المحتوى الرئيسى

أنا من مِصْر | المصري اليوم

01/03 21:31

كُلُّ قديمٍ جديدٌ وطازجٌ ومُختلفٌ بشكلٍ او باخر، اذْ ليس كلُّ ما طواهُ الزمنُ صارَ من التاريخِ، او باتَ مُهملا، ربَّما هو فقط مسكُوتٌ عنه، لسنهٍ او بِضْعِ سنوات، او ربما عُقود طويله، ولكن ما ان نكشفه؛ حتي تظهرَ جِدَّتُهُ وحداثتُهُ لمن تَصوَّرَ لحظه انه قديمٌ، وهذا ينسحبُ علي الشِّعْر، والدياناتِ، والكُتبِ، والمُوسيقي، والفُنُون بانواعها، وكُلِّ نشاطٍ انسانيٍّ فرديٍّ او جماعيٍّ اتٍ من منطقهِ الخلْقِ.

ومن هذا القديم الجديد مِصرُ «المكان والاسم والتاريخ والدِّين والابداع...». مصر التي اهتم العالم قبل ثلثمائه عامٍ بمدنيَّه اهلها القدماء - التي صِرْنَا نتحدَّثُ عنها بعد يناير 2011 ميلاديه، والتي لا تحتاجُ منِّي شهادهً ولا مقالًا ولا قصيدهً؛ لانَّه بقدر مِصريَّتِي سيجدُ القارئ فيَّ عُرُوبتي، ولكن في زمن الاخطاءِ، والظلالِ، والغُمُوضِ، والبيع نحتاجُ الي التذكير؛ كي لا نبقي طويلا نائمين جاهلين بالتراثِ والاصْلِ، بصُورتنا، واثار مدنيَّتنا الخالده.

عندما اذكِّرُ فانا لا اتباهي بتاريخِي، ولكنَّني اُحرِّضُ علي قراءتِهِ ومعرفتِهِ، واستخلاصِ الحِكَم والعِبر منهُ، ولا احنُّ الي الماضي، او اعودُ الي الاجدادِ لابكيَ علي طللٍ، ولكنْ لاعرفَ من اكونُ.

عائدا كنتُ من مدينه ميامي الامريكيه في احتفالٍ شِعريٍّ بي، سالني كاتبٌ اسبانيٌّ عن مصرَ، فقلتُ بلغهٍ سهلهٍ ومُباشرهٍ: ان اهلَ مصر «اسسوا اوَّلَ مدنيَّه في التاريخِ البشريِّ سطع نورُها علي العالم فاقتبستْ منه الاجيالُ الغابرهُ، ونسجتْ علي منوالِها الاممُ الحاضرهُ»، وما شِعْري الذي قراتُ علي مدي السَّاعه امامك والحُضُور الا من نسيجِ هذه المدنيَّهِ المصريَّهِ التي ملاتْ الدُّنيا فنًّا، شِعْرٌ ينتمي الي النيلِ، والمعابدِ والاهرامِ والمقابرِ والتماثيلِ والجُثثِ المُحنَّطه والفنِّ، ثم بعد ذلك الكنائس والمساجد، وانْ كنتُ اكتبُ اليوم بالعربيَّهِ، فانا ابنٌ لكلِّ اللغاتِ المصريهِ القديمه التي لا اعرفُها، ولكنَّ رُوحي تُبْصِرُها، وترسمُها اشكالا وصُورٌا ومجازاتٍ.

ولم ار نفسي مُبالغًا عندما اضفتُ: انا المصري الذي اثَّرَتْ ديانتُهُ القديمهُ في فلسفهِ اليونان والرُومان واوروبا الحديثه والولايات المتحده الامريكيه، وانسحبَ ذلك الي عوالمَ شتَّي.

والكلُّ يُدرِكُ فضْلَ هذه الديانهِ علي دياناتِ العالميْن القديمِ والحديثِ.

وقد دعوتُ الحُضُورَ من الشُّعراء، وكانوا من بلدانٍ مُختلفهٍ من الولايات المتحده وامريكا اللاتينيه واسبانيا باعتبار ان ميامي مدينهُ الشِّعْر والكِتابه والفُنُون والمال ايضًا ان يذهبوا قراءهً الي ديانهِ المِصريين واساطيرهم واناشيدهم وعباداتهم وطقوسِ احتفالاتهم وموتِهم وميلادِهم ومُعتقداتهم ومُتُونهم – وهي كثيرهٌ – ليجدوا مصادرَ اخْري للشِّعْرِ والكِتابه الادبيه بوجهٍ عام، وانْ كُنتُ ادعو الغُرباءَ، فالدعوهُ واجبهٌ للمصريين والعرب ان يفتحُوا ارواحَهُم للمُتُون، وهي مُتاحهٌ ومُتوفرهٌ، ولكنْ يبدُو انَّ ما هُو اتٍ من الاخر الغربيِّ يُغرِي ويُعجب باعتبارِه السيد والانموذج الاعلي الذي لا ياتيه الباطلُ من بين يديْهِ، وانه عُنْوانُ الحدَاثهِ، بينما رايتُ الاخرَ خلال اسفاري وقراءاتي يهتمُ بالتراثِ المِصريِّ القديم والعربيِّ والصُّوفيِّ، واعتبار هذا التراث عُنوان المُغايره والاختلاف، والامثله اكثرُ من ان تُحْصَي.

واذكُرُ- هنا - ان الديانهَ المصريهَ القديمهَ نمَتْ بعيدًا عن ايِّ تاثيراتٍ خارجيهٍ او اجنبيهٍ، اي خَلقتْ نفسَهَا بنفسها، وامتدتْ شمسُها لتسطعَ علي العالم، وهذا ليس مُستغربًا علي ديانهِ قومٍ وصلُوا الي مكانهٍ عاليهٍ في الفُنونِ والحضاره، وقد ظلت هذه المكانه في مرتبهِ اولي لاربعهِ الافِ سنه، ومن العُلماء الاجانب من يَمتدُّ بها الي سبعهِ الاف.

واذا اعتري مِصْرَ عارضٌ، او اصابها مرَضٌ، او ضرَبَهَا ضَعفٌ او خذلَها بعضُ اهلها، ففي التوِّ استدعِي مُلوكَ الرُّعَاه او الهُكسُوس الذين انتهزوا فُرْصَه تزعزُعِ الحالهِ السياسيهِ في مِصر، واستولوا عليها بلا ضرْبٍ ولا طعْنٍ، وقد بقوا اصحاب السياده فيها قرنًا من الزمان من «1680 – 1580 قبل الميلاد»، وطُرِدَ هؤلاءُ الغُزْاه علي ايدي المِصريين، الذين سُرعانَ ما بنَوْا دولتهم، وبدا عصْرُ مَجْدٍ جديدٍ تمثَّلتْ فيه عظمهُ مِصْر وقوه بطشِها، وهو ما يُسمَّي عند المؤرِّخين الدولهِ الحديثهِ كما يذكرُ عالم المصريات الالماني جورج استيندرف.

وعندما نقولُ انَّ اهلَ مصر مُتدينون، وانَّ الاسلامَ فيها وسطيٌّ، لا تشدُّد فيه، ولا تطرُّف، ولا تعصُّب، وانَّ ما نراهُ من خرُوجٍ هو طارئٌ وقادمٌ من الصحراء، وليس من طباعِ اهلها.

حيث كانت كهنه مصر هم الاعلمُ، وهذا ما جعل طالب علم وحكمه مثل افلاطون (عاش بين 427 ق.م. - 347 ق.م.) يحج الي مصر ليتعلَّم في مدينه شمسها، بعدما ذاع صيتُ كهنتها في اليونان، ويبقي فيها ثلاثه عشر عامًا يدرس الفلسفه، ويتعلم الحب.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل