المحتوى الرئيسى

الوزير( النافق)

12/27 16:22

اقرا ايضا: (اهازيج) جيل السبعينيات المسيحي العربي لم يفشلوا دينيًا هم فقط (تعثروا) سياسيًا التعري في وضح النهار قبل ان يصبح الوطن ( بيت القلوب المحطمه)

استاذن شاعرنا الرقيق (فاروق جويده) في استلهام عنوان مسرحيته الشعريه الرائعه (الوزير العاشق ) التي تحكي عن تلك( الحقبه الجميله) التي عاشها العرب والمسلمون في الاندلس (711م -1492م ) بوجه عام والتي شهدت فتره من اخصب فترات التعايش الحضاري والانساني الي الحد الذي يجعل اليهود وهو من هم في معاداه الشعوب ومعاداه الشعوب لهم .. يذكرون وجودهم في هذه الحقبه بانها من اعظم فتراتهم التاريخيه.

يحكي فيها الشاعر الكبير عن حياه الوزير الشاعر(احمد بن زيدون) الذي عاش في الفتره من ( 1003-1071م) ونونيه الشاعر الكبير ابن زيدون من اشهر قصائد الشعر العربي(اضحي التنائي بديلاً عن تدانينا **وناب عن طول لقيانا تجافينا) وقد عارضها فضيله الشيخ (يوسف القرضاوي ) في نونيته الشهيره(314 بيتًا) التي يقول في احد ابياتها (والخطبُ ليس بخطبِ مصرٍ وحدَها ** بلْ خَطْبُ هذا المشرقِ المسكين).ِ                    .

من الابيات الجميله في قصيده جويده.. افتتاحيتها التي تقول: من الفٍ عامٍ او يزيدْ.. كانتْ هُنا يومًا حضارهْ ..كانت هنا ..امجادُ شعبٍ كانَ يعرِفُ ما يًريد...

علي ان المعاني التي ذكرها عن العدل وعلاقات الحكم المستبده الكاسره في  تاريخنا الحديث من اجمل الابيات والتي يقول فيها:

العدل بخـور نحرقـه عندَ الحكـام.. والـحاكم فوق القانـُونْ .. يقتلُ.. نـَحْمِيهْ.. يَسْرقُ نفـْديهْ.. يَسْجُنُ.. فنكونُ القضبَانْ يجْـلدُ ..فنكونُ السجَّانْ

الحاكمُ يقتلُ بعضَ الناسْ ...لكنْ لا يقتلُ شعْبا ....قد يسجنُ فردا ....قد يسرقُ ارضا ...قد يسلبُ عرضا

قد يفعلُ كلَّ الاشياء ْلكنْ انْ يقتلَ شعباً .. لا لنْ يقتلَ شعب... فالشعبُ لهيبٌ يتواري تحتَ البُركانْ.

المسرحيه قدمت عل المسرح القومي في منتصف الثمانينيات وقام بدور بن زيدون فيها الفنان الراحل (عبد الله غيث ) وقدمت دور ولاده بنت المستكفي (الفنانه سميحه ايوب ) . والمسرح القومي انشاه الخديوي اسماعيل (1869م) وكان اسماعيل علي ما يذكر المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي في (عصر اسماعيل) شغوفًا بجعل مصر قطعه من اوروبا  وله في ذلك الكثير مما يحسب له كما ان عليه الكثير ايضًا .

تداعت الي ذاكرتي كل تلك الاشياء وانا اتابع احتفال افتتاح المسرح القومي بعد تجديده  السبت الماضي 20 ديسمير.. وهو الاحتفال الذي انسحب اثناؤه السيد محمد مهنا مستشار فضيله شيخ الازهر بعد تطاول الوزير علي الازهر متهما له _الازهر_بالتعصب .

وحسنا فعل الدكتور محمد مهنا بهذا الموقف الكريم الشجاع.. والمساله في حقيقتها لا يراد بها الازهر ولا مشيخه الازهر.. الهدف الحقيقي من تطاول الوزير و(شله مثقفي الستينيات الشهيره) هو(الاسلام) ذاته .. هم فقط  يجعلون من الازهر هدفًا سهلاً .. مستحضرين علي نحو مضحك  التجربه التاريخيه للغرب في علاقته بالدين والكنيسه وقت عصر الانوار وكنت قد كتبت مرارًا عن ان المشكله في هذا الاستحضار مثيره للشفقه والسخريه .. فالاسلام ليس به مؤسسه دينيه ولا رجال دين. وارتباط النهضه التنوير في اوروبا  بالابتعاد عن الدين والكنيسه حدث عكسه تمامًا في تاريخنا الاسلامي و الحضاري حيث ارتبط قيام النهضه والتنوير بالدين وفضائله والحديث في هذا المعني يطول .. لكن مشكله مثقفي الستينيات انهم فقط لا يجرؤون علي التصريح بمشاعرهم الحقيقيه تجاه الدين والفكره الدينيه عمومًا .. كما قال المفكر الكبير عباس محمود العقاد.. ولن اكف عن التذكير ما كتبه العقاد في احد اعداد مجله الرساله سنه 1944م ردًا علي الذين هاجموه (من اشباه الوزير النافق الذي هاجم الازهر) حين تحول للكتابه الي  الاسلام ونبيه الكريم صلي الله عليه وسلم .. هو وعدد كبير من عمالقه المفكرين في تلك الفتره الازهي والاجمل في تاريخنا الحديث (الثلاثينيات)..                                                                                                                                   قال العقاد (ان الدعاه المغرضون للمذاهب الهدامه لا يجسرون علي الجهر بعله الكراهه للدين ومثله واخلاقياته فيحاولون ان يصلوا الي اغراضهم عن طريق غير طريق العقول .. انهم يكرهون الكتابه عن عمر وخالد واللغه والدين وكل ما يحيي في الامه نخوه وطنيه او روحيه... قال ذلك في احد اعداد مجله الرساله سنه 1944م.).

ومعروف ان احدًا _مهما كان_ لا يمتلك الصفه التمثيليه للاسلام لا الازهر بكل اجلاله التاريخي والعلمي ولا التيارات الاسلاميه (السياسيه والاجتماعيه) بكل نجاحاتها واخفاقاتها..هناك علماء ومفكرون يجتهدون فكرًا وفعلاً ويصيبون ويخطئون فكرًا وفعلاً ايضًا .. واذا كانت العقلانيه_عند البعض_ ترفض الرؤيه الروحيه للانسان كما كان رد الفعل العنيف لمفكري عصر الانوار ردًا عل استبعاد رؤيه الكنيسه الروحيه لاي مدخل عقلاني ..فان الاسلام حقيقه اخري تمامًا .. اذ ليس به هذا الشقاق ..الاسلام يقيم التوازن الذي يمثل الامكانات الفطريه والطبيعيه للانسان (غيب وشهاده) .. وكما قال العلامه علي عزت بيجوفيتش تمثل الصلاه في ذلك المعني (الاختصار الكودي للاسلام) .. وتجمع بين مبداين لا يلتقيان في المسيحيه (الوضوء)  بكل ما فيه من حسي ومادي و(الصلاه) بكل ما فيها من غيبي وروحي .. المسلم يفعل الاثنين في تكامل وتمام .. بما يمثل وحده الروح والجسد .. وبما يمثل وحده الدين والمجتمع الجسد يخضع للروح.. والمجتمع يخضع للدين.. طبعا هذا الكلام الكبير جدا للعلامه علي عزت استاذ استاذي (د.المسيري) عليهما رحمه الله، فالاسلام مركب فريد يجمع بين واقعيه العهد القديم (التوراه) ومثاليه العهد الجديد (الانجيل).. وبيني وبين اصدقائي المسيحيين في هذا المعني مواقف جميله.. مذكرًا لهم بكلمه السيد المسيح عليه السلام في مجلس احد الفريسيين مخاطبًا تلميذه سمعان.. (يا سمعان عندي شيء اقوله لك)، وكل عام ومصر كلها بخير.

وعوده الي مشكله (مثقفي الستينيات) والتي اري انها ليست مشكله فكريه ولا دينيه.. دعونا نسمي الاشياء باسمائها مشكلتهم الحقيقيه.. مشكله اخلاقيه.. وقليل منهم من تستطيع بمغالبه نفسك ان تحترمه والاقل من تستطيع ان تحبه، ومثقفو الستينيات هؤلاء هم من يسيطرون علي وزاره الثقافه الان ومن وقت خروج اخر شيوعي من سجون (المرحوم جمال عبد الناصر حسين) حين اصر خروتشوف رئيس الوزراء السوفيتي الاسبق علي اخراجهم جميعًا من السجون قبل ان تطا قدمه ارض مصر في زيارته الشهيره عام 1964م، وتم الاتفاق (الامني) بينه وبين نظام المرحوم جمال علي ان يسلمهم مقاليد (الثقافه والاعلام) مقابل حل التنظيمات والاندماج في النظام السياسي..

وهو ما حدث بالفعل.. ولك ان تتخيل ان محمود امين العالم كان رئيس المؤسسه العامه للكتاب.. ومؤسسه المسرح والموسيقي والفنون الشعبيه.. وراس مجلس اداره اخبار اليوم.. وهو اسم من اسماء كثيره وكبيره في الحركه اليساريه استولت علي الثقافه والاعلام من منتصف الستينيات..

 السادات استبعد عددًا منهم من الاعلام لطبيعه المرحله التي كان يعد لها بعد حرب اكتوبر وان بقي الكثير منهم واضعين ايديولوجيتهم المدعاه تحت حذائهم.. ولم يهتم كثيرًا بوضعهم في وزاره الثقافه.. التي يعتبرونها حتي يومنا هذا اخر (القلاع الحصينه) لليسار.. طبعا قصه اليسار والشيوعيه القديمه.. انتهت (اهل اليسار.. يا ليل) الوزير الاسبق الاستاذ فاروق حسني الكثير ادخلهم جميعا (الحظيره) والروائي الكبير جمال الغيطاني حكي لي حكايات طويله عن هذه القصه العفنه..                                                                                                                                              ولعلنا نذكر الهياج الهستيري الذي اصابهم بعد تعيين الدكتور علاء عبد العزيز وزيرًا للثقافه في حكومه الدكتور هشام قنديل.. لانتمائه القديم الي حزب العمل وافكار الاساتذه الكبار احمد حسين وفتحي رضوان وابراهيم شكري، رحمهم الله.

هم عادوا بقوه، ومن ايام مبارك، للاعلام اضافه الي (تكاثرهم) التنظيمي في وزاره الثقافه.. وهم يعتبرون ان هذه الايام من اكثر اوقاتهم السانحه (للانقضاض) علي الفكره الدينيه.. سواء تمثلت في الازهر الشريف  او في التيار السياسي الاسلامي.. وهم يقدمون مزيجا خطرا (ثقافيا واعلاميا) علي السياسه والمجتمع.. وستكون كلفته شديده اذا لم تنتبه السلطه الي ذلك.. والافق مفتوح علي مصراعيه لتطرف ما بعده تطرف.. وحسنا فعل رئيس الوزراء بالذهاب الي فضيله شيخ الازهر للاعتذار عن ما حدث في المسرح القومي.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل