المحتوى الرئيسى

جورج أورويل.. الباحث عن ثورة بين فاشيّتين | المصري اليوم

12/02 22:26

خاض جورج أورويل، معركتين كبيرتين ضد نوعين من الفاشيّة، الأولى مشاركته، إلى جانب الجمهوريين، فى الحرب الأهلية الإسبانية، فى النصف الثانى من ثلاثينيات القرن العشرين، وخرج منها مصابا بطلقة قنّاص فى الحلق. والثانية، انتقاده الضارى للديكتاتوريات القمعية، وفى القلب منها التجارب الاشتراكية البائسة فى النصف الأول من القرن الماضى، ما انتهى به ملاحقا بلعنات اليساريين، رفاقه القدامى.

بدا «أورويل» تجسيدا لمحنة المثقف، الذى لم يمنعه انحيازه الأيديولوجى من الجهر بالحقيقة، انتصارا للإنسان والحريّة. ومن تلك الزاوية يمكننا تفهّم جملته «ثائرُ اليوم هو طاغية الغد»، فقد صُدم الشاب الإنجليزى الثورى، الذى حمل السلاح ضد الفاشيّة، بمدى القمع الحاصل فى دول تطبّق أفكارًا انحاز إليها، وكاد يقدّم حياته قرباناً من أجلها.

طاردت الفاشية «أورويل»، وحاكمه الشيوعيون غيابيا فى فالنسيا عقب مغادرته إسبانيا، مع زوجته، بتهمة الخيانة العظمى والانتماء إلى حزب العمال الماركسى الوحدوى، وإعاقة قضية الجمهورية «كان يحارب من أجلها!».

وهاجمت صحيفة «العامل اليومى» الشيوعية اللندنية، فى الثلاثينيات، كتابه «الطريق إلى ويجان باير»، بدعوى وصفه الطبقة العاملة بـ«كريهة الرائحة»، وهو ما لم يرد فى الكتاب أصلا.

وعايش «أورويل» القمع، إبان عمله الأول «ضابط شرطة إمبراطورى» فى بورما، المستعمرة الإنجليزية فى العقد الثالث من القرن العشرين، وكتب فيما بعد أنه نادم على دوره من أجل «الامبراطورية»، إذ لم يحتمل أكثر من خمس سنوات، حتى أصيب بـ«حمى نزفية»، نُقل على إثرها إلى إنجلترا، وقرر هناك الاستقالة من عمله، وقضى وقتا يسيراً متشردا، ما بين لندن وباريس، ارتدى ملابس مهلهلة، وعمل غاسل صحون فى مدينة النور، لينأى بنفسه عن «تقاليد الطبقة الوسطى»، حسب وصفه، بعدها عمل خادما فى أحد فنادق مدينة الضباب، ثم معلّما بمدرسة إعدادية غربى لندن، ثم فى مكتبة «ركن عشاق الكتب»، لبيع الكتب المستعملة، المملوكة لعضو بحزب العمال المستقل، بعدها تفرّغ للصحافة وكتابة الأدب.

عانى «أورويل» فى نشر كتبه، حيث رفض ناشره «جوناثان كاب»، نشر روايته «مزرعة الحيوانات»، عقب زيارة منه إلى مسؤول بوزارة الإعلام البريطانية، ثبت فيما بعد أن المسؤول عميل سوفيتى، كذلك رفض الشاعر الشهير ت. س. إليوت، وكان وقتها مديرا لتحرير دار نشر «فابر آند فابر»، نشر «متشرد ما بين لندن وباريس»، وقال عن الكتاب «يؤسفنى أن أقول إننى لا أرى فيه مشروعا صالحا للنشر». وكذلك لاقى متاعب فى نشر روايته الأولى «أيام بورمية».

ذاع صيت «أورويل» فى بداية الأربعينات، وأشرف على البرامج الثقافية الموجهة للشرق الأوسط بإذاعة بى بى سى، لمناوئة الدعاية النازية، وبعدها عمل محررا أدبيا بصحيفة «تريبيون»، واختار لعموده المنتظم بها اسم «على كيفى»، واكتسب مكانة مرموقة فى أوساط المثقفين، خاصة اليساريين منهم.

يدفعنا الحديث عن «أورويل»، إلى الإشارة إلى تعبير «جوبلز» الدالّ على نظرة أى سلطوى تجاه الثقافة «عندما أسمع كلمة مثقف أتحسس مسدسى»، وتعتبر جملة وزير دعاية النازية، أصدق تعبير عن الصراع الدائم بين الإيمان بالحريّة ومحاولة نشر الحقيقة، مقابل محاولة تعميم الزيّف، وتأميم الفضاء العام، لصالح مقولات بائسة، واستدعاءات أكثر بؤسًا تشبه «الهرطقات» عن مؤامرات خارجية، الغرض منها تحويل المواطن إلى آلة فى مجتمع استهلاكى متوحش، يسعى إلى تسليع كل شيء، عبر استلاب الناس، وتهميش طموحاتهم، واعتبارها ضربا من الخيال بعيد المنال، أو تعميتهم ودغدغة مشاعرهم السليبة، بجنّات موعودة فى العالم الآخر، كأنها محرّمة عليهم فى الحياة الدنيا.

ويرجع سبب مطاردة السلطات القمعية لـ«أورويل»، إلى إيمانه بالحقيقة، ومحاولة نشرها فى أعماله ومعاداته للسلطة التى يقول عنها «السلطة ليست وسيلة بل غاية، المرء لا يُؤسس حكما استبداديا لحماية الثورة، إنما يشعل الثورة لتأسيس حكم استبدادى، إن الهدف من الاضطهاد هو الاضطهاد، والهدف من التعذيب هو التعذيب، وغاية السلطة هى السلطة».

اختار الباحث عن الثورة بين الفاشيّتيّن، اسمه الأدبى «جورج أورويل»، حتى لا يسبب حرجا لعائلته، بنشر أعماله موقعة باسمه الحقيقى «إريك آرثر بلير»، وتنتمى عائلته إلى الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى، ودرس فى طفولته بمدرسة داخلية كاثولكية ولم يلتحق بالتعليم العام بسبب عدم توافر موارد مالية كافية لدى أسرته، وقال مدرسوه عنه «إنه كان لا يحترم سلطة المعلم والمدرسة»، كما أن تواضع مستواه التعليمى لم يمكّنه من ارتياد الجامعة، بمنحه دراسية، فالتحق بمدرسة «الشرطة».

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل