المحتوى الرئيسى

عام الكفتة .. محاولة لتوثيق جزء من التاريخ (الحلقة الرابعة)

01/22 16:44

ازدادت الحُمي الاعلاميه للرد علي "الحاقدين والمشككين" مع بدايه شهر مارس 2014، ووجدت نفسي امام ساعات طويله من البث الاعلامي، احتوت علي العديد من التصريحات عن الاكتشافات التي اعلنت عنها القوات المسلحة المصرية في اواخر شهر فبراير. شاهدت فريق بحثي يتحدث عن انجازات تتعارض مع ابسط مباديء العلم. قدموا انفسهم علي انهم اطباء وكيميائيين ومهندسين، واشاروا الي وجود اكثر من 70 شخص يعملون معهم في الفريق نفسه، ولكني لم اشاهد باحث واحد متخصص في علم الفيروسات يتحدث من خلال هذا الظهور الاعلامي الضخم. هل اخترعنا جهازين لتشخيص وعلاج الفيروسات دون الرجوع الي المتخصصين في هذا الفرع من العلوم؟

اعلن اللواء اركان حرب طاهر عبد الله، رئيس الهيئه الهندسيه السابق، عن بدء العلاج الكمي لمرضي فيروس سي بمستشفيات القوات المسلحه اعتبارًا من 30 يونيو 2014، لكننا فوجئنا بصدور قرار من المشير عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع انذاك، في يوم 20 مارس 2014، بتشكيل لجنه علميه لتقييم جهاز العلاج CCD. لم يمهلني اعضاء الفريق البحثي الوقت للاحتفال بهذا القرار، حينما شاهدت الدكتور احمد مؤنس يُبدي اصراره الشديد علي الاستمرار في خطه بدء العلاج. قد ياتي التقييم العلمي بنتيجه ايجابيه او سلبيه، ولكن استكمالًا لمسلسل الاصرار الاعمي، نشرت الصفحه الرسميه للفريق البحثي علي موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بتاريخ 23 مارس 2014، استماره تسجيل بيانات لمن يرغب من مرضي فيروس سي في التقدم للعلاج.

علي الرغم من التعليقات الساخره التي صاحبت الاعلان عن "جهاز الكفته"، الا انني لم اجد في هذه الماساه ما يضحكني. امتلات شاشات الاعلام بمرضي التهاب كبدي وايدز يدَّعون انهم قد تعافوا بعد خضوعهم للعلاج بجهاز اللواء عبد العاطي. بالطبع في بلد يعاني تقريبًا 15٪ من سكانه من مرض الالتهاب الكبدي سي، كان هناك تقريبًا في كل بيت مصري من يُشاهِد هذا ويداعبه الحلم بالشفاء. قرات عن قصص لمرضي باعوا ممتلكاتهم الشخصيه لتوفير الاموال التي قد يحتاجونها حينما يبدا العلاج في 30 يونيو. اعلم ان هناك من سيُقالُ له: "كان عندك ايدز وراح"، و لكن هو في واقع الامر "ما راحش"، فسيذهب هذا المريض ليعيش حياته بشكل طبيعي ويَنشُر مرضه علي نطاق اوسع. اصابتني حاله خيبه امل شديده كالتي عانيت منها عقب الاعلان عن الاكتشافات في اواخر شهر فبراير. لم اجد اي وسيله اعبر بها عن هذا الاحباط سوي ان اقف امام الكاميرا مره اخري لاسجل فيديو ثان، وصلت مدته الي ما يقرب من الساعتين، ونشرته علي موقع يوتيوب يوم 5 ابريل 2014، لاشرح فيه لماذا غاب الاساس العلمي عن طريقه عمل جهاز CCD التي ذكرها اعضاء الفريق البحثي.

كانت الحلقه المفقوده التي كنت ابحث عنها منذ الاعلان عن جهاز CCD، هي ميكانيكيه عمله. وبعد استماعٍ مُتانٍ لتصريحات اعضاء الفريق البحثي الاعلاميه، اتضح لي انهم كانوا يتحدثون عن ثلاث ميكانيكيات عمل متناقضه للجهاز! اتطلبون من "الحاقدين والمشككين" الاطلاع علي نتائج جهاز لا تعرفون طريقه عمله علي وجه التحديد؟ كانت هناك صاعقه اخري تنتظرني في شرح الدكتور احمد مؤنس لميكانيكيه عمل الجهاز. صرح الدكتور مؤنس ان فعاليه جهاز CCD المضاده للفيروسات تكمن في الاشعه التي يُصْدِرها والتي تتسبب في تفكيك رابطه كيميائيه معينه في الغلاف الخارجي للفيروس. تعلمنا في علم الفيروسات ان الغلاف الخارجي للفيروس مُستمَد من الغلاف الخارجي لخليه العائل، اي ان هذه الاشعه ستتسبب ايضاً في تكسير الروابط الكيميائيه علي الغلاف الخارجي للخليه، ما قد يؤدي الي تدميرها. واذا اتسعت دائره تدمير الخلايا لتشمل اعضاء حيويه من جسم المريض، سينعكس هذا علي هيئه اثار جانبيه قد تنتهي بالوفاه. هل نحن جاهزون لتعريض مرضي في 30 يونيو الي جهاز يفتقر الي الاساس العلمي ونتائج اختبارات الامان والفعاليه الموثقه؟

مع بدايه شهر ابريل، دخلنا في مرحله هدوء اعلامي نسبي الي ان جاء يوم 8 مايو 2014، حينما عرضت الهيئه الهندسيه مجموعه من اجهزه الكشف عن الفيروسات بمعرض ايجي ميديكال للاجهزه الطبيه بقاعه المؤتمرات بمدينه نصر، ولهذا السبب ساخصص ما تبقي من هذه الحلقه للحديث عن جهاز C-FAST ومشتقاته التي تم عرضها في هذا المعرض. شاهدنا صورًا لعائله FAST بالوانهم الزرقاء والخضراء والرماديه للكشف عن فيروسات الالتهاب الكبدي C وB، وفيروس الأيدز،وفيروس إنفلونزا ألخنازير H1N1، وفيروس الكورونا الجديد المسبب لمتلازمه الشرق الاوسط التنفسيه، واخيرًا "فيروس" الملاريا (الملاريا ليست فيروس ولكنها طفيل وحيد الخليه). تعجبت جدًا لهذه الملصقات الموجوده علي كل من الجهاز والحامل البلاستيكي، والتي تقول بكل وضوح "فيروس الملاريا"! سمعتها ايضًا علي لسان العميد احمد امين، مخترع الجهاز، في احد تصريحاته لوسائل الاعلام. خطا كهذا في امتحان شفهي قد يضع طالب طب في مازق كبير، ما احدث ضجه واسعه علي وسائل التواصل الاجتماعي، من الواضح انها وصلت الي مسامع القائمين علي هذه الاجهزه، لاننا لاحظنا بعدها ان كلمه "فيروس" باللغه العربيه علي الحامل البلاستيكي مُغَطاه بِمُلصَق ابيض وتُرِكَت باللغه الانجليزيه واضحه للعيان علي الجهاز نفسه! تعجب الكثيرون من وجود جهاز، في معرض اُقيم في شهر مايو، لتشخيص فيروس كورونا الجديد الذي تفاقمت مشكلته في المملكه العربيه السعوديه في شهر ابريل، اي بعد شهر واحد فقط. كان العلماء لا يزالون يعانون من ضبابيه المعلومات الاساسيه عن هذا الفيروس، ولكن هذا لم يعق فريق البحث التابع للهيئه الهندسيه عن تطوير جهاز للكشف عنه خلال اسبوع واحد فقط، وبعد اجراء تجارب علي مريض واحد فقط!

جهاز C-FAST ليس بجديد، فهو مُعتَمَد من وزاره الصحه لتشخيص فيروس الالتهاب الكبدي سي في مصر منذ عام 2011. ولكن يبدو انه جهاز متعدد المواهب، فبالاضافه الي الفيروسات، يستطيع ايضًا الكشف عن المخدرات، والمفرقعات، والمعادن، والبكتيريا وسوس النخيل. يعمل بدون بطاريه ويعتمد في طريقه عمله علي تحديد البصمه الجزيئيّه للموجات الكهرومغناطيسيه الخاصه بالفيروس المراد التعرف عليه وتخزينها علي شريحه الكترونيه داخل الجهاز، فعندما يتواجد هذا الفيروس في مجال استشعار الجهاز، تنشا طاقه تُحَرِك الايريال المثبت علي مفصله حره الحركه. يشير الايريال الي الشخص المصاب او متعلقاته الشخصيه (كمنديل يستخدمه علي سبيل المثال) من علي مسافه تصل الي 500 متر، ولو حتي اختبا خلف الحوائط الاسمنتيه. لا تتوقف قدرات C-FAST علي التحديد الكيفي، ولكنه قادر ايضًا علي التحديد الكمي، فحسب ما يزعم الدكتور احمد مؤنس، عندما يحتوي جسم المريض علي عدد اكبر من الفيروسات، يتحرك الايريال بسرعه اكبر!، لن اُسهِب في شرح لماذا تقع هذه الادعاءات الخارقه في دائره الخيال العلمي لاني قد تناولتها بالتفصيل في الفيديو الاول الذي نشرته علي موقع يوتيوب يوم 28 فبراير 2014.

سمعنا الاستاذ الدكتور جمال شيحه، الذي تَبَني الدراسه البحثيه لجهاز C-FAST، متحدثًا في احد لقاءاته الاعلاميه عن المنهج العلمي السليم والذي افتقر اليه جهاز العلاج CCD، علي حد تعبيره، مما جعله غير راضٍ عنه، ودفعه الي التاكيد اكثر من مره علي انه لا تربطه به اي علاقه. سمعناه ايضًا يتحدث عن مشواره البحثي مع جهاز C-FAST الذي بدا بمرحله اثبات الفكره في تجاربه علي مرضاه في مستشفي جامعه المنصوره. هل نسينا ان اثبات الفكره يتم في المعمل علي عينات في انابيب اختبار قبل المرضي في المستشفيات؟ اين هذه النتائج؟ ولمّا كانت نتائج دراساته اختراق علمي، علي حد تعبيره، لماذا نشر بحثه في مجله انتهازيه لا تقوم بمراجعه الابحاث المقدمه اليها، كما اثبتت بالفعل كلًا من صحيفه Egypt Independent و مجله Science؟

بالاضافه الي كل التحفظات العلميه السابق ذكرها، زادت شكوكي عندما لاحظت تشابه شديد بين جهاز C-FAST وعائله من الاجهزه المزيفه للكشف عن المفرقعات. دعوني الان اعود بكم الي الوراء للفتره ما بين عامي 2008 و2009 لاحكي لكم قصه جيمس ماكورميك المُحتال البريطاني. اقتبس ماكورميك جهاز امريكي زائف للكشف عن كرات الجولف، ظهر في التسعينيات وكان يُباع في الولايات المتحده بحوالي 20 دولار، واعاد تسويقه علي انه جهاز للكشف عن المفرقعات تحت اسم ADE-651 وباعه لعده دول تعاني من الاضطرابات العنيفه، منها العراق علي سبيل المثال، في نظير الاف الدولارات للقطعه الواحده. حصد ماكورميك من وراء بيع هذا الجهاز الزائف ثروه طائله، الي ان جاء عام 2010 لتعلو الاصوات في العراق التي تشكو من فشل الجهاز في الكشف عن المفرقعات. تمكنت شبكه BBC من اجراء تحقيق اخباري عرضت فيه هذا الجهاز علي استاذ الكترونيات في جامعه كامبريدج، الذي فتحه ليكتشف انه عباره عن علبه بلاستيكيه تحتوي علي شريحه رخيصه غير قابله للبرمجه كالتي تُستخدَم في محلات الملابس لمنع السرقه ومثبت بها ايريال حر الحركه. حُكِمَ علي ماكورميك بالسجن 10 سنوات في بريطانيا بتهمه النصب والاحتيال في مايو 2013.

في 14 مايو 2014، وصلتني من مواطن مكسيكي تغريده باللغه الاسبانيه تقول ان ما يحدث مع جهازكم المصري C-FAST يبدو وكانه قصه مماثله لما حدث معنا في المكسيك مع GT200. لم اكن اعلم وقتها ما هو GT200 علي وجه التحديد، ولكن بعد محادثه قصيره مع هذا الشخص المكسيكي، وبحث بسيط علي شبكه الانترنت اتضح لي انه جهاز اخر زائف باعه محتال بريطاني ثانٍ يُدعي جاري بولتون لدول كثيره منها المكسيك، التي كانت في حرب علي تجاره المخدرات. حُكِمَ علي بولتون هو الاخر بالسجن سبع سنوات في يوليو 2013. ومؤخرًا نشرت شبكه BBC خبرًا في 3 اكتوبر 2014 عن حكم بالسجن علي الزوجان صامويل وجوان تري بتهمه بيع جهاز زائف ثالث للكشف عن المفرقعات تحت اسم Alpha 6.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل