المحتوى الرئيسى

أسطورة الدلع العربي.. عاشت متألقة ورحلت بأغرب جنازة في التاريخ

12/03 15:15

رحل آخر من غنى أجمل الأغاني الخالدة.. أغنيات حفرت طريقها في وجدان الشعب المصري بل والأمة العربية بأثرها. من ينسى “ست الحبايب” التي غنتها فايزة أحمد ثم محمد فوزي ومحمد عبدالوهاب.. من ينسى “ماما زمنها جاية” و”ذهب الليل” بصوت محمد فوزي، من ينسى”رمضان جانا” لعبد المطلب، و”ليلة العيد” لكوكب الشرق أم كلثوم.

وطبعا لم تلد أم طفلتها إلا وغنت لها “حبيبة أمها” و”أمورتي الحلوة” التي تغنت بها الشحرورة “صباح” إحدى فنانات الزمن الجميل.. غنتها وقتها لابنتها “هويدا” ومن بعدها غنتها كل أم لابنتها.

رحلت أسطورة الدلع العربي الفنانة صباح عن عمر يناهز الـ87 عاما، تاركة خلفها أعمالا لن تنسى، سواء أفلامها خفيفة الظل.. عميقة المغزى.. والرومانسية.. والتي قامت فيها بدور البطولة مع فناني جيلها العظام، أو أغانيها الجميلة التي شكلت وجدان الشعوب العربية.

هي لغز كبير.. جميلة جدا ودلوعة في صباها.. والأجمل بقلبها الكبير والأكثر دلعا بعد تقدمها في العمر.. روحها العزبة الصافية الجميلة لم يتعود عليها البشر، فظنوها بعد أن كبرت سيدة عجوز كل فترة عادي جدا نتلقى خبر زواجها، ولم يدركوا أنها امرأة استثنائية.. نجمة من يومها.. شحرورة الوطن العربي.. جاءت في زمن جميل يرى الكون جميلا..

صباح فنانة عربية لبنانية المنشأ، مصرية الشهرة والإقامة والجنسية، انطلقت وسطع نجمها من مصر، تغنت للوطن العربي بأسره، كما كانت ضمن من غنوا أجمل الأغاني الوطنية والاستعراضات الحماسية لمصر في أعقاب ثورة 23 يوليو، عندما شدت بالوحدة العربية في أغنية “وطني حبيبي” التي جمعتها بعبدالحليم حافظ، وردة، محمد عبدالوهاب، شريفة فاضل، نجاة، وشادية، تلك الأوبريت الرائع الذي شارك فيه العديد من الفرق الاستعراضية، وطلبة الكليات الرياضية، ومازالت هذه الأغنية من الأعمال الخالدة التي يستمع لها الأجيال حتى بعد مرور ما يقرب من ستين عاما وبعد قيام ثورة 25 يناير و30 يونيو ظلت هذه الأغنيات هي مصدر الحماس للشباب من الأجيال الجديدة.

ومن عظمة هذا الجيل الذي انتمت إليه صباح أنهم استطاعوا تحقيق التكامل في الفنون، فعندما ارادت الغناء للأطفال لم تتصارع مع باقي نجمات أو نجوم جيلها بل تكاملت معهم، فشادية غنت “سيد الحبايب” ومحمد فوزي غنى “ماما زمنها جاية” و”ذهب الليل”، إلا أن صباح استطاعت أن يكون لها بصمتها الخاصة واختارات أن تغني للبنات بطريقتها الدلوعة التي أحبها فيها جمهورها، وغنت للبنات في شخص ابنتها الوحيدة “هويدا”، وتطورت معها في جميع مراحل عمرها، فقدمت لنا في فيلم “ليالي دافئة” أغنية “حيبيبة أمها” في الطفولة المبكرة التي كتب كلماتها الشاعر الغنائي حسين السيد، الذي كتب أجمل الأغاني الوطنية وأغاني الحب والطفولة لأعظم المطربين والمطربات، وكان لصباح أيضا نصيبا من كلماته لأغنيتها “أكلك منين يا بطة” في مرحلة أخرى من الطفولة، والتي لحنها لها فريد الأطرش، وأيضا أغنية “أمورتي الحلوة” التي غنتها في فيلمها “نار الشوق” وهي لمرحلة أخرى من مراحل عمر ابنتها، مرحلة الصبا والشباب.

مثلما غنت “دليدا” لمصر “حلوة يا بلدي”، و”عقد الفل والياسمين”، غنت صباح لمصر بشكل مختلف، تعبيرا منها عن حبها وانتمائها لهذا البلد الذي احتضنها و اعتبرته منطلق الفنون، فكما ذكرت في إحدى حوارتها التليفزيونية أن مصر ستظل إلى الأبد أم الدنيا وأم الفنون. وغنت صباح للمناطق الشعبية المصرية والتي سمتها باسمائها في أغنية “سلمولي على مصر” من كلمات حسين السيد، وألحان محمد الموجي.

“لأ”، “ساعات ساعات”، “يانا يانا”، “يا دلع”، “من سحر عيونك”، “بحبك”، “الدوامة”، “عاشقة ومسكينة”، “زي العسل”، “الحلو ليه تقلان”، “كل حب وأنت طيب”، و”الغاوي ينقط”، أغاني غنتها صباح ضمن أغانيها التي وصل عددها إلى ثلاثة آلاف أغنية تتنوع بين أغاني الحب والطفولة والأغنية الوطنية وغيرها.

“يانا يانا” الأغنية الأشهر عند الشباب والتي يتزايد رواجها يوم بعد يوم عبر الأجيال، مما جعل الفنانة اللبنانية الشابة “رولا” تغنيها بتوزيع جديد مع صباح، وكانت هذه الأغنية هي الأخيرة التي غنتها صباح وقامت بتصويرها مرة أخرى مع رولا بعد أن قدمتها في فيلم “كانت أيام” حيث غنتها لبطل الفيلم رشدي أباظة، والأغنية من ألحان بليغ حمدي وكلمات مرسي جميل عزيز.

أما الأغنية الأشهر رواجا خلال هذه الفترة على قنوات الأغاني الكلاسيكية فهي أغنية “يا دلع يا دلع” التي غنتها صباح بعدما تقدمت في العمر، وعلى الرغم من ذلك تميز أدائها في هذه الأغنية حيث كانت ترقص وهي تغني بدلع، فكان ومازال يتم عرضها بشكل كبير على تلك القنوات.

ومن أشهر أغنيات صباح الخفيفة الظل، تلك التي غنتها “دويتو” مع الفنان الراحل الكبير فؤاد المهندس لشهر رمضان، أغنية “الراجل دة هايجنني”، والتي كانت غنتها معه بكلمات أخرى ونالت شهرة كبيرة وقتها مما دفع المؤلف إلى تأليف كلمات جديدة للأغنية لتقدم في شهر رمضان وتعالج العادات السيئة التي يفعلها الصائمين في تناول الغذاء في هذا الشهر، بدويتو كوميدي بين رجل وزوجته يصور ما يحدث في أغلب البيوت المصرية في هذا الشهر الكريم، بطبخ أصناف كثيرة من الطعام على الإفطار في اليوم الواحد والتي لم يأكل منها أي شيء. ومازالت تلك الأغنية يتم إذاعتها بكثرة في شهر رمضان باعتبارها من كلاسيكيات الأغاني المصرية التي تخفف على الصائمين صعوبة انتظارهم لانطلاق مدفع الإفطار.

أول من رقصت على المسرح وهي تغني، فكانت تتمايل وتؤدي حركاتها الراقصة بخفة ودلع دون أي ابتذال، أداء به فرح وسعادة بالغناء مما يضفي على الجمهور حالة من البهجة ودفء المشاعر والأحاسيس. صوتها معبر جدا توظفه لتمثيل الأغنية بأدائها الصوتي على النغمات، ففي أغنية “لأ” التي غنتها للفنان عبدالحليم حافظ في فيلم “شارع الحب” كانت تمثل ليست بجسدها وإحساسها فقط، بل بصوتها أيضا، التي دوما ما كانت توظفه لهذا الغرض في أغانيها.

وعندما كبرت أختلف صوتها قليلا لتقدم سنها، لكن أدائها لم يختلف، فكانت تبدأ أغلب أغانيها بالموال أو العتابا أو الميجانا أو أي لون آخر من ألوان الطرب الأصيل التي تمتع به جمهورها، ثم تشرع في الدخول في للأغنية بلحنها الراقص، تماما في أغنية “يا دلع”، ترقص جمهورها، وتتمايل بشقاوة واحترام في الوقت ذاته على المسرح، فهي دائما ما تبدأ بالرقص، وتنقل هذه العدوى إلى جمهورها بخفة روحها. وغنت صباح لكبار الملحنين مثل محمد عبد الوهاب، بليغ حمدي، زكي ناصيف، والأخوين رحباني وتوفيق الباشا.

“الأيدي الناعمة”، “شارع الحب”، “الآنسة ماما”، “الرجل الثاني”، “ليلة بكى فيها القمر”، “نار الشوق”، القاهرة في الليل”، “العتبة الخضراء”، “لحن حبي”، “بلبل أفندي”، “عدو المرأة”، “الحب الضائع”، و”معبد الحب” الذي انتجته عام 1961، وآخر أفلمها “أيام اللولو” التي قدمته في عام 1986. فهي قدمت أدوار البطولة في أكثر من 83 فيلم مصري ولبناني، وشاركت في أكثر من 27 مسرحية من بينهم: “موسم العز” عام 1960، “دواليب الهوا” 1965، “القلعة”، “الشلال”، “ست الكل” 1973، “حلوة كثير” 1977، “عصفور سطح”، “فينيقيا”، “شهر العسل”. وكان آخر مسرحياتها “كنز الأسطورة” وكان يشاركها البطولة الفنان جوزف عازار وزوجها السابق فادي لبنان والفكاهي كريم أبو شقرا وورد الخال والأمير الصغير.

استطاعت صباح أن ترسم لنفسها شخصية ولون يميزها رغم وجودها وسط جيل من عمالقة نجوم الزمن الجميل سواء في مجال التمثيل أو الغناء، وعندما لمعت في مجال السينما حققت تميزا وانفرادا، فبرغم وجودها وسط نجوم الإغراء في زمنها مثل “هند رستم”، و”ناهد شريف”، و”شمس البارودي”، و”سامية جمال”، وجميلات النجوم في عصرها إلا أنها استطاعت أن تتميز بأسلوبها العزب ورومانسيتها وأداءها الصوتي للكلمات، سواء في التمثيل أو الغناء، ويظهر ذلك بشدة في فيلم “الأيدي الناعمة”، فرغم وجودها بين “مريم فخر الدين” و”ليلى طاهر” إلا أن صباح اختلفت بأداءها وتميزت.

أيضا انعكس أسلوبها المميز بشدة في الغناء وبلغ زروته في إحدى أغانيها “من سحر عيونك” التي غنتها لشكري سرحان في فيلم “إغراء”؛ حيث بالغت في أداء اللزمة المميزة للأغنية وهي كلمة “ياااه” في طريقة الأداء وتون الصوت، للدرجة التي اضطرت الأديب نجيب محفوظ وقتما كان يشغل منصب الرقيب على المصنفات الفنية، لمنع الأغنية، ومنعت إذاعتها من الإذاعة بسبب أنها غنتها بمبالغة أنثوية، مما اضطر الموسيقار محمد عبدالوهاب ملحن الأغنية لإعادة تسجيلها مرة أخرى للتخفيف من هذه المبالغة. وغنت أيضا نفس الأغنية في إحدى المناسبات الوطنية أمام الزعيم الراحل جمال عبدالناصر متغزلة في عيونه.

اسمها الحقيقي جانيت جرجس فغالي، ولدت في 10 نوفمبر عام 1927 في وادي شحرور بجبل لبنان، والتي استمدت منه الاسم الأكثر شهرة في حياتها “الشحرورة”، والذي استمر معها طيلة السبعة وثمانون عاما حتى توفيت في السادس والعشرون من نوفمبر 2014.

انتقلت صباح إلى مصر لتفتح لها أبواب الشهرة بعد أن شاهدتها المنتجة الشهيرة “آسيا داغر” المصرية الجنسية واللبنانية الأصل ذات التاريخ الفني العريق والتي ساهمت في إنتاج روائع السينما المصرية مثل فيلم “الناصر صلاح الدين” وغيره. وتعاقدت في البداية مع صباح على ثلاثة أفلام دفعة واحدة، على أن تتقاضى 150 جنيها مصريا عن الفيلم الأول وهو “القلب له واحد” والذي قمدته عام 1945، وارتفع سعرها تدريجيا. وقام بتدريبها الملحن الكبير رياض السنباطي والذي عانى في البداية لتطويع صوتها إلى الغناء بالأسلوب واللهجة المصرية بعد أن كان صوتها يتميز بالطابع الجبلي والفلوكلوري اللهجة اللبنانية والسورية.

وحصلت الشحرورة على الجنسية المصرية والتي منحها لها الرئيس الرحل جمال عبد الناصر، لكنه سحبها منها بعد ذلك، بعد أن انتقدتها الحكومات العربية بعد رؤيتها مع أحد أصدقاء الطفولة يهودي الأصل قابلته بالصدفة وظهرت معه فانتقدها بعض الصحفيين، مما كان له أصداء في الدول العربية، منعت على أثرها أغانيها من الإذاعة في العالم العربي، لكنها استطاعت الوصول إلى بعض الرؤساء العرب لتوضح لهم حقيقة الموقف، وأعاد السادات لها الجنسية المصرية بعد ذلك. كما حصلت على الجنسية الأردنية والأمريكية.

والشحرورة غنت على أهم المسارح العالمية في حياتها، كان ضمنهم مسرح “الأولمبيا” في باريس مع فرقة “روميو لحود” الاستعراضية، لتكون المطربة العربية الثانية التي تغني عليه بعد كوكب الشرق “أم كلثوم”، وغنت أيضا على مسرح “كأرناغري” في نيويورك، “دار الأوبرا” في سيدني، “قصر الفنون” في بلجيكا، “قاعة ألبرت هول” بلندن، وشاركت في الكثير من المهرجانات الأخرى منها: “بعلبك”، “جبيل”، و”بيت الدين”.

وكانت صباح الفنانة الأكثر جدلا بسبب زيجاتها التسعة، فكان أول زوج لها هو أبو ابنها الدكتور “صباح” والذي عاشت معه خمسة أعوام وهو نجيب شماس، ثم تزوجت خالد بن سعود بن عبد العزيز آل سعود وقضت معه عدة أشهر ثم تطلقا بسبب ضغط عائلته.

وبعدها تزوجت من عازف الكمان المصري أنور منسى وعاشت معه أربع سنوات، وأنجبت منه ابنتها الثانية والأخيرة “هويدا”. وكان زواجها الرابع من المذيع المصري أحمد فراج. وبعد 3 أعوام تزوجت من الممثل المصري رشدي أباظة لخمسة أشهر، كما تزوجت الفنان يوسف شعبان شهرا واحدا.

ولمدة عامين تزوجت النائب اللبناني يوسف حمود، وبعده الفنان اللبناني وسيم طبارة وعاشت معه أربع سنوات، وكان زواجها الأخير والذي دام نحو سبعة عشر عاما من الفنان اللبناني فادي قنطار الشهير بفادي لبنان.

وقد انتشرت شائعة بعد طلاقها من فادي لبنان أنها تريد الزواج بملك جمال لبنان “عمر محيو” وكان عمره 25 عاما، وتبين إنها كانت تساعده على الدخول إلى المعترك الفني واختلقت قصة الحب والزواج وحاولت مساعدته فنيًا، وقد أنكرت هذه الإشاعه وقالت أنها لو كانت أصغر بقليل لتزوجته. كما قيل أيضًا إنها كانت تستعد للزواج من الفنان “جوزيف غريب” كوفيرها الخاص.

ومن المعروف عن صباح كرمها الشديد وأنفاقها المال على من تحب ولذلك كانوا يسمونها “مدام بنك”، كما أن أسطورة الدلع كانت تحب الجمال والأزياء وكانت تتمنى ألا تخسر جمالها وأناقتها حتى ولو خسرت ثروتها.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل