المحتوى الرئيسى

مُخطط إسقاط مصر اقتصادياً شهادة جديدة على عصر الفساد

01/17 09:06

«الصمت موت.. ان تكلمت ستموت، وان صمت ستموت، فتكلم ومت».. هكذا كتب الاديب الجزائري الطاهر جاووت قبل ايام من اغتياله، مُحبذاً البوح، ومُشجعا علي المقاومه، وداعياً كُل مَن يملك شهاده ان يقدمها في موعدها.

لذا، ولان شهادات المسئولين المصريين نادره، ولان الصمت في ثقافتنا من ذهب، فان شهاده الدكتور مصطفى الرفاعى، وزير الصناعة والتنميه التكنولوجيه الاسبق حول المؤامره علي الاقتصاد المصري، والمُخطط الذي تم تنفيذه لاسقاط ودحر الصناعه المصريه، والاستحواذ علي الاصول الوطنيه، تُثير كثيراً من الصدمات، وتفتح جراحاً غائره، وتُعيد فضح جماعات الضغط التجاري التي التفت حول جمال مبارك وساهمت في زياده الفقر والبطاله.

كما ان اتهامات الرجل لبعض المسئولين المصريين بتسهيل التجسس علي الاقتصاد المصري، واختراق الصناعه الوطنيه من خلال ما عُرف باسم «برنامج تحديث الصناعه» تفتح مجالاً لحوار مُراجعه ومُحاسبه حول حقيقه استفاده الصناعه المصريه بالبرنامج، فضلاً عن جدوي اتفاقيه المشاركه المصريه الاوروبيه.

لقد صدرت شهاده الدكتور مصطفي الرفاعي في كتاب جديد تحت عنوان «كشف مُخطط اسقاط مصر اقتصادياً - الاستحواذ علي الاصول والاسواق» وذكر في مقدمته انه يستهدف كشف ما لحق بالاقتصاد المصري خلال السنوات العشر الاخيره من حكم مبارك، خاصه من خلال جماعه جمال مبارك التي ضمت رجال اعمال ووزراء واساتذه جامعات، مؤكداً ان هؤلاء تحالفوا مع القوي الاجنبيه ومكّنوا الاجانب من الاسواق والمؤسسات والمصانع ومدخرات المصريين.

ورغم انني علي المستوي الشخصي ككاتب لهذا التقرير ارفض نظريه المؤامره، في تفسير احداث التاريخ، ولا اقتنع كثيراً بالحديث عن المُخططات الغربيه، والاستعدادات الاجنبيه للهيمنه علي اقتصاد دوله، الا انني اري ان اي شهاده او راي جدير بالطرح، مادام مُعبراً عن توجه وطني، وان القارئ في النهايه هو الحكم والقاضي.

ومادام الرجل كان وزيراً في فتره ظهور جمال مبارك واحمد عز سياسياً، ومادام قد اشتبك مع بعض رجال ذلك العهد، وله حكايات وتجارب وصدامات عديده معهم، فان شهادته تستحق النشر، بل والاشاده، وعلي المعترضين او الرافضين اللجوء الي الكلمه.

يكشف المؤلف ان الهدف المعُلن الذي طرحته مجموعات جمال مبارك الاقتصاديه عند بدء ظهورها عام 2000 كان زياده الصادرات بغرض تحسين وعلاج الميزان التجاري والحفاظ علي قيمه الجنيه، الا ان ما حدث كان عكس ذلك حيث ارتفع عجز الميزان التجاره من 3.9 مليار دولار عام 2001 الي 1.27 مليار دولار عام 2011. وتضاعفت الواردات من 4.16 مليار دولار في 2001 الي 1.54 مليار دولار في 2011. وخلال تلك السنوات ارتفعت اسعار السلع الغذائيه بنسبه 33% للحوم والدواجن، و46% للخضر والفاكهه، و12% للالبان. فضلاً عن ذلك زاد عجز ميزان المدفوعات من 25 مليار دولار الي 32 مليار دولار.

ويعتبر وزير الصناعه الاسبق الذي تولي المسئوليه خلال الفتره من 1999 الي 2001 ان الحكومه مارست سياسه تصفيه غريبه للصناعات المملوكه لها. ويقول المؤلف: الحكومه بدات باستبعاد جميع الشركات الصناعيه من اشراف وزارة الصناعة حتي تصبح وزاره بلا صناعه ولا مصانع وانشئت وزاره قطاع الاعمال العام بقانون خاص وتم توزيع الشركات الصناعيه علي شركات قابضه وهو ما ادي الي تفتيت القطاع الصناعي الحكومي، علي حد قوله.

الخطوه التاليه كانت عرض بعض الشركات الصناعيه للبيع، وتلا ذلك بيع شركات صناعيه خاصه، وهو ما ساعد مؤسسات اجنبيه علي الاستحواذ علي السوق الذي يضم 85 مليون شخص. ويستشهد وزير الصناعه الاسبق باعترافات جون بيركنز التي حملت عنوان: «اعترافات قرصان اقتصادي» بكيفيه تسرب الشركات العالميه للاسواق ودخولها لاستغلال ثرواتها.

ورغم ذلك فان الوزير لم يُقدم بديلاً مقبولاً للتحديث والتطوير بعيداً عن اللجوء للشركات العالميه، كما تناسي ان فكره ملكيه الشركات تجاوزت في الوقت الحالي جنسيات اصحابها، وهو ما يعني ان الاستثمار الاجنبي ليس شراً محضاً.

لوبي الاتحاد الاوروبي في مصر

اما الشهاده الاخري التي اراها جديره بالعرض فتخص اتفاقيه المشاركه المصريه الاوروبيه التي تم التوقيع عليها عام 2001. ان الوزير تولي المسئوليه في اكتوبر 1999 وهو وقت التفاوض علي الاتفاقيه ولاحظ بنص كلامه ان هناك تياراً قوياً داخل الحكومه يتزعمه يوسف بطرس غالي وزير الاقتصاد والتجاره، والسفير جمال بيومي مساعد وزير الخارجيه للترويج للاتفاقيه والضغط للتعجيل بتوقيعها، علي الرغم من وجود تقارير سابقه لحكومه الجنزوري تعارض توقيع الاتفاقيه لاضرارها علي الاقتصاد المصري. كما يذكر المؤلف ان «هناك اموالاً ينفقها الاتحاد الاوروبي للتاثير علي الراي العام بهدف تكوين مجموعات ضغط من بعض رجال القطاع الخاص من خلال صندوق سري». وذلك التصور دفع الرجل ان يُقدم باعتباره وزيراً للصناعه تقريرا الي رئيس الوزراء يطالب فيه بعدم التوقيع علي اتفاقيه المشاركه. وبررت وزاره الصناعه اسباب اعتراضها بان الاتفاقيه لا تُحدد قيمه معونات تقدم لمصر، وانها لا تُحدد برامج للتعاون الفني والتكنولوجي مثلما حدث في الاتفاق مع اسرائيل. فضلاً عن توقع اغلاق 1570 مصنعاً نتيجه الاتفاق وهو ما سينتج عنه الغاء 320 الف فرصه عمل.

الاتهام الثاني الذي يوجهه كتاب «الرفاعي» هو ان برنامج تحديث الصناعه يتيح جمع معلومات تفصيليه عن المصانع المصريه وذلك من خلال اوروبيين يتم استئجارهم من خلال مكاتب عمل اوروبيه وتضمن المعلومات التي يتم جمعها الاوضاع الماليه للشركات وارباحها وحصصها السوقيه وتصبح تلك المعلومات ملكاً للاتحاد الاوروبي وله الحق في اعطائها لاي طرف ثالث مثل اجهزه المعلومات والمخابرات.

ولاشك ان تلك الاتهامات لا يمكن ان تمر مرور الكرام، خاصه ان الاتفاق مازال جارياً، وان اكبر شريك تجاري لمصر في الوقت الحالي هو الاتحاد الاوروبي. لذا كان لابد من استنفار السفير جمال بيومي وهو الرجل الذي تفاوض علي الاتفاقيه للتعليق، وقد ذكر لي ان وجهه نظر الفريق المُعارض لتوقيع الاتفاقيه كانت مبنيه علي ان قواعد المنشا التي وضعتها تونس واسرائيل في اتفاقها كانت افضل، ولكن ما جري ان تونس والمغرب طلبوا تطبيق القواعد التي اختارتها مصر باعتبارها مثاليه. كذلك استطيع ان اقول ان الاتفاق ضاعف صادرات مصر الي الاتحاد الاوروبي ثلاث مرات، وان المصانع التي اغلقت ابوابها او تعثرت قابلها ارقام مُضاعفه لمصانع جديده اُنشئت، فضلاً عن ذلك فان القول بان برنامج تحديث الصناعه كان يستهدف التجسس علي الاقتصاد المصري، قول في غير محله، لان الصناعه المصريه ليس دليها اسرار عظيمه ليتم التجسس عليها.

ويضيف جمال بيومي انه تحدث كثيراً ورد كثيراً علي مثل تلك الاتهامات في اكثر من جلسه ومن مكان، وانه يتصور ان الاتفاق لو كان مُسيئاً لمصر لما وقعته، وانه لو اكُتشف ضرره لطالبت مصر حاليا بالغائه.

وتستمر شهاده الدكتور مصطفي الرفاعي لتثير جدلاً اوسع حول فكره سيطره رؤوس الاموال الاجنبيه علي مصر ضارباً المثل باستحواذ 7 شركات اجنبيه علي غالبيه انتاج الاسمنت كان ابرزها استحواذ سيمور البرتغاليه علي العامريه، واستحواذ سيمكس المكسيكيه علي اسمنت اسيوط، ثم استحواذ شركه لافارج وتيتان علي شركتي الاسكندريه وبني سويف، ثُم استحواذ سيمنت علي شركات السويس وطره وحلوان وبذلك صار 93 % من انتاج الاسمنت في مصر مملوكاً للاجانب.

ويستعرض ايضا كيف تم الاستحواذ علي شركه الزجاج المسطح لصالح جاديان الامريكيه وهي الشركه الوحيده المنتجه للزجاج في مصر، فضلاً عن ذلك جرت عمليات استحواذ غريبه كان ابرزها استحواذ نستله علي سوق الايس كريم، وقيام شركه المراعي السعوديه بشراء بيتي للالبان وبيع مجموعه اوليمبيك الي شركه الكتروكس السويديه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل