المحتوى الرئيسى

يهودي صغير يودِعني

01/24 13:05

تلك الصوره في كتاب القراءه لتلاميذ الصف الثاني الابتدائي لا تُنسي، صوره الجندي العربي البطل الذي يشبه المطرب التركي إبراهيم تاتليسس بشاربيه الاسودين وشعره الاجعد ونظراته الصارمه الشجاعه وهو ينقض بحربه بندقيته علي الجندي الصهيوني الجبان طبعاً صاحب النظره الهلِعه المتوسله، ثم لن انسي بعد ذلك مصطلحات كثيره كالعدو الصهيوني الغاشم، والكيان العنصري، بل ان البعض لا يتجرؤون علي ذكر اسم اسرائيل دون تلك الديباجات، فتسمع الراديو وهو يبث برنامج (قواتنا المسلحه) الذي يتخصص في بث الروح العقائديه في صفوف افراد جيشنا الباسل طبعاً، وتسمع احدي التمثيليات التوجيهيه الكوميديه، وهي عباره عن حوار بين جنديين صهيونيين، فيقول اولهم واسمه ناعوم لصديقه ساحوم:

ـ هل تعلم بان علينا الحذر من الجيش السوري البطل!

ـ لانه جيش عقائدي شجاع لا يخاف.

ـ نعم صدقتَ يا ناعوم.

ـ كما انهم يلتفون حول قائد عظيم.

ـ ومن هو هذا القائد العظيم يا ناعوم؟

ـ انه سياده الرئيس المناضل الفريق الركن حافظ الاسد يا ساحوم.

وفجاه يهاجمهما جندي عربي سوري بطل ويقول مهدداً: قفا مكانكما بلا ايه حركه. من انتما؟ فيردان معاً: نحن من العدو الصهيوني الغاشم!

وكنا قد سبقنا هذه البرامج في مسرحياتنا المدرسيه التي كان مسموحاً لنا فيها ان نوجه الكلمات النابيه ضد العدو الغاشم حصراً، كما ان الادباء كتبوا الكثير عن هذا الصراع، لكن ما يهمنا هو ذلك الادب الذي خاف ايضاً من ذكر اسرائيل حاف، لا بد من الديباجات التقليديه. ها هو قاص قرا قصته عن شاب فلسطيني يحب فتاه يهوديه في الارض المحتله، فيسالها الفلسطيني: متي اتيت الي هنا؟ فترد الفتاه الاسرائيليه: اتي اهلي الي الكيان الصهيونى العنصري المزروع في قلب الامه العربيه عام 1948 قادمين من بولونيا!

المهم ما لكم بالطويله، فلقد شاءت الظروف ان امشي في شارع خلف شارع مدرستي حلب الخاصه الثانويه في حي الجميليه بحلب كي لا يراني الاذن عابراً دون ان ادخل، اذ انني كنت قد نويت الغياب عن الحصه الاولي من اجل صحن فول بطحينه من عند الفوال ابو حسن. فجاه رايت فتاه جميله شقراء بشعر قصير تحمل طفلاً في يديها تشير الي بالصعود اليها عبر درج طويل جميل يصل الي بيتها، فصعدت وفي راسي تتعارك الافكار الرومانسيه مع افكار الاثاره… قررت ان اكون رومانسياً في البدايه ريثما نتعرف علي الاجواء الفعليه لهذه الدعوه الانثويه الصباحيه، لا بد وانها مطلَّقه وزوجها الحقير ترك لها الطفل وهرب الي عوالمه المتهتكه، لذا اتزوجها ونربي الطفل معاً… كذلك قررت وانا اصعد الدرج الطويل اليها، وما ان وصلت حتي اشارت الي مبتسمهً ان ادخل البيت، وفرطت اعصابي يا شباب، سادخل… نعم سادخل!

ـ تفضل ادخل. كذلك قالت المدام. ودخلنا. البيت معتم تقريباً بفضل الستائر المسدله. يا سلام… الستائر مسدله، هناك اضاءه خافته جداً، الجو رومانسي جاهز اذن، ينقصنا فقط صحن الفول المشتهي من عند ابو حسن، لكن لا باس، لا مكان للفول في هكذا نوع من الجلسات، اصلاً الفتيات الموديرن يكرهن الفول كرهاً جماً… صوت رجل يرحب بي هزني رعباً ثم دمَّر افكاري بشقيها الرومانسي والمثير، بينما هي تقول لي ان امشي الي الامام قليلاً ثم انحرف الي اليسار. قبل ان انحرف شاهدت امراه عجوزاً جالسه فرميت عليها التحيه، فردت بابتسامه وتحيه. طلبت الفتاه بلطف ان اشعل تحت صحن من الجبنه والماء علي البوتوغاز، وطلب الرجل ان اشعل النار تحت ابريق الشاي ايضاً. خفتُ، لماذا لا يقومان بذلك، لماذا انا من سيشعل الغاز! وكانهما عرفا ما يدور في ذهني فعاجلني الرجل بالقول: نحن لا نعمل يوم السبت، حرام عندنا، لاننا يهود.

يهووود! يا عيني… يا ليلي… والله واكلتها يا ابو حسين وما حدا سمّي عليك، علقت بين ايدي العدو الصهيوني الغاشم، هل لانني قلدت الصهاينه في مسرحيات المدرسه وقلت للفدائي الفلسطيني: هيا اعترف يا احمد… ثم قمت بتعذيبه! هل لانني وضعت عصابه علي عيني وانا العب دور موشي دايان! هل جاءك موشي ديان محتلاً حلب وسيعاقبك بقطع لسانك لانك سخرت منه! هل اصبحت مكاتب مناحيم بيغن هنا! ولييي بس ما يعملوا مني فطير صهيون! وبدات باشعال الغاز بتوتر شديد، طلبا مني ان اشعل تحت قدور موضوعه علي نار فوانيس هادئه جداً، فاشعلت. طلبا ان اطفئ تحت الجبن واغسله واضعه في صحن من البللور ففعلت. طلبا ان انقل ابريق الشاي مع الكؤوس وعلبه السكر والملعقه الي الطاوله فنقلت. طلبا ان اقلي البيض بلطف شديد فقليت، وبعدها لم ادر كيف صرت خارج البيت، ودعتهما بسرعه البرق حالما انتهيت من مهماتي، لحقا بي الي الباب مع الطفل الصغير الذي لوح لي بيده ايضاً، يهودي صغير يودّعني!

دقيقه واحده فقط وكنتُ اكل الفول عند ابو حسن لاهثاً وانا انتظر ان تقبض علي المخابرات بتهمه اعداد فطور للعدو الصهيوني الغاشم.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل