المحتوى الرئيسى

المواجهات المدنية العسكرية.. قراءة في آثار الربيع العربي

12/15 18:07

في مدونه مونكي كيج  Monkey Cage الملحقه بصحيفه الواشنطن بوست، كتب يزيد صايغ الباحث الرئيسي في مركز كارنيغي للشرق الاوسط محللا العلاقات المدنيه - العسكريه في الدول العربيه. يحاول صايغ في مقاله التحليلي قراءه اسباب واثار انهيار السيطره السلطويه والانتقال في نظم الحكم من جهه علاقتها بالقيود السياسيه والقانونيه المفروضه علي الجيش في بلدان الربيع العربيه، حيث يري ان حقوق الانسان العربي ابرز الضحايا. فبحسب ما خلص اليه صايغ فان انهيار السيطره السلطويه والتغير في نظم الحكم قد ادي لضعف القيود السياسيه والقانونيه المفروضه علي الجيش في بلدان الربيع العربي. لمزيد من التفاصيل؛ تابع رؤيه يزيد صايغ تاليا:

العسكريون والمدنيون وازمه الدوله العربيه

اثبتت العلاقه المدنيه - العسكريه مدي اهميتها السياسيه المركزيه بالنسبه الي العديد من الدول العربيه، سواء بالنسبه للدول التي مرّت بفتره انتقاليه في العام 2011 والتي لم تمرّ بها علي حدّ سواء.

وقد ادّت محاولات اعاده صياغه الاطر الدستوريه ووضع ترتيبات سياسيه جديده في ظل ظروف اتّسمت بالالتباس العميق الي تكثيف الانماط الحاليه في العلاقات المدنيه - العسكريه في تلك الدول، الي حدّ تغييرها. وتاتي تلك التحوّلات ايضاً استجابه لازمه الدوله التي تتنامي وتتفاقم منذ امد طويل، واستجابه للاتجاهات الهيكليه للتحوّل الاجتماعي، وللتغيّرات في الشؤون العسكريه العالميه والاجندات الامنيه التي سبقت الربيع العربي.

وقد اضعف انهيار السيطره السلطويه والانتقال في نظم الحكم القيود السياسيه والقانونيه المفروضه علي الجيش في بلدان الربيع العربي. ففي مصر وتونس، اللتان تتميّزان بوجود مؤسّسات دوله قويه نسبياً ومؤسسات عسكريه مهنيه و نظاميه للغايه، مكّن انهيار السيطره السلطويه الجيش من لعب دور سياسي كبير. في المقابل، ادّت الانتفاضتان في ليبيا واليمن الي تعميق الانقسامات القبليه والمناطقيه داخل الجيش وابراز شلله وتفكّكه، وذلك بسبب ضعف الدوله والاختراق المتبادل من جانب القوي الاجتماعيه القويه. وبالتالي فقد تجاوزت نتيجه ذلك، في كل حاله، مستوي التغيرات الجزئيه لتؤذن بالدخول في مرحله جديده نوعياً في العلاقات المدنيه-العسكريه.

تعني العلاقه المدنيه-العسكريه اساساً بالاسئله التي تتمحور حول كيفيه تنظيم واستخدام وسائل العنف التي تسيطر عليها الدوله، وبالطرف الذي قد يستخدم العنف ضدّه بصوره مشروعه. ولهذا السبب، فان طبيعه وشكل التنظيمات العسكريه ترتبط بصوره حميمه بالتركيبه القائمه والتوازنات الداخليه وتوزيع راس المال (المالي و غير المالي) داخل دولها ومجتمعاتها. وبالتالي فقد كان الربيع العربي يمثّل لحظه تفكّك حاسمه في نظم الرقابه السياسيه والاداريه التي ادّت الي ، او مكّنت من، حدوث تحوّلات كبيره في العلاقات المدنيه-العسكريه.

حدث هذا التفكّك في اطار اتجاهات متناميه منذ امد بعيد جداً. وتلاقت السياسات الاقتصاديه الليبراليه الجديده مع اتجاهين اخرين طويلي الاجل يؤثّران علي العلاقات المدنيه-العسكريه في جميع الدول العربيه. اولاً، افضت التغييرات الديموغرافيه الكبري في المجتمعات العربيه علي مدي العقود الاربعه الماضيه الي حدوث عمليه تَمَديُن واسعه ما ادّي الي تغيير طبيعه وحجم التحدّيات الامنيه وفرض شروط جديده علي اجهزه انفاذ القانون في الدوله. ثانياً، تلاقت هذه التغييرات مع الثوره العالميه في الشؤون العسكريه وصعود اجندات مكافحه الارهاب و اصلاح القطاع الامني منذ تسعينيات القرن الماضي. وكانت لهذين الاتجاهين اثار تغييريه علي الجيوش العربية، حيث عدّلت السياق الذي تجري فيه علاقاتها مع السلطات والمجتمعات المدنيه.

ابتداءً من اوائل تسعينيات القرن الماضي، ادّت التحدّيات الناشئه الي زيادات كبيره في الميزانيه والقوي العامله الخاصه بقطاع الامن الداخلي في معظم الدول العربيه، الامر الذي يعكس الاهميه السياسيه المتناميه لهذا القطاع. وفي موازاه ذلك، ادّي الانخفاض النسبي في الحروب بين الدول منذ حرب الخليج العام 1991 واعاده اطلاق عمليه السلام بين العرب واسرائيل الي التشكيك في غرض وفائده القوات المسلحه العربيه. وعلي الرغم من ان معدلات انفاق الدفاع الاجماليه لم تنخفض لدي الدول العربيه كمجموعه، فقد تمت اعاده توجيه الجيوش بصوره متزايده للتركيز علي مهام حمايه النظام وحفظ القانون والنظام الداخلي. غير ان تنظيم وتدريب وتسليح والعقيده القتاليه لهذه الجيوش باتت لا تتناسب مطلقا و مقتضيات التدخّل في المناطق الحضريه الكبيره ذات الكثافه السكانيه العاليه والحواضن الاجتماعيه المتنوٍِّعه، كما بيّن الربيع العربي في وقت لاحق بصوره جليَّه.

نتيجه لذلك، مرّت القوات المسلحه الوطنيه في عده دول العربيه بتغييرات هيكليه، حيث تم اعاده تجهيز وتدريب وحدات مختاره للقيام بدورها الجديد. كما تسارعت وتيره نمو القوات الخاصه، المنفصله بصوره متزايده عن فروع الجيش التقليديه، منذ هجمات ايلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحده وبروز مكافحه الارهاب باعتبارها عنصراً مركزياً محدّداً في العلاقات مع الشركاء الامنيين الغربيين ومقدّمي التكنولوجيا والمساعده العسكريه. ويتزامن ذلك مع توسّع ملحوظ لعَسكَرَه الشرطه و لانشاء او توسيع قوي الدرك (الجندرمه) في كل الدول العربيه تقريباً، ما يعكس تحولّاً في قطاع الامن الداخلي ايضاً، من قوات الشرطه ذات الطراز القديم التي تعاني من نقص التمويل وضعف التدريب، نحو قوات التدخل السريع المتخصصه ووحدات مكافحه الارهاب.

يعمل هذا الاتجاه علي تحويل بعض الجيوش العربيه، ومعظم قطاعات الامن الداخلي، الي هياكل ذات مستويين. فمن ناحيه، تحظي وحدات النخبه، التي تشكّل جزءاً صغيراً من اجمالي القوي العامله العسكريه، بافضل الاسلحه والتدريب والرواتب والوضع المهني. وعلاوه علي ذلك يرتبط هذا بتاثير الثوره العالميه في الشؤون العسكريه الجاريه منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث تمكّن التكنولوجيات الجديده، وتستلزم في نفس الوقت، اعتماد عقائد وتكتيكات قتاليه جديده واشكالاً تنظيميه مرتبطه بها. ومن ناحيه اخري، بقي الجزء الاكبر من افراد الجيش ووحدات الدروع والمدفعيه والمشاه التقليديه علي حالها، و بحوزتها في كثير من الاحيان المعدات والاسلحه الثقيله  المتقادمه او التي سحبت كلياً من الخدمه و وُضِعَت في المخازن، بموازاه تقليص ميزانيات الاقتناء.

يتمثّل الاثر التراكمي لكل ذلك في تغيير كيفيه ارتباط الجيش باهل السلطه والمجتمع. فوحدات المستوي الاول هي اقرب بالضروره الي نظم الحكم التي تساعد علي الحفاظ عليها، وبالتالي غالباً ما تتشارك بوجهه النظر الطائفيه او الاقليميه/الجهويه او القبائليه/العشائريه نفسها وتنظر الي الجماعات  الاخري داخل مجتمعاتها علي انها تشكِّل تهديدا امنياً. اما بالنسبه الي المستوي الادني الاكبر حجماً بكثير، فان الوظيفه العسكريه توفر نظام رعايه  في خضمّ التخفيضات الحادّه في الخدمات الاجتماعيه و تراجع خلق فرص العمل المموّله من الدوله واتّساع التفاوت في الدّخل، و كل ذلك رافق "تراجع" الدوله منذ تسعينيات القرن الماضي.

ومن المفارقات ان اجنده اصلاح القطاع الامني التي يروّج لها الشركاء الغربيون تزيد الامور تعقيداً: فالدافع الي حلّ او اعاده هيكله وحدات حمايه النظام التي هي معاقل للحكم السلطوي او مدانه بارتكاب انتهاكات طائفيه و غيرها، يحرم الجيوش التي تواجه تهديدات امنيه جديده ومعقّده من اصولها الاكثر فّعاليه، في حين تزيد السياسات الليبراليه الجديده وتقلّص الايرادات العامه من صعوبه الابقاء علي نظم الرعايه العسكريه القائمه بالنسبه للغالبيه في وقت يزداد فيه التازّم والاستقطاب الاجتماعي عمقاً.

وبينما تتلاقي اتجاهات التغيّر الديموغرافي بدرجه كبيره مع تطور الاجندات الامنيه في السنوات المقبله، في مشهد اقتصاد سياسي يتّسم بسياسات ليبراليه جديده مشوَّهه تزيد من تركيز الثروه وتوسّع الفجوه بين الاغنياء والفقراء، فان التحولات التنظيميه والعقائديه التي تمت مناقشتها انفاً ستؤدّي الي تازيم الاصطفافات السياسيه والتحالفات الاجتماعيه التي دعمت العلاقات المدنيه-العسكريه السابقه، ما يفتح الطريق امام انواع جديده من العلاقات.

من بين الدول الاعضاء في جامعة الدول العربية لا تزال الجزائر ولبنان والعراق والسلطه الفلسطينيه والصومال والسودان تعيش في مرحله او اخري من الانتقال من النزاعات المسلحه، بينما لا تزال موريتانيا تعيش تبعات الانقلاب العسكري الذي وقع فيها العام 2008. فقد تغيّرت العلاقه بين الجهات العسكريه والمدنيه الفاعله في هذه البلدان، في ظل تاكل الاطر الدستوريه و"قواعد اللعبه" المتفق عليها لتسيير امور السياسه، وتفريغ الدوله بدرجات متفاوته، والتراجع الحادّ في العقد الاجتماعي. 

شجّعت المعضله الامنيه التي ترتّبت علي ذلك الوضع علي ظهور الميليشيات  القائمه علي الطائفه او العرق او القبيله او المنطقه. وقد اتّبعت بعض الجماعات المسلحه غير الحكوميه اشكالاً بديله لبناء الدوله، بحيث يقدّم حزب الله اللبناني والدوله الاسلاميه في العراق والشام نموذجين متناقضين تماماً لذلك. وظهرت في العراق ايضاً، كما هو الحال في سوريه وليبيا والسودان واليمن، اشكال هجينه من"الامن المحلي" عندما "اوكلت" الحكومات قضايا الدفاع الوطني وحمايه النظام لمجموعه متنوّعه من الميليشيات الطائفيه، ما ادّي الي تقويض الدوله المركزيه وقواتها المسلحه.

تتّضح نتائج ذلك بصوره تفصيليه في العراق وسوريه، حيث كانت عمليه اعاده بناء الجيوش المحطمه ومناقشه العلاقه المدنيه-العسكريه جزءاً لا يتجزا من اعاده بناء الدوله ومناقشه علاقتها مع المجتمع ككل في البلد الاول منذ العام 2003، او ما ستكون عليه تلك العلاقه حتماً في الثاني. هذا الامر يجعل اعاده تشكيل جيش وطني موحّد رهينه صراعات اساسيه بين القوي السياسيه والاجتماعيه المختلفه في كلا البلدين، كما هو الحال في بلدان اخري مثل ليبيا واليمن منذ العام 2011. فقد قوبلت المحاولات التي قام بها قاده الدوله الجديده لاستخدام القوات المسلحه كقاعده للدعم السياسي في العراق واليمن، علي سبيل المثال، بتحركات مضادّه من خصومها السياسيين لحشد وسائل العنف داخل قواعدهم الاجتماعيه، ما زاد من تفتيت السياسه الوطنيه وعمّق انعدام الامن.

في ليبيا، تم تشكيل الجيش من خلال اتجاهين رئيسين في السنوات العشرين التي سبقت انتفاضه العام 2011: التجنيد المكثّف لابناء القبائل والمناطق المواليه لزعيم البلاد العقيد معمر القذافي، وتهميش الجيش بعد فشله في الحروب الحدوديه مع تشاد التي خاضها في ثمانينيات القرن الماضي وظهور الاسلاميين في صفوفه في اوائل التسعينيات. ولذا فقد انشطر الجيش وفقاً لهذه الانقسامات ولم يعد موجوداً بالفعل كقوه عملياتيه واحده في العام 2011، حيث تحمّلت الميليشيات الثوريه المتطوّعه وقوات حمايه النظام، وخاصه "الكتائب الامنيه" التابعه للقذافي، العبء الاكبر من القتال. 

منذ اطاحه القذافي، عرقلت الديناميات القبليه والاقليميه والمؤسّسيه نفسها الجهود التي بذلتها الحكومه الانتقاليه لاعاده تاسيس جيش وطني. بدلاً من ذلك، يتم توزيع السلطه القسريه مره اخري بين الهياكل العسكريه والامنيه الموازيه القائمه علي ائتلافات الميليشيات الثوريه المختلفه من جانب، والوحدات المتبقيه من الجيش النظامي التي تعتبر علي نطاق واسع ملجاً للموالين للنظام القديم. ولا تزال هشاشه الدوله الليبيه تنعكس في الجيش الرسمي، والعكس بالعكس، ما يشير الي نتيجه تتضمن شكلاً جديداً من القوات المسلحه الهجينه داخل دوله هجينه علي حد سواء، حيث يؤول مركز السلطه في اطار العلاقه المدنيه-العسكريه من المستوي الوطني الي المستوي الطائفي او الاقليمي.

اظهر الجيش اليمني نمطاً مشابهاً الي حدّ كبير في تحديد تعيينات التجنيد والقياده علي اساس الانتماءات المناطقيه والقبليه. غير انه اختلف ايضاً من ناحيه مهمه. فقد سمح الرئيس علي عبد الله صالح، حتي رحيله من منصبه في العام 2012، لشركائه ضمن ثلاثي النخبه الذي كان يشكّل الحلف الحاكم في اليمن بالاحتفاظ باقطاعيات منفصله داخل الجيش. وعكس شلل الحلف الحاكم في اثناء انتفاضه العام 2011 انهيار هذه الشراكه، حيث انحاز اعضاؤه الي اطراف متناقضه.

وقد تم استنساخ الديناميه المختلّه نفسها عندما تنافس لاعبو النخبه الرئيسيون انفسهم، اضافه الي خليفه صالح ومنافسه الان، الرئيس المؤقت منصور هادي، علي الاحتفاظ بنفوذهم في سياق عمليه اعاده هيكله الجيش التي بدات في العام 2013. وكانت النتيجه انهيار الجيش باعتباره هيكل موّحد للقياده في وجه لاعب جديد تماماً، المتمردين الحوثيين، الذين استولوا علي العاصمه والكثير من انحاء البلاد صيف العام 2014. و في قلبهم  لهيكل السلطه في اليمن راساً علي عقب، و من خلال الوصول الي صيغه للتعايش مع قاده الجيش المستقلين في بعض مناطق البلاد، وضع الحوثيون العلاقه المدنيه-العسكريه علي مسار جديد.

بسبب مركزيه العنف في جميع هذه الحالات، سوف تزداد اهميه التنظيمات العسكريه بكل انواعها، ان لم تصبح اساسيه، باعتبارها جهات فاعله، سواء بالنسبه للدول الوطنيه او للجماعات المجتمعيه التي تزداد استقلاليه وعسكره. وهذا يبشّر بعكس النمط الذي تاسّس في عهد الزعماء السلطويين مثل صدام حسين وحسني مبارك وحافظ وبشار الاسد وسواهم، الذين اكدوا هيمنتهم علي القوات المسلحه باعتبارهم رؤساء مدنيين، او تحولوا من عسكريين الي مدنيين، الامر الذي ادّي الي تهميش المؤسسه العسكريه  سياسياً. وبدورها، قد تنتعش الصراعات الفئويه في صفوف المُؤَسَّسه العسكريه من جديد، عندما تصبح مره اخري طرفاً سياسياً فاعلاً ومركزياً، سواء علي مستوي الدول الوحدويه او علي مستوي الجماعات مّا دون الدوله التي تدير شؤونها باستقلاليه نسبيه، ما قد يؤدّي بدوره الي عوده نمط اقتتال الاخوه التي سادت في داخل العديد من الجيوش العربيه في خمسينيات القرن الماضي و حتي اواخر سبعينياته.

في الدول العربيه ذات المجتمعات المنقسمه بصوره اقلّ وضوحاً تعمل الاتجاهات والديناميات الاجتماعيه الاخري علي تغيير نمط العلاقات المدنيه-العسكريه. في مصر والجزائر، ويمكن القول في المغرب ايضاً، شهدت الجيوش الوطنيه التي انتقلت منذ عقود من "مرحله الانقلابات الدائمه الي التاثير واثراء الذات"، انضمام ضباطها الي صفوف الطبقه الوسطي "الجديده" في بلدانهم. وهذا يمثّل النقيض التام لحقبه خمسينيات وستينيات القرن الماضي التي استغل فيها الضباط ذوي الرتب الادني، القادمين من الطبقات الاجتماعيه الاخذه بالصعود، سيطرتهم علي اجهزه الدوله لاحداث تغييرات جذريه في توزيع الثروه الاقتصاديه والسلطه الاجتماعيه. وبدلاً من ذلك تتشبّث معظم الجيوش العربيه اليوم بالوضع القائم الذي يدعم سياسات الليبراليه الجديده في مجالي الاقتصاد والرعايه الاجتماعيه، التي قد تتعايش بصوره مريحه مع تيار الاسلام السياسي بوصفه ايديولوجيه اجتماعيه محافظه، وهم علي استعداد للدفاع عن ذلك الوضع القائم لخدمه مصلحتهم الذاتيه.

اكدت القوات المسلحه المصريه، التي طالما اعتبر البعض انها تحكم مصر بصوره فعليه، هيمنتها الرسميه علي الدوله المصريه منذ شباط/فبراير 2011، عندما نقل الرئيس المنصرف حسني مبارك صلاحياته لها. كان المجلس  الاعلي للقوات المسلحه متردّداً في ان يحكم، ولكنه بالمقابل لم يكن راغباً في تمكين الحكومه المدنيه الانتقاليه التي عيّنها، واثبت عجزه بصوره فاضحه في تعامله مع العمليه السياسيه والانتعاش الاقتصادي واصلاح جهاز الدوله. وبعد ان فقد ماواه المحمي و البعيد عن السياسيه نسبياً في ظل مبارك، سعي المجلس العسكري الي اعاده انتاج استقلاله القانوني والمؤسّسي عن الرقابه المدنيه عبر اضفاء طابع رسمي عليه من خلال اصدار سلسله من التعديلات والبنود الدستوريه بين عامي 2011-2014.

ادّت اطاحه الرئيس محمد مرسي يوم 3 تموز/يوليو 2013، وهو اول رئيس مدني يتقلّد هذا المنصب منذ تاسيس الجمهوريه في العام 1952، الي استكمال هيمنه الجيش علي الدوله المصريه. ومنذ ذلك الحين، انتقلت "جمهوريه الضباط"، التي تطوّرت في عهد مبارك واستوطنت اجزاء كبيره من الادارات المدنيه في الدوله والحكم المحلي والمخابرات العامه وقوات الامن المركزي والشركات التجاريه المملوكه للدوله، الي الواجهه وتوسعت اكثر. وقد عيّن السيسي كبار الضباط في وظائف اضافيه، مثل منصب امين عام البرلمان، ومنح صلاحيات جديده شامله للقوات المسلحه في مجال الامن الداخلي وانفاذ القانون. وفي ظل غياب برلمان منتخب ومجلس شيوخ، وبعد غياب التوازن النسبي للسلطات في نظام مبارك و حلّ اكبر حزبين سياسيين في البلاد، الاخوان المسلمون والحزب والوطني الديمقراطي، تتّجه مصر الي دكتاتوريه عسكريه واضحه.

شكّلت تونس حاله منفصله بين بلدان الربيع العربي علي صعيد الاستقرار والتقدم النسبي في عمليه انتقالها الديمقراطي، ولكنها مرّت ايضاً بتحوّل ٍ في علاقاتها المدنيه-العسكريه منذ ان ساعد الجيش في الاطاحه بالرئيس زين العابدين بن علي. وقد تحاشي الجيش القيام بدور سياسي صريح بعد اطاحه بن علي، وعمل بدل ذلك علي نقل السلطه الي هيئات مدنيه مؤقّته تولّت المسؤوليه الكامله عن اداره العمليه الانتقاليه. وعزا كبار الضباط حياد الجيش الي العقيده الجمهوريه القويه التي تقضي بالخضوع الي السلطات المدنيه الشرعيه. لكنهم توقّعوا ايضاً ان يكون لهم راي اكبر، وان كان استشارياً، في سياسات الحكومه في المجالات التي يمكن القول انها قد تؤثّر علي الامن القومي، مثل التجاره الخارجيه والتعليم. وفي ظل وجود تيار اسلامي في صفوف الجيش، فانه لن يبقي بمناي عن الصراعات السياسيه والايديولوجيه الجاريه في المجتمع. فقد انتهت حقبه تهميشه وعزله التي استمرت لعقود طويله. 

اكتسب الجيش التونسي بالفعل اهميه مع اقتراب التهديدات الجديده. فقد ادّت مواجهه التدفّقات غير المشروعه للاجئين والاسلحه من ليبيا والتمرّد الجهادي علي الحدود مع الجزائر الي حدوث تقارب غير مالوف مع وزاره الداخليه، والتي لعبت الدور الرئيس في مراقبه الجيش قبل العام 2011. ويتزامن ذلك مع تحوّل كبير في المشهد السياسي في تونس: اذ تفوّق حزب نداء تونس علي حزب النهضه الاسلامي في الانتخابات العامه التي جرت في تشرين الاول/اكتوبر 2014، و يمثّل نداء تونس ائتلافاً فضفاضاً يضم القوي السياسيه العلمانيه واليساريه المختلفه والشخصيات المرتبطه بعهد بن علي. وخسر مرشح النهضه المفضل للرئاسه امام رئيس حزب نداء تونس، والموالي السابق لبن علي، الباجي قائد السبسي. ولا يزال من المستبعد ان يضطلع الجيش بدور سياسي علني، ولكنه قد يصبح عنصر توازن بين المعسكرين المتنافسين، الجمهوري-العلماني والاسلامي، علي غرار ما يقوم به الجيش في لبنان.

وعلي العكس من ذلك، لعب سلك الضباط في الاردن، والذي يتعرّض للضغط باستمرار بسبب تعميق السياسات الليبراليه الجديده، دوراً رئيساً في تشكيل المطالب الاجتماعيه والاقتصاديه والسياسيه لحركه الاحتجاج الشعبيه التي طالبت النظام الملكي باجراء اصلاحات حقيقيه في 2010-2013. في نهايه المطاف تم احتواء التحدّي، ويرجع ذلك جزئياً الي حقيقه ان الضباط سعوا الي تعديل الامتيازات اكثر من سعيهم الي احداث تغيير جوهري في العقد الاجتماعي او الاقتصاد السياسي. غير ان ذلك التحدّي اظهر امكانيه حدوث نشاط سياسي في الجيش و نشوب تصدّع حرج ضمن نظام حكم راسخ ومستقر للغايه. في المقابل، كشف فشل التحول الديمقراطي في مصر، او في الجزائر قبل عقدين، ان الشروط الاجتماعيه اللازمه لدعم تحوّل العلاقات المدنيه-العسكريه، مثل صعود برجوازيه قويه "جديده" مستقله عن الدوله ضمن بيئه ليبراليه جديده في تركيا في العام 2002، ليست متوفره حتي الان في معظم الدول العربيه.

التحدّي الذي تواجهه الدوله العربيه كبير ويتنامي باستمرار، حتي في الاماكن التي لا تعاني فيها الدوله من ازمه مباشره او واضحه: الشعوب العربية اليوم هي تقريباً ثلاثه اضعاف حجمها في الفتره بين 1950 و1970 واكثر من ضعف ما كانت عليه في عامي 1973 و1974 في بدايه التوسّع الهائل المموَّل من النفط في القطاع الحكومي، بما في ذلك القوات المسلحه، حيث اصبحت كل جوانب المجتمع والادارات والاقتصاد اكثر تنوّعاً وتعقيداً. وقد اصبحت العلاقات المدنيه-العسكريه التي كانت قابله للبقاء في السابق اقل استدامه، في حين يشير الاتجاه نحو بناء جيوش "جديده" متخصّصه في تقنيات ضبط السكان والسيطره عليهم الي تشعّب داخل الجيش يتوافق مع تشعّبات متعدّده داخل المجتمعات.

والمهم بالامر ان هذه الاتجاهات تميل للعمل ضد عمليه الانتقال السلمي او الديمقراطي، وليس لصالحها، ما يجعل احراز تقدم نحو السيطره المدنيه الديمقراطيه علي القوات المسلحه مساله اكثر صعوبه وبطيئه للغايه. وفي حال كان الدور السياسي للجيش بالتعاون مع الانظمه السلطويه والنخب الاجتماعيه والاقتصاديه القويه علنياً ام لا، فانه لن يستمدّ شرعيته او عدمها لدي الجمهور من مفاهيم سياده القانون والتبعيه للسلطه المدنيه ودعم بناء الديمقراطيه، بل من الاعتقاد السائد بين القطاعات المجتمعيه الهامه ان الجيش يحميها من القطاعات المنافسه التي يَرَوْن انها تروّج لنظام اجتماعي بديل تعتبره تهديداً جوهرياً اها. ولعل هذا هو الدرس الماساوي المستوحي من مصر والبحرين وسوريه منذ العام 2011، ومع ذلك فان الانتقال التدريجي نحو علاقه اكثر توازناً بين المدنيين والعسكريين في تونس، وحتي الصياغات المختلطه والمضطربه للعلاقه المدنيه-العسكريه في اليمن وليبيا، يشير الي مسارات اخري محتمله.

يمكن قراءه نص التحليل باللغه الانجليزيه من هنا.

واشنطن بوست: احداث مصر.. محاكاه مزعجه للتاريخ الايراني

الاعلام بين مصر وتونس.. قراءه بعين المسؤوليه

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل