المحتوى الرئيسى

"مثقفون عرب يشكون من الظلم، وينكرون مظالم على الآخرين"

01/27 19:35

تحتفل المانيا ودول اوروبيه اخري هذه الايام بالذكري السبعين لتحرير معسكر اوشفيتس النازي الذي شهد مقتل اكثر من مليون انسان، معظمهم من اليهود، ورغم مرور هذه الفتره الطويله من الزمن والتي تخللتها ابحاث وتحقيقات دوليه اثبت وقوع المحرقه، لا يزال العالم العربي بعيدا عن الاعتراف بهذا الواقع المرير. DW عربيه حاورت الكاتب والباحث الاكاديمي كاظم حبيب الذي وجه قبل فتره نداءا الي المثقفين العرب والمسلمين طالب فيه بضروره الاعتراف بحدوث المحرقه وعدم الاستمرار في انكارها، فيما يلي نص الحوار:

DW عربيه:استاذ كاظم، قبل فتره وجهت نداءا الي المثقفين العرب والمسلمين للاعتراف بحقيقه المحرقه النازيه ضد اليهود وغيرهم في المانيا ابان الحقبه النازيه، ما هي ردود الفعل علي ذلك؟

كاظم حبيب: كانت هناك ردود فعل ايجابيه في الغالب من عدد غير قليل من الكتاب الذين يشاركون في قراءه مقالاتي. وكان المقال طويلا حول هل العقلاء العرب ان يعترفوا بالهولوكوست. وكانت التعليقات في الحقيقه التي وصلت علي مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الرسائل كانت جيده. ولكن الذين يختلفون معنا في فهم هذه القضيه، فاما هم لا يكتبون، او يكتبون ملاحظات سيئه جدا والتي تشير الي انه لا يزال هناك عقليه بنيويه خاطئه غير سليمه عند الكثير من هؤلاء القوميين اليمينيين الشوفينيين الذين لا يفهمون ما جري في المانيا في الحقبه النازيه او لا يريدون ان يفهموا ما حصل في فتره النازيه.

ولكن لا ادري بالضبط ان كان الموضوع قد تحول الي موضوع ساخن يتم مناقشته علي نطاق واسع ام لا. البعض من المعلقين برروا موقفهم الرافض للمحرقه بسبب استخدام هذه الماساه لصالح اسرائيل. وكان جوابي هو ان ذلك من حقهم ان يستفيدوا منها اذا كان الهدف هو مكافحه العنصريه. لكن هذا لا يعني ولا يبرر سياسه اسرائيل الخاطئه ازاء الشعب الفلسطيني.

الدكتور كاظم حبيب كاتب وباحث اكاديمي

في اوروبا ينكر اليمين المتطرف حدوث المحرقه لاسباب معروفه، فما هي الاسباب التي تدفع بالبعض في العالم العربي وخصوصا منهم المثقفين، الي انكار المحرقه وعدم الاعتراف بحدوثها؟ هل فقط بسبب القضيه الفلسطينيه؟

ـ انا لا اعتقد انها بسبب القضيه الفلسطينيه. اعتقد انها نتيجه موقف عنصري مناهض لليهود، لا استطيع ان اقول انه موقف معادي للساميه، لان العرب هم ايضا جزء من الساميين. عموما يمكن القول ان هناك موقفا معاديا لليهود من جانب بعض الحكام العرب ومن جانب التيار القومي العربي. ونجد هذا الموقف في فترات غير قليله في تاريخ العرب. لو رجعنا الي الوراء نجد موقف الخليفه عمر بن الخطاب من اليهود وطردهم من الجزيرة العربية وتحولهم الي العراق، حيث سكنوا في منطقه عانه. وكذلك نجد هذا الموقف في الفترات اللاحقه، حيث تعرض اليهود الي الكثير من الاشكاليات والكثير من الاضطهاد. وهذا الموقف هو عنصري بالاساس، واضيف اليه طبعا الموقف من فلسطين لاحقا.

وفي الواقع يعرف العرب جيدا ما حصل لليهود في المانيا وبولندا ودول اخري قبل وخلال الحرب العالميه الثانيه، الا انهم يغالون وينكرون هذه الحقيقه. ودعونا نعود الي تاريخ العراق، علي سبيل المثال، فنتذكر واقعه "الفرهود" التي حدثت بعد انقلاب ايار /مايو من عام 1941. ففي الاول والثاني من حزيران/يونيو من نفس العالم، اي بعد ايام من انقلاب رشيد عالي الكيلاني، حدثت مجزره رهيبه، تسمي في الكتابات العراقيه "بالفاجعه" في بغداد، وقبل ذلك حدثت احداث مماثله في البصره مع الفارق ان في البصره لم يقتل اليهود. ولكن في بغداد قتل في تلك الفاجعه اكثر من 145 يهوديا ويهوديه عراقي الجنسيه. كما سرقت اموالهم ونهبت وحرقت ممتلكاتهم ومحلاتهم التجاريه ولم يتدخل احد انذاك لوقف الفاجعه، رغم ان هناك في الجانب الثاني من نهر دجله، اي في الكرخ، حيث وقعت الفاجعه في جانب الرصافه، ففي صوب الكرخ كان هناك الجيش البريطاني وكانت هناك القوات العراقيه وكانت هناك هيئه تسمي هيئه الحفاظ علي امن بغداد، ولكن لم تفعل شيئا لمنع تلك الحوادث.

ومن المفارقات المثيره ان وزير الاقتصاد كان يونس السبعاوي والذي كان عمليا مسؤولا عن الانقلاب مع رشيد عالي الكيلاني، كان يحمل اسما حركيا داخل حزبه، حزب الشعب القومي العربي الشوفيني اليميني هو "فرهود". وتعني الكلمه في اللهجه العراقيه العاميه "بالسارق". وما حصل في بغداد في تلك الايام كان فرهودا بحق اليهود. هناك تراكم تاريخي في هذا المجال ما يعزز الموقف المعادي لليهود. تزامن ذلك مع وقوع حوادث مماثله في العالم العربي، لكنها لم تصل الي درجه المجازر، كما وقع في العراق. في نفس الوقت كانت اوروبا في تلك الايام غارقه في اضطهاد اليهود. ولابد من الاشاره هنا الي ان القانون الالماني الحالي يعاقب كل من ينكر وقوع المحرقه.

الا يلحق هذا الموقف ضررا بالعرب انفسهم؟

صوره لمعسكر اوشفيتس الذي تحول الي متحف

بطبيعه الحال، ولذلك كتبت في مقالي انه ينبغي علي العقلاء العرب ان يعترفوا بالمحرقه او الهولوكوست. عدم الاعتراف يعني بعباره اخري انهم يسمون انفسهم عنصريين. فهناك الكثير من الوثائق الرسميه والافلام الوثائقيه التي تثبت دون ادني شك وقوع المحرقه، فلماذا يتم انكار ذلك؟ انهم بشر مثلنا تماما. الاختلاف الوحيد بيننا هو انهم بشر يعتنقون اليهوديه. انها كارثه كبري ان يتعرض انسان بسبب دينه او مذهبه الي مجازر. ضرر اخر من اضرار عدم الاعتراف بالحقائق الدامغه يتعلق بتكرار تلك المجازر مره اخري. وهذا ما يحدث حاليا في المناطق التي يحتلها تنظيم "داعش" في العراق وسوريا.

ففي محافظات نينوي وديالي في العراق هي مجازر يرتكبها تنظيم "داعش" باسم الايديولوجيه وباساليب فاشيه، حيث تم قتل المئات والمئات من الايزيديين والمسيحيين ومن الشبك ومن التركمان ومن الشيعه، لسبب واحد فقط هو انهم يختلفون عنهم في الدين. وهذا ما حدث بالضبط في زمن النازيين ضد اليهود وغيرهم. لم يكن اليهود وحدهم ضحايا النازيه، بل قتل النازيون الاشتراكيين والشيوعيين والديمقراطيين المسيحيين الذين اختلفوا مع هتلر وحزبه في الموقف السياسي او الفكري او الاجتماعي.

التمييز بين الحق والباطل عنصر اساسي من عناصر التكوين الوجداني للانسان....

هذا صحيح جدا، عندما تري حقائق امامك وتنكرها يعني ذلك انك لا تمتلك خلقا انسانيه. هناك بعض العرب يشكون من الظلم اللاحق بهم، لكنهم لا يعترفون بالمظالم التي لحقت بالاخرين. ورغم ذلك لابد ان اشير الي ان بعض المثقفين العرب يعترفون بتلك الحقائق ولا ينكرونها. ولذلك لا يحق لنا ان نعمم الموقف الرافض للمحرقه علي كل العرب.

ـ اليمين المتطرف في اوروبا يتخذ موقفا عنصريا من المسلمين، كما هو معروف، ويهود اوروبا يشعرون بالعنصريه من قبل اليمين المتطرف ويشعرون بانهم مهددون ايضا من قبل جماعات اسلاميه متطرفه، هل لذلك ايضا علاقه بنظره العرب والمسلمين الي المحرقه؟

ـ لابد من القول ان اليمين المتطرف الاوروبي يتخذ موقفا موحدا ضد كل اتباع الديانات والثقافات الاخري. وهو موقف عنصري معادي لكل ما هو ليس اوروبي، حسب وجهه نظرهم. فانظر مثلا الي حركه بيغيدا ( اوروبيون وطنيون ضد اسلمه الغرب)، انها حركه ترفع شعار معاداه الاسلام، الا انهم معادون لجميع المهاجرين والاجانب في المانيا وفي اوروبا. القاسم المشترك بين المشاركين في هذه الحركات، سواء اكانت في المانيا او في دول اخري، هو العداء لكل انسان اجنبي. وهو موقف ايديولوجي عنصري وشوفيني ازاء القوميات واتباع الديانات الاخري. وهذا هو جوهر القضيه. وعلي هذا الاساس تلتقي حركه بيغيدا في مواقفها مع حركات نازيه داخل وخارج المانيا وهو ليس بالامر الجديد، خصوصا في المانيا.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل