المحتوى الرئيسى

مترجم: الحياة خارج الأرض

01/12 17:05

مترجم عنLife Beyond Earthللكاتب Joel Achenbach

لقد حدث شيء عجيب في الكون؛ انها نشاه “الحياه”، شكل بديع وصاخب ومترابط من اشكال الماده. ورغم اختلافه نوعيًّا عن الصخور والغازات والغبار، الا انه مكون من نفس الخامات ونفس العناصر العاديه المتوفره في كل مكان.

تتجلي الحياه علي طريقتها الخاصه؛ فهي تجتازنا بخطوات مسرعه او تحنق علينا او تتلاشي علي عتبه نافذه الكون، ومع ذلك يصعب تعريفها بمصطلحات قاطعه. نحن نقول ان الحياه تستنسخ نفسها وتوائم ما حولها وتستخدم الطاقه، بل ونجد ان بعض اشكال الحياه قد طورت شبكات معالجه مركزيه كبيره. واصبحت الحياه، في نموذج واحد منها علي الاقل، علي ادراك عميق بذاتها.

وتفرض نوعيه الحياه هذه تساؤلاً ملحًا: ما الاشكال الاخري الموجوده للحياه؟

ربما لا يكون هناك اي لغز علمي اخر مثير للشغف ومحير في حله يطل علي الالفيه الجديده. يمثل تصور الحياه خارج الأرض فجوه هائله في معرفتنا عن الطبيعه. وبمعاونه ادوات مثل تلسكوب هابل الفضائي، اكتشف العلماء كميه مذهله من التراب الكوني، الا انهم لا يحيطون معرفه سوي بعالم واحد ماهول.

لدي كل منا اعتقاداته وسيناريوهاته الخاصه. فقد قدر عالم الفلك الراحل كارل ساجان عدد الحضارات المتقدمه تكنولوجيًّا في مجرتنا وحدها بنحو مليون حضاره. اما زميله فرانك دراك، فكان اكثر تحفظًا حيث قدر هذا العدد بنحو 10000 حضاره. كما احتسب الباحث الفلكي المرموق جون اورو وجود مئات الحضارات المتفرقه في مجره درب التبانه. واخيرًا، يوجد شكوكيون مثل بن زكرمان وهو عالم فلك بجامعه كاليفورنيا، لوس انجلوس، يعتقد باننا نعيش وحدنا في هذه المجره ان لم يكن في الكون باسره.

وكافه التقديرات تحرزيه في المقام الاول. فالحقيقه هي انه لا يوجد دليل حاسم علي وجود اي حياه خارج الارض. وكما اشار كثير من العلماء فان غياب الدليل ليس دليلاً علي الغياب. ولكن ما زلنا لا نملك اي معرفه ماديه بوجود ميكروب او عفن واحد او حتي طاسه دولاب ترجع لسفينه فضاء ماره بالصدفه.

فتصورنا حول الحياه خارج الارض هو كما وصفه كارل ساجان “مناقشات معقوله”، يتم التوصل اليها غالبًا من خلال انطباعات وايدولوجيات والتزامات عشوائيه ودون معرفه مسبقه. وحتي ان استطعنا اقناع انفسنا بان هناك حياه في الخارج، فاننا سنواجه معضله اخري الا وهي جهلنا التام بهذه الحياه، فعلي سبيل المثال، نحن لا نعرف مدي غرابه الحياه في الخارج، او اذا كانت ذرات الكربون هي المكون الاساسي لها، او اذا كانت تتطلب وسيطًا سائلاً كالماء، ام انها تسبح ام تطير ام تشق الانفاق.

وبالرغم من وجود غمامات من الشكوك فان الحياه خارج الارض اصبحت مجالاً مثيرًا للاهتمام بشكل كبير امام التساؤلات العلميه. ويطلق علي هذا الحقل “علم الاحياء الخارجيه” او “علم الاحياء الفلكي” او “علم الفلك البيولوجي”. ويتم تغيير الاسم كل عده اعوام وكانه لحمايه الجهلاء.

ايًّا كان المسمي، فهذا العلم هوعلم يسوده التفاؤل. فنحن علي علم الان بان الكون يعج بالكواكب. فمنذ عام 1995 قام علماء الفلك باكتشاف 22 كوكبًا علي الاقل يدور حول نجوم اخري. وتامل وكاله ناسا في بناء تلسكوب يطلق عليه “مكتشف الكواكب الارضيه” للبحث عن كواكب شبيهه بكوكب الارض وتحليل تربتها للتاكد ما اذا كان هناك عالم ينبض بالحياه في الغلاف الجوي. في العقد الماضي تم اكتشاف كائنات حيه تتكاثر علي كوكبنا وسط بيئات غير معتاده وغير ملائمه. اذا امكن ان تعيش الميكروبات في مسام الصخور علي اعماق كبيره تحت سطح الارض او علي حافه ينبوع شديد السخونه مثل ينبوع يلوستون، فلربما اعتادت العيش في مكان اخر ككوكب المريخ.

يتعرض كوكب المريخ لغزو واسع النطاق من كوكب الارض من قبل المسبارات لدراسه منطقه القطب الشمالي والمركبات المداريه لاجراء مسح شامل لسطح الكوكب والمركبات الفضائيه لتحليل التربه واخذ عينات للبحث عن حفريات. وقد تم قذف عليبه تحوي صخورًا من كوكب المريخ الي كوكب الارض في عام 2008، حتي هبطت في صحراء ولايه يوتا وقام العلماء بفحصها في معمل محكم الاغلاق. اما في الاعوام القادمه، فسيتم ارسال مسبارات لتدور حول قمر كوكب المشتري اوروبا، وان امكن لتهبط عليه. ويكشف التكوين الثلجي هذا عن علامات متعدده علي وجود محيط تحت سطح الكوكب لعله يضم غلاف حيوي رغم ظلامه الحالك وبرده القارس.

ويعزز مهمه البحث عن ميكروب فضائي الجهد المتواصل للعثور علي حياه عملاقه وذكيه وقابله للتكيف. حتي الان لم يصرح معهد  SETIالمتخصص في البحث عن الذكاء خارج كوكب الارض، بوجود اشاره مؤكده ارسلت من قبل حضاره فضائيه، وذلك بعد مرور 40 عامًا من المحاولات الا ان تكنولوجيا معالجه الاشارات تصير اكثر تعقيدًا عامًا بعد عام. يحسب المتفائلون ان المساله مساله وقت حتي نتمكن من ضبط تردد قناه الاتصال الصحيحه.

ولا يعرف احد متي يحدث تقدم هائل في عمليات الاستقصاء هذه، هذا ان نجح احداها في المقام الاول. ربما يسود هذا المجال باسره نسبه معقوله من الدعم والتاييد لكني اراهن ان هذا التقدم الهائل لن يحدث الا بعد اعوام عديده ان لم يكن عقود. فالحقيقه بمنتهي البساطه هي ان الحياه خارج الارض كما هو متعارف عليها ليس لها وجود بشكل محدد.

لكن هناك حقائق اخري لا بد من الاشاره اليها لاستدامه البحث عن الكائنات الدقيقه الفضائيه. فمنها، ان الكون، بشكل تقريبي، يبدو صالحًا للعيش. ومنها، ان الحياه تبسط معلومات عن نفسها، فهي علي اسوا تقدير تترك اثارًا وبصمات واصداء. وان كان الكون يفعم حقُّا باشكال كثيره للحياه، فلن يطول الاجل حتي تتكشف اسرارها.

ورغم ان الاتصال بحضاره فضائيه سيكون حدثًا يشكل تحديًّا ثقافيًّا يهتز له العصر، الا ان علماء الاحياء الخارجيه سيرضون بكل سرور باكتشاف حفريه صغيره باعتبارها احد بقايا الكيمياء الحيويه للحياه خارج الارض، او باعتبارها مثالاً، او نقطه بيانيه واحده لاضافتها الي ما لدينا، الا وهو الحياه علي الارض. هذا هو ما نحتاج اليه لبدء عمليه طويله الامد لوضع الوجود الانساني في نصابه الصحيح علي خريطه الكون.

وعليه يغامر علماء الاحياء الخارجيه بالذهاب الي اسوا الاماكن علي وجه الارض او علي الاقل الاكثرها خطرًا: الاكثرها جفافًا او بروده او البيئات الاكثر شبهًا بكوكب المريخ او قمر اوروبا.

فان اردت تعقب عالم الاحياء الخارجيه جاك فارمر من جامعه ولايه اريزونا، فابحث عنه في وادي الموت او علي شواطئ بحيره موناكو القريبه او تحت الجرف الجليدي بالقاره القطبيه الجنوبيه انتاركتيكا. اما اذا كنت تريد العثور علي كريس ماكاي فعليك بالبحث في صحراء اتاكاما في تشيلي او علي اي جزيره تقع شمال الدائره القطبيه.

اما اقذر كهف يمكنك تخيله هو المكان الذي ستعثر فيه علي بني بوسطن. اصطحبت بوسطن في احدي رحلاتها الي كهف رطب تعجه الخفافيش في جنوب المكسيك يطلق عليه كهف فيلا لوز؛ حيث كانت تدرس الميكروبات المستوطنه هناك، وذلك في بيئات مصير اي انسان فيها لا يرتدي قناع غاز هو الهلاك.

تقول بوسطن: “لطالما اردت الدوران حول الكون وزياره كواكب اخري. لكن ربما هذا اقرب شيء يكمن الوصول اليه في عمري هذا”.

لا يردع بوسطن وصديقتها ديانا نورثرب التي تعمل امينه مكتبه وعالمه احياء في نيو مكسيكو، اقنعه الغاز القابضه علي الوجه التي لا بد من ارتدائها، ولا الرطوبه الدائمه، ولا الظلام الحالك، ولا الخفافيش، ولا الامكانيه الضئيله بحدوث انبعاث لاول اكسيد الكربون الذي يقضي علي الجميع. ولا يؤرقهما كثيرًا الاصابه بالملاريا، او حمي الدَّنْك، او اي من الامراض النادره بهذا المكان. قبل دخولنا كهف فيلا لوز سالتهمH ان كان هناك اي مخاطره للاصابه باي عامل ممرض غير معروف كالايبولا مثلاً. ردت بوسطن قائله: “من غير المحتمل حدوث ذلك”.

كانت ارضيه الكهف مغموره بالمياه علي اعماق مختلفه، كما لم تكن المياه شفافه. لذلك مشينا بحذر شديد لتجنب المياه العميقه التي لم نعرف حدودها بعد. لكن طبقًا لمعايير استكشاف الكهوف كان الامر اقرب الي نزهه في الحديقه؛ لم نكن بحاجه الي حبال، قمنا فقط ببعض الزحف والركض ببطء عبر ممرات ذات اسقف منخفضه.

وانتهينا بالوصول الي اعمق واكبر حجره في الكهف تعرف باسم “القاعه الكبري”؛ حيث تنطلق اسراب الذباب بسرعه، وتغزل العناكب خيوطها، وتسافر الخفافيش في مسارات متعرجه فوق رؤوسنا باعثه سونارها حاد الصوت. كانت حوائط الكهف المكونه من صخور حمراء مغطاه بماده لزجه خطراء ووحل داكن ومعجون دبق من الجص الابيض وحجر جير في طريقه للتحلل بواسطه حامض الكبريتيك.

في اللحظه التي كنت افكر فيها بمدي مشابهه هذا الكهف للتجويف الانفي عند الانسان، كنا قد وصلنا الي مخاطيات الكهوف (تحاول بوسطن جاهده ادخال هذه الكلمه ضمن قائمه المصطلحات العلميه). مخاطيات الكهوف هي تكوينات هلاميه تشكلت من خلال الفضلات الميكروبيه وتدلي من اسقف الكهوف. كانت تعمل بوسطن وفريقها علي قياس سرعه نموها لمحاوله فهم الايض الميكروبي وتاثيره بعيد الامد علي حاله الكهف الجيولوجيه. فيما يبدو ان المناخ الجاف قد منع تشكل هذه التكوينات منذ زيارتها الاخيره.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل