المحتوى الرئيسى

عوني فرسخ يكتب : المشهد العربي في قراءة واقعية

12/26 14:54

يغلب علي الاعلاميين العرب المعاصرين تسليط الاضواء بكثافه علي الظواهر السلبيه بحجه الواقعيه وكانها كل ما في المشهد العربي . بحيث غلب علي جمهور قراء الصحف ومتابعي القنوات الفضائية القلق علي حاضر الشعوب العربية والتشاؤم بمستقبلها . والسؤال والحال كذلك: هل هذا كل ما يستقرا في المشهد العربي ام انه حين يقرا بعمق وشمول يدل علي ان الامه عريقه التاريخ، غنيه الموروث الحضاري، المعروفه بقدرتها الفذه علي النهوض من الكبوات: تعيش مخاض تغيير جذري يحمل مؤشرات واعده ؟

سؤال في محاوله الاجابه عنه بموضوعيه نقف مع ابرز ثلاثه تحديات تواجه الدول والشعوب العربيه: تحدي مخطط التفتيت العرقي والطائفي، وتحدي "داعش" وسائر التجمعات التكفيريه والفتنه المذهبيه السنيه - الشعبيه، وتحدي افتقاد العرب دورهم الاقليمي وتصوير "اسرائيل" وكانها الدوله صاحبه الذراع الطويله في مشرق الوطن العربي ومغربه .

وفيما يتصل بالتحدي الاول، اذكّر المتحدثين بقلق عن تقسيم المقسم وتجزئه المجزا ان المخططات الامريكيه والصهيونيه لتقسيم وتجزئه دول المشرق العربي، ليست بالجديده . فذلك ما دعا اليه بريجنسكي، في كتابه "بين جيلين" الصادر سنه ،1977 مطالباً باقامه "الشرق الاوسط الجديد" المكون من كانتونات عرقيه وطائفيه، بحيث يتاح للكانتون "الاسرائيلي" النمو والبقاء . وفي العام 1981 كتب "الاسرائيلي" يوديد ينون في مجله "اتجاهات"، تحت عنوان استراتيجيه "اسرائيل" في الثمانينات، متحدثاً عن مخططات لتقسيم: مصر والعراق وسوريا ولبنان، علي اسس عرقيه وطائفيه . وبرغم انقضاء السنين لم يتحقق التفتيت العرقي والطائفي في اي من الأقطار العربية المعنيه . لاستحاله ذلك عملياً لعدم توفر الموارد التي تمكن اي كانتون عرقي او طائفي يقام في اي قطر عربي ليكون كامل السياده ديمقراطياً وغير تابع للخارج الدولي او الاقليمي .

ودليلنا واقع اقليم كردستان العراقي، برغم احتوائه علي مؤسسات الدوله، وتوالي تهديدات البرزاني بانفصال الاقليم في عمليه ابتزاز للحكومه المركزيه في بغداد لتحصيل المزيد من المكاسب الاقليميه، مستغلاً افتقارها للاجماع الوطني الداعم نتيجه تركيبتها الفئويه وغلبه اللون المذهبي عليها . لكنه لم ينفذ تهديده المتكرر لادراكه ان موارد الاقليم، بما فيها وما يحوزه من النفط، لا تفي باحتياجات مواطنيه .

ولم يكتب لمخطط التفتيت النجاح، برغم التقاء الادارات الامريكيه المتواليه واداتها الصهيونيه علي استغلال كل نواحي الضعف في المجتمعات العربيه لانجاحه، لكونه مؤسساً علي قراءه استعماريه لواقع الوطن العربي تدعي عدم امتلاكه مقومات الوجود القومي، اذ انه متعدد الاديان والمذاهب متباينه المصالح والطموحات، في تجاهل متعمد لكونه من اكثر مناطق العالم تجانساً واندماجاً علي محاور السلاله التاريخيه، والدين والمذهب، واللغه والثقافه وانماط السلوك . فضلاً عن انه بين اقلياته جميعها والاكثريه العربيه وشائج قربي سلاليه او دينيه، وليس بينها من تعيش منعزله عن المجتمع، او مهمشه اجتماعياً واقتصادياً، او محظور عليها استخدام لغتها في شؤونها الخاصه . وبرغم عدم نجاح المخططات الاستعماريه، لما يزل ادعياء الواقعيه يتحدثون عن تجزئه المجزا في جهل مريع لحقائق الواقع العربي .

وبالنسبه ل"داعش"، التي تبدو الاشد خطوره واستفزازاً بين الجماعات التكفيريه فانها ليست بذات الخطوره التي بدت عليها غداه انسحاب الجيش العراقي من الموصل، ولا بمثل ما تروجه وسائل الاعلام، خاصه الامريكيه . اذ بات جلياً انها ليس لها حاضنه شعبيه ولا مستقبلاً، وقد اتضح عجزها امام الجيشين العراقي والسوري، وحتي امام البيشمركه الكرديه . فضلاً عن اجماع ابرز العلماء المسلمين من مختلف المذاهب علي ادانه ممارساتها الاجراميه، المتناقضه مع مباديء الدين الحنيف القائمه علي حريه الاعتقاد، واحترام حق اهل الكتاب غير المعتدين بممارسه طقوسهم الدينيه بحريه تامه، وتمتعهم بحقوق المواطنه حيث وجدوا في الاقطار العربيه . وفي الاستجابه لتحدي "داعش" وغيرها من الجماعات التكفيريه، والحركات اسلامويه الشعارات دعا دكتور احمد الطيب، شيخ الجامع الازهر لمؤتمر لمواجهه التطرف يومي 3 و4 ديسمبر/ كانون اول الجاري، شارك فيه ممثلو 120 دوله، تقدمهم رؤساء المذاهب الاسلاميه كافه وممثلو مختلف الكنائس الشرقيه العربيه . وقد تضمن بيانه الختامي التاكيد ان ما ارتكبته الجماعات التكفيريه من عنف وقتل، وما اصاب المقدسات واماكن العباده، انما يعتبر جرائم ضد الانسانيه جمعاء، والاسلام بريء من هذه الافعال المدانه التي تشوه صورته . كما اشار البيان الي ان تعدد الاديان والمذاهب كان وسيبقي مصدر غني البشريه جمعاء، ولا يتعارض مع المعاني الالهيه التي تظلل العالم . واوضح ان العلاقه بين المسلمين والمسيحيين تاريخيه وجري تطويرها بتاكيد المساواه التامه في الحقوق والواجبات . ودعا البيان الي التشبث بالارض وعدم الهجره . كما ادان عمليات التهجير التي جرت وتجري لا سيما في العراق وسوريا باعتبارها جرائم مستنكره .

وحين يقرا التاريخ العربي في العصر الحديث يتضح ان جميع الصراعات والنزاعات التي شهدتها اقطار المشرق العربي منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر لم تكن دينيه او مذهبيه، وان بدا بعضها كذلك، وانما كانت صراعات ونزاعات سياسيه واجتماعيه الدوافع، وللمداخلات الاستعماريه دور اساسي في التحريض علي معظمها .

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل