المحتوى الرئيسى

ناطحات السحاب: سباق لا ينتهي نحو القمة

01/12 15:13

برج خليفه في دبي هو اعلي بناء في العالم، لكن ربما يكون التفوق عليه قريبا. فما الذي يقف وراء اندفاع المعماريين نحو السماء؟ الصحفي جوناثان غلانسي يلقي نظره علي هذا الامر.

"مركز التجارة العالمي 1" هو اعلي بناء في نصف الكره الغربي من العالم، وترتيبه الرابع عالميا في الوقت الحاضر. افتتح ذلك المبني في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ويبلغ ارتفاع ناطحة السحاب الانيقه تلك 1,776 قدم (541 متر) في سماء مانهاتن. ويعد ذلك الارتفاع دلاله رمزيه لاعلان الاستقلال في الولايات المتحدة الإمريكية عام 1776.

تضمنت المسوده الاصليه لوثيقه الاستقلال عبارتها الشهيره: "نحن نعتبر هذه حقائق بديهيه، وتتضمن ان جميع البشر خلقوا متساوين، وانهم وهبوا حقوقاً من خالقهم غير قابله للتغيير، ومن بين هذه الحقوق حقالحياه، والحريه، والسعي نحو السعاده." كتب هذه العباره توماس جيفرسن، "الاب المؤسس" والرئيس الثالث للولايات المتحده الأمريكية، واحد افضل مخططي عصره.

صمم البناء الجديد ديفيد تشايلدز من شركه "سكِدمور اونينغز ميرّيل". كان الاسم الجديد المعدّ لذلك المبني هو "برج الحريه"، فقد كان يفترض لناطحه السحاب هذه ان تكون نصباً تذكارياً.

ووضع التصاميم الاولي لذلك المبني المهندس دانيل ليبسكيند، وقد اعطي التفويض لبناء ذلك المبني ليحل محل "البرجين التوامين" اللذين دُمِّرا في الهجمات الارهابيه التي نفذها اشخاص لا يؤمنون بالحياه او الحريه او السعاده.

واعيد التسميه بنفس اسم مركز التجاره العالمي ايضاً لاعاده ترسيخ فكره ان نيويورك هي واحده من بين اهم محاور التجاره العالميه. وكما قال الرئيس كالفن كوولدج امام الجمعيه الامريكيه لمحرري الاخبار في يناير/كانون الثاني عام 1925: "الشغل الشاغل للمواطنين الامريكيين هو العمل لغرض الربح."

واضاف حينها: "بالطبع، لا يمكن تبرير تكديس الثروه باعتبار ذلك السبب الرئيسي للوجود. الا اننا مجبرون علي التسليم به كوسيله للوصول الي كل انجاز مرغوب."

هذا الانصهار الذي حصل للثروه الجديده المكدسه، مع الايمان بوجود شيء ما وراء الكيان المادي هو ما صاغ بثبات اولي البنايات الشاهقه في العالم. حسب علمنا، كانت هذه "زقورات سومر" المبنيه من الطوب اللبني وهي ترتفع بين نهري دجله والفرات فيما كانت تسمي في غابر الازمان بلاد ما بين النهرين، جنوب العراق الان.

عندها، كانت الرغبه في الوصول الي السماء في وقت يحتفلون فيه بالثروه والالهه سويه. اضف الي هذا طموح لا يعرف الكلل للبنائين والمعماريين، ما ادي الي بناء الاهرامات في مصر القديمه.

نفس الشيء يقال علي ابراج كاتدرائيات القرون الوسطي وناطحات السحاب المتكاثره في شوارع شيكاغو ونيويورك في اواخر القرن التاسع عشر. في ذلك الحين، سهّلت الهياكل الفولاذيه والرافعات او المصاعد الامنه من العمل والعيش علي ارتفاع الف قدم (305 امتار) فوق سطح الارض، وجعلت الامر عقلانياً تماماً وواقعاً مربحاً.

في الوقت الحالي، برج خليفه هو اعلي بناء في العالم، ويقع في مدينه دبي الاماراتيه في الشرق الاوسط، في بلد يعتبر قمه لمجتمع يعبد الاله الاوحد ويبرع في مجال التجاره، ايضاً.

وهذا البناء الممدود، برج بابل زماننا، يصل ارتفاعه الي 828 متر. ويطلّ الزوار من شرفاته التي تسبب الدوران ليروا في الاسفل المدينه التجاريه الرائعه وهي تمتد باطرافها تحت اعينهم، وينظروا عبر الكثبان الرمليه اللامتناهيه للربع الخالي، وبحرٍ من الرمال المتحركه، لاستحضار عالم ما قبل الزقوره الاولي.

ويبدو هذا البرج وكانه تاكيد لفكره ان الابراج والتجاره تقرب الشعوب من بعضها، اذ ان برج خليفه صممه معماريو شركه "سكِدمور اونينغز ميرّيل"، وهي ذاتها التي صممت مركز التجاره العالمي الجديد.

غير ان هناك اسباب اخري لتشييد ابنيه شاهقه مثل هذه، وربما تكون المنافسه من بين اكبر هذه الاسباب. كان "البرجان التوامان" لمركز التجاره العالمي قد صُمما من قبل المعماري الياباني-الامريكي مينورو يامازاكي.

واكمل ذلك البناء في عام 1971، وكان وقتها يمثل اعلي بناءين في الولايات المتحده الامريكيه. لم يدم الامر طويلاً، ففي عام 1973، اكملت نفس الشركه المصممه برج سيرز (يسمي الان برج ويليس) في شيكاغو بارتفاع قدره 1451 قدم (442 متر) ليكون اعلي ارتفاعا بطول 100 قدم من برجي مانهاتن التوامين.

اصبحت مدينتا نيويورك وشيكاغو منذ زمن طويل ندّين تجاريين: كان التسابق فيما بينهما لتشييد البناء الاعلي قد بدا منذ اواسط القرن التاسع عشر.

لم تكن بنايه "امباير ستيت بلدينغ"، لعقود عديده اعلي بنايه في الولايات المتحده الامريكيه فقط، بل وفي العالم ايضاً. فقد ارتفعت وسط سماء مانهاتن خلال الكساد الاقصادي العظيم في ثلاثينيات القرن المنصرم، وكانت ترمز الي مستقبل زاهر قادم.

حتي انها صمدت امام ارتطام طائره بها، وهي قاذفه ميتشيل بي-25 التي ضلت سبيلها في الضباب في يوليو/تموز عام 1945. وفي مؤتمر صحفي عقد بشيكاغو في اكتوبر/تشرين الاول 1956، كشف فرانك لويد رايت النقاب عن تصميم بنايه "الينوي": وهي ناطحه سحاب يصل ارتفاعها ميلا واحدا.

كان ذلك المبني سيوجه اقوي صفعه لنيويورك في ذلك الوقت، لكنه التكاليف الماديه تجاوزت حدود البنوك والمتعهدين المتفاخرين، فلم يتحقق ذلك البناء.

ورغم ما يقال، بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر/ايلول، من قبيل ان ناطحات السحاب ستضمحل وتننتهي، نري بلداناً حول العالم وهي تستعرض عضلاتها الاقتصاديه، بما في ذلك الاستثمار في مبان اعلي من تلك الموجوده الان. وحالياً، تتباهي جمهوريه الصين الشعبيه بان لديها مئات من ناطحات السحاب (عاده ما يطلق ذلك علي تلك المباني التي يزيد ارتفاعها عن 500 قدم او 152 متر).

فعلي سبيل المثال، تملا ناطحات السحاب افق مدينه بودونغ، وهي المركز التجاري الجديد لمدينه شنغهاي، والتي تعد غابه من ناطحات السحاب المترفه.

وهذا العام، 2015، سيتم افتتاح برج شنغهاي الملتوي، الذي صممته شركه غينسلر الامريكيه مع جن كوشيا باعتباره المهندس المعماري الرئيسي لها. وعندما سينجز ذلك البناء، فسيكون ثاني اعلي مبني في العالم بارتفاع قدره 2073 قدماً (632 متر).

من المرجح ان الصينيين يريدون الارتفاع اعلي من ذلك بكثير. هناك دول وممالك وامارات في الشرق الاوسط الغنيه بالنفط تنافس الصين. بينما حرصت دول اخري علي عرض ثرواتها المكتشفه حديثاً بالانضمام الي لعبه الارقام التافهه نوعاً ما. الي اين سيؤدي كل هذا؟

لعل ما له مغزي ايضا ان اعلي بنايه جديده في روسيا قد سُمّيت باسم صاروخ فضائي؛ "برج فوستوك" في موسكو (يصل ارتفاعه 1224 قدم؛ 373 متر)، والذي سيُفتتح هذا العام.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل