المحتوى الرئيسى

المركز العربي: مقترحات دي مستورا بسورية تسويات صغيرة تصطدم بعوائق كبيرة - مصر العربية

11/28 16:33

يسعي ستيفان دي مستورا، المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحده الي سوريه، لحشد التاييد الدوليّ والاقليميّ لمقترحاته المتعلقه بـاقامه مناطق صراع "مجمَّده" في مناطق سوريّه مختلفه، وفي مقدمتها مدينة حلب، والتوصل الي هدناتٍ او مصالحاتٍ مؤقتهٍ تتيح ممارسه اداره ذاتيّه في هذه المناطق، ويجري التعبير عن هذه الادارات من خلال مجالس محليّه منتخبه او توافقيّه يتمّ فيها تمثيل فصائل المعارضه المسلحه بحسب حجم كلّ فصيلٍ وفاعليته. ولكن، ثمه عوائق جمّه تحول دون نجاح هذه الخطه التي تستهدف تحقيق تسويات محليه، بحسب المركز العربي للبحوث ودراسه السياسات.

 عُيِّن دي مستورا في منصبه الحالي في مطلع يوليو 2014 مع انسداد افق الحل السياسيّ في الأزمة السورية، وذلك بعد فشل مؤتمر "جنيف 2"، وعجز الاطراف الراعيه للمؤتمر عن اطلاق جوله جديده من المفاوضات بين النظام السوري والمعارضه، ثمّ اصرار النظام علي اجراء الانتخابات الرئاسيّه في سوريه في 3 يونيو 2014، والتي نسفت ما تبقي من امال المبعوث السابق الاخضر الابراهيمي بشان بيان "جنيف 1"، والمتعلق بانشاء هيئه حكم انتقاليّه كامله الصلاحيات تمهِّد الطريق لحلٍ شاملٍ للازمه. 

و تزامن تعيين دي مستورا مع صعود تنظيم الدوله الاسلاميه في العراق والشام "داعش"، وتوسّع نفوذه بعد سقوط الموصل في 10 يونيو 2014، وسيطرته علي مساحات واسعه في سوريه والعراق، ثمّ اعلانه الخلافه الاسلاميه في 29 حزيران 2014؛ ما ادي الي تراجع الاهتمام الدوليّ بالحل السياسيّ للازمه السوريّه، مقابل تركيز القوي الكبري، وبخاصه الولايات المتحده، علي اولويه التفاوض مع ايران حول ملفها النووي من جهه، واحتواء تنظيم "داعش" ووقف تمدِّده في العراق وحرمانه من " الملاذات الامنه" في سوريه من جهه اخري.

واعتمادًا علي قراءته للتشابك الدوليّ والاقليميّ وتناقض المصالح وتغيّر الاولويات، واستنادًا الي تجربته الشخصيّه كوسيطٍ دولي في صراعات مثل كوسوفو ولبنان والعراق والسودان وغيرها، وعمله كممثلٍ خاصٍ للامم المتحده في افغانستان، انطلق دي مستورا من فكره انّ الازمه السوريّه هي نزاع اهليّ مركّب وازمه دوليّه بالغه التعقيد يصعب حلها في المدي المنظور او المتوسط. 

لذلك، اختار مدخلًا يختلف عن نهج سلفيه كوفي عنان والاخضر الابراهيمي، وركز علي حلولٍ جزئيّهٍ واهداف متواضعهٍ تتمحور حول خفض مستوي العنف وتحسين وصول المساعدات الانسانيه، وزرْعِ ما سماه "بذورٍ لعمليه سياسيه شامله" بدلًا من الاستمرار في الرهان علي توافقٍ دولي واقليمي يؤدي الي وضع بيان "جنيف 1" موضع التنفيذ.

بمعني اخر، لم يقدِّم دي مستورا تصورًا لحلٍ شاملٍ للازمه، بل قدّم ما يعتبره محاولهً "لتحريك" العجله لايجاد حلٍ لها. وبهذا، فهو لا يفكّر بحلٍ جذريٍ للازمه السوريّه بل بحلٍ لمهمته بحيث تحقق نجاحًا ما في شانٍ ما.

راهن دي مستورا علي موافقه النظام السوري وايران علي مقترحاته التي تتطابق شكليًا مع مشروعهما، والذي بُدء فعليًا العمل بمقتضاه في مطلع العام الحاليّ عبر عقد هدناتٍ مؤقتهٍ ومصالحاتٍ في مناطق حيويّه محاصره يصعب استرجاعها عسكريًا. 

فقد حققا من خلاله، ومن دون دي مستورا، اختراقات في جبهات مهمه مثل المعضميه، وببيلا، واحياء دمشق الجنوبيّه، وحي الوعر في حمص، بالاضافه الي اتفاق خروج المقاتلين من حمص القديمه. لكنّ مشروع الهدنات السابق، يختلف عما يطرحه دي مستورا في بعض التفاصيل المهمه؛ فبينما يشترط النظام وقف اطلاق النار وتجريد مناطق الهدنات من الاسلحه الثقيله مقابل ادخالٍ جزئي للمساعدات الانسانيّه وتسويه اوضاع المطلوبين لديه ما يمكّنه من خرق الهدنه واقتحام المناطق بعد ان ضمن تجريدها من سلاحها الثقيل (كما جري في حمص القديمه، ويجري الان في حي الوعر)، فانّ دي مستورا يطرح تجميدًا للصراع بحيث يحتفظ كل طرفٍ بقدراته العسكريه.

لذلك، وعلي الرغم من ترحيب رئيس النظام السوري بتصريحات المبعوث الدولي بعد لقائهما في دمشق في 12 سبتمبر 2014 عن اعطاء الاولويه لمكافحه الارهاب، وضروره اطلاق حوارٍ وطني داخلي، فانه تجنّب اعطاء موقفٍ واضحٍ من المبادره المطروحه مكتفيًا بالقول "انها جديره بالدراسه".

في المقابل، يتجاهل دي مستورا مرجعيه الحل السياسيّ التي قبلت بها المعارضه في "جنيف 2". وتنقسم المعارضه تجاه مقترحاته بين رفضٍ مطلقٍ (بعض اعضاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والحكومه المؤقته، وفصائل من المعارضه المسلحه)، وبين قبولٍ مشروطٍ عبَّر عنه رئيس المجلس العسكري في حلب العميد زهير الساكت.

ولا يقتصر الانقسام تجاه مبادره دي مستورا علي المعارضه السياسيه والعسكريّه فحسب، وانما يمتد الي الشرائح الشعبيه المناهضه للنظام بين من يري انّ الافكار المطروحه هي حلولٌ متجزئه تمثِّل انقلابًا علي الثوره واستسلامًا للنظام وتفريطًا بما جري تقديمه من تضحيات، وبين اخرين ينظرون اليها بوصفها تجميدًا مؤقتًا للحرب يخفِّف ماساتهم ومعاناتهم.

ويعدّ الانقسام الراهن امتدادًا لنقاش احتدم سابقًا بشان جدوي الهدنات والمصالحات المحليه والمبادرات التي اطلقها رئيس الائتلاف السابق معاذ الخطيب بما فيها زيارته الاخيره الي روسيا.

وفي ضوء ذلك، ومع استمرار المعاناه وتغيّر الاولويات الدوليّه، يستمر دي مستورا في حشد الدعم لمقترحاته معوِّلًا علي عدم ممانعه القوي الدوليّه والاقليميّه الفاعله في الازمه السوريّه وعلي قبولٍ غربي ضمني، ولاسيما انه يطرح افكاره تحت عنوان "وقف تقدّم داعش". 

كما يعوِّل دي مستورا علي دعمٍ روسي لمقترحاته والضغط علي النظام لقبولها بشكلها الحاليّ من دون اي تعديلٍ علي غرار مبادره نزع السلاح الكيماوي. 

ومن ثمّ، يامل ان تُطرح المبادره علي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بحيث يجري تبنيها كمشروع قرارٍ ملزمٍ لجميع الاطراف لوقف اطلاق النار في عموم سوريه او في بعض الجبهات الساخنه علي الاقل، وبطريقه تجعلها مكمّله لقرار مجلس الامن 2139 القاضي بايصال المساعدات الانسانيه الي المناطق المحاصره ودعوه جميع الاطراف لـ "وضع حـدٍ فـوري لجميع اعمـال العنـف الـتي تـؤدي الي المعاناه الانسانيه في ســوريه".

عوائق تعترض سبيل مبادره دي مستورا

علي الرغم من ترحيب اطرافٍ داخليهٍ وخارجيهٍ عده بمقترحات دي مستورا، فانّ ترجمتها العمليه تصطدم بعوائق عديده تعبِّر عنها (وان بشكلٍ مواربٍ) مواقف هذه الاطراف.

النظام وايران: يتشابه مقترح دي مستورا شكليًا مع مشروع الهدنات والمصالحات الذي بلورته ايران كصيغه لحل الازمه السوريه والزمت النظام بتنفيذه، لكنه يختلف في تفاصيله المهمه وفي اليه التنفيذ. وتري ايران انّ الموازين العسكريّه الحاليّه ترجّح كفّه النظام بشكل واضح، ولاسيما انّ ضربات التحالف الدوليّ ضد تنظيم "داعش"، وضد حركات اخري مثل جبهه النصره واحرار الشام افادت النظام وعزّزت موقفه العسكريّ خاصه في حلب، وذلك باعتراف المسؤولين الاميركيين. 

وعلي الرغم من اهميّه مدينه حلب بالنسبه الي النظام، فانه يفتقد للعدد والعتاد اللذين قد يمكّناه من حسم المعركه فيها. لذلك، فانّ النظام ربما يتجاوب مع مقترح دي مستورا في ما يتعلق بمدينه حلب فحسب، لكنه سيستمر في مسعاه للسيطره علي الريف الشماليّ لحلب وفك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء، واستخدامهما كقاعده عسكريه للانطلاق باتجاه المدينه غربًا، ومحاربه تنظيم "داعش" في الريف الشرقي وتقديم نفسه كطرفٍ ميداني يساعد التحالف في وقف تمدِّده. وفضلًا عن ذلك، يخشي النظام وايران من ترويج مقترحات دي مستورا دوليًا لتتحول الي قرارٍ دولي ملزم. 

لذلك حرص - كعادته في التعاطي مع المبادرات السياسيه - علي ابداء مرونه في دراسه المقترحات من دون التزام قبولها. وفي هذا الاطار ايضًا يمكن فهم موقف علي اكبر ولايتي، مستشار مرشد الثوره علي خامنئي للشؤون الدوليه، والذي رفض في 1 نوفمبر 2014 طرح دي مستورا اقامه ما اسماه "مناطق امنه" في سوريه.

المعارضه المسلحه: يقترح دي مستورا هدنات ومصالحات في مناطق تسيطر عليها المعارضه المسلحه، لكنه يتجاهل قدراتها ووضعها ومواقفها من مقترحاته. فعلي سبيل المثال، نجده يطالب بتجميد الوضع العسكريّ في مدينه حلب والي التفات فصائل المعارضه الي محاربه "داعش" والحركات الجهاديه. 

بيد انه يتجاهل حقيقه عدم وجود فصائل قويه تابعه للجيش السوري الحر في المدينه للقيام بذلك؛ فجبهه النصره وجبهه انصار الدين اللتان يصنفهما الغرب حركات ارهابيه، فضلًا عن حركه احرار الشام المستهدفه بقصف التحالف، هي الفصائل الاكبر والاكثر تاثيرًا في المعادله العسكريّه في المدينه. لذلك، من غير المفهوم كيف ستجمِّد هذه الفصائل القتال من اجل ان يتفرّغ التحالف لاستهدافها. 

كما انّ التطورات الاخيره في عموم الشمال السوريّ وتعاظم نفوذ جبهه النصره وجماعه جند الاقصي المتحالفه معها، وتراجع الجيش الحر، ينزع الواقعيّه عن الافكار المطروحه.

الموقف التركي: تجنّبت الحكومه التركيه حتي الان التعليق رسميًا علي مقترحات دي مستورا، لكنّ مؤشرات عده تشير الي تباينٍ في المواقف واختلافٍ في الرؤيه. ففي الوقت الذي يسعي المبعوث الدولي لتجميد القتال في حلب والتفرّغ لقتال "داعش"، تحذِّر تركيا من احتمال سقوط المدينه بيد النظام وما قد يترتب علي ذلك من موجه لاجئين كبيره. 

كما تربط مشاركتها في التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" باستهداف نظام بشار الاسد واقامه منطقه امنه وفرض حظر جوي فوقها. 

بالاضافه الي ذلك، اثارت تصريحات دي مستورا ودعوته لفتح الحدود امام متطوعي حزب العمل الكردستاني، المصنَّف تركيًا كحزبٍ ارهابي، للقتال الي جانب وحدات الشعب الكرديه ضد "داعش" في مدينه عين العرب حفيظه الحكومه التركيه؛ اذ رفضت هذه الدعوه ووصفتها بانها "غير مسؤوله". 

لذلك، وبخلاف جولاته في معظم الدول الفاعله والمؤثره في الازمه السوريّه، تجاهل دي مستورا زياره تركيا حتي الان. ونظرًا الي دور تركيا المهم والمؤثر في الشمال السوريّ، فانّ طرح مقترحات لتجميد القتال في حلب من دون التنسيق مع تركيا يبدو "غير واقعي".

الموقف الروسي: مع تعطّل الحل السياسيّ وظهور تنظيم "داعش"، تراجع الحضور الروسيّ في الازمه السوريّه مقابل اندفاعٍ وتدخلٍ عسكريّ غربي واقليمي. وعلي الرغم من انّ الضربات الجويّه للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" افادت النظام السوري حليف روسيا، فانّ الاخيره تخشي من تغيّر الخطط والاهداف المعلنه في مراحل مقبله. وقد عزّز من مخاوفها تجاهل الولايات المتحده مطالبها باستصدار قرارٍ من مجلس الامن ينظِّم عمليات التحالف في سوريه ويحدِّد اهدافه بدقه. 

وتري روسيا، انّ حضور الغرب في الازمه السوريّه عبر بوابه التحالف ومحاربه "داعش" قد يهمّش تدريجيًا دورها المحوري في حلٍ مستقبلي للازمه. لذلك، وعلي الرغم من ترحيبها بمقترحات دي مستورا، فانّ روسيا تري ضروره تفعيلها في اطار اشمل، واعاده احياء عمليه سياسيه تجمع طرفي النزاع في جوله مفاوضات جديده تحت مسمي مؤتمر "موسكو 1" او "جنيف 3". 

كما تنظر موسكو للمتغيّرات في الملف السوريّ، ولاسيما بعد صعود تنظيم "داعش" وتقدَّم النظام كفرصهٍ يمكن استغلالها لتعظيم مصالحها، وتبني رؤيتها في اي مفاوضات قادمه. ولتفعيل ذلك، استقبلت روسيا شخصيات من المعارضه السوريّه لا تمانع في العوده الي المسار التفاوضي لحلّ الازمه، كما وجهت دعوه الي وفدٍ من النظام لاقناعه بسلوك المسار ذاته. 

ولهذا، من غير المرجح ان تدعم روسيا مقترحات دي مستورا. كما انّ تبني هذه المقترحات عبر قرارٍ ملزمٍ من مجلس الامن قد يسهم في تهميش الدور الروسي في الازمه السوريّه.

وعلي الرغم من انّ مقترحات دي مستورا تحظي بفرصهٍ للتنفيذ، فانّ العوائق التي تنتظرها كبيره؛ ما يعزّز احتمال استمرار حال الاستعصاء الراهنه في الازمه السوريّه. 

فيديو.. دبلوماسي سابق: امريكا لا تتفق مع عزل بشار الاسد

سقوط قذيفه قادمه من سوريا علي منزل شمالي لبنان

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل