المحتوى الرئيسى

مُترجم: كيف تشكل اللغة رؤيتنا للعالم

01/23 19:05

مترجم عن How language can affect the way we think

اجرت ليرا بوروديتسكي تجربه صغيره، حيث طلبت من مجموعه من الناس بداخل غرفه ان يغلقوا اعينهم ويشيروا في الاتجاه الجنوبي الشرقي. وعلي الرغم من تواجد مجموعه من اساتذه الجامعات البارزين في امريكا بالغرفه، الا انهم اشاروا تقريبًا الي كل الاتجاهات الممكنه مختلفين عن بعضهم البعض، وفي كل مره يتم اعاده التجربه لم يشر الي الاتجاه الصحيح سوي فتاه عمرها 5 اعوام من سكان استراليا البدائيين.

علقت بوروديتسكي، الاستاذ المساعد في علم الادراك بجامعة كاليفورنيا بسان دييجو، علي هذه التجربه بان الاختلاف بين هؤلاء الاشخاص كان في اللغه التي يتحدثون بها، حيث ان لغه سكان استراليا البدائيين لا تحتوي علي كلمات مثل اليسار واليمين، ولكنها تستخدم اتجاهات البوصلة لوصف الاتجاهات: الشمال والجنوب والشرق والغرب.

اذا اردت تعلم لغه اخري والتحدث بها بطلاقه، فربما ستضطر لتغيير الطريقه التي تتصرف بها بشكل بسيط ولكنه عظيم التاثير، وبالذات كيفيه تصنيفك للاشياء وما تلاحظه في العالم من حولك.

تقول انيتا باڨلينكو، استاذ علم اللغويات التطبيقيه بجامعه تمبل، ان الباحثين يحاولون حاليًا دراسه كيفيه حدوث هذه التغيرات، فعلي سبيل المثال، اذا اراد مجموعه من الناس الذين يتحدثون لغات مختلفه ان يصنفوا مجموعه من الاشياء او يلاحظوا محيطهم، فسيكون علي الاشخاص الذين يستطيعون التحدث بلغتين مختلفتين ان يحولوا تركيزهم للغه التي سيتم استخدامها، حيث تختلف مثلاً اللغتان الانجليزيه والروسيه في التفرقه بين الاكواب الزجاجيه وغيرها من الاكواب، تفرق بينهما اللغة الأنجليزية علي اساس الماده المصنوع منها الكوب (cup , glass)، بينما تفرق بينهما اللغة الروسية علي اساس الشكل (chashka , stakan) وليس علي اساس الماده.

وبناءً علي ابحاث باڨلينكو، فقد بدات تدريب مدرسي اللغات علي كيفيه مساعده طلابهم من متحدثي اللغه الانجليزيه في تصنيف الاشياء بالروسيه، فمثلاً يضع الطلبه الاكواب الزجاجيه وغير الزجاجيه في كومتين مختلفتين، ثم يُطلب منهم اعاده تصنيفها بالروسيه اي بناءً علي شكلها وليس مادتها كما فعلوا في المره الاولي. وتقول انه يمكن لمدرسي اللغات تطبيق انشطه اخري مثل هذه لتعليم طلابهم بدلاً من مجرد حفظ المفردات والكلمات!

وتشير باڨلينكو الي ان مدرسي اللغات يرون ان مثل هذه الابحاث والانشطه تحقق شيئًا لطالما اعتقدوا فيه وارادوا فعله، وان هذا سياخذهم بعيدًا عن مجرد تعليم الطلاب كيفيه نطق اللغات وترديدها فقط امام مدرسيهم.

وتقول باڨلينكو، انه مثلما اثبتت بعض الابحاث ان الانسان عند شعوره بالجوع فانه يستجيب اكثر لمحفزات الادراك المتعلقه بالطعام، فان التحدث بلغه اخري بطلاقه يعمل بنفس الطريقه.

اما عن الذاكره، فتقول باڨلينكو ان اللغة الأم للشخص يمكن ايضًا ان تكون عاملاً مؤثرًا، وتستدل علي ذلك بما حدث مع الروائي الروسي ڨلاديمير نابوكوف عند كتابه سيرته الذاتيه. حيث كان نابوكوف يتحدث ثلاث لغات، الانجليزيه والروسيه والفرنسيه، وتم نشر ثلاث طبعات من سيرته الذاتيه، صدرت الاولي بالانجليزيه، وعندما طلبت منه احدي دور النشر نشر سيرته باللغه الروسيه، وافق نابوكوف ظنًا منه انه فقط سيقوم بترجمه ما كتبه في المره الاولي.

وعندما بدا نابوكوف في الترجمه للروسيه، تذكر اشياءً عديده لم يستطع تذكرها في المره الاولي، مما انتج كتابًا مختلفًا في مضمونه نوعًا ما في المره الثانيه ونُشر باللغه الروسيه، وهذا ما جعل نابوكوف يكتب نسخه ثالثه من سيرته، رغبه منه في تقديم سيرته الذاتيه بشكل صحيح للقارئ الامريكي، واضطر هذه المره ان يتذكر ما يستطيعه عن حياته بالروسيه، ثم قام باعاده ترجمه ما كتبه للانجليزيه.

وقامت ليرا بوروديتسكي ايضًا في احدي ابحاثها بدراسه تاثير اللغه الام للشخص علي الذاكره، حيث درست الاختلافات بين ما يستطيع متحدثو الانجليزيه ومتحدثو الاسبانيه تذكره عن الاحداث التي يرونها، لم يكن هناك فارق في شهادات متحدثي اللغتين في حاله الاحداث المتعمده، بينما في حاله الاحداث العارضه او غير المقصوده اختلفت الشهادات، حيث استطاع متحدثو الانجليزيه تذكر فاعل الحدث بشكل احسن من متحدثي الاسبانيه، تقول بوروديتسكي ان الاختلاف نشا من الفارق بين اللغه الانجليزيه التي تهتم بذكر الفاعل دائمًا سواء كان الحدث عارضًا او متعمدًا، وبين الاسبانيه التي تهمل ذكر الفاعل في حاله الاحداث العارضه. وتري بوروديتسكي ذلك هامًا جدًا، وخصوصًا في شهادات شهود العيان.

كوجهه نظر معارضه لهذه الاستنتاجات، يري جون ماكورتر عالم اللغات بجامعه كولومبيا، – رغم اعترافه بوجود هذه الاختلافات فعلاً- ان هذه الاختلافات لا تهم ولا تشكل فارقًا حقيقيًّا في عمليه الادراك، ورغم ان التجارب اثبتت وجود هذه الاختلافات فعلاً في عمليه الادراك، والتي يمكن ربطها بالفوارق بين اللغات، الا انه يري انه لا توجد دلائل قويه علي تاثير اللغه التي نتحدثها علي رؤيتنا للحياه من حولنا، ويري ان عمليه الادراك لا تعمل هكذا ببساطه، ويطلق علي هذا “خدعه اللغه”.

ويستدل جون ماكورتر علي رايه باحدي الدراسات، والتي طلب فيها الباحثون من مجموعه من الاشخاص الذين يتحدثون فقط اللغه الماياويه، التي تستخدم ايضًا اتجاهات تشبه اتجاهات البوصله بدلاً من اليمين واليسار، ان يقوموا ببعض المهمات منها تذكر المسار التي اتخذته كره تتحرك داخل متاهه. ورغم اعتقادنا ان تنفيذ هذا باستخدام اتجاهات اليمين واليسار سيكون اسهل بكثير من استخدام اتجاهات البوصله، الا ان الاشخاص عينات البحث ادوا هذه المهمات بسهوله، واحيانًا بكفاءه اعلي؛ مما ادي بالباحثين للاستنتاج ان اللغه لم تكن عاملاً مؤثرًا في كفاءه تنفيذ هؤلاء الاشخاص لمثل تلك المهمات.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل