثلاث عشره سنه، منها عشر سنوات كان يحكم فيها الروم الي ما بعد فتح مِصر علي يد عمرو بن العاص. واقتبس هنا كلمات د. ويليام سليمان: «ان كنيسه مِصر لم تنسَ الحِقبه الاولي من تاريخها قط، عندما لقِي الاقباط كل تعنت واضطهاد علي ايدي المَسيحيِّين الملكانيِّين الذين ساموهم- باسم المسيحيهـ اشد انواع العذاب... تاريخ اسود من قرن الخَرُّوب...».

وفي الوقت نفسه، بدات الدعوه في شبه الجزيره العربيه التي شرحنا جغرافيتها واقسامها من خلال تقسيمين اساسيِّين: الاول التقسيم اليوناني والروماني، والثاني لمؤرخين اخرين. ثم عرضنا لبعض سمات اهل هذه البلاد من معرفه القراءه والكتابه والشعر والعبادات التي انتشرت فيها انذاك في مقاله بعُنوان شبه الجزيره العربيه.

ومع بَدء ظهور الاسلام، حدثت الهجره الاولي الي الحبشه، ثم الهجره الثانيه اليها بعد تعرض المسلمين للعنف والاضطهاد. وقد كان حاكمها يسمي النجاشي، وقد وصفه الرسول بانه لا يُظلم عنده احد. وكانت الهجره الاولي في رجب من السنه الخامسه، وعاد المهاجرون في شوال من العام نفسه، وقد ذُكر ان عددهم اربعه عشَر من الرجال والنساء الذين هربوا من مكه. وتذكر المراجع التاريخيه ان المسلمين لاقوا معامله طيبه من الاحباش، ولكنهم لم يمكثوا فيها اكثر من ثلاثه اشهر عادوا بعدها الي بلادهم. ومع ازدياد الاضطهاد كانت الهجره الثانيه، وكان عدد المهاجرين اليها تلك المره ثلاثه وثمانين شخصًا.

وقد عاش المسلمون في الحبشه في هُدوء وخير، وعمِلوا بالزراعه والتجاره. وكان لهم السلوك الطيب فاكرمهم الاحباش وعاملوهم معامله كريمه. وقد اعلن النجاشي ملك البلاد حمايتهم، فاستطاعوا ممارسه شعائر دينهم. امّا قريش فلم تتركهم في امن وسلام، اذ علِم اهلها بما وجدوه من تَرحاب، فاسرعوا في ارسال عمرو بن العاص وعبدالله بن ربيعه الي النجاشي حاملَين معهما هدايا كثيره اليه، وطلبوا اليه ان يسلمهما الفارين منهم، الا انه رفض ذلك، وحمي الاسلام في مهده.

وكان بعد انعقاد صلح الحُدَيبِيه بين الرسول وقريش ان الرسول ارسل برسائله الي الملوك من حوله يخبرهم بالاسلام عن طريق مبعوثين، فقد ارسل حاطب بن ابي بلتعه الي المقوقس حاكم الاسكندريه، وشجاع بن وهب الاسدي الي كِسري ملك الفرس، ودحيه بن خايفه الي القيصر «هرقل» امبراطور الروم، و«عمرو بن العاص» الي «ابني الجلندي» اميرَي «عمان».

وقد كانت الرساله الي مِصر موجَّهه الي «المقوقس» عظيم القِبط في مِصر - كما يسمونه- بصفته حاكمًا مدنيًا دينيًا رومانيًا. وعندما وصل «حاطب بن ابي بلتعه» الي «الاسكندريه»، التقي «المقوقس»، وقرا له الرساله التي نقدم لكم صوره لها:

ويذكر المؤرخون ان هناك حوارًا دار بين «المقوقس» و«حاطب»:

- المقوقس: الا تخبرني عن امور اسالك عنها، فاني اعلم ان صاحبك تخيّرك حين بعثك.

ـ حاطب: لا تسالني عن شيء الا صدَقْتُك.

ـ المقوقس: الامَ يدعو «مُحمد»؟

ـ حاطب: الي ان تعبد الله، ولا تُشرك به شيئًا وتخلع ما سواه، ويامر بالصلاه.

ـ حاطب: خَمْس صلوات في اليوم والليله، وصيام شهر «رمضان»، وحَج البيت، والوفاء بالعهد، وينهي عن اكل المَيته والدم.

ـ حاطب: الفتيان من قومه وغيرهم.

ـ المقوقس: فهل يقاتل قومه؟

فوصفه «حاطب». وارسل المقوقس هدايا وكانت تشتمل علي: «ماريا» واختها، وابن خالتهما، وبغله شَهباء، وحِمار اشهب، وثياب من قَُباطِي «مِصر»، وعسل من عسل «بنها»، ومال صدقه.

بعد وفاه الرسول، تولي الخلافه ابوبكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب. ويذكر المؤرخون ان «حاطب» لم يكُن وحده هو السفير بين المسلمين والمقوقس، فقد ارسل الرسول شرحبيل ابن حسنه الكندي، امّا كعب بن عدي التنوخي، فقد اُرسل مرتين في ايام الخليفه ابي بكر الصديق، والخليفه عمر بن الخطاب.

بدات الفتوحات العربيه قبل فتح «مِصر»، في العراق ثم «الشام»، حيث وقعت معارك كبيره، مثل: «اليرموك»، و«القادسيه»، و«نهاوند». وفي فتح «الشام»، كان المسلمون يوجهون رؤوس حرابهم نحو «دمشق» العاصمه، وكان الروم يقابلون ذلك بارسال قوات الي الجنوب من مواقع المسلمين حتي يتراجعوا الي الجنوب لاستعاده الارض التي فقدوها. الا ان هذا الاسلوب في الحرب لم يستطِع الروم ان يمارسوه في مِصر بسبب اختلاف طبيعه الاراضي المِصريه المنبسطه عن ارض «الشام». وثَمه سبب اخر: ان الحروب في الشام اضعفت قوه الروم من امكانات حربيه وجيوش، اضافه الي المشكلات الداخليه للروم في مِصر.

وبالعوده الي عدد كبير من المصادر التاريخيه المتنوعه، وجدنا ان خُطوات فتح مصر كانت كالاتي:

استاذن «عمرو بن العاص» الخليفه عمر بن الخطاب في فتح مِصر ما بين العامين الثامن عشَر والتاسع عشَر الهجريَّين. ثم دخل عمرو بن العاص بجيشه الي العريش في نوفمبر من عام 640 م. ثم ساروا من «العريش» الي «الفَرَما»، التي كانت تُعد احد الحصون القويه في ايام الفراعنه من جهه الشرق، في يناير من عام 641 م. وما ان بلغ «المقوقس» دخول العرب الي «مِصر»، حتي ارسل جيشًا، وتلاقي الجيشان عند «الفَرَما». وقد حاصر «عمرو» «الفَرَما» شهرًا، وحدث قتال شديد بين الجيشين، وانتصر «عمرو». الا ان بتلر استوقفه موقف «المقوقس» في انه لم يُرسل جيوشًا كثيره لمواجهه عمرو بن العاص وجيشه، ويري ان هذه هي بدايه خيانه «المقوقس» لدوله الروم باعانه عمرو بن العاص علي دخول «مِصر». وهنا نذكر كلمات «المقوقس» الي عمرو بن العاص الوارده في كتاب فُتوح مِصر: «لا تنقض بالقِبط، وادخِلني معهم، والزِمني ما لزِمهم، وقد اجتمعت كلمتي وكلمتهم علي ما عاهدتك عليه... وامّا الثانيه ان سالك الروم بعد اليوم ان تُصالحهم، فلا تُصالحهم حتي تجعلهم فَيئا وعبيدًا، فانهم اهل ذلك». وكان عمرو بن العاص يعلم ان «المقوقس» ضد القِبط، ويسعي لتامين نفسه، وذلك من خلال زياراته لمِصر قبل الفتح.

ثم تقدم عمرو بن العاص، في فبراير، من «الفَرَما» الي «بلبيس»، مارًا بـ«القواصر» ولم يجد مقاومه تُذكر هناك. حتي وصل الي «بلبيس»، وقاتل فيها قرابه شهر حتي استطاع فتحها، فطلب المَدد من الخليفه «عمر بن الخطاب» الذي ارسل اربعه الاف جندي، وتمكن من فتحها في مارس.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل