المحتوى الرئيسى

مُترجم: جوزيه و بيلار.. قصّةُ حب

01/08 14:12

مترجم عنJosé and Pilar: A Love Story

«ماذا عليّ ان اقول يا بيلار؟ »

هكذا سال الكاتب البرتغاليّ جوزيه سارماغو زوجته، عندما طُلِب منه ان يلقي تحيه عيد الميلاد اثناء لقاءٍ تليفزيونيّ.

” الكريسماس لابد وان يستمرَ طوال العام” اجابته بيلار ديل ريو؛ دائما ما تعرف ماذا تقول، عندما لا يجد الكاتب النوبيليّ الكلماتِ المناسبه.

«ولكن، انا اكره الكريسماس، كيف لي ان اقول ذلك؟»

بوصفه «هادئًا» و«سوداويًّا» وُلِدَ ساراماغو في قريه بالبرتغال لعائله لم تستطع تحمل النفقّات لترسله للمدرسه بالصف الرابع. فقط في الستّين من عمره، بدا يكتب بدوامٍ كامل. اكتسب ساراماغو شهره في العالم الناطقِ بالانجليزيه بسبب روايته Blimunda and Baltasar -” قصة حب كانت خلال محاكم التفتيش البرتغاليه – و”العمي”: روايه فنتازيّه؛ حيث طاعون من «عمي ابيض» يُرجِع الناسَ في بلدٍ لاكثر الحالات بدائيهً. في عام 1998، صار الكاتبَ البرتغاليّ الاول الذي ينال جائزهَ نوبل في الادب. اليوم، تُرجِمَت كتُبُه لخمسٍ وعشرين لغهً، ليس سيّئا لرجل لم يذهب للصف المتوسط بالمدرسه.

 اينما ذهب، فيده في يدها وكانها امه.

بينما يبدو ذلك كقصه لرجل صنع نفسه بنفسه، الراحل ساراماغو لم يحقق نجاحه وحده. كما يقول المثل: خلف كل رجلٍ عظيم، هناك امراهٌ عظيمه، وبالنسبه لساراماغو “دِل ريو” كانت ومازالت هي تلك المراه.

“قطعا اؤمن ان هناك اثنين جوزيه ساراماغو: جوزيه ساراماغو قبل ان يقابل بّيلار، وجوزيه ساراماغو بعد ان قابل بيلار، وهذا كل ما لابد لي ان اقوله”. هكذا قال الكاتب الاسباني Juan Teba.

التعليق: روايته اخيرا تظهر للنور بعد خمسه واربعين عامًا

قبل 45 سنهً مضت، عندما ارسل الكاتب ذو الخمسه وثلاثين عامًا مخطوطه  Claraboya”المنور” لناشر برتغاليّ، لم يسمع عنها ابدًا مره اخري.

ساراماغو كان في الخمسينات من عمره عندما اخترق عالم النشر بـ “Baltasar and Blimunda” في 1982، بترجمه انجليزيه في عام 1988 مؤدّيّه لظهوره للجمهور العالمي، تطلب ذلك حتي عام 1989 من قِبَلِ الناشر كي يتفاعل مع الكاتب عن Claraboya” مخبرًا ايّاه انهم قد وجدوا مخطوطه اثناء تجوّل بالمكان ويودّون ان ينشروه. ولكنه رفض.

” عاني ساراماجو كثيرا من جرّاء هذا الازدراء. شعر بانه لو ان هناك احدًا يعطيك فاكهه حقله، اقل ما عليك فعله هو ان تتجاوب!” بيلار دل ريو – نافذته علي العالم – اخبرت الصحافه في مدريد ان الروايه قد نشرت. ساراماغو الذي رحل في 2010 في السابعه والثمانين من عمره، لم يكتب اي روايه اخري لعشرين عامًا بعدما تم التغاضي عن ” Claraborya”، حيث قالت بيلار “قد ركّز بدلا من ذلك علي الكتابه في الصحف. ”

قالت دل ريو: “اطلق عليه الكتاب الذي فُقِدَ ووُجِدَ في الوقت المناسب”، “اخبرنا انه لا يريده منشورًا خلال حياته ولكن، هؤلاء الباقون بعد موته باستطاعتهم فعل ما يظنونه الافضل من اجله. جميعنا يعلم – اظن وسارماغو ايضًا – انه كان من الافضل انْ لو كان قد نشره. “

يذكر ان الروايه مترجمه للعربيه ومنشوره في بيروت بشركه المطبوعات والتوزيع عام 2014.

بيلار الزوجه والام والطفله المدلله

«الاجساد الميْتَه حديثا ستبدا في الظهور، المصورون الراحلون، المراسلون الصحفيّون، ومصوّرو السينما«، هكذا يمزح الكاتب في الفيلم، «وفي الوقت الذي لا احد يشك في كوني قاتلاً، طالما هنالك صُحُفيّون، سوف اقتلهم. خاصّه المصورين.»

الفيلم الوثائقيّ الاخير Pilar et José يصوّر السنوات الاخيره في حياه ساراماغو، بعد ان التقي “دِل ريو” يرسم صوره كاتبٍ منعزلٍ، اُجبر علي ان يكون في المحفل العام.

«ديل ريو» عنيده، بلا خوف، مجادله صريحه، مسيطرهٌ في اي مكان حيثما مشت، قادت ساراماغو خلال الاجتماعات الصُحُفيّه، حفلات توقيع الكتب، احتفالات الجوائز، ولقاءتٍ لا تنتهي، وافق الكاتب علي مضضٍ ان يجريها.

الفيلم مشهورٌ في البرتغال، وكذلك ساراماغو -الذي كان سيّء السمعه ؛ لكونه شيوعيًّا وملحدًا – صارت له علاقات معقّده مع وطنه. كمجتمعٍ متديّن ورع؛ عارضت البرتغال عمل ساراماغو؛ لدرجه انه حينما نشر روايته «الانجيل بحسب يسوع المسيح» في 1991، والتي رُشِّحَت لجائزه الاداب الاوروبيّه، حظرت الحكومه البرتغاليه الكتاب من المنافسه، انسحبَ الكاتب الي اسبانيا كمنفي اختياريّ.

لكن «جوزيه وبيلار» الذي عُرِض في المسارح لخمسه اشهرٍ، واخْتير ليُمثّلَ البرتغال في قائمه افضل فيلم اجنبي في اكاديمه الجوائز لعام 2012 ساعد ليغيّر مما ترسب لدي البرتغاليين عن ساراماغو.

انها نظرهٌ حميميه في حياه حبٍ مُلْهِم، ورجلٍ حسّاس.

الفيلم كان رؤيه sMiguel Gonçalves Mende مخرج برتغاليّ، احب روايات سارماغو، وتوسّل الي الكاتب ان يسمح له بعمل فيلمٍ وثائقيّ عن حياته. سارماغو كان مترددًا، ولكن في النهايه، وافق. بعد اربع سنوات من التصوير، صنع Mendes فيلمًا وثائقيًّا من ساعتين من اصل 240 ساعه ملتقطه.

قال الروائي Mendes انه سُرَّ من النتاج النهائي.

«عندما راي ساراماغو المنتج النهائي قال لي: بينما كنتَ تصوّر، كان عندي بعضَ الشكوك حول الاشياء التي اخترت تصويرها ولكن الان، اري ان الفيلم هو اكثر من فيلمٍ عنّي؛ انه عن العلاقات والحياه – قال Mendes:- ساراماغو قال لبيلار – والتي كانت بجانبه: «هذا الفيلم هو اعلانٌ عن حُبّي لكِ»، ردّت هي: نعم، ولكن حياتي هي اعلانٌ عن حبّي لكْ.»

حياه «دِل ريو» منذ رحيل ساراماغو في 2010 كانت هكذا وفقط. كرّست وقتها لتحقيق رغبه زوجها من اجل مؤسّسهٍ، لكي “يستمر هو”، تحرّك ساراماغو انطلاقا من الظلم في العالم، وبيلار كانت تشاركه قناعاته السياسيّه.

«كلُ شخصٍ له الحق في الطعام، الماوي، التعليم، حريّه التعبير، كلُ شخص عليه واجب ان يتعاونَ ليجعل هذا يحدث. علي المواطنين الا يظلّوا صامتين امام تلك الاشياء التي تفعلها الحكومه. علي المواطنين الاعتراض.» كذلك قالت.

ندّد ساراماغو بالحروب والظلم الذي تمارسه السلطات القمعيّه، لم يمارسه كتابهً فحسب! في الخامس والعشرين من مارس عام 2002 توجّه ساراماغو الي رام الله بفلسطين هو ولفيف من كتّاب العالم لدعم صديقه الشاعر الفلسطيني: محمود درويش وللتنديد بافعال اسرائيل.

 التعليق: ساراماغو وسوينكا مع عرفات ودرويش في رام الله بفلسطين.

مِنْ حيثُ المهنه كصُحافيّه، ادلتْ دِل ريو بارائها من خلال تعليقاتٍ سياسيه في الراديو الاسبانيّ. نظّمت ايضا مناقشات لزياده التحاور ولرفع مستوي الوعي المجتمعيّ عن العداله الاجتماعيه.

«نحنُ نعمل علي مستوي انعكاسي- لا احتجاجيّ- جالبين المفكّرين والفلاسفه معًا ليتناظروا. هذا هو هدفنا ان نجعل المجتمع يفكّر.» هكذا قالت.

في 2012، مقرات المؤسسه سوف تفتح فيCasa dos Bicos (The House of Spikes)، مبني من القرن السادس عشر في Lisbon ستتضمّن مكتبه ومعارض واجتماعاتٍ واحداثٍ ثقافيه. المؤسسه تشجّع القراءه من خلال وِرَش عملٍ مبنيّه فقط علي كتاب ساراماغو الذي هو للاطفال «اكبر ورده في العالم».

بيلار كانت الوسيط بين ساراماغو والعالم، مترجمو رواياته – حتي الي العربيّه مثل ا.احمد عبد اللطيف وا. صالح علماني – ترجموها عن النص الاسباني الذي قامت بترجمته بنفسها، بيلار. بيلار ترجمت اغلب روايات زوجها !

ساراماغو لم يكن مشغولا بالحديث عن قصص الحب في رواياته، بل بالبحث والتقصّي عن الطبيعه البشريه في اضعف واقوي واقسي بل واقذر حالاتها، ثم يحاول التصالح معها، ساراماغو لم يكتب روايه رومانسيه كدانييل ستيلا او نيكولاس سباركس، ببساطه لانه كان يعيشه ومتشبّعا به ليس كما تحكي الروايات.

عندما سُئِلَتْ عن اكثرِ شيءٍ تفتقده في زوجها، قالت دِل ريو: “لن اخبرك عن اشياء ماديّه ولكني افتقده بكُلِّيَّته. افتقده داخليّا كليّهَ. كلنا يفتقده؛ لانه لم يكن روائيًّا فقط؛ كان مفكّرًا قاتلَ ضد خُرافاتِ القوّه والدين والاخلاقيات الفارغه. دافع عن شيءٍ ما. فكّرَ في المستقبل، والقي نظرهً علي الماضي”.

واضافت: «حقيقه ان ساراماغو ميْتٌ لا تعني ان ساراماغو قد مات. ساراماغو، مازال حيّا».

ما كان بين ساراماغو وبيلار لا تحكي لنا عنه الكتب، ايها الناس، هذا هو الحب، ليس كما تخدعكم الروايات. ارموا بكتبكم وعيشوا الحب ولا تكتفوا بالقراءه عنه، الرابطه بين ساراماغو وبيلار لو كتبت في روايه لاعتبرها الغالب من البشر مبالغه، ولكن الواقع الذي نراه مبالغًا فيه هو بالفعل حقيقه، وللاسف، في المُبَالغ فيه في الكتب، نراه حقيقه.

  بيلار وساراماغو والنظره التي ليست الاخيره.

ليس هناك احدٌ مثل ساراماغو وبيلار، كما ليس هناك احدٌ مثل ميرثيدس وماركيز، او ميليشا وجون ناش. يوما ما قريبا سالتقي بيلار، وساكتب عنها كتابًا قد تكون تمنّت هي ان تكتبه عن: جوزيه وبيلار.

اتساءل :هل هناك امراهٌ مثل بيلار؟!

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل