المحتوى الرئيسى

رأي.. الجنائية الدولية إلى أين بعد فشل محاكمة كينياتا والبشير؟

01/05 09:55

هذا المقال بقلم جيهان العلايلي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، وهو لا يعبر بالضروره عن راي شبكه CNN.

تلقت المحكمه الجنائيه الدوليه ضربتين متتاليتين خلال شهر ديسمبر بعد تصريح المدعي العام للمحكمه، بما يفيد عمليا بالفشل في استكمال اهم قضيتين منظوريتين امامها، وهي محاكمه الرئيس الكيني اوهورو كينياتا المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في احداث العنف التي اعقبت انتخابات 2007 في كينيا ومحاكمه الرئيس السوداني عمر البشير الذي كانت المحكمه قد اصدرت ضده مذكره اعتقال بتهم تشمل جرائم الإبادة الجماعية في إقليم دارفور بغرب السودان في 2009. 

ستصبح القضيتان علي الارجح من العلامات الفارقه في تاريخ المحكمه الجنائيه الدوليه وهي بعد حديثه العمر نسبيا، وستكون لهما تداعيات كثيره. اهم تلك الامور هو التساؤل مجددا حول قدره المحكمه علي الوفاء بنظامها الاساسي في معاهده روما، بوضع  "حد للافلات من العقاب "لمرتكبي" اخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي باسره". ومن ثم فالاخفاق في محاكمه رئيسين يصيب المحكمه في صميم عقيدتها ويشعل الجدل حول امكانيه ملاحقه ومحاكمه رؤساء الدول حينما يكونون متهمين بارتكاب جرائم كبري تدخل في اختصاصها. والتساؤل الاخر المرتبط بالاول هو: هل سيمثل نموذج الفشل في محاكمات البشير وكينياتا الاستثناء ام القاعده؟

اضطرت المدعي العام للمحكمه فاتو بن سودا في ظرف اسبوعين الي سحب الاتهام في القضيه الاولي ضد كينياتا لعدم توافر الادله الكافيه التي تثبت المسؤوليه الجنائيه المفترضه عليه والي حفظ القضيه الثانيه بسبب ما وصفته بفشل مجلس الامن طوال خمس سنوات في التدخل لحث الدول علي تسليم المتهمين بمن فيهم الرئيس البشير، وهو ما يعني عمليا ان الرئيسين قد اصبحا احرارا الي حين، وان كان امر الاعتقال مازال ساريا ضد الرئيس البشير.

المحكمه بالنسبه لدارسي القانون الجنائي الدولي هي علامه بارزه في تاريخ الفقه الجنائي الدولي وتجسيدا لسرديه تطور هذا الفقه التي تتردد كثيرا في الدوائر الغربيه: من محاكم نوريمبرج الي محاكم لاهاي (مقر المحكمه) ومن الافلات من العقاب الي حكم القانون. 

القضيه الفلسفيه الابعد التي يثيرها فشل محاكمه رئيسين او "افلاتهما من العقاب" هي  المحاكمات الجنائيه الدوليه بحد ذاتها كنموذج، مبني علي محاكمات نوريمبرج الجنائيه \ سياسيه عقب انتصار الحلفاء في الحرب العالميه الثانيه. المحاكمات كانت تهدف بتركيزها علي انصاف ضحايا النازي (قفط)  مع عزل الجناه وانزال اقصي العقاب بهم الي تثيب دعائم نظام سياسي جديد قائم علي القضاء علي بنيه النظام النازي الالماني. هل يصلح هذا النموذج المبني علي عداله المنتصر كاساس لانهاء مشاكل "العنف الجماعي" النابع عن اسباب سياسيه كما الحال في كثير من الحروب الاهليه بافريقيا؟ بمعني اخر: اذا حاكمنا الرئيس البشير علي الجرائم الكبري التي يفترض انه ارتكبها بما فيها "جريمه الجرائم"  الاباده، وعوضنا ضحاياه في دارفور هل سيعود السلام والامن ويرتدع من يفكر بالعدوان مستقبلا- كما يبشرنا منهاج نوريمبرج؟

لا اظن ذلك لان العنف الجماعي في دارفور له ابعاد سياسيه اعمق بكثير من البعد الجنائي. هذه الاعتبارات الهيكليه التي تُسهم في تاجيج دوره الصراع تشمل: تاثير التغير المناخي والتصحر في شمال دارفور واثره علي البيئه والنزوح والقتال، اتفاقيه السلام بين الشمال والجنوب في 2005  الثنائيه التي لم تشمل دارفور او الشرق، الحرب الاهليه التشاديه وما خلفته من سلاح وفير ونازحين وافدين علي مناطق بها اصلا صراع علي الارض، بترول دارفور ومعادنها،  الحكم غير الرشيد.. الخ.

عاده ما يستشهد الباحثون في المشهد الافريقي بنماذج موزمبيق واوغندا وجنوب افريقيا كدول نجحت في تحويل النزاعات المستعصيه بداخلها بتبنيها مفاهيم للعداله مغايره لنموذج نوريمبرج. ويستشهد عالم الانثروبولوجي الاوغندي محمود ممداني بمفاوضات كوديسا التمهيديه  93-91، التي وضعت اسس انهاء نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا - حيث  نَحَت جانبا المسئوليه الجنائيه لقاده نظام الفصل العنصري وكان اساسها العفو مقابل تفكيك البنيه السياسيه والقضائيه للنظام العنصري هناك. 

علي جانب اخر تطرح قضيه البشير تحديدا علاقه المحكمه الجنائيه بمجلس الامن، وما ان كانت الاولي يمكن ان تعمل علي انزال العداله باستقلاليه عن المجلس، ام انها كما يقول منتقديها ليست سوي اداه ضمن مجموعه من الادوات الدبلوماسيه لدي القوي الكبري. 

فالمحكمه هي مؤسسه دوليه مستقله قائمه علي معاهده ملزمه فقط للدول الاعضاء فيها، وتعتمد علي تعاونهم معها في تسليم المطلوبين بارتكاب جرائم دوليه. طبقا لمعاهده روما، يعتبر مجلس الامن احد الجهات الثلاث المخول لها احاله حالات قد تستدعي تحقيق المحكمه. وكانت قضيه دارفور هي الاحاله الاولي من المجلس للمحكمه 2005 بموجب الفصل السابع. وقد وجهت المدعي العام للمحكمه  فاتو بن سودا اللوم للمجلس حين اعلنت انها لن تواصل التحقيقات في قضيه دارفور لان المجلس لم يتقدم "بحلول عمليه"  تساعد علي تنفيذ قرار اعتقال الرئيس البشير. ففي ظل علاقات تبدو في ادني مستوياتها منذ الحرب البارده بين روسيا والغرب، وتنامي واضح للعلاقات بين روسيا والصين من جهه والسودان من الجهه الثانيه، فمن غير المحتمل ان يتخذ مجلس الامن اي اجراءات عقابيه جديده ضد السودان. 

اما التداعيات الاوسع علي المحكمه الجنائيه الدوليه من فشل قضيتي ملاحقه رئيسين افريقيين هي انها تدخل عام 2015 وعلاقتها مع القاره الافريقيه مترديه الي ابعد الحدود. فالمحكمه منذ ان بدات عملها في 2002 لم تحاكم سوي الافارقه ووجهت 36 اتهاما بارتكاب جرائم كبري تندرج ضمن ولايتها  الي مسئولين حاليين او سابقين والي متمردين. هذا الحصاد جعل الاتحاد الافريقي في اكثر من قمه عقدها يتهم المحكمه الجنائيه الدوليه بانها غير محايده ومُسيَسه.  علي مدي سنوات حث الاتحاد الافريقي اعضائه الي رفض طلب تنفيذ القاء القبض علي البشير ورفض اتهامات المحكمه الموجهه للرئيس الكيني. وفي القمه الاستثنائيه في اكتوبر 2014 هدد القاده الافارقه بالانسحاب بشكل جماعي من معاهده روما، وهو وان لم يحدث الا انه كفيل-  باعتبارهم يمثلون ثلث الدول الاعضاء بالمحكمه، بان يراجع مكتب الادعاء العام الكثير من سياساته، بما فيها اين يفتح تحقيقاته ومستوي الاستهداف وتاثير قراراته علي النزاعات الاهليه الدائره.

وامعانا في مسار التحدي للمحكمه، صوت القاده الافارقه بالاجماع خلال قمه الاتحاد الاخيره في يوليو في غينيا الاستوائيه لصالح القرار الذي يمنح انفسهم حصانه من الملاحقه القضائيه في الجرائم الكبري امام المحكمه الافريقيه لحقوق الانسان والشعوب – التعديل بتوسعه ولاياتها غير سار بعد. وقد شجبت منظمات حقوقيه هذه الخطوه وقالت منظمة العفو الدولية قبل اعتماد القرار انه "يمثل خطوه هائله الي الوراء في المعركه الطويله من اجل المساءله وحقوق الانسان في هذه القاره".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل