المحتوى الرئيسى

فهمي هويدي يكتب لـCNN: إدانة الهجوم على شارلي إيبدو لا تلزمنا بالاعتذار لأي أحد

01/13 11:40

هذا المقال بقلم فهمي هويدي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما انه لا يعبر بالضروره عن راي شبكه CNN.

ادانه الجريمه مفروغ منها، كما اننا لا نتردد في مشاطره الفرنسيين شعورهم بالحزن لمقتل فريق مجلتهم الساخره، الا اننا لسنا مطالبين بالاعتذار عما وقع، لا لهم ولا لغيرهم.

حين تم قتل الاثني عشر صحفيا ورساما فرنسيا في السابع من يناير الحالي، فان الخبر احتل العنوان الرئيسي لاغلب الصحف العربيه، واذ تصادف ان قتل في نفس اليوم اكثر من 40 يمنيا وجرح اكثر من سبعين امام كليه الشرطه في صنعاء، فان الخبر وضع في ذيل الصحف العربيه اللندنيه، واخذ مكانه في الصفحات الداخليه للصحف المصريه، وشاءت التقادير ان يعلن في اليوم ذاته تقرير المرصد السوري لحقوق الانسان عن حصيله حمله القتل الدائره في سوريا عن شهر ديسمبر، الذي اشار الي ان قتلي الشهر وصل عددهم 4358 بمعدل 150 شخصا يوميا، الا ان خلاصه التقرير تاهت وسط زحام الاخبار العربيه والعالميه الاخري. فذكرته بعض الصحف المصرية وتجاهلته صحف اخري. وما لاحظناه في اداء الصحف المنشوره لم يختلف كثيرا عما شاهدناه علي شاشه التليفزيون. اذ ظل خبر مقتل الفرنسيين الاثني عشر هو الاول، اما اخبار قتل العشرات في اليمن وسوريا فانها احتلت رتبه متاخره، وتراجعت الي المركز الثالث او الرابع. كانما صار قتل العرب حتي في وعينا خبرا عاديا، في حين غدا استهداف الاوروبيين هو الجريمه والصدمه.

لم تتجل صدمه وسائل الاعلام العربيه فقط في التركيز علي حادث قتل الفرنسيين وعدم الاكتراث بمسلسل القتل اليومي للاعداد الكبيره نسبيا من العرب، ولكنها تجلت ايضا في حمله التضامن مع مجله شارلي ايبدو، حتي ان اللافته التي رفعها البعض في باريس وكتب عليها عباره انا شارلي، كانت ذاتها عنوانا لاحدي الصحف اليوميه المصريه، وبلغ التماهي مع المشاعر المعاديه للاسلام والمسلمين التي تصاعدت في فرنسا حدا دفع احد رسامي الكاريكاتير المصريين لان يقدم رسما في اليوم الاول مصحوبا بتعليق يقول: مذبحه اسلاميه للصحفيين والرسامين في باريس، وفي اليوم التالي قدم رسما اخر مع تعليق يقول: اسلاميون يغتالون حريه الراي في فرنسا.

في حين كانت السمه الابرز لاداء الاعلام العربي في اغلب منابره معبرا عن الشعور بالدونيه من ناحيه وبالتسطيح والخفه من ناحيه ثانيه، فقد لوحظ ان الاصداء اصبحت خلال الايام التاليه اكثر توازنا ونضجا في اوساط المثقفين والاعلاميين الغربيين، اذ ظلت ادانه الجريمه وحق كل صاحب راي مخالف في الاحترام فضلا عن الحياه امرا متفقا عليه، ولكن مواقف المجله التي اتسمت بالغلو وازدواج المعايير لم تحظ بنفس القدر من الانفاق. كما ظهرت اصوات نزيهه رفضت الغمز في الاسلام كما رفضت الصاق التهمه بالمسلمين وتعميمها عليهم. وكانت الرساله التي بلورتها تلك الاراء تقول بصريح العباره: نحن ضد القتل ومع حريه الراي لكننا ايضا ضد الموقف الذي تبنته مجله «شارلي ايبدو» ازاء الاسلام والمسلمين، لا ينفي ذلك ان مؤشر العداء للاثنين قد تعاظم بشكل سريع في اعقاب وقوع الحادث، في فرنسا التي كانت اجواؤها مهياه لذلك لاسباب عده، احدثها ظهور كتاب «الاستسلام» الذي خوف الفرنسيين من التداعيات المترتبه علي فوز مفترض لاحد المسلمين الفرنسيين بالرئاسه في انتخابات عام 2022. وهو ما استثمرته بسرعه الجماعات اليمينيه والفاشيه التي تثبت حضورا متزايدا في انحاء القاره. وهي الاحزاب التي علا صوتها بوجه اخص في المانيا وايطاليا واسبانيا، وباتت ترفع شعار «بيجيدا» الذي يرمز الي عباره «وطنيون اوروبيون ضد اسلمه الغرب». وبطبيعه الحال، لم يخل الامر من محاولات الصيد في الماء العكر. وهو ما لجا اليه بسذاجه تدعو الي الرثاء بعض الاعلاميين المصريين حين عبر بعضهم عن الشماته في الحكومه الفرنسيه لانها لم تسر علي نهج الحكومة المصرية في مواجهه الارهاب، ومنهم من استخدم عباره «يستاهلوا»، الا ان اخبث تلك المحاولات قام بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي شارك في المسيره الباريسيه لمناهضه الارهاب، رغم ان يديه لا تزال ملطخه بدماء طريه لالفي فلسطيني قتلهم جيشه في قطاع غزه في صيف العام الماضي (2014). اذ اخترق الصفوف وتصدر المسيره وكانه قائدها ومحفزها، في مشهد مبتذل بدا مسكونا بالزيف والنفاق.

بوادر الافاقه ظهرت في تعليقات مواقع التواصل الاجتماعي التي تحفظت علي شعار «انا شارلي» الذي رفع في باريس وجري تعميمه علي مختلف وسائل الاعلام بعد ساعات من وقوع الحادث. اذ في حين انتشر الشعار بسرعه البرق في اجواء الصدمه، فان بعض الاصوات المحدوده خرجت معلنه التضامن مع الضحايا وليس مع المجله وكان في مقدمه هؤلاء ناشط وكاتب لبناني يراس الرابطه العربيه الاوروبيه في بلجيكا هو دياب ابو جهجه، الذي كتب «انا احمد» وليس شارلي. وكان يشير بذلك الي احمد مرابط الشرطي الفرنسي من اصل جزائري، الذي قتل في الحادث وهو يدافع عن مجله دابت علي اهانه ثقافته ودينه. وقد جسد بذلك مقوله فولتير الشهيره «قد اختلف معك في الراي، لكني مستعد لان اموت دفاعا عن رايك» وهو ما يجعل رمزيته اهم واكثر موضوعيه ونزاهه من رمزيه التضامن مع المجله ذاتها. كانما اطلق صاحبنا الشراره فظهرت بعد ذلك مدونه فرنسيه اسمها كريستين جيلبرت معلنه عن تدشين حمله شعارها «لست شارلي ولكنني احمد». وقالت في تبرير ذلك ان احمد هو الشرطي المسلم الذي قتل اثناء دفاعه عن حق المجله في التعبير بحريه. انتقدت كريستين تجاهل ورمزيه التضحيه التي قام بها ذلك الجندي المسلم الشجاع، كما انتقدت استخدام الحادث لمعاداه الاسلام او التنديد بالمسلمين والدعوه الي طردهم، قائله: دعونا نحكم علي بعضنا البعض وفقا لاعمالنا الفرديه وليس من خلال لون بشرتنا او معتقداتنا.

هذه النقله في الخطاب، التي عبرت عنها بعض الكتابات العربيه الاستثنائيه للاسف، اثارت الانتباه في وسائل الاعلام الغربيه. فتحدثت عنها صحيفه «ذا اتلانتيك» الامريكيه قائله ان مقتل احمد مرابط يوفر شرحا للهجوم، لانه قتل دفاعا عن القوانين التي تسمح للاخرين بالسخريه من دينه. وهو ذات الموقف الذي عبرت عنه صحيفتا ديل ميل والجارديان البريطانيه.

في اجواء الافاقه تعددت التعليقات والتحليلات، سواء منها من ادان فكره تعميم الاتهام علي المسلمين، او ما سلط الاضواء علي مواقف مجله «شارلي» بغلوها وتحيزاتها ضد الاسلام والمسلمين بوجه اخص، الامر الذي اثار قضيه المسئوليه في ممارسه حريه التعبير.

تعميم الاتهام علي المسلمين شاركت فيه اصوات عده، كان بينها روبرت ميردوخ احد اباطره عالم الصحافه خصوصا في بريطانيا، اذ كتب يقول انه ربما كان اغلب المسلمين سلميين، ولكنهم ما لم ينجحوا في القضاء علي سرطان الجهاديين، فاننا لا نستطيع ان نبرئهم او نعفيهم من المسئولين، الا ان كثيرين سارعوا الي رد مقولته كان من ابرزهم الروائيه البريطانيه الشهيره جي. ك روينج (صاحبه قصص هاري بوتر). اذ كتبت قائله: لقد ولدت مسيحيه، واذا اراد ميردوخ ان يحملني بالمسئوليه عن فظائع محاكم التفتيش، فان الخروج من المله يصبح خيارا افضل من الاستمرار في العيش بتلك الوصمه، بل ان احد قيادات الرابطه الكاثوليكيه بيل دونوهو ابدي تفهما لملابسات الجريمه قال فيه ان القتل مرفوض يقينا لكن من حق المسلمين ان يغضبوا من موقف المجله، ولا مفر من الاعتراف بان اداء محرريها ورساميها الضحايا كان له اسهامه في تحريض الجناه علي الاقدام علي فعلتهم.

مجله «لندن ريفيو اوف بوكس» البريطانيه المحترمه نشرت في 9 يناير الحالي مقاله كتبها ادم شاتز كان عنوانها «الوضوح الاخلاقي»، انتقد فيها المواقف الغربيه المتسرعه التي ترتبت علي الحدث، كما تطرق الي الظروف الاجتماعيه التي يعيش فيها المسلمون المهاجرون الي فرنسا. فذهب الي ان الذين روجوا لشعار «انا شارلي ايبدو» تبنوا موقفا دفاعيا ارادوا به ان يغسلوا ضمائر الغربيين من اثار الجرائم العديده التي ارتكبها الغرب بحق المسلمين. واضاف ان الاخوين كواشي اللذين قاما بالهجوم علي المجله هما نتاج طبيعي للمعامله التي يلقاها المسلمون المهاجرون في المجتمعات الغربيه التي فشلت في استيعابهم. بل حرصت علي ان تذكرهم دائما بانهم مجرد مهاجرين وافدين. ولذلك فان شعورهم بالاغتراب يلاحقهم طول الوقت. وبسبب من ذلك فان التحاقهم بالاسلام الراديكالي يوفر لهم الشعور بالقوه وبالقدره علي التاثير في محيطهم. ولم يفت ان ينبه الي ان الدعوه للنظر الي الظروف التي افرزتهم لا ينبغي ان يعفيهم من المسئوليه عما فعلوه، ولكنه من مستلزمات الوضوح الاخلاقي المطلوب لفهم خلفيات ودوافع سلوكهم.

صحيفه دير شبيجل الالمانيه نشرت تقريرا ذكرتنا به السيده رولنج اورد خلاصه تقرير مثير اعده مركز مواجهه الارهاب التابع للاكاديميه العسكريه في نيويورك، ذكر ان معاناه المسلمين من الارهاب اكثر بكثير من معاناه غير المسلمين، ودللت علي ذلك بانه خلال الفتره بين عامي 2004 و2008 كان ضحايا المسلمين الذين قضوا بسبب الارهاب ثماني مرات ضعف الضحايا من غير المسلمين. وخلال تلك الفتره شن تنظيم القاعده 313 هجوما مما ادي الي مقتل 3010 اشخاص، ومن هؤلاء القتلي كان عدد غير المسلمين 371 شخصا. واضاف التقرير انه بين عامي 2006 و2008 كان القتلي من غير الغربيين 38 ضعف القتلي الغربيين، بما يعني انه امام كل مواطن غربي قتل 38 مواطنا اخر من بين المسلمين.

في مقاله كتبتها روائيه مغربيه مقيمه في الولايات المتحده هي ليلي لا لامي، افاضت في شرح البيئه التي خرج منها الشبان اللذان ارتكبا الجريمه، وبينت ان تدهور اوضاع المهاجرين ينتج سلوكيات منحرفه، وقالت ان البطاله بين المهاجرين ضعفها بين المواطنين الفرنسيين العاديين، وان حظوظهم في التعليم اقل من حظوظ اقرانهم الفرنسيين، ولفتت الانتباه الي ان مجله شارلي ايبدو كانت تنتقد الجميع حقا لكن نقدها للمسلمين كان اشد واكثر غلوا. ثم ان رئاسه التحرير فصلت احد محرريها البارزين (موريس سينيه) واتهمته بمعاداه الساميه لمجرد انه غمز في ابن الرئيس السابق نيكولاي ساركوزي وتنبا له بمستقبل مالي مشرق بعد زواجه من يهوديه. اضافه الي ان اي نقد تمارسه المجله او غيرها من المجلات الاخري لم يكن ليجرؤ علي المساس بالهولوكوست، الذي يعتبر اليهود ان وثائقه وارقامه «مقدسات» لا يجوز المساس بها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل