جماليات الجسد العاري..فن أم إباحية؟

يتوقف الكثير من رواد المتاحف امام النماذج العاريه ليلقوا نكاتا ساخره او الخجل لمجرد النظر، وفي خيالاتهم تصورات واساطير جنسيه عن مجموعه من البشر يعيشون حياتهم بلا ملابس وهم غارقين في اللذه والمتعه بلا حساب، دون فهم حقيقه ومعني الفن العاري كاحد انواع الفنون الجميلة المعبره عن العالم المثالي والجسد المتجرد من الشهوه.

يعدّ الفن العاري من اقدم الفنون، وتشير التواريخ بان العري بدا من حضارات الشرق الأقصى ليصل ذروته من خلال الفن الغربي خاصه في الفتره الهلينستيه اي قبل الميلاد، واستخدم مثل هذا الفن للتعبير عن المثل العليا وابراز جمال الصفات البشريه، وانتشر بشكل خاص في الفن اليوناني القديم، وبعد فتره توقف طويله عاد للظهور مره اخري في عصر الرينيسانس "النهضه" في اوروبا.

الفن العاري وصف اجساد المحاربين والرياضيين والراقصين، وهو للتعبير عن مشاعر اساسيه تعبر عن طاقه الانسان وجماليات الخلق والابداع.

تم العثور علي تماثيل فينوس في وقت مبكر قبل التاريخ، وهناك صور تمثل الهه الخصوبه والالهات في الحضاره البابليه والفن المصري القديم وفي حضارات الهند واليابان.

اغاثه بورني، من الحضاره البابليه، حوالي عام 1800 قبل الميلاد

المنحوتات واللوحات التي عثر عليها مازالت موجوده في بعض المعابد والكهوف الهنديه، بعضها صريح جدا، وهي جزء من التقاليد الهندوسيه التي تقدس قيمه الحياه الجنسيه، وكما هو الحال في العديد من المناطق ذات المناخ الدافئ كان العري الجزئي او الكامل شائعا في الحياه اليوميه.

وكانت شعوب اليابان تمارس الاستحمام المختلط الذي كان قائما حتي وقت قريب في الفن اليوناني، كان المحارب الميّت عاده يُصوّر وهو عار، ربما للاشاره الي ضعف جسد الانسان.

العمّال ايضا كانوا يُصورون في الاعمال الفنّيه اليونانيه وهم عراه، وذلك لابراز عضلاتهم والتاكيد علي الجهد الذي يبذلونه اثناء اداء انشطتهم البدنيه.

والالهه والالهات كانوا ايضا يُرسمون وهم عراه من اجل اثبات الوهيّتهم، ومن المثير للاهتمام ان نلاحظ ان عُري المراه في الفن اليوناني لم يكن مسموحا به حتي القرن الثامن قبل الميلاد.

خلق ادم مايكل انجلو 1512

الجسد الانساني العاري ظل موضوعا مفضلا للفنانين بسبب جماله ومعناه، وقد ادي ظهور المسيحيه الي احداث طفره في تطور الفن العاري، فبعض الاعمال الفنيه التي ظهرت في العصور الوسطي وعصر النهضة تصور صدر مريم العذراء عاريا وهي ترضع طفلها، وثمه احتمال بان هذا الامر اصبح مسموحا بسبب قداسه الموضوع.

كما ظهرت صور لادم وحواء عاريين كترجمه حرفيه لقصه سقوطهما من علياء جنات عدن، وفي كثير من الاحيان، كان المسيح يرسم عاريا علي الصليب، لاظهار معاناه الانسان الجسديه.

في عصر النهضه، تبني فكره العُري فنانون مثل مايكل انجلو، كبادره تكريم للاعمال الفنيه والتصويريه العظيمه من عصور الاغريق والرومان.

مايكل انجلو في رسوماته بسقف كنيسه سيستين اخذ العُري الي افاق جديده، عندما صوّر العضلات والحركات الملتويه بشكل مبالغ فيه، حتي الملائكه صوّرها انجيلو في الكثير من الاحيان اما عاريه او شبه عاريه.

الفرق بين عري الفن والعري الاباحي

بالا كريشنا - المتحف الوطني، نيودلهي

في دراسه نشرت لاول مره في سنه 1956 ميز اللورد كينيث كلارك بين العري في الفن والعري الحقيقي، كلارك قال ان تكون عاريا هو ان تحرم من الملابس وينطوي تحت هذا التعري الشعور بالاحراج والخجل، في حين ان العري في العمل الفني مختلف ولا توجد في الفنون مثل تلك الدلالات وهذا الفصل بين معاني العري في القضايا الاجتماعيه والثقافيه لم تتم دراسته بالشكل الكاف بين مؤرخي الفن الكلاسيكي.

في العصر الحديث لا توجد حدود فاصله بين عري الانسان الحقيقي والعري في الفن، بدا هذا الخلط لاول مره مع صدمه لوحه ماجا العاريه التي رسمها فرانسيسكو دي جويا في نهايه القرن الثامن عشر.

صدم جويا الجمهور بلوحته العاريه لان العري فيها لم يكن شبيها لتصوير عري الالهه والحوريات والملائكه المجنحه في العصور الوسطي، بل هو اظهر عريا اكثر واقعيه ورسم (الموديل) بتفاصيل بشريه عاديه مثل ابرازه لشعر العانه في اللوحه.

الغريزه الجنسيه في العمل الفني

كينيث كلارك قال ايضا ان الجنس بمعناه الشهواني لا ينبغي ان يكون موضوع الفن العاري، قائلا "الفن المجرد" وليس "عاري" لاثاره الشهوه الجنسيه، مضيفا انه اذا اثار نموذج عارٍ الشهوه الجنسيه بداخلنا يصبح عملا كاذبا ومزيفا.

وعلي الرغم من ان بعض المجسمات والمنحوتات في معابد الهند التي شيدت في القرن العاشر الميلادي كانت تصور ممارسات جنسيه صريحه فان بعض اللوحات التي صورت علاقات جنسيه او عكست مشاهد مثيره جنسيا لم تعد معده للعرض في متاحف اوربا في العصر الحديث.

قبل عصر التحليل النفسي الفرويدي ظهر الاطفال عراه في الاعمال الفنيه الكلاسيكيه، وكان يفترض ان الاطفال ليست لديهم مشاعر جنسيه قبل سن البلوغ، لذلك تم عرض اطفال عراه كرموز البراءه النقيه وظهر الاطفال العراه في لوحات جون سينجر سارجنت، جورج بيلوز، وغيرها.

تجاهلت الدراسات الاكاديميه في الفنون تمثيل الرجال في الاعمال الفنيه وهم عراه، وكان التركيز بشكل اساسي علي الاناث بالرغم من ان ظهور الذكور في الفن الكلاسيكي وهم عراه مثل جانبا مهما واكثر عمقا للشهداء والمحاربين والالهه.

وفي الفتره الهلينستيه من التاريخ جسدت نساء عاريات بالحجم الحقيقي في فنون فتره ما قبل الميلاد خاصه الهه الحب والجمال مثل افروديت وفينوس وكان جسد الانثي يعكس جماليات خاصه بعيدا عن الجنس، تفاصيل الجسد لم تكن شهوانيه.

وفي العصور الوسطي في القرن الخامس عشر ظهرت الانثي من جديد في اعمال ايطاليه الهمت العديد من الفنانين بعد ذلك لعده قرون.

في القرن التاسع عشر كانت حركات الاستشراق في اوجها عكست الثقافات الشرقيه علي الفنون الاوربيه واصبح العري في الفن مرادفا للجواري والعبيد والحريم في قصور سلاطين الشرق، وعكس هذا فان الملكات وذوات الشان لم يتم تصويرهن عاريات.

لم يعد الفنانون يرغبون في تقليد فنون الماضي العاريه، ربما تتحكم في تلك الرغبه امور فلسفيه، فقديما كانت النظره للجسد لا تنفصل عن المضمون الجمالي والروح ولذلك تجد ان العري فد اقترن بدلالات دينيه، كتصوير ملائكه والهه.