المحتوى الرئيسى

مهرجانات تشارلز ديكنز: ما الذي يجعل الكاتب محبوباً؟

12/30 17:45

تقام مهرجانات سنويه احتفالاً بالكاتب البريطاني العظيم تشارلز ديكنز، من تكساس، ومرورا بمومباي، الي هولندا. فما الذي يجعله محبوباً الي هذا الحد بعد كل هذه السنين التي مرت علي وفاته؟ الكاتبه الصحفيه لوسيندا هوكسلي تحقق في الامر.

في شتاء عام 1867 وصل تشارلز ديكنز الي ميناء بوستن بعد رحله بحريه طويله من انجلترا. وكانت قد مرّت 25 سنه علي زيارته الاخيره الي الولايات المتحدة الأمريكية، عندما سافر حينها مع زوجته كاثرين، التي انفصل عنها لاحقا، ليحتفل هناك بذكري ميلاده الثلاثين في ماساتشوستس، وقد ادرك عندها انه اصبح فعلاً من مشاهير العالم.

انقضي ربع قرن منذ الزياره الاولي، الا انها لم تكن الحرب الأهلية فقط هي التي جعلت الامريكيين يصفحون عنه، بل لانه استغرق كل ذلك الوقت الطويل لكي يعطيهم الفرصه ليعفوا عنه. فقد انتقد ديكنز الولايات المتحده عبر روايته "حياه ومغامرات مارتن تشزلويت" ومن خلال تصويره لرحله "ملاحظات امريكيه"، وهو ما اثار سخط الامريكيين حينها.

بالنسبه لرجل في منتصف القرن التاسع عشر، كان ديكنز قد سافر كثيراً الي كل ارجاء امريكا وكندا تقريبا، وبشكل يثير الاستغراب، مع انه لم يسافر جنوباً ابعد من ريتشموند بولايه فرجينيا. ومع ذلك، فلم يمنع ذلك مدينه غالفستن بتكساس من الاحتفاء بالمؤلف واعماله الادبيه في مهرجان سنوي مهيب.

بدا مهرجان "ديكنز علي الساحل" في مدينه غالفستن بتكساس عام 1973، حيث تقلصت حظوظ تلك الجزيره اقتصادياً، وباتت الكثير من مبانيها التي تعود للقرن التاسع عشر في الشارع الساحلي (وهو شارع في مركز المدينه) تواجه الدمار.

كان المهرجان الاول لجمع التبرعات بهدف الحفاظ علي الابنيه المعماريه المهدده – ويضم الشارع اليوم محلات تجاريه انيقه كانت اغلبها في وقت ما مستودعات. كانت الجزيره ايام مجدها، زمن حياه ديكنز، واحده من اكثر المناطق ثراء في ولايه تكساس.

ووفقا لاحدث مبيعات التذاكر السنويه، فان قرابه اربعين الف شخص يتجمهرون في الشوارع هناك للمشاركه في مهرجان "ديكنز علي الساحل". ولكي اضعكم في الصوره، فان عدد سكان مدينه غالفستن هو 50 الفاً. وقد اصبح هذا الحدث السنوي جماهيرياً الي درجه ان غرف الفنادق تُحجز مقدماً قبل بضعه اشهر. حتي ان الكثير ممن يحضرون المهرجان يحجزون غرف الفنادق لسنه مقدماً عندما يغادرون المدينه في نهايه المهرجان.

من بين جميع مشاهير المؤلفين من العصر الفيكتوري، يحتفظ تشارلز ديكنز بمكانته في قلوب الناس اينما كان في العالم، ويعشقه الامريكيون وكانه واحدٌ منهم. ربما يعود السبب الي ان ديكنز قد كتب من اعماق فؤاده عن المشاعر والاحاسيس، وعن مواقف وحالات لا زالت تنطبق علي يومنا هذا. ومع ان اللغه الانجليزيه قد تغيّرت منذ ايام ديكنز، الا ان صلب السرد القصصي لا يزال وثيق الصله كما كان في القرن التاسع عشر.

لم تكن كتب ديكنز روايات فقط، بل كانت تسجيلاً لاحداث اجتماعيه الغرض منها تغيير العالم. وقد فعلت ذلك حقاً. ساهمت روايه "اوليفر تويست" في اجراء تغييرات علي (قانون المصانع) وغيرها من القوانين التي حمت الاطفال في وضع الفقر.

وكانت روايه "حياه ومغامرات نيكولاس نيكلباي" السبب في اغلاق مدارس يوركشير القاسيه، حيث كان يُرسل اليها الاطفال غير المرغوب فيهم ويُساء معاملتهم. وتبقي روايه "ترنيمه عيد الميلاد" مشهوره حول العالم لما تنشره من معاني الفداء والمحبه.

كُتبت "ترنيمه عيد الميلاد" بعد ان شهد ديكنز الفقر المدقع في شوارع مانشستر في شمال انجلترا. كان الهدف منها جعل كل قارئ يتوقف ويفكر ملياً بما يمكن عمله لتغيير مجتمعه. كتب ديكنز الي صديق له ليذكر ان ان الروايه ستفعل فعل "ضربه مطرقه ثقيله نيابه عن طفل رجل فقير". ولم تنفد "ترنيمه عيد الميلاد" من المطابع منذ نشرها في عام 1843 وتستمر العروض المسرحيه التي تتناولها حول العالم.

ومن بين الكثير من الاعمال التي انتجت هذه السنه وتتناول هذه الروايه، عرض مسرحي في مومباي بالهند، وقراءه في الهواء الطلق من قبل ممثلين امريكيين في حديقه هايدبارك بلندن، ونسخه هيب هوب في شيكاغو.

لم تكن مدينه غالفستن المكان الوحيد غير المرجح لتضع تشارلز ديكنز في مركز اهتمامها. ففي قاعه "كاو بالاس" بسان فرانسيسكو، يستمر مهرجان ديكنز لاربعه اسابيع متتاليه (في ايام عطلات نهايه الاسبوع فقط) بين عيد الشكر وعيد الميلاد. وتقيم مدينه تاكوما بولايه واشنطن في غرب امريكا احتفالات سنويه في شهر ديسمبر/كانون الاول، مثلما تقوم بذلك مدينه هولي في ولايه ميتشغان، وكذلك مدينه سبارتانبيرغ بولايه كارولينا الجنوبيه.

وليست فقط الولايات المتحده الامريكيه التي تكنّ كل هذا الحب لديكنز، فقد الهم هذا المؤلف الانجليزي العديد من المهرجانات حول العالم، ويُحتفل باعماله كل عام بمهرجانات فخمه في برودستير، وروتشستر في وطنه الام بمقاطعه كينت الانجليزيه.

ويقام احد اكبر مهرجانات ديكنز في العالم في احدي الاماكن غير المتوقعه، وهي مدينه ديفينتر في هولندا. في عطله نهايه الاسبوع قبل اعياد الميلاد من كل عام. ويتوقع ان يجتذب "مهرجان ديكنز في ديفنتر" قرابه 150 الف شخص من جميع انحاء هولندا وبلجيكا والمانيا.

وتختلط اكثر من 950 شخصيه من شخصيات قصص ديكنز مع المتسوقين في سوق عيد الميلاد، ومع مغنّي الترانيم، وبائعي الهدايا التذكاريه، وروّاد المهرجان بملابسهم التنكريه.

كان والد ايمي سترايك، التي بدات هذا المهرجان، قد اصطحبها معه الي انجلترا لاول مره عندما كانت في 13 من عمرها وشاركته الولع بروايات ديكنز. وعندما كبرت، بدات في تنفيذ فكره المهرجان.

وتقول سترايك: "كانت الاعمال المترجمه موجوده علي رف الكتب، وبدات بقصه "ديفيد كوبرفيلد". هذا هو السبب الذي جعلني اختار اقامه عيد ميلاد خاص بديكنز. كان الديكور جاهزاً مسبقاً: كنت اعيش في احد شوارع ديفنتر ذي البيوت القديمه. لم يكن من الصعب اعاده بناء الزمن الذي عاش فيه تشارلز ديكنز."

التقيت في عام 2010 وفداً يمثل كوريا الجنوبيه. كان الوفد يامل في اعداد مهرجان ديكنز في سيول (وللاسف لم يحدث هذا حتي اليوم). بعد الذكري المئويه الثانيه لولاده ديكنز في عام 2012، اعتقدت ان الناس سيتعبون حتي من سماع اسمه، الا ان هذه الذكري تبدو وكانها قد زادت من قوه شهرته وشعبيته.

وفي هذه السنه، 2014، تم تاسيس فرع جديد من "زماله ديكنز" في كارّيرا بايطاليا من قبل اثنين من معلمي المدارس المتحمسين لنقل شغفهم بالمؤلف الي طلابهما. قيل لي مراراً وتكراراً– في بلدان مثل كوبا والهند والنرويج - بان ديكنز محبوب لانه يجسّد القيم التي يحب الناس ان يروا مجتمعهم وهو يحتضنها.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل