م الآخر| دعوة للانحلال.. التحرش حلال!!

تتمايل أجساد المحشورين في الزنازين المكتظة يمينًا ويسارًا تكاد رؤوسهم تطاول المواسير الفضية، تعلقت عيون بعضهم في البنايات المُطلة على الأسوار والقطارات بأصواتها الرتيبة المزعجة المزمجرة صباحًا ومساءً، وغرقت أخرى في الحواسيب (لابات وهواتف) سلبت عقولهم وأيديهم وأعينهم، وأصبحوا أسرى "رنة رسالة" واهتزازة، فيما زاغت أبصار الذين اصطفوا عشوائيًا ولا إراديًا بين المقاعد البلاستيكية الرديئة العتيقة التي تبعث ألوانها إلى النفس الكآبة والبؤس، ناحية فتاة عشرينية ارتدت من الثياب أقصرها وتركت بعضًا منها في دولابها قبل أن تدلف عربة المترو (غير المخصصة للسيدات).

انتحى جانبًا من العربة وحشر نفسه بين المقعدين الفرديين في نهايتها، أشاح بصره ناحية الفتاة التي تتصنع اللامبالاة، والعيون التي اخترقت ما ترتديه من ملابس تصف وتشف وسرة للناظرين، دون أن تبس ببنت شفة، أو تزغر أحدهم بنظرة احتقار، ثوانٍ لم تتعد العشرة لمح فيها نجمة الأوسكار التي حلّت على العربة ولم تنزل مع عليها عدسات الوقوف، إلا من خشي من زوجته أو صديقته أو انشغل بأمر من أمور دنياه اللاهية عن ملاذاتها.

اخترق صفوف المكتظين في عربة أشبه إلى يوم حشر مُصغّر -وجوه مقفهرة للوهلة الأولى يُظن الغريب أن شفاه الوقوف لم تزرها البسمة يومًا، حياتهم الرتابة وبؤس الحال والتناقض، يومًا ما في قادم الأيام من يضحك وسط هؤلاء يستدعون له أطباء نفسيين للكشف عن حالته الغريبة عليهم- إلى أن وصل إلى هدفه "بالضبط" أمام فتاة المترو.

سائق المترو يعزف سيمفونية "الرج في الخلاط" تتمايل الأجساد في مشهد يرقى إلى بحيرة البجع "مشهوة الصورة"، اصطنع التمايل ودنا من فتاته ولامس ما استطاع من جسدها المكشوف.. أصوات الصراخ علت في العربة، أصابعها تشير إلى الذئب الذي اقتحمها ونال منها، تجمع البائسون ناحية الفتاة ربت على كتفها مسن أشيب الشعر ثم نال هو الآخر من الفريسة التي دخلت إلى حيث تلقى الغزلان حتفها.

مع المحطة الأولى التالية للواقعة، نجت الفتاة بالهروب من العربة، بينما علت الأصوات في العربة المجاورة لعربة التحرش، سيدة تجاوز الخمسين وفتاة بلغت العشرين ربيعًا منذ أيام، تحرش بهما ضبعان آخران.

المتحرش الأول والمسن الأول هرعا إلى العربة الأخرى للاطمئنان على شقيقة الأول وزوجة الثاني، فاكتشفا تعرض فتاتيهما إلى التحرش إلى حد خروجهما من بين أصابع الضباع مقطعتي الملابس.