المحتوى الرئيسى

مصر .. وجوارها .. حبر ٢٠١٤ أيمن الصياد

12/28 07:38

ونحن نخرج من عام تخبطنا فيه بين رجاء في مستقبل «يبتعد»، وماض تبدو يده الثقيله وكانها قدرنا الحتمي، القيت نظره علي ما اجتهدت به؛ حبرا في هذه الصفحه، ورايًا في هذه المناسبه او ذاك .. وقررت ان اضع بعضًا منه امامكم، لاسال صاحب القرار الاول والاخير «القارئ»: ان كان لحبر الاقلام فائده.؟ 

ثم كان ان ضاع «الانصاف» بين الناس، وغابت «العداله»، بل والسياسه عن مؤسساتها. 

في اجواء المعادله الصفريه zero-sum game وفيما «بين المطرقة والسندان»، تبحث مصر / الوطن عن طريقها «الذي تستحق» الي المستقبل. الا ان الحاصل ان «الاغتيإل آلمعنوي» طال للاسف كل من حاول ان يتلمس الطريق وان يقول «تَعَالَوْا اِلَي كَلِمَه سَوَاء». سبَّه هؤلاء متهمينه بالخنوع، وتثبيط همم المجاهدين، وشحذ الاخرون كل اسلحتهم املين اصطياده، او علي الاقل تجريسه وتاديبه حتي لا يشغلهم عن «تنظيف البلد» من بعض مواطنيها.

«تبحث عن المشترك»؛ قاربا يحمل الوطن بجميع ابنائه الي بر الامان والسلام والمستقبل، فيردون عليك ردا قاطعا وباترا: «لا مشترك بيننا وبينكم».

تدعو الي طاوله يجلس حولها الجميع باحثين عن المستقبل، فتُواَد المبادره تلو الاخري. …

تُذكر بقوله مالك ان «كُلٌ يُؤخَذُ منه ويُرد» فلا يعجب كلامك اولئك الذين خدعوا بسطاءهم في رابعه بان الملائكه يحرسونها، او بان النبي ﷺ قدم رئيسهم ليؤمه في الصلاه.

تُذكر بان لا استقرار الا اذا شعر الناس بالعدل وسياده حقيقيه لقانون تحترمه الدوله قبل مواطنيها، فيُضرب بكلامك عرض الحائط. ويتجاوز من في السلطه استقواء بسطوته .. وسلطته.

يحتد عليك نفرٌ من هؤلاء وهؤلاء، طالبا منك الصمت او الابتعاد حتي لا تشغله عن مهمته المقدسه؛ انتحارًا، او نحرًا.

«السياسه نسبيه، والدين مطلق»، هكذا نعرف. وهكذا بدا ان من الروافد الرئيسه لصفريه معادله الصراع في مصر، وربما في المنطقه كلها ما استُحضر اليه قسرًا من مقولات دينيه نقلته من مربع الصراع السياسي الذي يحتمل بطبيعته «النسبيه» الاختلاف في الراي، والبحث عن المشترك، الي مربع «المطلق» والمقدس بطبيعته. فكان ان اقتنع البعض للاسف بفكره مريضه جري ترويجها وترديدها كل ساعه بانها «معركه الاسلام ضد كارهيه». وكان ان اعتبر البعض انفسهم «هم الاحرار»، وبقيه المصريين «عبيد»، فاعتبرهم المصريون بالتالي «خوارج» عنهم. زايد البعض علي اغنيه تتحدث عن «شعبين»، ولو تدبروا كلماتها جيدا، وكذلك كلمات الاغنيه التي ردوا بها عليها، لاكتشفوا الحقيقه الموجعه.

اعرف ان هناك من قادته حساباته الخاطئه لان يقرر في البدايه ان تكون «معركته صفريه»، واتفهم ان لذلك تبعاته وثمنه. وان كل نفس بما كسبت رهينه. الا انني ادرك ايضًا ان القارب واحد، وان اشتَّط، او غفل عن ذلك يوما بعض راكبيه. كما ادرك، ككل طبيبٍ ان جرعه زائده من الدواء قد لا تقضي علي جرثومه المرض وحدها، بل قد تودي بحياه المريض. كما اعلم ان الواجب يقتضي ان تبذل كل جهد ممكن لتمنع من يحاول الانتحار ان يكمل جريمته، فما بالك بمن بدا وكانه اختار ان يرتدي حزامًا ناسفًا ولسان حاله يقول: «عليّ .. وعلي الجميع»، حتي ولو كان هذا الجميع هو «الوطن» او المستقبل بكل ما تعنيه الكلمه من معني.

(من مقال:«المعادله الصفريه»  ٥ يناير ٢٠١٤)

هاقد جاءت الصناديق رسميًا «بصك الشرعيه» لخارطة الطريق. ولكن، بالتجربه لم يكن «الصندوق» ابدًا نهايه المطاف. فهناك دائما «ما بعد الارقام». وبعضٌ منه ما يلي:

١ـ ان كثيرا مما يجري علي الارض؛ امنيًا او اعلاميا، او متدثرًا برداء القانون، انما يُدعم شرنقه «المظلوميه التاريخيه» للاخوان، ولهذا خطورته علي المستقبل. فضلا عن انه يؤسس لمخاوف لدي الكثيرين من احتمالات عوده نظام مستبد يستخدم مؤسساته الامنيه والاعلاميه والقانونيه ضد خصومه. مما قد يستحضر اجواء الحاله السياسيه ما بعد ٢٠٠٥ والتي نشات في تفاعلاتها حركتا «كفايه» النخبويه، «و٦ ابريل» الشبابيه. وسمحت بان تدفع حادثه خالد سعيد الاحداث الي تلك النقطه المفصليه صباح الخامس والعشرين من يناير.

٢ـ ان تقاعس المراحل الانتقاليه المختلفه كلها وحتي الان، (بما فيها مرحله حكم المجلس العسكري ثم الاخوان) عن تطبيق معايير «العداله الانتقاليه» الواجبه بعد الثورات، بما فيها من اصلاح «حقيقي» للمؤسسات (وليس مجرد نغيير للولاءات) سمح بالابقاء علي مساوئ النظام الذي ادي الي ثوره الناس عليه كما هي «دون ادني تغيير». الامر الذي ينذر بتكرار ما جري مع اختلاف التفاصيل. والذي يقرا تاريخ الثورات الجديد يعرف ان شيئا من ذلك حدث هنا او هناك.

٣ـ ان زمن «المستبد العادل»: كما اراده الاخوان المسلمون، قد ولي. كما ولي ايضا زمن «الزعيم الملهم»، الذي يروج له سدنه السلطه الان. فلا الناس ولا الزمان بزمان عمر؛ ابن الخطاب او ابن عبدالعزيز. كما لم يعد هناك حرب بارده او سياق تاريخي يسمح بديجول او نهرو او لومومبا او عبدالناصر. كما لم تعد منصه الامم المتحده هي ذاتها التي طرقها «خرشوف» بحذائه في ذلك اليوم البعيد.

٤ـ ان التقدم الي الامام لا يكون الا بالنظر الي الامام الذي علينا ان نمضي في طريقه غير مثقلين بعبء ثارات الماضي. التقدم الي الامام لا يكون الا بكبح جماح اولئك الذين يحاولون ان يجرونا الي ما قبل الخامس والعشرين من يناير، وليس فقط بقطع الطريق علي اولئك الواهمين بالعوده الي ما قبل الثلاثين من يونيو… فاذا كانت النتائج، وارقامها تقول بوضوح الا عوده لحكم الاخوان المسلمين، فينبغي ان يكون هناك من يقول بالوضوح ذاته، بالاجراءات علي الارض ان ذلك لن يعني العوده الي ما قبل الاخوان المسلمين (نظاما قمعيًا فاسدًا وان تغيرت الاسماء). بل يعني التقدم اماما الي ما بعدهم.. الي المستقبل.

٥ ـ ان الدستور ليس ولا ينبغي ان يكون مجرد نصوص نتناقش او نتعارك حول صياغتها كلمه هنا او حرفا هناك. فلا قيمه لنصوص ايا كانت ان لم يجدها الناس «تعيش في حياتهم» ويكفي هنا مقارنه الواقع حولنا بنصوص المواد من ٥١ الي ٦٤ من الوثيقه الدستوريه الجديده.

والخلاصه انه اذا كانت هناك اسباب اخرجت الجماهير الي الشوارع في ٢٥ يناير، ثم اخرجتهم في ٣٠ يونيو، فمن غير المنطقي تصور ان بقاء هذه الاسباب «او تلك» علي حالها لن يؤدي الي «النتائج» ذاتها، مهما كانت «ارقام الصناديق». ولمن يريد ان يتذكر: لم تحم النتائج «الشكليه» لاستفتاء التعديلات الدستوريه المباركيه علي المادتين ٧٦ و٧٧ نظام مبارك، كما لم تحم النتائج «الصحيحه» للانتخابات الرئاسيه (٢٠١٢) التي جرت تحت الاشراف النزيه للقوات المسلحه نظام الاخوان. «فنتائج النتائج» هي الاهم. والجماهير، او بالاحري شبابهم الذين عرفوا طريقهم الي الشارع لن يتراجعوا عن «حريه وعدل ومساواه» يطلبونها لمستقبلهم.

(من مقال: «ما بعد الارقام»: ١٩ يناير ٢٠١٤ )

عبد الناصر في غزه - تصوير حسن دياب

ثم كان ان اضعنا «البوصله» .. وتاهت منا الطرق «تاريخًا، وجغرافيا».

في بعض مصر، التي تمر مرتبكه بمرحله «اللا يقين» بدا وكان قضايا الاقليم والجوار (بما فيها خرائط يُعاد رسمها، وعداوات بديله، ومعادلات جديده للصراع) جري اختزالها في عناوين اقتصرت علي «الاخوان المسلمين» ذات العلاقه البنيويه مع حماس تلك التي كان قد جري اتهامها ومن ثم تشويهها اعلاميا علي نطاق واسع، تاره كاحد اساليب توصيف ما جري في يناير علي انه «مؤامره»، وتاره اخري كجزء من «الصراع علي السلطه» مع الاخوان. ونسي هؤلاء واولئك حقيقه ان غزه كانت قبل حماس، وستظل بعد حماس. وانها، بحكم الجغرافيا والتاريخ وروابط الثقافه والدم بوابه مصر الشرقيه والعمق الاستراتيجي لامنها القومي. وان اسرائيل «المحتله» هي «الجيش» الذي خاض معه الجيش المصرى خمسه حروب، وان سيناء مازالت ناقصه السياده بسبب قيود وضعها الطرف «الاسرائيلي» ومازال يتمسك بها حتي الان. وان تحت رمالها الطاهره رفات ٢٥٠ اسيرا مصريا «اعزل» قامت الفرقه العسكريه الاسرائيليه «روح شاكيد» بقتلهم بل ودفن بعضهم احياء (كما تقول الروايه الاسرائيليه ذاتها) فيما يُعد ملامح لجريمه حرب مكتمله الاركان.

اضلتنا المعارك الصغيره والمصالح الضيقه والاستقطاب والكراهيه، وانجرفنا (واتمني ان اكون مخطئا) الي ما اريد لنا من سيناريوهات تتبدل فيها معادلات الصراع، وعناوين الحروب، والعقيده القتاليه للجنود. سيناريوهات لا فائز فيها الا اسرائيل التي لم تعد بحاجه ان تحارب احدا او تحمل همَّ احد، فعدا فصائل المقاومه «المحاصره» في غزه، تكفل العربُ بانفسهم؛ صراعات طائفيه او داخليه او علي السلطه. يستدعي بعضهم ثارات وفتن عمرها اربعه عشر قرنا، ويحلم بعضهم «بالخلافه»، بل ويرفع بعضهم اعلامها السوداء. وتحت هذه اللافتات الزاعقه، او «بحجتها»، تجد السلطه الف حجه لقهر المواطن وقمع الحريات واجهاض الثورات والقاء البراميل المتفجره.

هاهي اسرائيل توشك ان تحسم «استراتيجيا» صراع العقود السته، بعد ان شُغل محيطها بمعاركه المفتعله ان طائفيا او علي السلطه. 

لاسباب يطول شرحها، لم ياتِ الربيع بديموقراطيه حقيقيه؛ تَقْوي بها دوله بما توفره من حريه ومواطنه ومحاسبه وشفافيه، تنافس بها ديموقراطيه توفرها اسرائيل «ليهودها». فالعراق اضاعه نظام لم يرث من صدام غير استبداده وقمعه واقصائه للاخر. وسوريا اخفت الاشلاء والدمار بارقام الاقتراع. وليبيا تبحث عن الدوله التي لم تكن هناك لاربعه عقود كامله. واليمن حائر في شكل «العوده الي ما كان»؛ يمنين، ام قبائل هنا وهناك. والجزائر اختارت رئيسا علي كرسي متحرك. ومصر تعثرت في الاستقطاب وتوابعه. وتاه اهلها الطيبون وسط صيحات الخلافه وتوهمات القدره واكاذيب المؤامره. وسيناء؛ خط نار السته والستين عاما، والتي عرفت يوما «منظمه سيناء العربيه» تنظيما فدائيا من اهلها يزود عن حدودنا الشرقيه، ويوجع «العدو»، اصبحنا تقريبا لا نعرف عنها شيئا.

(من مقال: «حديث الجوار الاستراتيجي»: ١٣ يوليو ٢٠١٤)

ثم كان ان اجتمع «العرب» وانفضوا، وذهبت وفودهم وجاءت، وتخاصموا وتصالحوا، وانشغلوا، لا «بحقائق عصر» وتحديات مستقبل، بل بما يقوله اعلام بعضهم عن بعضهم .. لا اكثر.

فيما تنزف سوريا كل يوم دماءً ولاجئين (تجاوز عددهم الثلاثه ملايين)، وفيما يتعثر العراق في تفجيراته «اليوميه»، ودولته «الاسلاميه»، وتحالفات معقده «لائتلاف دولي» ياتي هنا للمره الثانيه.

يخطئ من يعتقد، او يحاول ان يجعلنا نعتقد بان بوسعه ان يتنبا بما ستصير اليه الامور في المشرق العربي المرتبك المتشابك «اقليميا ودوليا». ولكن تبقي الحقيقه الوحيده المؤكده ان ماجري في العراق «القوي» قبل ربع قرن (اغسطس ١٩٩٠) كان حجر الزاويه في كثير مما جري اقليميا. وان العراق، الذي ضربت اسرائيل مفاعله النووي (يونيو ١٩٨١) قبل ان تجتاحه «عاصفه الصحراء» العربيه الامريكيه (يناير ١٩٩١) كان اول الخارجين من معادله القوي الاقليميه، التي جري اعاده ترتيبها بعد مغازله السفيره الامريكيه لغرائز الديكتاتور الامبراطوريه في ذلك اليوم الحار من اغسطس ١٩٩٠. استُدرِج صدام «القادسيه» الي الكويت، ليخرج منها يلعق جراحه مكابرًا لسنوات تحت الحصار قبل ان يلفظ انفاسه الاخيره في مشهد السقوط الاخير لتمثاله في ساحه الفردوس في قلب عاصمه الرشيد (ابريل ٢٠٠٣). لتنقل لنا الشاشات يومها كيف انهال بسطاء العراقيين علي التمثال بالاحذيه، في مشهد يشبه ما جري لصوره مبارك في تظاهرات المحله الكبري الشهيره (ابريل ٢٠٠٨)

في دروس العراق القديمه / الجديده ما يمكن ان نقراه فيما يلي:

١ــ «في التنوع ثراء». هكذا تعلمنا الطبيعه وسنن الله في خلقه. والدوله التي تفشل في اداره التنوع تضع نفسها ومواطنيها علي طريق قد ينتهي بما نراه في العراق.. 

٢ــ «الصندوقراطيه» غير الديموقراطيه، وان بناء مجتمع ديموقراطي حقيقي يتعايش ابناؤه ويتعاونون لبناء المستقبل يحتاج ما هو اكثر من صور الاصابع المغموسه بالحبر علي ابواب مراكز الاقتراع، وان الطريق الممهد لفشل الدوله هو ان يتباهي فريق بالارقام والنسب المئويه ناسيا ما تقوله تجارب التاريخ من ان اسوا الديكتاتوريات هي «ديكتاتوريه الاغلبيه». هكذا تعلمت اوروبا درس «الرايخ الثالث» وهكذا علمنا سبحانه درس حُنَين «.. اِذْ اَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ» مع الاخذ في الاعتبار باختلاف السياق.

٣ــ لا يزدهر التطرف ويجد ظهيرا شعبيا الا وسط بيئه من الاحباط والاحساس بالتمييز وغياب العداله والمواطنه.

٤ــ الذين لعبوا مبكرا بنار الطائفيه مستدعين الدين الي ساحه السياسه، لم يدركوا ان هذه هي النتيجه. «معظم النار من مستصغر الشرر».

٥ ــ رغم ان الكل اقليميا ودوليا بات صاحب مصلحه في اعاده العفريت الي قمقمه، الا ان البادي في الافق حشدٌ طائفيٌ ينذر بما لا تحمَد عقباه. والمشهدُ الجاثمهُ ظلاله علي منطقه دخلت قرنها الواحد والعشرين، لا يكاد يختلف عما عرفته مائه مره علي مدي تاريخها المكتوب: تحت رايات «دينيه»، يختلف الساسهُ علي السلطه، فيندفع اولئك المؤمنون البسطاء الغيورون علي دينهم، طالبين الموت والجنه. فتدور الدائره «المقدسه» للعنف والدماء.

يتقدم العالم كله من حولنا. ونبقي في مكاننا نستدعي ثاراتنا القديمه، ونستل سيوفنا الصدئه. نجلوها، ثم نزخرفها بالشعر والايات الكريمه.. لنحارب معاركنا القديمه، التي لانها «مقدسه» فلن تنتهي ابدًا.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل