المحتوى الرئيسى

مصر أم الدنيا

01/23 10:05

تتوزع الجاليه التركيه في العديد من المناطق المتفرقه في العالم، فيوجد جزء منهم في اسيا الوسطي.

التي تقع بين الهند والصين وروسيا من ناحيه، مرورا بالدول العربية في منطقه الهلال الخصيب مثل العراق والاردن وسوريا وايران من ناحيه اخري، وصولا الي دول أوروبا وابرزها بلغاريا والنمسا وقبرص واليونان وابرزها المانيا، مثلت كل من مصر والمانيا علامات فارقه في تاريخ الاتراك من القرن السادس عشر حتي الان، كما لعب الاتراك في المقابل دورا مؤثرا في تاريخ وحاضر البلدين، وعلي الرغم من ابتعاد المانيا عن مصر من الناحيه الجغرافيه، الا اننا نستطيع رصد اثر التجربتين الفارقتين في تاريخ الاتراك القادمين من تركيا والبلقان الي مصر والمانيا علي النحو التالي:

< مصر تستقبل الاتراك في 1517:

اول خاصيه يمكن ان نرصدها من نزوح الاتراك الي البلدين هو ان مصر استقبلت الاتراك استقبال الفاتحين المسلمين القادمين مع السلطان سليم الاول في عام 1517، في الفتح العثماني عندما هزم سليم شاه او الاول السلطان الغوري في معركه الريدانيه ومرج دابق في شمال سوريا بالقرب من حلب، وكان الغوري ينتمي الي الدولة الطولونية التي كانت تحكم مصر في ذلك الوقت، كما يذكر الدكتور اكمل الدين اوغلو التركي في كتابه عن «تاريخ الترك في مصر»، والذي تم نشره في عام 2006. ومنذ ذلك التاريخ تبادل المصريون والاتراك الاسفار والانتقال فيما بينهما، حيث اصطحب سليم الاول الخبرات المصريه الي الاناضول واسطنبول لنقل خبراتهم وتجاربهم المعماريه والصناعيه، حيث كان يتسم العأمل المصري بالمهاره والتقنيه، ومن الجانب الاخر تدفق الاف الاتراك من انحاء تركيا والبلقان الي مصر، بحثا عن فرص عمل افضل او للتعلم في الازهر او للاقامه المستديمه والزواج وتكوين اسر، فتصاهر المصريون والاتراك في كثير من الزيجات التي اثمرت خليطاً من العرق التركي والمصري مازالت اثاره موجوده حتي الان في المجتمع المصري.

< الاتراك في مكانه اجتماعيه عاليه في مصر:

ثاني خاصيه وهي ان الاتراك كانوا في مكانه اجتماعيه وعلميه رفيعه المستوي في مصر حيث كان لهم اسهاماتهم في الصحافه والثقافه والترجمات والنهضه العلميه والتعليميه في مصر، حيث انشا محمد علي باشا المدارس التي تدرس اللغات ومن بينها التركيه التي اعتبرت لغه الذوات والطبقه الارستقراطيه، حتي ان عدد الاصدارات الصحفيه انذاك وصل الي 672 دوريه، كما كانت جريده الوقائع المصريه تصدر باللغتين العربيه والتركيه، بالاضافه الي ان الرتب العسكريه ظلت مماثله للتركيه حتي عام 1958 كما يقول الباحث نظام الدين ابراهيم في عام 2013، حيث ظلت الرتب العثمانيه كما وضعها محمد علي باشا مثل «بكباش، افندم، سلام دور، السواري» وغيرها.

وكان لوجود بعض العائلات التركيه في الصعيد وخاصه محافظه قنا اثره علي الاسماء المتداوله والالقاب وحتي اشكال المعمار والجبانات. ووصل عدد الجاليه التركيه في مصر الي ذروتها في عام 1923 ثم الشوام فاليونانيين واليهود والارمن اخيرا، وتبادلت مصر وتركيا البعثات الدبلوماسيه التي ترقي الي درجه سفير مع اول اعلان للجمهوريه التركيه علي يد كمال اتاتورك وسقوط الخلافه والامبراطوريه العثمانيه في نفس العام، ومنحت علي اثر المصاهره والاقامه للاتراك في مصر الجنسيه، والعكس لمن يقيمون من الاتراك في مصر، وانتشرت الكلمات والمصطلحات التركيه في اللغه اليوميه الدارجه لدي المصريين مثل كلمه «اجزخانه» او مدرسه المهندس خانه مثلا، كلمه ديوان المقصود بها وزاره الان، وكشري وغيرها من الكلمات.

< المجتمع المصري يستوعب الاخرين:

وهنا نلاحظ حاله الذوبان الطبيعي او تحقق مبدا المواطنه والانسجام بين المصريين والاتراك في المجتمع دون صدام دون الشعور بالاغتراب من الاتراك وسط المصريين، او انهم مواطنون درجه ثانيه او مضطهدون، علي العكس تماما، فقد كان مرحباً بهم واخذين اعتبارهم الذي يرقي عن المصريين اصحاب البلد انفسهم، وكان المجتمع المصري يستوعب كل غريب ويجعله يتطبع بطباعه حتي انك مع الوقت يصعب عليك التفرقه بين الغريب وابن البلد.

واشتغل الكثير من الاتراك في مصر في مجالات الفنون مثل شاديه وعادل ادهم وزينات صدقي وفريد شوقي وليلي طاهر وبوسي ونورا، ومن الكتاب والشعراء حافظ ابراهيم واحسان عبد القدوس وروزاليوسف، ومن تكريمهم وحب المصريين لهم تولي الاتراك اكبر المناصب الاداريه في مصر ووصل العديد منهم الي منصب رئيس الوزراء مثل مصطفي باشا فهمي وسنان باشا، وقام العديد ممن عمل فيهم في الاقتصاد والمال بالتصرف بشكل وطني وفضل افاده مصر «بلده» بامكانياته عن «تركيا» واعتبار مصر بلده الاول والوحيد كما فعل طلعت باشا حرب وانشاء بنك مصر وعبدالخالق باشا ثروت.

الا انه يمكننا ملاحظه نزوح او خروج الجاليات الاجنبيه من مصر بعد ثوره 1952 و هزيمه 1967 وتوجه الدول العربيه وعلي راسها مصر نحو القوميه العربيه والتي تتركز حول فكره العروبه، ما ولد شعوراً بالاغتراب عند هذه الجاليات في مصر بعد ان كان الكثيرون منهم اعتبرها وطنه وليس بلده الاصلي، فالكثير منهم لم يعد الي موطنه او مسقط راسه، وفضل الهجره الي الولايات المتحده او اوروبا.

الخاصيه الثالثه وهي تختص بوجود الاتراك في المانيا، نجد هنا الصوره تتبدل الي العكس فقد نزح الاتراك الي اوروبا واولاها المانيا في الفتره من  1945 حتي 2002 علي فترات متفرقه وفي موجات هجره منفصله، وذلك بعد الحرب العالميه الثانيه، حيث فقدت المانيا في ويلات الحرب شبابها ورجالها الذين من المفترض ان تقوم علي اكتافهم ثورتها ونهضتها الصناعيه التي كانت بداتها قبل نشوب الحرب مباشره، وبعد اكتشاف الفحم في اراضيها كم يقول «لوكاز هيرزوير» في كتابه المانيا الهتلريه والمشرق العربي»، وكانت المانيا قد ذهبت الي تركيا والصين لانشاء مصانع «سيمنز» في عام 1800 وما بعدها اي في بدايه القرن التاسع عشر، توفيرا لبعض عناصر الخساره في اراضيها وتسهيل النقل من مقر التصنيع الي انحاء اوروبا للتصدير، وكان هذا التعاون هو اولي محاولات التعاون الالماني التركي، ثم اعقبه معاهده او اتفاقيه بين المانيا وتركيا عام 1965، وكذلك تم ابرام اتفاقيات بين المانيا والمغرب وتونس في نفس الفترات، كما يقول الدكتور محمد كمال الدسوقي في كتابه «تاريخ ألمانيا» ان الفتره بين 1958والستينيات من القرن الماضي سميت في تاريخ المانيا «بمعجزه العمل» او «المعجزه الصناعيه» التي انطلقت فيها المانيا نحو التقدم الصناعي والاقتصادي بسرعه شديده بعد هزيمه ساحقه في الحرب العالميه الثانيه.

فتوالت اتفاقياتها بين جاراتها فرنسا واسبانيا وروسيا وشيكوسلوفاكيا لاستيراد العماله فيما بينها وحتي بينها و بين المانيا الشرقية واوروبا في هذا الجانب الشرقي، والتي كان ينزح منها الالاف الي المانيا اثر عمليات الاباده  العرقيه، فاستقبلت المانيا اللاجئين حيث كان ينص الدستور الالماني انذاك في مادته السادسه عشره: علي انها تستقبل كل من يطلب اللجوء اليها هاربا من الاضطهاد العرقي او السياسي في بلاده، وعلي اثر ذلك وصل عدد النازحين الان لاكثر من خمسه ملايين من بينهم 3 ملايين تركي في اخر احصائيه في 2011.

< الاتراك عمال واغراب في المانيا:

الخاصيه الرابعه وتتركز حول معامله الاتراك كعمال هم واليوغوسلافيين والاسبان وغيرهما، ولكن كان الاتراك مميزين حيث كان مسموحاً لهم بتجديد عقود اعمالهم واقامتهم كل سنتين ثم كل خمس سنوات حتي منح مواليدهم الجنسيه الالمانيه في اخر تعديل قانوني في 2002، ظل الاتراك يشعرون انهم مواطنون من الدرجه الثانيه وانهم مضطهدون بسبب ديانتهم الاسلام، حتي طالبوا بحقوقه في موجه من الاحتجاجات في اوائل التسعينيات 1991، فتم انشاء المدارس الخاصه بهم وتم تدريس اللغه التركيه وتم بناء المساجد، ومع الوقت تقبلهم الشعب الالماني وذابوا في المجتمع.

ولكن ما زال يوجد متشددون ومتعصبون للجنس الاري الذي ينتمي اليه الالمان منذ ايام هتلر، والذين كانوا يعترضون علي منح اقامه للاتراك وغيرهم من الجنسيات الاخري خوفا من ضياع نقاء جنسهم واختلاف الاديان، وبالفعل اعترض العديد من الاحزاب السياسيه علي زياده اعداد المهاجرين واستجابت الحكومه في المقابل ووضعت الكثير من المحاذير خاصه بعد زياده اعداد المهاجرين حتي وصلت الي ملايين بزياده مواليدهم، ونقصان مواليد الالمان اهل البلد الاصليين، وتشجع الان الحكومه الالمانيه مواطنيها علي الانجاب وتمنحهم الحوافز عندما ينجبون اكثر من طفل.

اصبحت هناك علاقات مصاهره بين الجانبين الالماني والتركي كثيره، كما اصبح هناك من يعملون بالسياسه حتي وصلوا الي قياده احد فروع حزب الخضر الاوروبي الالماني، كما تعدد الفنانون الاتراك في مجالات الغناء والتمثيل خاصه من الجيل الثالث.

ومما سبق عرضه للظاهرتين في حياه وتاريخ الاتراك في مصر والمانيا يمكننا ملاحظه قدر التكريم والارتقاء الاجتماعي والمادي والثقافي والمعنوي الذي كان يتمتع به الاتراك في مصر منذ لحظه دخولهم عام 1517 حتي خروج معظمهم مع باقي الجاليات في الستينيات من القرن الماضي، وتم منحهم الجنسيه المصريه من خلال حكم الملكيه، قبل ان تمنحهم بلدهم الاصلي تركيا الجنسيه في عهد الجمهوريه الاولي في عهد كمال اتاتورك عام 1923، بينما ظلوا يكافحون في المانيا للحصول علي الاقامه القانونيه ثم الجنسيه لاولادهم بعد اكثر من 35 سنه من الاقامه والخدمه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل