المحتوى الرئيسى

«مملكة العطارين».. حراس الحكايات المنسية فى قلب الأزهر :: بوابة الشروق :: نسخة الموبايل

12/09 22:28

• ركود اقتصادي يضاعف عزله بائعي «الحمزاوي الصغير»

• بائعون: العطاره كانت علما للحكمه والطب والان افسدها الدجالون وشيوخ الفضائيات

ربما تضل الطريق وانت في وجهتك الي هذا العنوان.. يدلك احدهم علي حاره ما يسكنها اهل «العطاره» قبل عشرات السنين، حتي تكاد تتعثر في «الاشوله» المتراصه والممتلئه التي تفيض عن مساحات «الدكاكين» البالغه الصغر والعراقه.

تتعثر في دهاليز شارع الأزهر، بحثا عن شارع العطارين القديم، تتتبع العلامات التي يحدثك بها اهل الحي الكرام، حتي تقودك انفك لما لا يدعو مجالا للشك انك اصبحت ضيفا علي اهل العطاره وحارتهم التي تحمل اسم «شمس الدين الدولة» او «الحمزاوي الصغير»، التي تمتد من الازهر وحتي شارع المعز.

بما ان انطباعات الضيف الاولي تختلف عن انطباعات صاحب البيت بطبيعه الحال، فابشر بسلسله لا تتوقف من «العطسات» التي غالبا ما سيتبعها ترحمات وتشميتات اصحاب الدكاكين، وتسريه من بعضهم «العطس بيجري الدوره الدمويه، ويجلي الصدر» يقول الحاج سامي الديري احد اصحاب دكاكين العطاره القديمه.

سامي الديري كغيره من غالبيه الباعه في «الحمزاوي الصغير»، ورث عن اجداده مهنه العطاره، وبطبيعه الحال المحل القديم الذي يجلس في واجهته ويحفظ عن ظهر قلب وجوه اصحاب المحلات المجاوره، الذين لازموه طفولته في ذات الحاره العتيقه.

يجلس علي كرسيه الخشبي «الاثري»، ويشير لنا علي صنوف غير مالوفه بالنسبه لمن لم يحترفوا العطاره، مثل العفص والقسط الهندي، يحدثك عن فوائدها للشعر ولكثير من الامراض الجلديه، وهو حديث يحفظه عن ظهر قلب كمرجع طبي قديم، يشير لك بعدها الي تاثر مهنتهم كثيرا بظروف التصدير التي ساءت قبل 3 سنوات وما تبعها من ارتفاع اسعار كثير من التوابل المستورده، وضغط الموردين عليهم باعتبار انهم الوسطاء الرئيسيين في حلقه المستورد والمورد وشركات التعبئه «الفلفل الاسود علي راس التوابل التي تستوردها مصر منذ سنوات، وقد وصل سعر الكيلو الان كما نبيعه بالجمله الي 80 جنيها، وفي المقابل تبيعه شركات التجزئه بـ120 جنيها حسب ظروف النقل، ما رفع سعر هذا التابل شديد الاهميه لكل بيت مصري».

الحديث عن «الفلفل الاسود» امتد تقريبا علي مدي جولتنا بحاره العطارين، حتي انه علي حد تعبير احمد حسن المصيلحي، فان «الفلفل الاسود تحديدا له بورصه عالميه مثل سوق الذهب»، لاحتكار اربع دول علي مستوي العالم زراعته وتصديره، وهي البرازيل وسيريلانكا وفيتنام والهند، وهي الدول التي تؤثر المنافسه فيما بينها وكذلك الفرق بين ضعف الانتاج وفيضانه علي السعر العالمي لهذا المنتج الحيوي «اضف الي السعر العالمي سعر الدولار والسوق السوداء وكذا مصاريف النقل والاستيراد، وهي جميعا رفعت سعر الفلفل الاسود رغم انه بالنسبه للمواطن نوع من التوابل غير الكماليه.

احمد حسن شاب، لم يجاوز الثلاثين عاما، يختلف قليلا بحكم سنه وجيله عن اصحاب العطاره المجاوره له، اشار لنا لزياره صفحه old things علي «الفيس بوك» يقول «الصفحه بها الكثير من ملامح الازهر القديم».

احمد هو الوريث الاحدث لمهنه الجد الاكبر «المصيلحي» الذي قطن تلك الحاره لبيع العطاره والبخور قبل عشرات السنين، المحل تبدو عليه ملامح الحداثه اكثر من المحلات المجاوره له، والسبب في ذلك هو حريق ضخم شب في ارجاء المحل القديم فتسبب في عطبه بالكامل، واعاده بنائه من جديد.

داخل عطاره «المصيلحي» يشتبك معك في الحديث عدد من العاملين ورواد المحل المهتمين بشان العطاره بشكل عام، حديث يحاول القاء الظل علي ابرز اسباب ما وصفوه بـ«ضرب سوق العطاره» علي راسها البرامج الفضائيه التي روجت لـ«نجوم العلاج بالاعشاب الطبيعيه»، هؤلاء غالبا ما يقومون بالترويج لمنتجاتهم الخاصه التي تحمل اسماءهم باسعار باهظه، وهو الامر الذي احيانا تتعقبه بلاغات النيابه باعتبارها من وسائل النصب علي الجمهور، «بعضهم يلجا لوصفات من كتب عطاره قديمه، ويبيعوا تلك الوصفات للناس بدافع راسمالي بحت، وحققوا من ذلك الملايين»، يقول احد القائمين علي العطاره، ويذكر منها كتب «الرحمه في الطب والحكمه» و«تذكره داوود».

لا يقتصر الامر علي وصفات العلاج التي يبثها «صيادله» الفضائيات، ولكن العطاره لا تزال حتي اليوم، لاسيما في المناطق الشعبيه، مرتبطه بكثير من وصفات الدجالين والمشعوذين، علي حد تعبير عم سعيد، بائع بالعطاره، «ما زال ياتي لنا البعض بورقه مدون عليها اسم بخور او عشب مجهول، ويبحث عنه في كل دكاكين العطاره بغرض احضاره للشيخ المشعوذ، الذي يستغل جهله ويقنعه هو باحضار هذا النوع بثمن باهظ، وغالبا ما يكون هؤلاء اسري لتنويم الشيخ الدجال، وغالبا ما يكونوا كذلك ممن فقدوا الامل في الانجاب او لاقتناعهم باصابتهم بسحر ما افسد العلاقه بينهم وبين زوجاتهم» ويتابع: «العطاره كانت علما للحكمه والطب، والان افسدها الدجالين وشيوخ الفضائيات».

داخل احد الدكاكين القديمه التقينا الحاج محمود متولي، صاحب العطاره وعضو جماعه العشابين، تلك الجماعه التي تاسست قبل اكثر من 30 عاما لرعايه المهنه والعاملين بها في الاساس، وتضم في عضويتها عددا من كبار العطارين.

«لم نعد نجتمع منذ اكثر من 3 سنوات» يقول متولي، مرجعا المساله للظروف العامه التي احاطت بالبلاد منذ ثوره يناير، ويتذكر في الوقت نفسه اخر اجتماعات الجمعيه التي فجرت ما وصفها بكارثه اقتلاع شجر السنط في الوادي الجديد بسبب طرحها لعشب «القرض» المستخدم لدي العطارين للعلاج، وكذلك في دباغه الجلود، بسبب نمو نوع من الحشرات داخل «القرض» كان يهاجم نمو البلح الذي تشتهر به المحافظه.

يتابع متولي انهم خاطبوا وزاره الزراعه لوقف التعرض لعشب «القرض» واقتلاع شجر السنط، واستخدام نوع خاص من المبيدات لهذا النوع من الحشرات.

ما زال الحاج متولي يستعين بالميزان النحاسي التقليدي، الذي ورثه عن جده الاكبر، ويستدعي في دكانه الصغير احيانا ذكريات طفولته، التي قضاها بالكامل في تلك الحاره في مساعده والده العطار.

يمر عليه احد الزبائن ليسال بالمصادفه عن «قرض ناعم»، فيبتسم لاننا كنا لا نزال نذكره في ازمه الوادي الجديد، وتابع: «القرض الناعم يستخدم مع حنه الشعر»، وصفه يحفظها جيدا كما يحفظ الكثير عن ظهر قلب، ويامل ان تعاود الجمعيه نشاطها، ويرجح ان تكون اول الاجتماعات المقبله مخصصه لمناقشه ضعف جوده الاعشاب المستورده مقارنه بتلك المصدره لباقي دول العالم، مشيرا الي سوء جوده الفلفل الاسود، الذي يتم تصديره لمصر، مطالبا بالتحقيق في دور المستوردين الكبار في هذا الامر، لاسيما وان سعره مرتفع نسبيا.

يزعج الحاج متولي كثيرا «زحام المرور في شارع الازهر» الذي علي حد تعبيره اثر كثيرا علي توافد ودخول الناس للتبضع من حارتهم بعكس ايام زمان، ويعتبر كذلك ان انتشار العطارين في «الاطراف» اثر علي حركه البيع لديهم وضاعف من ركود بضاعتهم، ويقصد بالاطراف هنا من هم خارج حاره العطارين سواء في منطقه الازهر او سوق الساحل الذي علي حد تعبيره يتيح فرصه اكبر لسيارات النقل ان تقوم بتحميل بضاعتها من العطاره بصوره ايسر غير متاحه في حارتهم بسبب ضيقها وزحامها.

تحتار وانت في طريق سيرك في ما تبقي من معمار عثماني لم يطمسه غبار التوابل المتصاعده من «الاشوله» المصنوعه من قماش الكتان السميك، يشير لك احد اصحاب المقاهي الزهيده المتخصصه في خدمه بائعي وعاملي الحاره للجدار المجاور له ده حجر جرانيت، ومكان هذا الباب كانت هناك فسحه كبيره تتبادل فيها ربات البيوت الطعام، يقول عم محمد حسن الشهير بـ«البربري» الذي يفخر بان مقهاه المتواضع يعود الي عام 1890، وان المنطقه التي عاش عمره بها وقد جاوز الستين لا تزال تحمل عبق الدوله العثمانيه، ويتابع: «اللي يعيش يا ما يشوف.. واللي يمشي يشوف اكتر»، ولا ينسي ان يدعوك لتناول الشاي عنده في طريق عودتك بعد زيارتك لوكاله ابوزيد التي تحمل الكثير من تاريخ الفتح العربي، الذي ازدهرت بسببه تجاره التوابل.

محمد متولي، شاب اخر يقف خلف طاوله خشبيه كبيره يعلوها «قراطيس» السحلب المطحون ويجاورها «براميل» العطاره الفاخره، يحدثك بثقه عن «مهنه» اجداداه التي قرر العمل بها، رغم حصوله علي «بكالوريوس السياحه والفنادق» لتضرره الشديد من اصابه السياحه بسبب الاحداث السياسيه المتلاحقه منذ الثوره «كنت اعمل في شركه سياحه، وفوجئت ومن معي في اخر سنتين بعدم صرف رواتبنا واجبارنا علي تقبل هذا الوضع لتضرر الشركه بشكل عام»، واتبع ذلك بقراره العمل في الدكان بـ«كرامتي»، علي حد تعبيره.

رغم صغر سنه فان محمد يجيد نصح الزبائن بوصفات العطاره، منها «التركيبات» الزيتيه لتساقط الشعر،وغيرها كما يخلص النصح لزبائن اخرين يسالونه عن خلطه «السبع توابل»،و«الخلطه الهنديه» ويعتبر انها مجرد وصفات تجاريه بحته.

حسب احد الزبائن «الاصليين» للحاره الذي التقيناه عند انتهاء جولتنا، فان شارع «الحمزاوي الصغير» ما زال «المكان الاحب للناس اللي بتعرف وبتحب تشم العطاره».

• جوله بين وكالتي العقبي وابوزيد:

«بسم الله.. هذا المحل مختص بطحن اصناف العطاره بالاجر.. وشكرا.. والحمد لله» كلمات مدونه علي لوح من الرخام الابيض العتيق، في صدر احدي مطاحن «وكاله العقبي» المتفرعه من حاره «الحمزاوي الصغير».

اذا كان السير في حاره العطارين يشي بكثير من العبق، ودليلها طيب الرائحه المنبعثه من «اشوله» الدكاكين، فان هذا العبق يتضاعف وانت في حضره المصدر الاكبر لخليط الروائح الزكيه المنبعثه من مطاحن العطارين، التي تشدو بهدير صاخب اثناء طحن التوابل اليابسه، وغالبا لن تتخيل انها تمر بكل هذا «الطحن» قبل ان تاتيك في هيئتها الملساء.

اصطحبنا محمد، احد اصحاب عطارات الحمزاوي، الي «وكاله العقبي»، التي تضم 3 طواحين رئيسيه تعد هي الاكبر في الحاره، تحتفظ الوكاله بطرازها المعماري القديم وبواباتها الدائريه، وغالبا ما ستضطر، وان تتحدث الي الطحانين الي ان ترفع صوتك عاليا حتي تتمكن من اسماعهم اسئلتك.

عم احمد، طحان، كان منهمكا في طحن «الكمون» اليابس، يضعه في وعاء ضخم جدا «قصعه» استعدادا لطحنه: «يمكنني ان اطحن 300 كيلو في اليوم» يقول عم احمد، الذي لا تكاد تميز لون ملابسه من تكدس غبار الكمون عليه، يتحدث عن مهنته التي يعمل بها منذ 30 سنه، يوميا من التاسعه صباحا وحتي التاسعه مساء «لو تغيبت يوما لا احصل علي قوت يومي، فانا اعمل بنظام اليوميه عمري كله»، يوميه عم احمد الطحان تصل الي 50 جنيه تقريبا، ويعرف تماما الفرق بين طحن كل نوع من التوابل وبين الاخر، «الشطه والفلفل الاسود وعرق الحلاوه من اصعب انواع التوابل في الطحن»، وغالبا ما يكون سعر التوابل الاصعب في الطحن اعلي قليلا من التوابل الاكثر سهوله في طحنها، ويضيف: «الكمون كذلك من التوابل الصعبه جدا ليس فقط لخشونه، ولكن لانه يبعث غبارا كثيفا اثناء طحنه يؤذي الطحان كثيرا».

الغبار الذي يتحدث عنه الطحان وكذلك الرائحه المركزه للتوابل الحارقه، غالبا ما سيكمم جهازك التنفسي تماما حتي مغادرتك للوكاله، في الوقت الذي اعتاد فيه العاملون علي مثل تلك الروائح حتي يكادوا يفقدون حاسه الشم علي حد تعبير عدد منهم، فان عم احمد يعلنها بفخر «ما زلت اميّز فروق روائح العطاره جيدا جدا».

من ناحيه اخري يتحدث محمد العطار عن دوره علاقته بالمطحنه: «استعين بالمطحنه لطحن التوابل الخشنه التي ترد الي الدكان، فارسل للمطحنه مثلا 10 اشوله من الكزبره وتاخذ دورها في الطحن، وغالبا ما يتكلف طحن الكيلو من جنيه الي 3 جنيهات.

تخرج من «المطحنه» مُشرّبا بالغبار ومسكونا برائحه الشطه والكمون، وعالقه في اذنك معلومه عابره عن «عرق الحلاوه»، الذي يطحن بطريقه ما لاعداد الحلوي وبطريقه اخري ليخلط بالمياه المستخدمه في تنظيف المنازل بغرض «ازاله السحر الساكن في المكان»، علي حد تعبير احد الطحانين الذي يؤكد انه ما زال هناك زبائن كثيرون يسالون عنه ويؤمنون بفاعليته!

تدخل من باب مقابل الي «وكاله ابو زيد» المعروفه اكثر بـ«عصر» التوابل والعطاره، واستخراج الزيوت، يحدثنا مصطفي الذي يقف امام ماكينه ضخمه لا تميز لونها من الشحم الاسود العالق بها بفعل الزيوت التي تستخرجها، يعمل في هذه المهنه منذ 16 عاما، يستخرج اثناء حديثنا معه زيت «حبه البركه»، التي يعتبر انها من اصعب الزيوت المستخرجه، وامامه عبوات بلاستيكيه ضخمه مستقر بها زيوت مختلفه «كتان وثوم وبذر الجرجير والشطه» يتحدث عن فضل زيت حبه البركه وتوصيه الرسول محمد عليه الصلاه والسلام به، ويتابع «اكثر من يسالون عن زيت حبه البركه ويحرصون علي شرائه هم اهل روسيا».

يعمل مصطفي 12 ساعه في اليوم، يظل واقفا طوال فتره عصر الحبوب، يعرف جيدا الفرق بين كل نوع في طريقه عصره «اصعب التوابل في عصرها هي زيت الروز ماري والزنجبيل».

يشكو كما اهل الوكاله وارباب مهنته من طول ساعات العمل مقارنه بالاجور الضعيفه التي يحصلون عليها، والمتاعب الصحيه التقليديه التي يصابون بها علي راسها التهابات الجهاز التنفسي والجيوب الانفيه وتقيحات العيون نتيجه التعرض للحراره الشديده من ماكينات العصر المتهالكه.

• «الشيال» في «شمس الدين الدوله».. نقله الـ100 كيلو بجنيه!

غالبا ما سيحذرك صوت من ورائك بعبارات من فصيله «وسع الطريق»، ولن تتردد في افساح الطريق لصاحب الصوت «المنهك»، الذي لن تري وجهه المنحني تحت قهر عشرات الكيلوهات التي يحاول النجاه بها سريعا لتخفيف شعوره بمدي ثقلها.

سعيد هو احد هؤلاء «الشيالين» الذين يحملون اشوله العطاره في تلك الحاره منذ اكثر من عشر سنوات «جئت من محافظه المنيا باحثا عن اي عمل في منطقه الازهر، حتي استقر بي العمل في حمل الاشوله في حاره العطارين».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل