المحتوى الرئيسى

لماذا نعاني من قصر النظر؟

01/27 22:30

تشكل المعاناه من قصر النظر احدي الشكاوي الاكثر شيوعا بيننا كبشر، لكن هل اساءنا في الاساس فهم اسباب هذا المرض، وسبل علاجه؟ في السطور التاليه يدقق الصحفي العلمي دافيد روبسون "النظر" بشده في هذا الموضوع بحثا عن اجابه.

عندما كنت في سن المراهقة، بدات قدرتي علي الابصار تضعف ببطء، فاضطررت لارتداء نظاره. ومع البدء بارتداء نظاره ذات عدسات قليله السُمْك الي حد كبير، سرعان ما تطور في اتجاه نظارات ذات عدسات مزدوجه.

"لماذا يحدث ذلك؟"؛ سؤال طرحته علي طبيب العيون الخاص بي، وانا اري تلك الاشكال الضبابيه التي تلوح لي علي لوحه قياس قوه الابصار، بينما يرصد الطبيب قياسات بصري التي تشير الي تدهوره بشكل اكبر. كانت اجابه طبيبي الدائمه عن السؤال واحده: بوسعك ان تلوم جيناتك وعشقك للقراءه.

لم يكن لديّ ما يدعو للتشكيك في صحه رد الطبيب، فربما سمعته انت ايضا من طبيبك الخاص اذا ما كنت مصابا بقصر النظر. لكن دراسات حديثه تشير الي ان مثل هذه الافتراضات خاطئه تماما.

فالعديد من الاشياء الاخري المرتبطه بالبيئه المعاصره التي نعيش فيها قد تؤدي الي تدهور القدره علي الابصار. وكذلك، فان اتخاذ بعض التدابير البسيطه قد يحول دون ان يعاني اطفالنا من تلك الرؤيه الضبابيه التي ابتُلِيّ بها جيلنا.

علي اي حال، لم تبد فكره الربط بين تدهور القدره علي الابصار وعوامل الوراثه امرا واقعيا بالنسبه لي.

فاذا كنت لا استطيع التمييز - حرفيا – بين الصخره وحيوان الكركدن ان لم اكن مرتديا نظارتي، افلا يعني ذلك ان اجدادي كانوا سينقرضون عن بكره ابيهم ولا يبقي لهم اثر - جيني حتي – عندما كانوا يتحسسون طريقهم، ويضيقون حدقات اعينهم، للتعرف علي مسارهم وهم يمضون بين حشائش السافانا في غابر الازمان؟

رغم ذلك، تنتشر المعاناه من قصر النظر بشكل وبائي، فنسبه من يحتاجون لارتداء نظارات في اوروبا والولايات المتحده تتراوح ما بين 30 الي 40 في المئه من مجموع السكان، وهي نسبه ترتفع الي نحو 90 في المئه في بعض الدول الاسيويه.

ولذا، فان كانت هناك جينات تسبب المعاناه من قصر النظر، فقد تمكنت تلك الجينات من البقاء لالاف السنين، بغض النظر عن العيوب الواضحه التي تتسم بها.

في الحقيقه، كان يفترض لتلك الاسئله المتعلقه بهذا الامر ان تجد جوابا قبل نحو نصف قرن من الزمان، وذلك بفضل تجارب ما يعرف بـ الـ"انويت" او "الاسكيمو"؛ وهو مصطلح يشير الي تلك المجموعه من البشر التي قطنت مناطق في شمال الكره الارضيه، من بينها كندا، علي مدي الاف السنين.

فبينما كان الجيل الاكبر سنا من الاسكيمو يخلو تماما من وجود اي حالات مصابه بقصر النظر، فان ما بين 10 – 25 في المئه من الاطفال المولودين لاباء ينتمون الي ذلك الجيل كانوا بحاجه لارتداء نظارات.

وتعقب نينا ياكوبسِن من مستشفي جامعه غلوسترب بكوبنهاغن بالقول:" لم يكن ذلك ليصبح احتمالا قائما قط، اذا ما تعلق الامر بمرض ينتقل من خلال الجينات".

وعلي مدار ذات الفتره التي ظهرت فيها تلك الحالات المصابه بقصر النظر، كان الاسكيمو قد بداوا في التخلي عن نمط حياتهم التقليدي القائم علي صيد الحيوانات والاسماك، لتبني نمط حياه اكثر شبها بذاك السائد في دول الغرب، وهو ما يمثل سببا مرجحا اكثر من غيره لتفسير تدهور قدرتهم علي الابصار.

يقول ايان فليتكروفت من المستشفي الجامعي للاطفال في دبلن:" قصر النظر مرض مرتبط بالعصر الصناعي".

وتشكل عوامل، مثل انتشار التعليم وحملات تعليم القراءه والكتابه جزءا من التغير الذي حل بالعالم مع العصر الصناعي، وهي عوامل يمثل وجودها احد التفسيرات الاكثر شيوعا للمعاناه من قصر النظر.

للوهله الاولي، يبدو الدليل علي صحه ذلك قويا: فما ان يلقي المرء نظره علي هذا العدد الهائل من النظارات التي تلمع طوال الوقت علي وجوه الحاضرين في اي قاعه للمحاضرات بالجامعه او باي مؤتمر اكاديمي، حتي يشعر بانه قد عثر علي برهان يثبت وجود مثل هذه الصله.

لكن الدراسات المتعلقه بعلم الاوبئه تشير الي ان تاثيرات عوامل مثل التعليم ومحو الاميه علي الاصابه بقصر النظر اقل كثيرا مما كان يُعتقد.

وقال فليتكروفت: "كلما امعنا في دراسه هذا الامر، وتعرفنا علي حجم ما يقرؤه الناس، وجدنا الرابط ما بين الامرين قد تلاشي".

اما ياكوبسِن فتقول ان نتائج دراسه كبيره تناولت متابعه تطور اداء الاطفال في ولايه اوهايو الامريكيه، اظهرت عدم وجود ارتباط علي الاطلاق بين قصر النظر والقراءه، وذلك بالرغم من انه يستحيل ان نستبعد بشكل كامل وجود تاثير للانغماس في القراءه علي ضعف الابصار.

بدلا من ذلك، يقول كثيرون الان ان البقاء لفترات اطول داخل المنزل هو العامل الذي يؤثر بشكل اكبر في مساله تدهور القدره علي الابصار، وليست القراءه.

فهناك دراسات تلو اخري جرت في بقاع شتي من اوروبا الي استراليا واسيا، خلصت الي ان من يقضون وقتا اطول خارج المنزل، اقل تعرضا للاصابه بقصر النظر، مقارنه بمن يقضون اغلب اوقات حياتهم حبيسي الجدران.

كيف ذلك؟ ثمه تفسير يحظي بالانتشار مفاده ان ضوء الشمس يزيد، بشكل ما، قدره العينين علي الابصار.

اجري الباحث سكوت ريد من جامعه كوينز لاند للتكنولوجيا تجربه مؤخرا زود فيها مجموعه من تلاميذ المدارس بساعه خاصه تسجل، كل ثلاثين ثانيه ولمده اسبوعين، كل حركه يقومون بها، وشده الضوء الذي يتعرضون له.

وكشفت الدراسه عن عدم وجود فوارق في مقدار النشاط ما بين الاطفال الذين ينعمون بقوه ابصار جيده ونظرائهم الذين يرتدون نظارات، وهو ما استبعد امكانيه ان يكون النشاط البدني، والتمتع بصحه جيده بوجه عام، سببا في حمايه العينين.

بدلا من ذلك، بدا ان قياسات عدسات النظارات، التي تستخدم لتصحيح الابصار، تعتمد – تقريبا علي وجه الحصر – علي الوقت الذي كان يُقضي تحت اشعه الشمس.

وعموما، تركيز ضوء الشمس الساطع يمكن ان يكون اقوي بالاف المرات من تركيز الاضواء المُستخدمه داخل المباني (علي الرغم من ان اعيننا ربما تخفي مثل هذا الاختلاف). وهكذا، كلما زادت كميه ضوء الشمس الذي ينعم به الاطفال، كانوا اقل حاجه للنظارات.

من جهه اخري، ربما يحفز ضوء الشمس جسم الانسان لانتاج فيتامين (د) المسؤول عن صحه جهاز المناعه والدماغ.

كما انه قد يكون مسؤلا عن تنظيم صحه العين. وكذلك، ربما يكون ضوء الشمس مُحفزا علي اطلاق ماده الدوبامين الكيميائيه التي تصل الي العين مباشره.

وتنجم الاصابه بقصر النظر عن استطاله مفرطه لمقله العين، مما يزيد من صعوبه ان تُجمِّع العدسه الصوره علي الشبكيه، ولكن يبدو ان ماده الدوبامين تكبح جماح مثل هذا النمو المفرط، لتُبقي علي طول المقله في حيزه الطبيعي.

بدلا من الفرضيات السابقه، ربما يتعلق الامر باللون. فالطول الموجي للون الاخضر وكذلك الخاص باللون الازرق يتجمعان علي الارجح امام شبكيه العين، بينما يتجمع الطول الموجي للضوء الاحمر خلف الشبكيه.

ونظرا لان الاضواء المستخدمه داخل المباني تميل الي ان تكون اكثر حمره من اشعه الشمس، يؤدي هذا التباين الي ارباك الاليات التي تتحكم في حركه مقله العين.

ويقول "تشي لو" من جامعه ملبورن: "هذا الاختلاف يجعل العين تشعر انها لا تركز علي المكان الامثل بالنسبه لها، ولذا يتعين عليها ان تتمدد بشكل اكبر لتعويض ذلك".

وقد اكتشف "تشي لو" ان الصيصان (صغار الدجاج) التي ربيت في مكان يغمره الضوء الاحمر كانت اكثر عرضه للاصابه بقصر النظر، مقارنه بتلك التي رُبيت في اماكن تصطبغ الاشياء فيها باللونين الازرق او الاخضر.

اما فليتكروفت فيعتقد ان المشكله تكمن في الفوضي التي تتناثر بها الاشياء التي تشغل المجال البصري للمرء. ولرؤيه ما يعنيه هذا الرجل، بوسعك القاء نظره علي ما يحيط بك.

ويقول فليتكروفت: "اذا ما نظرت الي شاشه الكمبيوتر المحمول، فستجد ان كل شيء خلف هذه الشاشه يقع خارج بؤره تركيزك من الناحيه البصريه، الي حد بعيد للغايه. وهكذا، فاذا ما رفعت عينيك من شاشه الكمبيوتر الي احدي الساعات المحيطه بك، ستشعر برد فعل كبير، فالساعه ستصبح في بؤره التركيز، بينما ستبدو الكثير من الاشياء القريبه من محيط شبكيه العين ذات رؤيه ضبابيه".

وعلي عكس ذلك، يبدو الامر في الهواء الطلق مختلفا، فالاشياء في هذه الحاله تقع عاده علي مسافات اكبر، وهو ما يوفر رؤيه اوضح، تساعد العين علي تنظيم حركتها ومدي تمدد مقلتها.

ومن المامول الا تنحصر اهميه مثل هذه الافتراضات في الجانب الاكاديمي فحسب، وذلك بالنظر الي انها قد تقودنا في النهايه الي تطوير سبل جديده لعلاج المصابين بقصر النظر.

فعلي سبيل المثال، يامل الباحث "تشي لو" في اجراء تجربه تتوفر في اطارها مصابيح زرقاء للاطفال المصابين بهذا الخلل البصري.

ولا تقتصر امال الباحث علي ان يؤدي هذا الامر الي الحد من وتيره التدهور في قدره هؤلاء الاطفال علي الابصار، وانما يتجاوز ذلك الي الطموح في ان تؤدي هذه الوسيله الي تصحيح ذاك الخلل تماما.

فخلال التجربه التي اجراها علي صغار الدجاج، وجد "تشي لو" ان من شان ابقاء تلك الطيور الصغيره بضع ساعات يوميا تحت مصباح ازرق، ازاله الاضرار التي حلت بقدرتها علي الابصار جراء المكوث تحت الضوء الاحمر، بل ان استخدام هذه الطريقه يؤدي الي اعاده هذه القدره الي سيرتها الاولي.

اما الباحث فليتكروفت فقد اشار الي ان هناك تجارب واعده لاستخدام عدسات لاصقه تؤدي الاستعانه بها الي تقليل الضبابيه التي تشوب ما يُعرف بالرؤيه المحيطيه، تلك المتعلقه برؤيه الاشياء الواقعه في محيط الشبكيه.

كما يشعر هذا الرجل بالتفاؤل ازاء امكانيه الاستفاده من دواء للعين علي هيئه نقاط يحمل اسم "اتروبين". وقد عُرِف هذا العقار طويلا بقدرته علي ابطاء الاشاره التي تؤدي الي تمدد مقله العين ما يصيب المرء بقصر النظر.

لكن الاثار الجانبيه غير المرغوبه لهذا العقار، مثل اتساع حدقه العين وخلق هاله تري حول مصادر الضوء، ادت الي وقف استخدامه من قبل.

غير ان استخلاصات بحثيه، تم التوصل اليها مؤخرا علي سبيل الصدفه، اظهرت ان فعاليه هذا العقار لن تقل باي شكل اذا ما اُعطي بجرعه تبلغ نحو واحد في المئه فحسب، من الجرعه التي كانت تعطي للمرضي سابقا.

وفي مثل هذه الحاله، يفترض ان تكون الاثار الجانبيه للدواء في ادني مستوياتها، وهو ما يعني التوصل الي اكتشاف قاد الي تجديد الاهتمام بذلك الدواء.

ولكن في الوقت الحالي، يشدد فليتكروفت علي ضروره الحرص علي الا نُقدِمُ علي اي تصرف متعجل.

فمن بين المفاهيم الخاطئه الشائعه مثلا ان ارتداء النظارات نفسها يؤدي الي تدهور القدره علي الابصار. وتشير تلك البراهين التي يسوقها البعض لتاكيد هذا المفهوم الي ضروره الاستغناء عنها بشكل كامل.

لكن تجربتي الشخصيه كشفت عن ان هذا امر مضلل للاسف، فبوحي من كتاب مثير للجدل يحمل عنوان "بصر اقوي بدون نظارات"، قررت خلعها، املا في ان يؤدي ذلك الي تحسن قياسات قوه الابصار لدي. لكن بدلا من ذلك، تدهورت هذه القياسات بواقع الضعف، خلال ثلاث سنوات.

أهم أخبار تكنولوجيا

Comments

عاجل