المحتوى الرئيسى

جوائز «غولدن غلوبس».. انطلاقة بثبات نحو «الأوسكار»

01/08 01:50

يوم الاحد المقبل، الحادي عشر من هذا الشهر، يجتاز موسم الجوائز مرحله مهمه باعلان الفائزين بجائزه «غولدن غلوبس» في شتي المجالات. وهذا، كما ورد سابقا، منقسم بين الرجالي والنسائي، كما بين الدرامي والكوميدي. الادوار التي استعرضناها حين تحدّثنا عن الممثلات المرشحات لجوائز «غولدن غلوبس» السنويه، والتي قد ينطلقن منها لدخول «الاوسكار» ايضا، كانت ادوارا لنساء متعثرات: ريز ويذرسبون في «وحشي» وجنيفر انيستون في «كعكه» وجوليان مور في «ما زلت اليس» ثم روزاموند بايك في «فتاه مختفيه» وفيليسيتي جونز في «نظريه كل شيء». هن اما وحيدات رضين بمحاوله شق طريقهن من دون رجل (كما في «وحشي» و«كعكه») او زوجات محبطات بالمرض الشخصي («ما زلت اليس» او المرض الذي اصاب الزوج («نظريه كل شيء») او من طينه الحياه الزوجيه ككل (كما في «فتاه مختفيه»). وذلك الاحباط نجده في دور جوليان مور في قسم الكوميديا من هذه السباقات، اذ هي ممثله تخاف ذبول الايام وتحاول الانتصار عليها بالمزيد من العلاقات الخارجه عن اي حد اخلاقي. لكن المشكله السائده بين الشخصيات الرجاليه لا تقل حجما وتزداد عن تلك النسائيه دكانه.

في مسابقه افضل ممثل في دور درامي، لدينا ستيف كاريل في «فوكسكاتشر»، وبنديكت كمبرباتش في «لعبه المحاكاه»، وجايك جيلنهال في «زاحف الليل»، وديفيد اوييلاو عن «سلما»، ثم ايدي ردماين في «نظريه كل شيء».

في مسابقه افضل ممثل في دور كوميدي او استعراضي هناك راف فاينز عن «غراند بودابست هوتيل»، ومايكل كيتون عن «بيردمان»، وبيل موراي عن «سانت فنسنت»، ثم واكين فينكس عن «رذيله متوارثه»، وكريستوف فولتز عن «عينان كبيرتان».

ايدي ردماين ممثل انجليزي يجسّد شخصيه رجل انجليزي اخر (العالم ستيفن هوكينز) وراف فاينز هو ايضا ممثل انجليزي يجسّـد شخصيه رجل اوروبي، كذلك يفعل بنديكت كمبرباتش في «لعبه المحاكاه»، لكن باقي الشخصيات هي اميركيه والجامع بينها هي انها تعكس وضع الانسان الاميركي في لحظه معاصره تسودها المحنه الذاتيه والاحباط الذي يشعر به حيال ذبول الحلم الاميركي الكبير والقبول علي المتوفّر من الاوضاع الاجتماعيه والعاطفيه والنفسيه كبديل وحيد. هذه الحاله واضحه لدي جايك جيلنهال الي حد بعيد.

«زاحف الليل» (Night crawler) هي كلمه يتداولها اهل مهنه التصوير ورجال البوليس تصف المصوّرين الذين يعملون في الليل ويتسللون الي حيث تقع الاحداث لتصويرها وبيعها للمحطات التلفزيونيه او سواها.. نبدا به وهو صفر علي شمال الحياه. يسرق الاسلاك الشائكه والساعات ليبيعها لكي يعيش بثمنها. خلال عودته من احدي «عملياته» يتوقّف ليشهد حادثه سياره ويلحظ مصوّرا تلفزيونيا (بيل باكستون) هب لتصوير الحدث. يتبادل واياه حديثا ويقرر بعده ان عليه ان يصبح ايضا مصور احداث علي الفيديو. وسرعان ما يجد محطه تشتري ما يصوّره مستفيده من جسارته ورغبته في ان يكون الاول في موقع الحدث الذي عاده ما هو جريمه او حادثه عنيفه.

ليس فقط ان الفيلم يعلق علي اعلام لا ينجح الا بحكايات الفواجع، بل يقدّم لنا بطلا يدرك انه لن ينتقل من شمال الصفر الي يمينه الا اذا صنع حلمه بيده، وفي سبيل ذلك لا اعتراف باخلاقيات المهنه ولا حتي باي ثوابت اجتماعيه (سيصوّر مساعده وهو يلفظ انفاسه لان ذلك سيساعده علي بيع مادته).

مايكل كيتون في «بيردمان» لديه الكثير مما يحبطه: يكفي انه خسر مكانته الفنيه التي كانت لديه عندما لعب بطوله مسلسل من تلك التي تحتفي بـ«السوبر هيرو». نال الشهره والثروه وحقق ما يصبو اليه الممثل من طموح عندما لعب شخصيه هي في واقعها شخصيه «بائع خيال»، المهنه ذاتها التي قام بها حين قاد بطوله «باتمان» في التسعينات والتي ما زال البعض (روبرت داوني جونيور، كريس ايفانز، وسواهما) يقومون بها الي اليوم.

البطل الطائر او القادر علي صنع المعجزات والمتحدّي للاشرار الاقوياء صار صنعه هوليووديه اكثر انتشارا من البطل الواقعي، ذاك الذي كنت تجده في ما كان يقوم كلينت ايستوود او سبنسر ترايسي او همفري بوغارت او سواهم بتمثيله في السنوات السابقه. علي المشاهد الان الانصهار في البطولات المستحيله في عالم خيالي جانح لكي يستوحي معني البطوله التي كان يستوحيها المشاهدون السابقون من شخصيات واقعيه او خياليه انما تستند الي قدرات الواقع وظروفه.

حين يدرك مايكل كيتون استحاله اعاده عقارب الساعه الي الوراء فان ما يستطيع القيام به هو السعي لتحقيق فوز فني عبر المسرح (الذي هو اكثر واقعيه بطبيعه حاله) و«بيردمان» ما هو الا عن هذا السعي تحديدا. لكنه فيلم كاشف عن احباطات هذا الرجل الواقف عند مفترق الطرق بين الفشل والنجاح.

الحال ذاته متوفر في المرشح الثالث هذا العام. في «فوكسكاتشر» يؤدي ستيف كاريل شخصيه الملياردير الذي لا ينقصه اي شيء لكي يكون سعيدا، ولا تحدّه اي ظروف تحول دون تنفيذه اي حلم يريد. علي الرغم من ذلك، هو في مرحله يجد فيها انه لا شيء قادرا علي انجاز ما يسعي اليه وهو الوقوف وراء ابطال اميركيين في المصارعه الحرّه والتحوّل بدوره الي ايقونه اميركيه كونه صاحب فريق يحقق الميداليات الذهبيه في المباريات الدوليه.

ما هو مشترك بين هؤلاء الثلاثه واضح: العجز عن استبدال الحلم الاميركي الكلاسيكي (النجاح الاجتماعي والمالي) باي حل اخر. نجد شخصيه المصوّر التلفزيوني جيلنهال تقرر انه في غياب هذا الحلم الذي كان يعكس استقرار المجتمع وقدرته علي تحقيق الوعود، عليه ان يحقق حلمه منفردا وبشروطه. علي مايكل كيتون مواجهه الحقيقه المره عاريا (وهناك ذلك المشهد الذي يضطر فيه للركض في الشوارع عاريا من الملابس بعدما اطبق الباب علي ردائه). ستيف كاريل ورث تحقيق الحلم عن والده ومشي فيه، لكنه لم يفهمه الا من خلال مصالحه الخاصه، فوجده غير كاف له وحاول تطويعه لارادته ايضا.

ما يجسّده كل ذلك هو ان الرجل خسر موقعه كقياده، واكتشف انه لم يعد سوي خيال في منظر طبيعي كبير يساويه وباقي نماذج المجتمع واجناسه. البطل التقليدي كانت له حظوه تمسّكه بالقيم. البطل الحالي لا يعرف ما هي هذه القيم اساسا، واذا ما عرفها لا يود المخاطره بالتمسك بها لانها ستعرقل، بمفهومه، الوصول الي ما يعتقد انه سبب حياته.

وسنجد انه بين الافلام التي لم يتم ترشيحها او ترشيح ممثليها الي جوائز الـ«غولدن غلوبس»، لسبب او لاخر، ذات الواقع المستحدث. بطل «قناص اميركي» (الفيلم الجديد للمخرج كلينت ايستوود) خرج من حرب العراق علي غير ما دخلها. هناك تلاشي الوضوح وبعدها وجد نفسه خارج المنظومه التي تركها. وسيلته الوحيده للبقاء هي معايشه الاجواء القتاليه نفسها ولو كانت الضحيه هذه المرّه المواطن الاميركي الاخر.

بن افلك في «فتاه مختفيه» كان رجلا بريئا، ليس من تهمه قتل زوجته، بل من معرفه كيف تاقلمت حياته وفقدت عناصرها الاساسيه. فجاه هو متّهم بريء، لكن الافدح هو اكتشافه ان حياته الزوجيه هي اسوا مما كان يعتقد.

كل من «فتاه مختفيه» و«القناص الاميركي» ينتمي الي فرع من هذه الافلام التي عاصرت فيها الشخصيات بقايا الحال الافضل في التسعينات واكتشفت في هذا القرن الجديد ان الامور تستطيع الوصول الي الاسوا، بل هي اسوا فعلا. في حين ان جايك جيلنهال في «زاحف الليل» هو وليد هذا القرن ولم يعرف ما قبله. وحده فيلم «سلمي» يشير الي ان الماضي لم يكن بدوره متلالئا اذ يسرد، عبر بطله ديفيد اوييلاو، حادثه عنصريه وقعت في الستينات والهبت العلاقه الساخنه اساسا بين السود والبيض في جيوب الولايات الجنوبيه في اميركا.

اذ تتكوّن الصوره الاجماليه من هذه العناصر الداكنه، فان فوز الممثل في قسم الدراما علي الاخص سيرتبط بكيف توجّه تصويت اعضاء «جمعيه هوليوود للمراسلين الاجانب» مانحه هذه الجائزه منذ الثلاثينات.

ولا ننسي ان ايدي ردماين يؤدي دور معاق وهو نوع اخر من الشخصيات المحبطه كونها واقعه في قيد لا مفك منه. هذا ما يجعل السباق صعبا والتكهن بنتائجه اصعب.

علي ذلك، لا بد من القول ان الممثلين الاقرب الي تحقيق هذا الفوز الصعب يمكن وضعهم علي النحو التالي، وبترتيب الاعلي توقعا وما دون:

• ستيف كاريل عن «فوكسكاتشر»

• ايدي ردماين عن «نظريه كل شيء»

• ديفيد اوييلاو عن «سلمي»

• بنديكت كمبرباتش عن «لعبه المحاكاه»

• جايك جيلنهال عن «زاحف الليل».

هذا الترتيب يعترف بوجود عناصر اخري مؤثره: ستيف كاريل جاء بشخصيه جديده مختلفه تماما عن كل ما لعبه من قبل. ردماين يكتنز تلك الصعوبه البدنيه في تجسيد شخصيه هي ضحيه عطل جذري في الاعصاب نتج عنه عدم قدرته علي ممارسه معظم نشاطاته (مذكرا بشخصيه دانيال داي لويس في «قدمي اليسري»).

في منطقه الوسط اوييلاو وكمبرباتش وفي النهايه جايك جيلنهال الذي تقل توقعات فوزه، ليس بسبب قدراته الفنيه، بل لان الشخصيه التي يمثلها شريره الي درجه مزعجه. ستيف كاريل شرير لكنه محاط بمبررات تؤدي الي قبوله. جيلنهال مبرراته محض ماديه تفتقد اسباب التعاطف.

الامر مختلف بالنسبه للممثلين المرشحين في قسم الكوميديا والاستعراض. هناك بطوله تقليديه المواصفات من بيل موراي في «سانت فنسنت»، وراف فاينز في «غراند بودابست هوتيل»، لكن الشر موجود ايضا عبر ما يمنحه كريستوف فولتز في «عينان كبيرتان». هو الوحيد بين المرشحين في موقفه المعادي للمراه اذ يلعب دور الزوج الذي يطمح لسرقه جهود زوجته (امي ادامز المرشحه عن هذا الفيلم في الفئه النسائيه) ونسب فنها اليه، مما يجعله، نظريا علي الاقل، الممثل الذي سوف تمتنع المقترعات عنه مفضله عليه شخصيه اسمي او تستحق التعاطف. بالتالي، ومن وجهة نظر نقديه صرفه تجانبها معرفه بتاريخ هذه الجائزه والاعضاء المنتسبين الي الجمعيه المذكوره، نجد ان قائمه الاقرب الي الفوز تتبع التسلسل التالي:

• مايكل كيتون عن «بيردمان».

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل