ديفيد هيرست: اكتمل انقلاب القصر السعودي

لقد اكتمل انقلاب القصر. ففي مرسوم ملكي بعيد المدي اصدره مساء الخميس، اقدم العاهل السعودي الملك سلمان علي تفكيك تركه اخيه غير الشقيق عبد الله، واضعا المملكه علي طريق اعاده تموضع اقليمي كبير. وتوجد الان علي الطاوله ملفات هامه، منها التقارب المحتمل مع كل من تركيا وقطر، واستعاده الدور التقليدي الذي طالما قامت به السعوديه للتوسط بين فتح وحماس، واحداث تغير نوعي في المسانده التي منحتها الرياض لحكام مصر العسكريين.

لا مفر بعد ازاله بيوت العنكبوت من التصرف مع العنكبوت نفسه، وذلك بالضبط ما حصل، حيث جرد الامير بندر بن سلطان من اخر دور تبقي له، وهو رئاسه مجلس الأمن القومي، ولعل هذا يكون فعلاً هو اخر العهد ببندر، او يكون بدايه عوده الاستقرار الي المنطقه.

وتم اعفاء اثنين من ابناء الملك عبد الله، الامير مشعل بن عبد الله امير مكه والامير تركي الذي كان اميراً للعاصمه الرياض، من منصبيهما. الابن الوحيد لعبد الله الذي بقي في منصبه هو الامير متعب، الذي يستمر في قياده الحرس الوطني. من الواضح انه لم يكن بين افراد هذه العائله من الحب ما يخشي فقده.

تم تعيين رجل دين محافظ، هو سعد الشثري – الذي يدافع عن الفصل بين الجنسين في التعليم، مستشارا خاصا للملك سلمان، الا ان ذلك قابله تكليف عادل الطريفي، وهو شاب ليبرالي كان مديرا عاما لقناه العربيه الاخباريه، بحقيبه وزاره الاعلام.

الا ان الرجلين اللذين خرجا من التعيينات الجديده بنفوذ يمكنهما من اداره البلاد هما محمد بن نايف ولي ولي العهد، ومحمد بن سلمان الذي تناط به الان ثلاثه ادوار، فهو وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي ورئيس مجلس الشؤون الاقتصاديه والتنمويه، وهو المجلس الذي استحدث مؤخرا. وسلمان له ابن اخر، هو عبد العزيز، الذي اصبح يشغل منصب نائب وزير النفط. يتضح من هذه التعيينات ان جناح السديريين نجح في تثبيت ابنائه من الجيل الثاني في بنيه النظام بشكل حاسم.

استهل الملك سلمان عهده بشراء حب الشعب، وهو الامر ذاته الذي حاول القيام به الملك الراحل عبد الله خلال الشهور الاولي من الربيع العربي. بموجب القرارات الملكيه الاخيره سيحصل كل موظف من موظفي الدوله علي راتب شهرين اضافيين وسيحصل كل واحد من متقاعدي القطاع العام علي شهرين اضافيين من الدخل التقاعدي.

واما الطلاب، فسيحصل كل واحد منهم علي منح اضافيه، وسيحصل المعتمدون علي الضمان الاجتماعي علي تمويل شهرين اضافيين ايضا. وتقدر فاتوره كل هذا الانفاق بما يعادل 30 مليار دولار.

"ايها الشعب الكريم: تستحقون اكثر، ومهما فعلت لن اوفيكم حقكم، اسال الله ان يعينني واياكم علي خدمه الدين والوطن، ولا تنسوني من دعائكم". كانت تلك هي تغريده العاهل الجديد عبر حسابه في تويتر، وذلك بعد اسابيع قليله فقط من مؤشرات صدرت عن الرياض بانها قد تضطر الي خفض الانفاق الحكومي بسبب انهيار اسعار النفط. وحظيت تغريده سلمان بربع مليون "ريتويت".

لقد امطر الملك سلمان بعبارات الاطراء والثناء، وما من احد كان يعارض الملك عبد الله الا كال المديح لسلمان، وذلك ان الملك عبد الله، كما يقول مراقبون سعوديون مطلعون، كان خلال السنوات الاخيره من حياته قد تمترس وراء افكار ومواقف جامده ومتزمته.

اما سلمان، فهو بالنسبه لهم يمثل عوده الي الاعتدال الذي تميز به عهد الملك فهد. صحيح ان الملك الجديد اكد علي استمراره علي نهج سلفه، الا ان الايام السبعه الاولي من عهده كانت ابعد شيء عن ذلك، ولعل الخارج هو اول من سيلاحظ النقله التي تجري في عهده، ففي عالم تلعب العلاقات الشخصيه فيه دورا مهما في السياسه، من المهم تذكر من هم اصدقاء سلمان ومن هم اصدقاء ابن نايف.

ظل الملك سلمان باستمرار يحتفظ بعلاقه وطيده بالشيخ تميم بن حمد امير قطر، وبناء عليه يمكن القول بان التهديد الذي صدر عن المملكة العربية السعودية في العام الماضي بفرض حصار علي جارتها الصغيره او بطردها من مجلس التعاون الخليجي يبدو الان كما لو كان مجرد ذكري سيئه. وقد علمت من مصادر سعوديه بان محمد بن نايف ايضا يحتفظ بعلاقه وثيقه مع كبار المسؤولين الاتراك. ما من شك اذن في ان يكون قد ساءه ذلك الصدع الذي طرا علي العلاقات بين تركيا والمملكه العربيه السعوديه اثر تفجر الثورات العربيه في عام 2011، ليس فقط لان هاتين القوتين الاقليميتين تحتاج كل منهما الي الاخري لاحتواء النفوذ الايراني الاخذ في التمدد في العراق واليمن ولبنان وسوريا، ولكن ايضا بسبب علاقاته الشخصيه. ومن المتوقع ان يبادر الي راب الصدع وتجسير الهوه.

ولعله ايضا الوقت المناسب للعوده قليلاً الي الوراء لتذكير خصوم ابن نايف الشخصيين بما بدر منهم، اذ ان وزير الداخليه لم ينس بعد تلك المحادثه التي استغرقت ساعتين ونصف، بين ولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد وريتشارد هيس قبل اثني عشر عاما، والتي نعلم تفاصيلها بفضل تسريبات ويكيليكس. فاثناء حديثه عن والد ابن نايف، الذي كان وقتها وزيرا للداخليه، قال الامير الاماراتي لمحدثه انه حينما يري نايف فانه تترسخ لديه القناعه بان داروين كان محقا حين قال ان الانسان انحدر من القرد.

لدي ابن نايف، حسابات اخري قد يرغب في تصفيتها، وتتعلق بقضايا اقرب الي حاضرنا من تلك المتعلقه بوالده. ومن ذلك تلك القضيه المتعلقه بوكاله ارم للاخبار، التي تدار كغيرها من وسائل الاعلام الاماراتيه من قبل ديوان رئيس الدوله، حيث ان الوكاله شككت في صحه تعيين ابن نايف وليا لولي العهد، وزعمت ان سلمان لم يستشر هيئه البيعه في ذلك، وقالت: "لقد اثارت اليه اختيار محمد بن نايف من بين العديد من الاحفاد المهمين انتباه المراقبين".

لم يكن ما ذكرته الوكاله اعتباطيا. ومما يؤكد ذلك ان مقدم البرامج التلفزيونيه المصري يوسف الحسيني حاول القيام (التشكيك في ولايه عهد سلمان) بمجرد ان انتشر خبر مرض الملك عبد الله. وبحسب موقع اسرار عربيه، فقد جاء ذلك ضمن حمله خطط لها وادارها خالد التويجري المعزول من منصبه والذي كان امين سر الملك الراحل عبد الله، بهدف ضمان ان يؤول منصب ولي ولي العهد الي الامير متعب. وتقصي موقع اسرار عربيه الطريق الذي جري من خلاله املاء ما ذكره المذيع في برنامجه علي قناه اون تي في، حيث كانت البدايه من الديوان الملكي السعودي عبر مدير مكتب السيسي عباس كامل، وهو الرجل الذي سجلت له سرا مكالمه هاتفيه يطلب فيها ايقاف برنامج باسم يوسف الذي كانت تبثه قناه ام بي سي.

لم يسعف الوقت الثلاثي المكون من التويجري وبندر وابن زايد، فقد توفي الملك قبل ان يتمكنوا من تقديم منافس بديل لسلمان، والان بات اثنان منهم علي الاقل رجالاً من الماضي، وسنراقب بكل اهتمام ما ستؤول اليه اوضاع ثالثهما، فعلي الاغلب سيتم في نهايه المطاف كسر هذه السلسله من المكر والدسائس التي كانت ممتده من الرياض الي القاهره.

من الواضح ان التغييرات التي تجري في داخل القصر الملكي السعودي تؤتي اكلها. لم يحضر ابن زايد جنازه الملك عبد الله ولم يحضرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كذلك، هذا في الوقت الذي كان فيه في امس الحاجه الي حقنه جديده من النقد السعودي، وتعاني مصر من حاله غير مسبوقه من عدم الاستقرار وتخوض في سيناء عمليات عسكريه واسعه النطاق وتشهد شوارع مدنها وقراها احتجاجات شعبيه لا يبدو انها تتراجع حده علي الاطلاق. وفي الوقت نفسه تراجعت قيمه الجنيه المصري الي مستويات غير مسبوقه، وتبدو خيارات السيسي كما لو انها اخذه في التقلص.

في مثل هذه الظروف، ليس من مصلحه العسكر في مصر ان يفقدوا ممولهم الرئيس في الرياض، الا ان ذلك بات محتملاً في اي وقت. وحتي لو قرر ابن نايف الاستمرار في مد العسكر بالمال، فقد لا يصل المال دون ان يكون مشروطا، مع اهميه ملاحظه ان ثمه فرقا - باستمرار - بين الوعد بالتمويل والحصول علي المال نقدا.

وقد يطرا تغيير ايضا علي السياسه التي تعتبر جماعه الاخوان المسلمين منظمه ارهابيه. فقد استقبل سلمان بنفسه الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركه النهضه الذي جاء معزيا بوفاه الملك الراحل. وكان الغنوشي هو الشخصيه الاسلاميه الارفع مستوي التي يرحب بها في المملكه العربيه السعوديه. ولعل اقاله سليمان ابا الخيل، وزير الاوقاف والشؤون الاسلاميه، الذي كان العدو اللدود لجماعه الاخوان المسلمين، تنضوي علي مؤشر اخر الي ان السياسه تجاه الجماعه توشك ان تتغير.