المحتوى الرئيسى

مأمون فندى يكتب : فاتن

01/19 13:17

كانت بالضبط كاسمها لا زياده ولا نقصان، ويمكن تلخيص حياتها بكلمه واحده: فاتن. لم اعرف فاتن حمامه، ولا اهلها ولا ادعي قربا منها،

كما انني لا ادعي انني ناقد فني، ولكن لكي تكتب عن فاتن حمامه، فانت لا تكتب نقدا بقدر ما تكتب شيئا اقرب الي العديد في جنازات اهل الصعيد في نوع من المندبه، اي ان تندب حقبه مرت كان الممثل او المشخصاتي المصري متدربا ومتمكنا من ادواته كممثل، بمعني اداء ادوار مختلفه ومتنوعه، بعيده جدا عن شخصيه الفنان وحياته. فقط قرات وشاهدت مثل اي قارئ او مشاهد تدرب علي التذوق الفني، ولا ادعي معرفه بخصوصيه حياه فاتن حمامه، فقط قابلت زوجها السابق عمر الشريف اكثر من مره، وجاء اسمها في سياق فني لا شخصي، ولكن هذا ايضا لا يمنحني معرفه خاصه، فقط اود ان اكتب عن ممثله مصريه، ربما كانت اخر من يمكن ان يطلق عليهم لقب ممثل بالمقاييس العالميه، متنوعه في قدرتها علي تقمص الشخصيه، فلا علاقه بين سماعها وهي تتحدث الفرنسيه في مقابلاتها او في واحد من افلامها غير المعروفه، وبين ادوار بنت البلد، وهذا ما كان يميز جيلا كاملا من الممثلين المصريين الفرانكوفونيين مثل زينات صدقي وعبد الفتاح القصري ممن يظهرون في دور جزار او بنت الحاره في الملايه اللف، رغم ان حياتهم بعيده جدا عن السياق الذي يجدون انفسهم فيه في الفيلم، وهذا ما يسمي تمثيلا او تماثلا وتقمصا لشخصيه في روايه، وهذا مختلف تماما عما نراه اليوم، حيث تجلس مع ممثل علي العشاء ثم تري فيلمه بعدها ولا تجد فارقا واحدا، هو ذات الشخص الذي يلعب دور نفسه او تنويعه علي دور نفسه، وبالتالي تنتفي فكره المشخصاتي او الممثل.

فارق كبير بين عالم عماد حمدي وعمر الشريف وفاتن حمامه واحمد مظهر، وما يسمي تمثيلا اليوم في مصر، الذي يعتمد في الجانب الكوميدي منه علي ما يسمي في الغرب «سلاب ستك» الذي ينقصه اي نوع من الابداع.

رثاء فاتن حمامه ليس حزنا علي غياب شخص، بل هو حزن علي مرحله، فالطبيعي هو ان المجتمعات تتطور فنيا وثقافيا، اي ان الممثله الجديده من المفروض ان تكون افضل من فاتن حمامه، لانها درست وشاهدت فاتن حمامه، اي ان المتوقع ان تضيف اليها لانها ببساطه واقفه علي اكتافها، لكن للاسف ما نراه في مصر هو تراجع وانحدار، فليس هناك يوسف وهبي او عماد حمدي او فؤاد المهندس او عبد المنعم مدبولي، الي اخر هؤلاء الممثلين الذين تعلموا التمثيل علي اصوله.

السؤال هنا هو: هل حاله التراجع والانحطاط التي سادت وزاره المعارف او التعليم ما بعد العهد الملكي، هي التي اوصلت مصر الي الحاله الثقافيه والفنيه الحاليه؟ ام ان نوستالجيا القديم وغرامنا به هو ما يجعلنا متسامحين في رؤيه عيوبه، والتركيز علي مميزاته وعلي نقاطه المضيئه؟

يعرض المصريون كل يوم علي وسائل التواصل الاجتماعي صورا عن قاهره الاربعينات والخمسينات، عن الشوارع النظيفه والمباني الراقيه، يعرضون صور السيدات والرجال والعائلات في حفلات ام كلثوم القديمه، حيث تلبس سيدات القاهره علي الموضه الباريسيه وكلها صور مبهجه.

وفي المقابل يعرضون صورا حديثه لسيدات ملفلفات في ملابس لا احد يعرف هل تقليديه ام حديثه، ليست ملابس الفلاحه الانيقه ذات المنديل «باويه» علي الراس الذي يكشف قليلا ويستر كثيرا، ولكن به «ستايل» او شياكه محليه، يعرضون ايضا صورا للدويقه والعشوائيات التي تحاصر المدن، ينشرون صورا عن شوارع غارقه في مياه الصرف. تناقض تام بين مصر وما كانت عليه ومصر الان، مصر فاتن، او مصر الفاتنه ومصر الجديده التي ينقصها الكثير من حيث الحضاره، واولي لبناتها: النظافه.

ولكن هل ما نعرفه الان عن مصر وما نسميه بالتدني الحضاري المدني هو نتيجه عالم الكشف وسهوله الوصول الي الصور والمعلومات ام انه حقيقه؟ اي لو كان هناك ذات ادوات التواصل والتصوير في الاربعينات والخمسينات كان من الممكن ان ينكشف لنا الشارع الخلفي لمصر ايامها، اي ليست صوره الزمالك فقط بل صوره بولاق ايضا؟

ظني ان هذا غير صحيح؛ فصور بولاق زمان اكثر نظافه من كثير من المهندسين اليوم، كما ان اهم كتاب مصر العظام وفنانيها هم نتاج العصر الملكي ومدارسه، التي كانت تتبع معايير اوروبيه في التعليم، وانه متي ما تسلم اهل البلاد العمليه التعليميه لم ينجحوا في الوصول الي التميز، ليس في الفن فقط، وانما في كل مناحي الحياه.

موت فاتن حمامه فيه رمزيه موت حقبه مما يسميه المصريون بالزمن الجميل، فهل نحن قادرون اليوم علي انتاج جمال مشابه او افضل؟

انتاج الجمال والفن يتطلب معرفه كامله بالمعايير الصارمه التي تحكم الفنون والاداب التي يكون الالمام بها اولا هو الاساس، والاضافه اليها لا تاتي الا بعد هذا الالمام ليصبح الخروج عن المقام هو الابداع.

لا تستطيع الخروج علي المقام في الموسيقي كما كان يفعل محمد عبد الوهاب، او تطعم الموسيقي العربيه لموسيقي اوروبا الشرقيه الا بعد المامك بالقواعد الكلاسيكيه، لا تلعب في مقامات الموسيقي مثل مقام بياتي بتفريعاته، الذي تتحرك فيه اصوات رائعه كصوت وموسيقي فريد الاطرش ومعظم اغاني فيروز، الا بعد دراسه للاصول، ولا خروج عن المقامات العربيه الاصيله، مثل السيكا والرست الذي لا يتبعه المطربون والملحنون، بل يتبعه من يجودون القران الكريم ويتلونه ايضا، الا بعد التمكن منها اولا. ولكن لدينا للاسف من يخرجون دون ان يدخلوا، اي ان خروجهم علي الكلاسيكي الموسيقي ليس ابداعا بعد المام ومعرفه، بل خروج الجهل، يخرجون لانهم لا يعرفون، او يخرجون وهم لم يدخلوا اصلا.

وما ينطبق علي مثال الموسيقي هذا من عبد الوهاب حتي عبد الباسط عبد الصمد ينطبق علي التمثيل. فلدينا ممثلون اليوم من مدرسه السبكي لا نعرف من اين اتي هؤلاء؟

وما ينسحب علي الفن في مصر ينسحب علي الثقافه بالمعني الواسع، اي ان ما نراه في الفن من انحطاط ما هو الا اشاره او احد تجليات حاله الانحطاط الحضاري العامه، مصر اليوم ولكي تتذكر فاتن حمامه، عليها ان تعود الي زمن فاتن.

زمن تسود فيه معايير صارمه في الفن والثقافه والتعليم والنظافه والنظام.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل