المحتوى الرئيسى

في البدء كانت سولفرينو: قصة نشأة القانون الدولي “قانون الحرب”

01/17 16:26

يحاول البشر الفرار بحياتهم من إله الحرب الدائره، وبينما ترتفع الاصوات باحترام القوانين الدوليه التي تحكم سير الحروب، تستمر الاطراف المتحاربه بحصد الارواح بلا توقف. هل سالت من قبل عن ماهيه تلك القوانين واحكامها؟ علي من تسري؟ هل تساءلت عن مدي فعاليتها وامكانيه الاحتكام اليها لعرقله تروس الحرب قليلا؟ هذا ما سنجيبك عنه في هذا التقرير.

ماذا قبل القوانين الحديثه؟ المحاولات الاوليه لوضع قانون انساني

ايجاد عرف يقلل من اثار الحروب، كان هذا احد مساعي الانسان الدائمه. في الحضارات القديمه اعلن السامريون قبل الفي عام قبل الميلاد ” قانون حمورابي” واقروا فيه ضرورات اعلان الحرب، والتحكيم بين الخصوم, وحصانه للمفاوضين, ومعاهدات الصلح. وٌقدمت الحضاره المصريه (الاعمال السبعه للرحمه الحقيقيه) كتعاليم الهيه تلتزم بها الجيوش. كما ارست تعاليم مانو في الهند قواعد انسانيه تحمي الاسير والمسالم وقت الحروب. وناقشت الاديان كلها حقوق الاسير والمستضعفين من غير حاملي السلاح ونهت عن قتلهم او التنكيل بهم.

اصبحت قضيه التفرقه بين المقاتل والمسالم، وايجاد تعريفات واضحه للضروره العسكريه احدي مثارات الفلسفه الحديثه. دعا اليهما الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو-في نظريته ” العقد الاجتماعي”

“ان الحرب علاقه بين الدول لا بين البشر فالعداء للجنود لا للانسان، فبالقاء الجندي سلاحه واستسلامه يعود بشرا لا يحق لاي كان الاعتداء علي حياته”

جندي يحاول تهدئه زميله بعد المعركه

الزمان 24 يونيو 1859، المكان: سولفرينو (ايطاليا الحاليه)

ايطاليا الممزقه الي دويلات تئن تحت وطاه الاحتلال النمساوي، وفي المدي يعبر نابليون الثالث امبراطور فرنسا جبال الالب ب 200,000 جندي فرنسي ويتحالف مع جيش سردينيا بقياده فيكتور ايمانويل الثاني. يلتقي الجيشان المتحالفان ب 100,000 جندي نمساوي بقياده الامبراطور فرانسوا جوزيف في معركه (سولفرينو) التي انتهت بانتصار نابليون نصراً باهظ الثمن، فقدت فيه قوات الحلفاء 170,000 من الضباط والجنود بين قتيل وجريح، تخلد ذكراهم ثلاث مقابر ضخمه ضمت رفات عشرات الالاف من ضحايا المعركه.

رتبت الاقدارمجيء رجل الاعمال السويسري ” هنري دونان ” الي كسيتليوني ديلا بيف للقاء الامبراطور نابليون املاً في الحصول علي تصاريح تجاريه لاعماله. وصل دونان بعد ساعات فقط من نهايه المعركه التي خلفت ما يقارب من 40 الفًا من جرحي الجيشين ينازعون لحظاتهم الاخيره، بينما لم تكن الخدمات الطبيه العسكريه كافيه لاحتواء الوضع ولا كان لها اي حمايه خاصه. فاسرع ببناء مشفي صغير داخل كنيسه القريه ودعا اهلها للمساعده في التمريض، محاولين انقاذ من بقي علي قيد الحياه من الجانبين وتكريم من مات منهم.

هنري دونان يجمع الناس لمساعده الجرحي بعد المعركه (صوره تخيليه)

تذكار سولفرينو: النداء العالمي الاول

عاد دونان الي جنيف بذكريات مروعه من الحرب سجلها في كتابه المنشور 1862 ” تذكار سولفرينو”، الذي نادي فيه بفكرتين ثوريتين في ذلك الوقت، الاولي: انشاء جمعيات اغاثه مستقله في كل بلد لاغاثه ضحايا الحرب. والثانيه: وضع اتفاقية دولية لتقنين قيامها ونظام عملها.

انتشرت افكار دونان بسرعه حتي وصلت الي جوستاف موانييه -رئيس احدي جمعيات النفع العام في سويسرا-، فدعي اعضاء جمعيته لدراسه اقتراح دونان وشكل لجنه لدراسته ضمت دونان نفسه. وفي جنيف عام 1863 وجهت اللجنه الدعوه لعقد مؤتمر دبلوماسي عالمي يبحث مقترحات دونان. اتفق المؤتمر علي انشاء جمعيات الغوث الدوليه التطوعيه التيالتي

تعد نفسها في وقت السلم للمساعده في تقديم الخدمات الصحيه اثناء الحرب، ووقعت ست عشره دوله علي اول اتفاقيه دوليه تعمل علي حفظ حياه البشر اثناء الحروب. وبموجب الاتفاقيه انشات اللجنة الدولية للصليب الاحمر واتخذت من معكوس العلم السويسري (صليب احمر علي رقعه بيضاء) شعارًا لها ومن جنيف مقرا لبعثتها الدوليه. وتمثلت عبقريه هذه الاتفاقيه انها الاولي التي تقوم علي اتفاق الطرفين لا علي سلطه الهيه او اي سلطه اخري.

اللجنه المؤسسه للصليب الاحمر الدولي

“ليتك هلكت فجاه ايها الشهيد البائس مضروبا برصاصه علي ارض المذبحه وسط تلك الاهوال العظيمه التي يسمونها المجدب بل ليت اولئك القرويين الذين الت اليهم مهمه الدفن قد دفنوك حيًا عندما التقطوك فاقد الوعي علي جبل السرو او في سهل ميدولي لما طال عندئذ عذابك الرهيب علي الاقل. لكنك الان تمر بعذابات متتابعه كتب عليك ان تتحملها ويدركك الالم المفرط ويليه الموت الموحش بكل اهواله واخيرا يلصق باسمك ذلك النعت المقتضب ” مفقود” كمرثيه وحيده لك.” * من كتاب تذكار سولفرينو لهنري دونان

” قصه فكره- رسوم متحركه مقتبسه من كتاب”

تولد من الشق الثاني لنداءات دونان المؤتمر الدبلوماسي العالمي الاول عام 1864 الذي اعلن اتفاقيه جنيف الاولي بشان تحسين حال الجرحي العسكريين في الميدان. شملت الاتفاقيه عشره مواد معلنه فيها قواعد راسيه الي يومنا هذا، منها حياد عربات الاسعاف والمستشفيات العسكريه، وضروره حمايتها واحترامها، وحياد وحمايه افراد الخدمات الطبيه والمتطوعين المدنيين لاغاثه الجرحي، وتقديم المساعده الطبيه دون تمييز.واصبحت هذه الاتفاقيه هي نواه قانون الحرب الذي اصبح يُعرف اليوم بالقانون الدولي الإنساني.

ثم في 1899 اعلن المجتمع الدولي اتفاقيه جنيف الثانيه، التي اسبغت ذات الحمايه علي جرحي ومرضي الحرب البحرية وناقشت انقاذ الغرقي والموشكين علي الغرق.

عربات اسعاف وافراد طواقم طبيه يضعون شارات الحمايه الدوليه

الحرب تدفع باتفاقيه جنيف الثالثه الي الوجود

اندلعت الحرب العالميه الأولى 1914-1918 عملت خلالها اللجنه الدوليه للصليب الاحمر للعنايه بالجرحي والمصابين في ميادين القتال البريه والبحريه، وعلي الرغم من ذلك انتهت الحرب بمقتل 37,508,686 انسانا!

كانت هذه الخساره الفادحه هي التي دعت المجتمع الدولي الي بحث انتهاكات الحرب واعلان اتفاقيه جنيف الثالثه لعام 1929 مكمله للاتفاقيتين السابقتين وغير لاغيه لهما. جاءت الاتفاقيه الثالثه في اتفاقيتين: نصت الاولي: علي تطوير اتفاقيه جنيف لحمايه الجرحي واعتمدت شارتي (الهلال الاحمر والاسد والشمس الاحمرين) كشارات دوليه للحمايه الي جانب الصليب الاحمر، -استجابه لبعثات تركيا ومصر وجمهوريه فارس الاسلاميه (ايران)-

وكانت الاتفاقيه الثانيه اول ميثاق دولي يناقش معامله أسرى الحرب ويسن القوانين المتعلقه بهم. فوردت سبع وسبعين ماده تناقش اهم ما يتصل بحمايه الاسير وتوفير الحمايه له واضافت الي اختصاصات اللجنه الدوليه للصليب الاحمر مهمه جمع المعلومات عن الاسري وزيارتهم وتبادل الرسائل مع ذويهم.

توزيع الطعام في احدي معسكرات اسري الحرب باوكرانيا يوليو 1941

هل يتطور القانون الانساني دون كارثه؟

فمع اندلاع الحرب العالمية الثانية التزمت الدول المتحاربه بقوانين كاسري الحرب والحرب الكيماوية، بينما شهدت الحرب جرائم اباده جماعيه عديده والقيت القنابل الذريه في هيروشيما وناجازاكي لاول مره في التاريخ. اثر انتهاء الحرب دعت اللجنه الدوليه للصليب الاحمر اواخر 1949 لمناقشات لمراجعه اتفاقيات جنيف اسفرت عن اتفاقيات جنيف الاربع التي تعد اعمده القانون الدولي الانساني الحديثه.

جاءت الاتفاقيه الرابعه في اربع اتفاقيات. الاولي: لتحسين حال الجرحي والمرضي بالقوات المسلحه في الميدان تنقيحاً لاتفاقيه جنيف الثالثه 1929. الثانيه: لتحسين حال جرحي ومرضي وغرقي القوات المسلحه في البحار كتعديل لاتفاقيه لاهاي 1907. الثالثه: تضيف مزيدا من الحمايه لاسري الحرب، -وهي تعديل لاتفاقيه جنيف الثالثه بشان الاسري 1929-. الرابعه: اتفاقيه جنيف بشان حمايه المدنيين اثناء الحرب، وهي اول اتفاقيه دوليه تتناول احوال المدنيين اثناء الحرب

توقيع اتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949

رغم الاصطلاح علي كثير من مبادئ الانسانيه مثل: حمايه الجرحي والمرضي والمنكوبين في البحار واسري الحرب والمدنيين وتوفير الحمايه لافراد ووحدات ووسائل نقل الخدمات الطبيه، ظهرت في القانون الدولي الانساني ثغرات خطره مثل اليات سير العمليات القتاليه , وحمايه السكان المدنيين من اثار هذه العمليات . ما استلزم اعلان البروتوكولين الاضافيين لعام 1977، مكملين لاتفاقيات جنيف (1949) ولا يحلان محلها.

اللجنه الدوليه للصليب الاحمر تسعف الجرحي في حرب فيتنام

البروتوكول الاضافي الاول: وسع مفهوم النزاع المسلح الدولي – الاعمال العدائيه بين الدول-ليشمل حركات التحرر الوطني ايضًا. واعاد تعريف ما الذي يعد هدفا مشروعا للهجوم العسكري، حيث حظر الهجمات العشوائيه او الانتقاميه علي الاشخاص المدنيين والاعيان المدنيه، والاعيان التي لا غني عنها لحياه المدنيين: كمصادر المياه، واماكن العباده، والبيئه الطبيعيه، كما حظر اتخاذ المقاتلين صفه مدنيه. وصنف اي انتهاك لهذا الحظر علي انه جريمة حرب. وبهذا النص اصبح من حق حركات التحرر الوطني ان تقاضي الانظمه الاستعماريه علي جرائمها، وتقيد تحركاتها العسكريه ضد المدنيين.

البروتوكول الاضافي الثاني: ارسي -للمره الاولي- قواعد تطبق خلال النزاعات المسلحه غير الدوليه، -هي النزاعات المسلحه التي تدور علي اراضي دوله بين القوات المسلحه لها ومجموعات مسلحه متمرده تسيطر علي جزء من اراضي هذه الدوله وتعمل تحت قياده مسؤوله. واسبغ حمايه للمقاتلين الذين وضعوا سلاحهم وكفوا عن الاشتراك في القتال، كما منح حمايه قانونيه للمحاكمين في قضايا النزاعات المسلحه. وحظر كذلك الترحيل القسري للسكان المدنيين خلال النزاعات المسلحه غير الدوليه.

البروتوكول الاضافي الثالث: اعلن عام 2005 البروتوكول الاضافي الثالث لاتفاقيات جنيف شاره (الكريستاله الحمراء) كشاره جديده للحمايه تتساوي مع شارتي الصليب والهلال الاحمر في وضعهم القانوني. وتخلو الشاره الجديده من ايه دلالات تجاوزا لاشكاليه ارتباط شارتي الصليب والهلال بايديولوجيات دينيه، تعوق دون وصول الحمايه لمستحقيها وتعرض مرتدي الشاره للخطر.

شارات الحمايه الدوليه الصليب والهلال والبلوره الحمراء

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل