المحتوى الرئيسى

ذكرى وفاة حجة الإسلام 'الغزالي' أسس المدرسة الأشعرية السنية.. طاف البلاد طلبا للعلم.. وتصدى للفكر الباطني

12/19 18:59

اليوم ذكري وفاه حجّه الاسلام واحد اعلام عصره واشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري "ابو حامد محمد الغزّالي" الطوسي النيسابوري الصوفي الشافعي الاشعري.

كان فقيهاً واصولياً وفيلسوفاً، وصوفيّ الطريقهِ، شافعيّ الفقهِ اذ لم يكن للشافعيه في اخر عصره مثلَه، وكان سنّيّ المذهب علي طريقه الاشاعره في العقيده، وقد عُرف كاحد مؤسسي المدرسه الاشعريه السنّيّه في علم الكلام، واحد اصولها الثلاثه بعد أبي الحسن الأشعري، وكانوا الباقلاني والجويني والغزّالي لُقّب الغزالي بالقاب كثيره في حياته، منها "زين الدين، ومحجّه الدين، والعالم الاوحد، ومفتي الامّه، وبركه الانام، وامام ائمه الدين، وشرف الائمه"، وكان له اثرٌ كبيرٌ وبصمهٌ واضحهٌ في عدّه علوم مثل الفلسفه، والفقه الشافعي، وعلم الكلام، والتصوف، والمنطق، وترك عدداَ من الكتب في تلك المجالات.

واسمه محمد بن محمد بن محمد بن احمد الغزّالي الطوسي النيسابوري، يُكنّي بـ"ابي حامد" لولد له مات صغيراً، ويُعرَف بـ "الغزّالي" نسبه الي صناعه الغزل، حيث كان ابوه يعمل في تلك الصناعه، والي بلده غزاله من قري طوس، كما يُعرف بـ"الطوسي" نسبه الي بلده طوس الموجوده في خراسان، والتي تعرف الان باسم مدينه مشهد موجوده في ايران، وقد اختلف الباحثون في اصل الغزالي اعربي ام فارسي، فهناك من ذهب علي انه من سلاله العرب الذين دخلوا بلاد فارس منذ بدايه الفتح الإسلامي، ومن الباحثين من ذهب الي انه من اصل فارسي.

ولد الغزّالي عام 450 هـ، الموافق 1058م، في "الطابران" من قصبه طوس، وهي احد قسمي طوس، وقد كانت اسرته فقيره الحال، وكان اباه يعمل في غزل الصوف وبيعه في طوس، ولم يكن له ابناء غيرَ ابي حامد، واخيه احمد والذي كان يصغره سنّاً، وكان ابوه مائلاً للصوفيه لا ياكل الا من كسب يده، وكان يحضر مجالس الفقهاء ويجالسهم، ويقوم علي خدمتهم وينفق بما امكنه انفاقه، وكان كثيراً يدعو الله ان يرزقه ابنا ويجعله فقيهاً، فكان ابنه ابو حامد، وكان ابنه احمد واعظاً مؤثراً في الناس ولما قربت وفاه ابيهما، وصّي بهما الي صديق له متصوّف، ولما مات اقبل الصوفيّ علي تعليمهما حتي نفد ما خلّفهما لهما ابوهما من الاموال، ولم يستطع الصوفيّ الانفاق عليهما، عند ذلك قال لهما: "اعلما انّي قد انفقت عليكما ما كان لكما وانا رجل من الفقر والتجريد بحيث لا مال لي فاواسيكما به واصلح ما اري لَكمَا ان تلجئا اِلَي مدرسه كانكما من طلبه الْعلم فَيحصل لَكمَا قوت يعينكما علي وقتكما"، ففعلا ذلك وكان هو السبب في علو درجتهما، وكان الغزاليّ يَحكي هذا ويقُول: "طلبنا الْعلم لغير الله فابي ان يكون اِلّا لله".

بدا طلبه للعلم في صباه فاخذ الفقه في طوس علي يد الشيخ احمد الراذكاني، ثم رحل الي جرجان وطلب العلم علي يد الشيخ الاسماعيلي، ثم رحل الغزّالي الي نيسابور ولازم اِمام الحرمين ابو المعالي الجويني (امام الشافعيه في وقته، ورئيس المدرسه النظامية)، فدرس عليه مختلف العلوم، من فقه الشافعيه، وفقه الخلاف، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والمنطق، والفلسفه، وجدّ واجتهد حتي برع واحكم كل تلك العلوم، ووصفه شيخه ابو المعالي الجويني بانه: "بحر مغدِق"، وكان الجويني يُظهر اعتزازه بالغزالي، حتي جعله مساعداً له في التدريس،وعندما الف الغزالي كتابه "المنخول في علم الاصول" قال له الجويني: "دفنتني وانا حيّ، هلّا صبرتَ حتي اموت".

وعندما تُوفي ابو المعالي الجويني، خرج الغزالي الي "العسكر" اي "عسكر نيسابور" قاصداً للوزير نظام الملك (وزير الدوله السلجوقيه)، وكان له مجلس يجمع العلماء، فناظر الغزالي كبار العلماء في مجلسه وغلبهم، وظهر كلامه عليهم واعترفوا بفضله وتلقوه بالتعظيم والتبجيل، وكان الوزير نظام الملك زميلاً للغزالي في دراسته، وله الاثر الكبير في نشر المذهب الشافعي الفقهي، والعقيده الاشعريه السنّي، وذلك عن طريق تاسيس المدارس النظاميه المشهوره، والتي قبل الغزالي عرض نظام الملك بالتدريس في المدرسه النظاميه في بغداد، وهولم يتجاوز الرابعه والثلاثين من عمره.

ثم وصل الغزالي الي بغداد في ايام الخليفه المقتدي بامر الله العباسي، ودرّس بالمدرسه النظاميه حتي اُعجب به الناس لحسن كلامه وفصاحه لسانه وكمال اخلاقه، واقام تدريس العلم ونشره بالتعليم والفتيا والتصنيف مدّه اربعه سنوات، حتي اتسعت شهرته وصار يُشدّ له الرّحال، ولُقّب يومئذٍ بـ "الامام" لمكانته العاليه اثناء التدريس بالنظاميه في بغداد، ولقّبه نظام الملك بـ "زين الدين" و"شرف الائمه"، وكان يدرّس اكثر من 300 من الطلاب في الفقه وعلم الكلام واصول الفقه، وحضر مجالسه الائمه الكبار كابن عقيل وابي الخطاب وابي بكر بن العربي.

انهمك الغزالي في البحث والاستقصاء والردّ علي الفرق المخالفه بجانب تدريسه في المدرسه النظاميه، فالّف كتابه "مقاصد الفلاسفه" يبيّن فيه منهج الفلاسفه، ثمّ نقده بكتابه "تهافت الفلاسفه" مهاجماً الفلسفه ومبيّناً تهافت منهجهم، ثمّ تصدّي الغزالي للفكر الباطني (وهم الاسماعيليه) الذي كان منتشراً في وقته والذي اصبح الباطنيون ذوو قوّه سياسيه، حتي انّهم قد اغتالوا الوزير" نظام الملك"، وتُوفي بعده الخليفه "المقتدي بامر الله"، فلما جاء الخليفه " المستظهر بالله"، طلب من الغزالي ان يحارب الباطنيه في افكارهم، فالّف الغزالي في الردّ عليهم كتب "فضائح الباطنيه" و"حجّه الحق" و"قواصم الباطنيه".

وبعد خوض الغزالي في علوم الفلسفه والباطنيه، عَكَف علي قراءه ودراسه علوم الصوفيه، وصحب الشيخ "الفضل بن محمد الفارمذي"، فتاثر الغزالي بذلك ولاحظ علي نفسه بعده عن حقيقه الاخلاص لله وعن العلوم الحقيقيه النافعه في طريق الاخره، وشعر ان تدريسه في النظاميه مليء بحب الشهره والعُجُب والمفاسد، عند ذلك عقد العزم علي الخروج من بغداد.

ثم وصل الي دمشق ومكث فيها قرابه السنتين لا شغل له الا العزله والخلوه، والمجاهده، اشتغالاً بتزكيه النفس، وتهذيب الاخلاق. فكان يعتكف في مسجد دمشق، يصعد مناره المسجد طول النهار، ويغلق علي نفسه الباب، وكان يكثر الجلوس في زاويه الشيخ نصر المقدسي في الجامع الاموي والمعروفه اليوم بـ "الزاويه الغزاليه" نسبهً اليه.

ثم رحل الغزالي بعد ذلك الي القدس واعتكف في المسجد الاقصي وقبه الصخره، ثم ارتحل وزار مدينه الخليل في فلسطين، وما لبث ان سافر الي مكه والمدينه المنوره لاداء فريضه الحج، ثم عاد الي بغداد، بعد ان قضي 11 سنه في رحلته، الّف خلالها اعظم كتبه "إحياء علوم الدين"، وقد استقر امره علي الصوفيه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل