المحتوى الرئيسى

الإسلام ليس كوكاكولا.. | المصري اليوم

01/06 22:05

في وقت سابق، وكنت لا زلت طفلاً. كانت اعلانات "كوكاكولا" واضحه ومباشره. كلمه واحده تكرر ثلاث مرات.. "اشرب، اشرب، اشرب، كوكاكولا"..

هذه الايام، الاعلانات ليست مباشره لهذا الحد. كوكاكولا، وغيرها من الشركات العالميه، تفضل الترويج لمنتجها عبر ربطه بقيم ومشاعر. "اتجنن"، "افتح تفرح"، "شجع".. وهكذا.. كلها امور لطيفه، بعيده عن الامر المباشر.. اشرب!.

والاسلام، الذي هو دين، جاء من عند الله. يراه البعض منافساً لشركات المياه الغازيه. بحاجه الي تسويق ودعايه. وللاسف.. فان اساليبهم ما زالت واقفه عند مرحله "اشرب اشرب اشرب"..

كان الله واضحاً. عندما اعلن ان "محمد"، عليه الصلاه والسلام، هو اخر الانبياء والرسل، وهو وحده، صاحب الحق الحصري في نقل تعاليم دين الاسلام من الله الي البشر.

البعض، بعد وفاه النبي الكريم، وجد ان هذا الدين اعظم من ان يكون له نبي واحد. لكنها مشكله. لا يمكن توفير انبياء جدد بعد الاعلان الالهي الصريح بان "محمد" كان الاخير.

ان كانت صفه النبي غير متاحه، يمكن للبعض ان يعمل لدي الدين "مدير تسويق". مسئول عن ترويج العلامه (التي ستصبح حينها تجاريه دون شك)..

والاسلام، لدي مدراء التسويق، يوصف دائماً باعتباره "اكثر من مجرد دين". وهذه نكته سخيفه، نكته تسبب البكاء. كيف يمكن لدين ان يكون اكثر من مجرد دين؟!. هل وجود دين في خانه "المجرد دين" امر سيء؟!.. يعني هل يمكن لمسلم ان يشعر بالاهانه لو وصف احدهم الاسلام بكونه مجرد دين. دين فحسب؟!. علي اعتبار ان "دين"، هي كلمه غير كافيه لوصف تعاليم الرب الي البشر؟!. ما الناقص في كلمه "دين" بحيث نزايد عليها للتاكيد ان ديننا ليس كاي دين، دين غير عادي، دين استثنائي، اكثر من مجرد دين علي عكس باقي الاديان التي هي مجرد اديان؟.. ما هذا العبث؟..

المذهل، ان الاشياء التي تمت اضافتها تدريجياً الي الدين، جعلته يبدو كسلعه. تباع وتشتري. بل ان الكلمات التي تم ابتكارها وخلقها لاحقاً، والصاقها عنوه بالاسلام، هي في الاصل كلمات تجاريه مباشره.

تامل مثلاً كلمه مثل "المشروع الاسلامي". ما الذي تعنيه تحديداً كلمه مشروع؟!. وان كانت مهمه جداً كما يعتقد البعض، لماذا لم تظهر في قران او سنه؟!. هل كان النبي الكريم ليغفل عن امر هام مثل "المشروع الاسلامي"؟!. بالتاكيد لا.. وبالتاكيد ايضاً، ان كلمه مثل "المشروع"، هي كلمه قادمه من عالم التجاره، حيث المكسب والخساره. كون الدين تحول الي مشروع، هذا يعني ان هناك امكانيه لنجاحه او خسارته، في مواجهه مشروعات اخري.

الله، عندما ارسل رسالته بدين الاسلام، لم يخبرنا عن ان هناك مسابقه بين الاديان لاختيار الدين الاجمل والافضل. هذه مساله احتفظ بها الله تعالي لنفسه وبنفسه. لم يطلب منا تحسين صوره الدين، لم يامرنا بجمع نقاط اعلي في مباره امام الاديان الاخري. فقط، امرنا، بان نكون مسلمين، وهي مساله ليست سهله بالمناسبه.

فجاه، اصبحت هناك حاجه ملحه لاثبات ان كل شيء موجود في الاسلام. كل الاكتشافات العلميه المدهشه مذكوره في القران، كل ما سيحدث في المستقبل يمكن توقعه من ارقام الايات وكلمات الاحاديث النبويه.

ما الذي يثبته هذا؟. ان الاسلام دين جميل؟، وما المفيد من التاكيد علي جمال الدين؟، ما الذي سيحدث لاحقاً؟.. يحقق مزيداً من المبيعات مثلاً، ينضم له عملاء جدد؟..

راقب منتديات الانترنت، وتابع الشائعات والاخبار عن "دخول ممثل شهير الي الاسلام"، راجع التعليقات، هذا الهوس غير لائق تماماً ان كنا نتحدث عن "دين". هو مناسب لتشجيع فريق كره قدم، او متابعه صعود اسهم شركه في سوق المال. لا توجد بورصه للاديان، وان وجدت يوماً ما. فما اعلمه عن الاسلام انه كدين، مجرد دين، لا مكان له فيها علي الاطلاق.

فجاه. اصبحت "الالتراس" نظريه عامه تصلح لتكرارها مع كل شيء. روابط مشجعي فرق كره القدم، انتقلت لتشجيع الاديان. ولعلك تلاحظ. انه في زمن ماضي، قبل ابتكار روابط التشجيع، كان المشجع العادي لا يزال جميلاً ورائعاً. كانت هناك كلمات سهله مثل "اهلاوي"، "زملكاوي"، وهكذا.. هذه الكلمات فقدت قيمتها مع اوصاف اكثر تعقيداً، "التراس اهلاوي"، "التراس وايت نايتس"، بحيث اصبحت فكره كونك مجرد مشجع غير صالحه.

هذا تماماً ما حدث سابقاً مع كلمه "مسلم". صفه بسيطه وسهله، لكنها "مجرد صفه" في نظر مدراء تسويق الدين. وهي غير كافيه، بحيث يتم ابتكار كلمات جديده مثل "مسلم ملتزم"، الذي هو دون شك مسلم + شيء اخر مجهول!. وبالتاكيد فان "مسلم ملتزم" هو شخص يحظي بمرتبه اعلي من مجرد "مسلم"، عميل مميز لدي المشروع الاسلامي، يحظي بامتيازات اكبر وصلاحيات اوسع!.

في اللغه، كلمه مسلم علي وزن "مفعل"، والتي تعني تحويل الدين الي افعال وممارسات مباشره. ملتزم علي وزن "مفتعل".. الفعل غير كافي في نظر مدراء التسويق، هو بحاجه الي مزيد من الافتعال!.

ثم، يضاف حرف الياء الي نهايه اسم الدين، بحيث يصبح جزءاً اصيلاً فيه. فتتحول كلمه "اسلام"، الي "اسلامي" و"اسلاميه". فتجد : "الشركه الاسلاميه"، "المدرسة الإسلامية"، "الحزب الاسلامي"، "القناه الاسلاميه".. وهكذا.. دون ان يكون هناك معني حقيقي لكل هذا. فكلمه "اسلام"، لم تكن تعاني من اي خلل او نقص بحيث تحتاج الي اضافه.. الله كان قادراً علي الاضافه من عنده. هو اعلي واعلم. لكن الساده مدراء تسويق الدين، الذين رفضوا مبكراً الايمان بالاسلام باعتباره مجرد دين، اضافوا عليه، فتحوا باب التطوير والتعديل، بما تلزمه عمليه الترويج، للوصول لاكبر قدر من العملاء الجدد، وتحقيق اعلي نسب مبيعات.

الاسلام ليس في حاجه الي تسويق. الدين ليس سلعه. السلع عاده محل شك وبحاجه الي تجريب. الشركات مضطره لابتكار عروض وخصومات للترويج لمنتجاتها. اشتري اثنين بسعر واحد. ادخل السحب تكسب سياره. هذه امور لا يمكن استخدامها مع دين نعتقد حقاً انه جاء من عند الله.

Comments

عاجل