المحتوى الرئيسى

بالفيديو.. الجذام يجتاح الأقصر والصحة ترفض التعليق معللةً: أمن قومي

12/29 21:09

صوره لوثيقه حصل عليها محرر "مصر العربيه" كانت البدايه، الوثيقه عباره عن ورقه من دفتر الصحه، حاول التاكد من صحتها من مديريه صحه الاقصر، فكان الرد بان هذه المعلومات تخص الأمن القومي، احتوت هذه الوثيقه علي معلومات تفيد بازدياد عدد مرضي الجذام بشكل خطير في محافظات جنوب الصعيد وبالاخص مركز مدينة الأقصر حيث توضح وصول عدد مرضي الجذام الي 2114 حاله، لم يتسن لنا التاكد من صحه هذه الوثيقه، لذلك قرر محرر "مصر العربيه" بدء مغامره للوقوف علي حقيقه انتشار هذا المرض.

ركب القطار وكان كل الذي يدور في ذهنه هو التحقيق الاستقصائي الذي كان بصدده، لكنه لم يتخيل يومًا تلك المشاهد التي سيراها بعد ساعات قليله، رجال في كامل هيبتهم ووقارهم التهمهم المرض اللعين دون اي شفقه بهم او مراعاه لسنهم ومركزهم الاجتماعي، جاعلًا منهم غرباء في مدنهم وقراهم، بعد ان بدات اطرافهم في التساقط واحدًا تلو الاخر، لينفر منهم عائلاتهم وذووهم.

دخل القطار محطه الاقصر اهم مدن مصر السياحيه واحد اقدم مدن العالم كله، فكانت منها البدايه، حيث كان المحرر علي علم بتنظيم محاضره للتوعيه بمرض الجذام، لذا قرر حضورها اعمالًا بالمبدا الشهير "اعرف عدوّك"، والتي حاضر فيها الدكتور جمال تهامي استشاري مكافحه مرض الجذام.

بدا "تهامي" المحاضره بتعريف المرض قائلًا: الجذام مرض ليس شديد العدوي، ينتقل عبر رذاذ الانف والفم، كما يمكن ان يسبب تلفًا تدريجيًا ودائمًا لجلد المصاب واعصابه واطرافه وعينيه، واستطرد: تتكاثر المتفطرة الجذامية ببطء شديد، وتصل فتره حضانه المرض الي نحو خمسه اعوام، وقد تمتد فتره ظهور الاعراض الي 20 عامًا.

واضاف "تهامي" ان التقارير الصادره عن منظمة الصحة العالمية اشارت الي ان ما يقارب 182000 شخصٍ اصيبوا بمرض الجذام في مطلع عام 2012، معظمهم في دول قارتيّ اسيا وافريقيا، كما ان مجموع المصابين بهذا المرض يتجاوز 10 ملايين شخص حول العالم.

وكانت ترددت انباء بانتشار المرض في بعض المراكز والقري التابعه للمدينه العريقه، لذلك قرر محرر "مصر العربيه" جعلها محطه البدايه في ذلك التحقيق الاستقصائي، والتوجه لمستشفي الاقصر العام، ملجا البسطاء والذين لا يقدرون علي تحمل تكاليف العلاج الباهظه في المستشفيات الاستثماريه.

لم يجد محرر "مصر العربيه" ترحيبًا من القائمين علي المستشفي للحديث عن المرض او حتي التعاون، وفي اثناء الجدال ومحاولات الاقناع امام قسم الجلديه في المستشفي، وجد المحرر ضالته، فبالرغم من انه لم يكن اليوم المخصص لاستقبال مثل تلك الحالات، الا ان حمدي السيد الحرش كان قد جاء لتفقد حالته واجراء الكشف الطبي.

كانت قصه "الحرش" قاسيه، ذلك الرجل الستينيّ الذي فقد زوجته قبل اعوام كثيره بعد ان عاشرته لاكثر من 10 اعوام، توفيت زوجته بالمرض نفسه، وبعدها بدا يري تشققات في يديه، تلك اليدين اللتين كانتا تؤمنان له قوت يومه عن طريق مصدر رزقه الوحيد وهو الزراعه، وبعدها بدا اول زياراته لعياده الجذام في عام 1998 ليعلم اصابته بالمرض، وان جسده سيتاكل عضوًا تلو الاخر.

عاني "الحرش" كثيرًا في قريته الا وهي قريه الضبعيه، وبدا كل جار وقريب في التبرؤ منه وبما فيهم شقيقه، فعاش وحيدًا، واخذ المرض ينتشر في اطرافه بقسوه فبدا يشعر بتخدير في قدميه ويديه.

ويروي "الحرش" المعاناه التي لاقتها زوجته قبيل وفاتها، قائلًا ان قدميها بدات في التورم، واظهار افرازات غريبه اللون، فذهب بها لاطباء عظام وجراحه فلم يعرفوا ما الذي اصابها، حتي وصل لطبيب الجلديه والذي اكد له اصابتها بالجذام.

جمعيه "كاريتاس الخيريه"، احدي الجمعيات المعنيه بمرضي الجذام، والتي قابل محرر "مصر العربيه" اخصائيًا اجتماعيًا بها في الاقصر ليشرح لنا دواعي المرض اجتماعيًا، وهو نادر عبدالملاك ساويرس، والذي بدا كلامه بالحديث عن الدور الهام الذي تلعبه الجمعيه في رعايه المرضي.

يقول "ساويرس" ان الجمعيه تساعد الدوله في رعايه مرضي الجذام، حيث ان مريض الجذام يتقاضي من الدوله اعانه قدرها 30 جنيهًا شهريًا اثناء العلاج، وبعد انهاء علاجه يتقاضي مبلغ 500 جنيه لاقامه مشروع يتربّح منه، بينما يقضي فتره علاج تتراوح بين 12 و16 شهرًا، وهذه المنظومه مطبقه من عام 1996، الا انها لا تكفي المريض فتساعد الجمعيه في توفير تكلفه العمليات الجراحيه، كما طالب برفع المبلغ لتشجيع المريض علي استمراره في العلاج.

وعن الاثار المجتمعيه التي يواجهها مرضي الجذام، يقول نادر ان المريض يخبئ نفسه من قسوه المجتمع، والذي يدفع البعض لعدم الذهاب لتلقي العلاج خوفًا من الوصمه التي قد تلحق به.

وتعليقًا علي ارتفاع نسبه انتشار مرض الجذام في الاقصر، قال نادر انه عندما كان مركز اسنا تابعا لمحافظه قنا، كانت تسجل اعلي معدلات انتشار المرض، وعندما تم ضم مركزيّ اسنا وارمنت للاقصر سجلت اعلي معدلات الاصابه.

وارجع نادر انتشار العدوي بهذه القري، الي قله الوعي لدي المريض، مؤكدًا من خلال دراسه اعدتها جمعيته بان 90% من مرضي الجذام اُمّيّون وواقعون تحت خط الفقر، وكانت العينه عباره عن 1000 مريض من المترددين علي العيادات، كما تعجب من قله عدد الدراسات علي المرض، بالرغم من انه في نفس خطوره الايدز وفيروس سي.

كل هذه المعلومات جعلت من مركز اسنا المحطه التاليه في التحقيق، ذلك المركز الواقع علي الضفه الغربيه لنهر النيل، والمليء بالمعابد الفرعونيه والاماكن السياحيه، وتحديدًا قريه النمسا تلك القريه البالغ اجمالي سكانها تقريبًا 11 الفًا.

قريه بسيطه لا تفرق عن معظم قري الصعيد، مليئه بالبيوت المبنيه بالطوب اللبن والمسقوفه بالخشب وافرع النخيل، وذات الشوارع الترابيه وغير الممهده، حيث يصطف السكان امام بيوتهم ماسكين باذرعهم اكواب الشاي و"الجوزه" يراقبوننا نتجول في قريتهم التي لا تعتاد علي استقبال الغرباء.

وقف العمده "نصر" عند مدخل القريه مرحبًا بمحررنا، وعارضًا كل المساعده التي كان بمقدرته تقديمها، وحاكيًا لنا تاريخ القريه مع المرض اللعين، والذي اصاب حوالي ثلث سكان القريه، بحسب كلامه.

تحدث "نصر" عن الاحوال المعيشيه الصعبه التي يعاني منها المرضي، فهم منطوون علي انفسهم داخل القريه، كما ان حالتهم النفسيه تسوء يومًا بعد يوم بسبب تاكل اطرافهم، مؤكدًا ان نسب الشفاء قليله، اما المشكله الحقيقيه بحسب "نصر"، هي ان الكثير من المرضي يرفضون الخروج من القريه لتلقي العلاج.

وهاجم نصر قانون الاعانه، معتبرًا ان تلك الاعانه ضئيله جداً ولا تُذكر، كما انها سبب رئيسي خلف رفض بعض المرضي الذهاب الي العيادات لتلقي العلاج، وارجع نصر ارتفاع نسبه الانتشار الي انعزال الصعيد عامهً وجنوب اسنا، خاصهً عن دائره الاهتمام، وتابع "نصر" ان نسبه المرض تمثل 32% من ابناء القريه، علي حد قوله.

اصطحب "نصر" المحرر الي عدد من المرضي، متجولين وسط كبار السن المصطفين خارج منازلهم، ينظرون الي السائرين في الشارع ويحدقون في الغرب منهم، كما تجولوا وسط الاسواق البسيطه المملوءه بالنساء المتشحات بالسواد لا يعلم احد هل حزنًا ام هذه احد تقاليد القريه، كما راوا الاطفال يلعبون في الشوارع والطرقات غير معنيين بالوحش الذي ينتظر افتراسهم في يوم من الايام.

كان اولهم عبد الحي مبروك، صاحب البيت المتهدم والذي يعيش علي الاعانات بعد وفاه زوجته الاولي، والذي اصيب بالمرض منذ اكثر من 35 عامًا، ولم يعالج منه الي الان، بسبب اخبار الطبيب له انه سيحتاج لعمليه جراحيه قد تودي بحياته، فرفض "مبروك" العلاج والذي فقد بالفعل الكثير من اصابع يديه وقدميه، كما هو الحال مع سمعه وبصره.

ومن منزل "مبروك" الي ذلك المنزل المكون من غرفه واحده بقريه "كوم مير" المجاوره لـ"النمسا"، حيث كانت المحطه الثانيه، تلك القريه التي لا تختلف كثيرًا عن سابقتها، الا في مظاهر الفقر الطاغيه علي المشهد، والاواني الفخاريه البسيطه التي تزيّن بيوتها.

سكن ملاك يحيي ذلك المنزل الذي تطغي عليه معالم الفقر والذي يتكون من غرفه واحده، يتسول "يحيي" طوال اليوم بالمركز حتي يحصل علي قوت يومه هو واسرته، اصيب الرجل الستينيّ بالمرض منذ 25 عامًا، وفقد بصره واطرافه، كما تعرض اخوه الي الاصابه بالمرض ذاته وتوفي به، بينما يقطن ابناء اخيه في مستعمره الجذام بالقاهره الان بسبب اصابتهم ايضًا بنفس المرض الذي اودي بحياه ابيهم.

انتشر المرض بقريه كوم مير بسبب الاهمال الحكومي بحسب "خليل" احد المشرفين الصحيين بالقريه، والذي يؤكد ان من بين جموع المصابين في القريه 3 فقط هم من يتابعون مع المستشفي، والذي قدر نسبه المصابين في مركز اسنا وحده بنص السكان، في ظل غياب المساعدات الحكوميه، علي حد قوله.

استقبل محرر "مصر العربيه" احد مسئولي وزارة الصحة وهو محمد بايزيد، وعضو مجلس الشوري الاسبق بلجنه الصحه، واكد "بايزيد" ان اسنا انشئ بها عياده صحيه لمرضي الجذام، وان عمل هذه العياده كان مستمرا بدعم من الاتحاد الاوروبي وقل بها الادويه حتي انقطع الدعم عنها منذ عام 2010.

كما كشف "بايزيد" ان عدد مرضي الجذام كبير باسنا وارمنت، وان الوضع بات محتاجًا لدعم من الوزاره لمساعدتهم، فالعدد يتزايد بجنوب مركز اسنا بدايه من قريه "القرايا" الي "نجع ترعه ناصر" جنوباً، فقله اهتمام المسئولين باسنا وارمنت وارتفاع معدلات الفقر كانتا وراء انتشار العدوي بحسب "بايزيد"، حتي ان اخر حصر للمصابين كان في عام 2009 وقدر بحوالي 600 مريض.

وبالحديث عن العلاج، قال ان في عام 1981، اوصي فريق دراسه تابع لمنظمه الصحه العالميه باستخدام علاج متعدده الادويه يتالف من ثلاثه ادويه هي: الدابسون والريفامبسين والكلوفازيمين.

واضاف ان المنظمه توفر هذا العلاج منذ عام 1995 مجانًا لجميع المرضي في كل انحاء العالم، وقد حققت ذلك في بادئ الامر بفضل صندوق الادويه بالمؤسسه اليابانيه، وهي توفرها منذ عام 2000 عن طريق التبرعات التي تقدمها احدي الشركات.

لم تنته الرحله الي ان حصلنا علي صور لبعض محاضر الصحه، والتي تحوي حصرًا للمرضي الذي يتلقون علاجهم في العيادات الطبيه بالمركز، لم نتمكن من حصر عدد المصابين الحقيقي، ولكن ما اثبتته لنا الوثائق هو ان هذه الاعداد ليست بالقليله، في ظل تعتيم غير مبرر للجهات الحكوميه حول الامر، رافضين التعليق او اعطاء اي معلومات بدعوي ان مثل هذه المعلومات "أمن قومي".

اسئله كثيره تطرح نفسها في نهايه هذه الرحله؛ اذا كان عدد المصابين بذلك المرض في مركز اسنا وحده اكثر من الفين، بحسب كلام سكانها، فكم عدد المصابين الحقيقي؟ ولم التعتيم علي هذه الكارثه؟ واين الشفافيه الحكوميه من اعلان التفاصيل ومواجهه الراي العام؟ ولماذا يقف مسؤولو وزاره الصحه مكتوفي الايدي؟! واين هو الدعم التي تقدمه الحكومه لهؤلاء المرضي؟، وهل هم فعلًا خارج دائره اهتمام المسئولين لبعدها عن القاهره؟

وتظل كل هذه الاسئله بلا اجابه، بينما تستمر معاناه مرضي لا يسمع انينهم احد، ولا يجدون حولهم معينا علي ظروف الحياه التي زاد المرض شقاءها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل