المحتوى الرئيسى

لم يبدأ التاريخ في باريس يوم الأحد

01/14 10:54

كتب موقع عربي 21: لم يبدا التاريخ في باريس يوم الأحد؛ امه مصدومه تناضل لاستثمار المعني في ماساه قوميه، وذلك امر يتطلبه عدد الاكفان، الا ان العدد وحده لا يفي بالغرض. ما يزيد عن اربعه ملايين تدفقوا الي الشوارع في فرنسا بحثاً عن اجابه، ولكن السؤال بقي بلا اجابه. والسؤال هو: ما مغزي مقتل الـ 17 انساناً، وقع استهداف خمسه منهم بشكل عشوائي تماماً؟

هل هي حرية التعبير؟ اذا كان كذلك، فما الذي كان يفعله وزراء خارجيه كل من مصر والبحرين والجزائر هناك؟ وعلام يضع اي انسان يده في يد عاهل الاردن الملك عبد الله الذي حكم نظامه علي صحفي بالسجن خمسه عشر عاماً مع الاشغال الشاقه؟ وماذا عن بنيامين نتنياهو الذي قتل اثناء وجوده علي راس عمله من الصحفيين ما يفوق عددهم عدد من قتلوا في اي بلد اخر فيما عدا سوريا؟

يقولون الجمهورية الفرنسية؟ ولكن المسلحين كانوا فرنسيين. لم تتعرض باريس للغزو من قبل كائنات جاءت من الخارج او من قبل خاطفي البشر او من قبل عرب همج هاجموا الاوروبيين المسالمين في مواقع عملهم. لقد ولد المسلحون ونشاوا وتعلموا في فرنسا، وكانوا يتكلمون الفرنسيه دون لكنه، بل  عربيه احدهم ثقيله علي لسانه.

ويقولون صدام حضارات؟ ولكن لم يكن رسامو تشارلي ايبدو مناضلين يدافعون عن العلمانيه، ويحرسون ثغور الحريه نيابه عن الفن الساخر وعن الحق الجمهوري في الكفر والتجديف. بل كانت تشارلي ايبدو تفقد المزيد من قرائها حينما نفذ محرروها هذا”الانقلاب” في النشر.

لم تكن الرسومات مضحكه، بل كانت بشعه شكلاً وبشعه ذهنياً، الا ان الصور اثبتت انها اكبر نفوذاً من المجله الصغيره التي نشرتها، فقد القت بمجله شارلي ايبدو خارج عالمها بعيداً عن جذورها الانسانويه لتستقر في مدار مختلف تماماً. وبذلك اصبحت شارلي ايبدو مجرد صبي حامل للوحه دعائيه تروج لنموذج ذهني مزدوج تعرض فيه “القيم الاوروبيه” كما لو كانت معارضه لعالم اسلامي رجعي، ومهدده في نفس الوقت من قبله، عالم اسلامي يعتبر الجهاديون فيه العنصر الاكثر عنفاً والاكثر وضوحاً فقط لا غير. وبهذا اضحي يسار عام 1968 دميه بايدي اليمين المتطرف.

لم يبدا التاريخ يوم الاحد في باريس كما سعت الصحافه الليبراليه الي تصويره. لقد ذكرت مشاهد باريس ناتالي نوغايريد، الكاتبه في صحيفه الغارديان، بلحظات التحرر من النازيه في عام 1944، وهو نموذج ذهني مزدوج اخر يبدو فيها الفرنسيون وقد تحرروا من الهمج (وكانما جري حذف تام من مخازن ذاكره الغارديان لجميع ما قام به بول ويبستر، زميلها السابق، من جهد كشف النقاب من خلاله عن تواطؤ فرنسا في المحرقه النازيه).

يعود تاريخ تورط فرنسا في الشرق الاوسط الي ما قبل ذلك بكثير، ويمكن الاطلاع علي لمحه سريعه من التوحش والهمجيه التي اتسم بها ماضي فرنسا الاستعماري من خلال النظر في طابع بريد صادر عام 1922، احتفاء بذكري قطع رؤوس المسلمين المغاربه والذين تظهر رؤوسهم في طابع البريد مصفوفه علي جدار بجانب بعضها البعض.

لم ينجم اسدال الستار علي الحقبه الاستعماريه عن فك الارتباط، بل استمر الطغاه العرب في القيام بكثير من الوظائف الاستعماريه، وكان اهمها علي الاطلاق، بوصفهم نواباً عن الغربيين، القيام بمهمه تعذيب النشطاء واتاحه الفرصه لاجهزه المخابرات الغربيه للتخفي وراء جدار من الانكار. كان التعذيب يجري في تونس في قبو وزاره الداخليه التي يجاور مبناها مبني السفاره الفرنسيه، وكان ذلك ترتيباً مريحاً للتواصل والتعاون بين اوروبا المتحضره والهمج العرب، قض مضجعه لوهله قصيره، كما تبين للجميع، قدوم الربيع العربي، وكانت فرنسا تعلم ذلك جيداً، وهذا ما يفسر ان الرد التلقائي لوزير خارجيه فرنسا في حينه تمثل في تزويد بن علي بمعدات شرطه مكافحه الشغب الفرنسيه.

من المحزن ان فرانسوا اولاند يقف بحزم الي جانب الدكتاتوريه العربيه، ففي مسيره الاحد سار وزراء خارجيه هذه الانظمه الدكتاتوريه في الصفين الاول والثاني. وفي الوقت الذي ما يزال دافيد كاميرون وباراك اوباما وانغيلا ميركل تساورهم الشكوك حول الحكمه من الوقوف علي منصه جنباً الي جنب مع عبد الفتاح السيسي، لم يقلق ذلك اولاند بتاتاً. بل لقد دعاه وتناول معه الغداء، ثم نعته بالشريك، رغم انه الرجل الذي خطط ونفذ ابشع مذبحه للمدنيين في التاريخ المعاصر. وقال ان مصر، التي ما تزال تعتقل عشرات الالاف من السجناء السياسيين، ومن ضمنهم العشرات من الصحفيين، تمر في مرحله انتقاليه، وقال انها “تحترم خارطه الطريق التي ستتيح لمصر فرصه النجاح التام.”

فرنسا تحت قياده اولاند تشبه امريكا تحت قياده جورج بوش من حيث التدخل في الشرق الاوسط. وها هو وزير الدفاع في حكومه اولاند، جان ايف لودريان، يدفع منذ شهور باتجاه تدخل غربي اخر في ليبيا. فقد قال بعد لقائه في نيامي مع رئيس النيجر، محمدو عيسوفو: “ليبيا اليوم في حاله فوضي، وباتت تربه خصبه لتوليد الارهاب بما يهدد استقرار النيجر وما بعد النيجر حتي فرنسا. نعتقد بانه ان الاوان لضمان تدخل المجتمع الدولي لمعالجه المشكله الليبيه.”مما يجدر التذكير به في هذا المجال ان القوات الفرنسيه ترابط الان بجوار الحدود الجنوبيه لليبيا.

لقد تراجعت فرنسا خلال الاعوام الاربعه عشر الماضيه، والشخص الذي يري ذلك بوضوح ليس اشتراكياً فرنسياً، بل هو الديغولي دومينيك دو فيليبا، وزير الخارجيه الفرنسي السابق الذي عارض غزو العراق في عام 2003، وكان محقاً في موقفه الذي تكبدت فرنسا بسببه تنديداً دولياً في حينه. لقد كانت الكلمات القليله المعبره عن موقف حكيم في صحيفه لوموند هي الكلمات التي كتبها هو، وجاء فيها:

“تاخذ التدخلات الغربيه انماطاً نظاميه: اذ تبدو في ظاهرها كما لو كانت عمليات مستقله تحفزها طموحات متنوعه، الا انها نجحت في انجاز امر واحد، الا وهو التسبب في نشاه عدو جهادي مراوغ وفي انهيار الدول والمجتمعات المدنيه في المنطقه. الان فقط علمنا كيف ان بعض العمليات هي التي بشرت بكل ذلك. هناك العمليه التي نفذت في ليبيا عام 2011، والتي نجم عنها منذ ذلك التاريخ تحويل البلد الي معلم ارهابي في الصحاري، وهناك العمليه التي نفذت في منطقه الساحل، وبشكل خاص في نيجيريا علي الحدود مع الكاميرون وتشاد حيث تتمدد حركه بوكو حرام وتبسط نفوذها وتحكم قبضتها المتوحشه. الا ان هذه الحروب في العاده تغذي حروباً اخري، تكون في كل مره اكبر من سابقتها، وتكون في كل مره اكثر استحاله علي الاحتواء من ذي قبل. كما انها تغذي الارهاب فيما بيننا عبر وعود باجتثاثه من الجذور. والحقيقه التي لا مراء فيها هي اننا لن نتمكن من التغلب علي الحركات الجهاديه هناك وعلي الارهاب هنا الا اذا اتينا بحلول حقيقيه للازمات التي تعصف بالعالم الاسلامي، والتي هي في نفس الوقت حدوديه، اجتماعيه، سياسيه واقتصاديه. انها صراعات ننزع نحو تبسيطها حين لا نري منها سوي العرض الاسلامي للداء. ان شبح الحرب مصيده، انها الدائره التي تدفع بنا كل يوم تجاه حرب خرجت عن السيطره. ان من واجبنا باسم قيمنا الديمقراطيه ان نقاوم شبح الحرب. النصر الوحيد الذي يمكن ان يعلق المتطرفون عليه الامال هو اقناعنا اننا نخوض حرباً شامله، ان يجرونا الي التورط في اللجوء الي قوه نعتقد انها ستختصر علينا الطريق.”

اذا كان ثمه تاريخ تشاطر فيها فرنسا الشرق الاوسط فهناك ايضاً حيز جغرافي مشترك، ولا يوجد مذكر ملح بذلك افضل من الارقام التي نشرتها المنظمه الدوليه للهجره. فقد شهد عام 2014 اكبر موجه هجره جماعيه منذ الحرب العالميه الثانيه بسبب الحروب في كل من سوريا وليبيا والعراق وبسبب حاله انعدام الاستقرار بشكل عام في العالم العربي، مما تسبب في نزوح ما يقرب من 7ر16 مليون نسمه، مع العلم ان ضعف هذا العدد من الناس اجبروا علي النزوح داخل العالم العربي نفسه. ولقد بلغ عدد الذين خاطروا بانفسهم وحاولوا خوض عباب البحر المتوسط ما يقرب من 45 الف انسان عدد الذين قضوا نحبهم منهم غرقاً تجاوز 3 الاف انسان.

تفاقمت مشكله اللاجئين وازدادت سوءاً بسبب مشاعر العداء للاجانب التي سرت في مصر، والتي وقع ضحيه لها ما يقرب من 300 الف سوري كانوا مرحباً بهم قبل الانقلاب العسكري.

وهذا يعيدنا الي الرجال الذين كان اولاند يمسك بايديهم في مسيره الاحد، هل هم الحل ام المشكله؟ هل السيسي هو “مارتن لوثر الجديد” لانه وقف امام علماء جامعه الازهر ، ذلك المركز العلمي الاسلامي العريق في القاهره، ليقول لهم ان الاسلام بحاجه الي ثوره دينيه؟ ام انه طاغيه مستبد لن يدخر وسعاً في استخدام كل ما تيسر له من وسائل لاطاله امد نظام حكمه الشرير؟

اذا كان هناك شخص قادر علي خلق بيئه مواتيه لتجنيد المزيد من العناصر للحاق بالاسلام الراديكالي، فانه ذلك الطاغيه الذي يضطهد الاسلام السياسي الديمقراطي. والسيسي، اذا ما سمحنا له بذلك، فانه الرجل الذي سيتسبب في تمزيق الدوله المصريه بنفس السرعه والبطش الذي شهدناه ينجم عن الحرب الاهليه في كل من ليبيا واليمن وسوريا والعراق. وحينها لن يكون لدينا مجرد الاف من مقاتلي داعش، بل عشرات الالاف من مقاتلي داعش علي عتبات ابواب اوروبا.

بعد اربعه عشر عاماً من دوره التدخل والارهاب، كان من المفروض ان يفهم الدرس، الا ان ذلك لم يحصل في باريس. فبعد ان استهدف المسلحون رسامي الكاريكاتير ذهبوا من بعدهم يطاردون اليهود، وبعد ذلك ياتي دور المسلمين، في المدارس وفي التظاهرات وفي الشوارع وفي مساجدهم. وما هي الا برهه قصيره حتي يعبر الغضب والكره الجماعي، والشعور بالخطر الجماعي، عن نفسه من خلال القنابل، ليس القنابل التي تنفجر في محطات الميترو وانما تلك التي تتساقط من الطائرات الحربيه الفرنسيه.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل