المحتوى الرئيسى

الشاعر الأمريكى دانيال عبدالحى مور: الخواء الروحى دفعنى للبوذية فى الستينيات.. والصوفية طريقى لمحبة الله

11/26 13:43

• محمود درويش شاعر عالمي والترجمه ظلمت رباعيات الخيام

• من المدهش مقارنتي بالصوفي الكبير النفري

• لم يكن اعتناقي للاسلام قفزه في الفراغ وتاثرت بحرب فيتنام

والت ويتمان اهم شاعر امريكي واستفدت منه كشاعر مسلم متصوف

بين الشعر والدين جسور بلاغيه، يقطعها المتصوفه بصمت الخرقه، وهي تطوف حول فكره، ويقطفها الشعراء بفرحه الكشف.. فتاتي قصائدهم خرقه العهد بين الصمت والصراخ، همسا الي الله عندما راوه واكتشفوا طريقه عبر طريقه تطلع من صحراء خاليه لكنها مشعه بالحنين، لا تعاني رغم كل خوائها من الخواء، فتصبح الصحراء لمن يبحث عن ملاذ قصيده الملاذ.

هكذا عاش الشاعر الامريكي دانييل مور ابن بيركلي المتمرد علي ستينيات امريكا، ضمن من تمردوا، رحله المعراج الي القصيده متكئا حينا علي صوره انسانيه رحبه للمسيح، وعلي التامل جلوسا علي طريقه «الزن»، قبل ان يرتحل الي المغرب فيلتقي شيخ طريقه فيطوف معه ويعود مسلما الي ارضه، وشاعرا ذاق نكهه الحقيقه في الحب الالهي.

في الستينيات كان دانيال مور من ابرز شعراء «بيركلي» الحالمه بامريكا اكثر انسانيه وعالم اكثر عدلا. وتعتبر دواوينه «رؤيا الفجر» و«القلب المحترق: مرثاه لموتي الحرب» و«جسد النور الاسود» و«حكمه المحارب»، ثوره في حركه الشعر الأمريكي الحديث ــ كما يقول الكاتب السوري الكبير منير العكش مؤسس مجله جسور الثقافيه بالولايات المتحده ــ كذلك كانت مسرحياته «اللوتس العائم» و«الحيتان المدماه» و«قيامه ابليس» التي عرضت لسنوات في مسرحه الذي انشاه هناك في قلب كاليفورنيا مدرسه ابداعيه وانسانيه. لكن الستينيات لم تمض علي دانيال مور حتي زار المغرب وتعرف علي الشيخ محمد بن الحبيب الفاسي ليعود الي بيركلي مسلما يتوهج شعره باسمي روحانيه عرفها الشعر الانجليزي المعاصر.

ويقول العكش ان معظم مجموعاته الشعريه في هذه المرحله («الصحراء باب النجاه» و«حوليات الاخره» و«صاح كما لم اصح من قبل» و«ورد» و«مولد») نشرت في طبعات يدويه محدوده جدا من عمل الشاعر ذلك لان ناشريه لم يرق لهم «دانيال مور» الجديد.

بدا دانيال مور بكتابه «سونيتات رمضان» في اول ليالي رمضان 1406 (1986) ليكتشف صباح العيد انه انجز مجموعه كامله من 62 قصيده كانت كما يقول: «فضاء روحيا لتجربته الرمضانيه وتصويرا شعريا لعالم الصيام والعالم من حول الصيام».

• هل كان اعتناقك الاسلام نوعا من رد الفعل او التمرد النفسي والفلسفي علي هزيمه مجتمع يحاول ان يخرج من مازق حرب فيتنام؟

ــ كل ما عشته في حياتي له علاقه باسلامي فلم يكن اعتناقي الاسلام قفزه في الفراغ. قادتني حياتي كشاعر يبحث عن مغزي للحياه، ومعني للحقيقه الي الاسلام. وقادني عملي في تاسيس مسرح لتقديم الصائد بطقوسيه، وقادتني رحلتني مع البوذيه التي تعلمتها علي يدي معلمي الروحي الكبير واستاذ فلسفه الزن في الولايات المتحده سينساي شونريو سوزوكي 1904-1971.

تاثرت كثيرا بتجربه فيتنام، كغيري من الامريكيين الذين كانوا يبحثون عن حل او بديل لذلك النوع من الخواء الروحي الذي ادي بالبلاد الي تلك الحرب القاسيه عديمه الجدوي وما خلفته هذه الحرب.

كنت اسعي دائما لان ابقي في الجانب الايجابي للحياه، واعثر علي خير حقيقي اتمسك به. وكنت قد خلقت في اعماقي شخصيه ترتكز علي شخصيه المسيح كما يرسمها الشاعر الانجليزي ويليام بليك (1757-1828). ولكن ذلك لم ينقذني من الشعور بالفراغ بسبب حرب فيتنام التي اندلعت بجنون خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وكانت عاملا حاسما في حياه العديد من الناس. كانت الحرب امرا ماساويا لمن خاضها وبالقدر نفسه بالنسبه لمن لم يخضها. وقد عكست الفنون جميعها من رسم وشعر وموسيقي هذه الماساويه والخواء الروحي للامه وانا كنت جزءا من ذلك العالم وجزءا من التمرد علي هذه الحرب والقيم التي قادت اليها.

كانت امريكا في عيوننا شرا مستطيرا، ووحشيه واليه، وكان قادتها ممن خلفوا الرئيس كنيدي اباطره تلك الوحشيه التي كنا نواجهها بالقصيده. لكن كثيرا منا مع نهايه عقد الستينيات وبدايه عقد السبعينيات كانوا يعيشون في نوع من العالم البديل، وقد سئموا الطبيعه الوهميه الزائفه للوجود خارج طقوسنا الفنيه والروحيه. اما انا فكان لقائي بمتصوف مغربي في ذلك الوقت «دلوا» الهيا معجزا تدلَّي في بئري الشخصيه ليخرجني من غيابات الجُبِّ الي النور.. من الخواء الي الامتلاء بالنور. كان كل شيء في محله: البئر، والحبل، والدلو، وحتي سيور وبكرات الرفع كانت مشحمه وجاهزه. كل شيء لدي كان جاهزا لهذه اللحظه، ولذلك لم يكن اسلاميا قفز في فراغ.

• في كثير من قصائدك تشير الي الصحراء كملاذ او خلاص. هل هو الخلاص من المدنيه الزائفه ام ان صحراءك نوع من المهرب الرومانتيكي الي «يوتوبيا «خياليه؟

«الصحراء هي المهرب الوحيد».. هكذا كتبت في عام ١٩٨٤، وكانت الكتابه بسبب العوده الي امريكا الحضريه بعد زياره طويله للمغرب وانتابني شعور بالحاجه الي ذلك النقاء الشفاف لكل الاشياء التي تمثلها الصحراء وخاصه في جانبها الديني: الاسلام الاصلي للنبي وصحابته، والبيئه المختلفه التي اكتشفتها في المغرب والجزائر، وذلك «الطهر» النسبي لاناس لم يتلوثوا بالماديه الغربيه.

وعندما اقول «اناسا» فانني في الواقع اشير الي اولئك الفقراء من اتباع الطرق الصوفية، الذين التقيناهم في قري صحراويه وفي مدن شمال افريقيا ايضا، والذين يلخصون وجودهم في اتباع تعاليم شيخ الطريقه، وفي القلب منها العشق الالهي، وحب النبي صلي الله عليه وسلم.

الحياه، كما رايتها هناك، كانت تدور حول الطقوس الاساسيه للاسلام، كالصلاه والصوم، والقيم المرتبطه بالدين والتي يطبقها هؤلاء كطقس يومي للحياه مثل الكرم، والبر، والتسامح الجميل، مع التركيز علي القوه المركزيه لذكر الله في كل حين.

وعندما عدت الي امريكا بعد سفر طويل، رايت من حولي حضاره حادت عن النقاء. رايت هذا كازمه للحضاره والروح فكانت الصحراء هي المهرب الحقيقي الوحيد في رايي من هذا المازق الحضاري.. «الي حيث الهواء اكثر شفافيه» (مستعيرا هنا عنوان روايه المكسيكي الشهير كارلوس فوينتس التي كتبها في العام 1958 وصارت ايقونه ادبيه عالميه).

• يصفك الباحث الان جودلاس استاذ علم الاديان في جامعه جورجيا بانك شاعر امريكا وشاعر الاسلام، فاي امريكا واي اسلام تقدمهما في شعرك؟

ــ كانت مقدمه دكتور جودلاس لكتابي «سوناتات رمضان» قصيده بحد ذاتها، ويبدو انه كان يسائل نفسه بصوت عالٍ: كيف تتناسب تلك المجموعه الشعريه مع الاطار الاسلامي / او الامريكي، وتتحداهما معا لينفتحا علي المفاجات، والعمق، ويشير الي انواع من الطاقه والحيويه الموجوده في قصائدي.

وكامريكي انا لست جزءا من النظام الحاكم، وكمسلم ادعو القراء لان يسمحوا لانفسهم بالانتشاء بالبهجه والالهام والخيال وربما يكون في هذا خرق للصوره النمطيه عن المسلمين.

انا امريكي مغموس ومصبوغ بعمق في هذه الثقافه وادبها ونشوه الحركه الادبيه التي اعتقد انني تغذيت عليها، في الستينيات من القرن الماضي والتي اتسمت بالتمرد، لكني اخذ كل تلك اللمحات التي اكتسبتها طوال مشواري الي رؤيتي الاسلاميه، فانا ايضا مسلم بعمق، واعبر دائما عن حقائق اسلاميه حتي في اغرب قصائدي، ولا اجد تعارضا بين تركيبتي كشاعر امريكي وكوني شاعرا مسلما متصوفا.

• الشاعر السوري المعروف ادونيس كتب «قبر من اجل نيويورك» ليدين توحش الحضاره الامريكيه التي تقول انك رغم قسوتها تنتمي اليها.. كشاعر امريكي كيف تقرا امريكا وتاريخها؟

في الترجمه الامريكيه لكتاب ادونيس «كتاب التحولات والهجره في اقاليم النهار والليل»، والتي قدمها صمويل هازو، تحمل القصيده التي اشرت اليها عنوان «جنازه نيويورك». وانا اجد القصيده، في نسختها المترجمه، مشتته ومناهضه للحداثه، ومناهضه للمدن الكبري، ومناهضه للثقافه الامريكيه، لكنها لا ترقي الي مستوي قصيده جارسيا لوركا الشهيره «شاعر في نيويورك» او قصيده «عواء» للشاعر الامريكي المعروف الان جينسبرج، رغم اني المس الضغط واكاد اسمع طقطقه اسلاك الهام ادونيس عاليه الشحن، في محاوله للحاق بهما.

وسافترض ان القصيده افضل في لغتها الاصليه – العربيه – التي لا استطيع قراءتها بها، لكن علي اي حال يبدو لي في اعمال ادونيس نوع من «النبوءاتيه» او التبشير، يبدو فيه الشاعر وكانه دائما في منافسه مع الاسلام، او القيم الاسلاميه.

لقد شاهدته وهو يقرا الشعر بنفسه وسمعته في منتديات للحوار، وقرات مقاله عن الشعر بعنوان «الشعر والثقافه غير الشعريه»، واجدني دائما مختلفا مع ما يتوصل اليه من نتائج، ومحبطا نوعا ما من قصائده التي يبدو فيها نوع من الحياديه التي تفتقر الي التركيز،

ولا شك ان امريكا مكان مجنون. صحيح انها بلد جديد وحضاره جديده تاسست علي مثل عليا ولها دستور يفترض ان يؤمن العداله للجميع في الحاضر والمستقبل، وكثير من قادتها القدامي كانت لهم صفات جيده مثل النبل والامانه واتساع الافق، والرؤيه الفكريه الثاقبه.. ولكن لا شك ايضا ان هناك دماء اريقت في انحاء العالم علي ايدي امريكا او الامريكيين، ولا يبدو في الافق نهايه تغسل يديها من هذه الدماء. كانت الدماء الاولي التي اريقت هي دماء السكان الاصليين، من يطلق عليهم (الهنود الحمر)، والمؤسف ان التاريخ يقول لنا ان الهنود قد قتلوا فعلا، واحيانا لمجرد القتل من باب التسليه، وتم اقتلاعهم من اراضيهم ووضعهم في ما يشبه السجون، تلك المعروفه باسم «المحميات».

ولاشك ان استعباد الافارقه سقطه اخري في تاريخنا الامريكي، ادت الي مشكله عدم المساواه الاجتماعيه والتي لم تحل ايضا بشكل كامل حتي الان.

في التاريخ الحديث، استطاعت امريكا ان ترسم لنفسها صوره براقه كدوله ساعدت اوروبا في مواجهه غزو الفاشيه في الحربين العالميتين الاولي والثانيه، لكن هذه الصوره تم تلويثها بسبب حرب فيتنام، وازدواجيه المعايير في صنع نموذج للديمقراطيه مع دعم الديكتاتوريات في انحاء العالم طالما كان هذا في مصلحتها.

ثم جاءت كارثه حربي افغانستان والعراق وتداعياتهما لتفسد صوره امريكا في العالم ولا ننسي هنا تاثير الدعم المادي والمعنوي الدائم لاسرائيل عبر عقود، رغم علمنا بان اسرائيل ترتكب جرائم بحق السكان الاصليين (الفلسطينيين) مثلما فعلنا نحن بهنود امريكا وهو ما يلوث صوره امريكا اكثر واكثر.

• ورغم ذلك تفخر بكونك امريكيا؟

ــ مع هذا كله انا امريكي، واحمل في داخلي الامتنان لكوني اعيش في دوله «حره» – كما يطلق عليها – واتمني ان تكون كذلك وتظل كذلك حقا، مثلما احمل الشعور بالذنب لكونها القوه العظمي والتي تسيء استخدام قوتها في الشر في بعض الاحيان..

اما في مجال الفن فهناك شيء من روح المغامره والانطلاق والتحدي في الفن الامريكي، خاصه لدي الشعراء القدامي او المعاصرين. هناك عبقريه واثاره في التعبير فريده من نوعها وطازجه وانا سعيد بكوني جزءا من هذه البيئه الاجتماعيه والفنيه، مع استيائي مما نفعله ببقيه العالم من تاثير يشبه ابره الوشم التي ترسم وشما مسموما علي جسد خارطه العالم.

• بعض النقاد يرون تشابها بين شعرك وشعر والت ويتمان، وان كان لشعرك نكهه التجربه الروحيه لاعتناق الاسلام، كيف تري تجربه ويتمان وارثه الشعري؟

ــ تعرفت الي شعر ويتمان عن طريق شعراء جيل الـ Beats في امريكا.. (الجيل الذي بدا الكتابه المتمرده انطلاقا من روايه الطريق لجاك كوراك والذي يرفض الوجه غير الحضاري لامريكا ومن اهم كتابه الان جينسبرج).. وقد قدر هؤلاء الشعراء ابداع ويتمان لصراحته وايضا للمحه الملحميه عنده، ولجراته في التعبير عن نفسه وعن بلاده، وروحانيته الطبيعيه وحسيته الرائعه. كان هناك شيء ما له قداسه في شعره، وقد جذب هذا شعراء جيل الـ Beat ايضا، مع اهتمامهم بالديانات الشرقيه خاصه البوذيه، وتعطشهم للتجارب التنويريه. وويتمان هو شاعر امريكا الاول، وهو الذي يعطي المعني والصوت للرؤيه الروحيه المتاحه للامريكيين ولكنهم قليلا ما يلتفتون اليها او يستخدمونها.. كما انه اخترع لغه جديده، نوعا من الكلام البسيط والمتسامي في ان، والذي لم يستعمله اي من معاصريه، باستثناء اميلي ديكنسون.. فلم يستخدمه هنري ميلفيل بشكسبيريته العبقريه، ولا ايمرسون بشعره الرائع الذي يخلو من تكثيف وملحميه و«ديمقراطيه» رؤيه ويتمان.

هذا الاتساع بالنسبه لي كشاعر مسلم متصوف، خاصه في الجانب الصوفي لويتمان، يجعل صاحب «اوراق العشب» وطاقته الشعريه الهائله ملهما لي. وربما كانت كلمه الطاقه هي التعبير الذي كنت ابحث عنه هنا.. الطاقه الامريكيه والحيويه التي تفرض نفسها، واجدها تغيب في ثقافات اخري ولغات شعريه اخري..

وقد عثرت علي هذه الطاقه لدي ويتمان واستخدمتها للتعبير عن نفسي ومحبه الحياه، والالتزام من القلب، والعشق الالهي ومحبه النبي الكريم. وهذا العشق له تاثير ملحمي بحد ذاته.

• بعض النقاد يقارنوك ايضا بالشاعر الباكستاني محمد اقبال، واخرون قارنوا بين رحلتك الشعريه وبين عمر الخيام. والبعض يقارن بعض قصائدك بالمواقف والمخاطبات للنفري..

ــ فكره ان يقارن احد شعري بمواقف ومخاطبات الصوفي الكبير محمد عبدالجبار النفري امر مدهش بالنسبه لي، وهو ليس سوي هدف روحي اسعي اليه، واطمح له في لحظات «الشطح» اللاعقلانيه.. اما عن اقبال فانا لست خبيرا بعمله لان معظم ترجمات اعماله تعاني من تلك اللغه الانجليزيه الفيكتوريه القديمه التي اتصور انها لا تنقله بشكل جيد للمتلقي الغربي.

ــ وقد قرات اعمال الخيام في ترجمه فيتزجيرالد الجليله والتي ربما كانت مغلوطه، حيث تقدم الخيام من وجهه نظره الاستشراقيه، رغم ان رباعيات الخيام ترجمه ادوارد فيتزجيرالد من درر الشعر الانجليزي، بغض النظر عن امانتها من عدمه في نقل النص الاصلي.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل