المحتوى الرئيسى

حضرات.. قضاة التحقيق!

11/23 23:54

< بعد ان صدر القانون رقم 148/2014 بتعديل بعض احكام قانون الاجراءات الجنائيه، بتعديل ثلاث مواد، واضافه ماده جديده، وتحديداً في باب التحقيق بمعرفه قاضي التحقيق، وقد نشر القانون بتاريخ 12 نوفمبر، ليعمل به في اليوم التالي لتاريخ نشره اي اعتباراً من 13 نوفمبر الجاري، فانه يعتبر من محاسن هذا القانون، التاكيد

علي مبدا استقلال قاضي التحقيق في مباشره سلطاته، دون تدخل من احد مهما كان شانه، حتي ولو كان ممن ندبه لمباشره التحقيق، سواء كان وزير العدل، او رئيس محكمة الاستئناف، او رئيس المحكمه الابتدائيه، ويبدد هذا التعديل خلافاً كان قائماً، عندما تدخل رئيس الاستئناف السابق منذ مايو الماضي في سلطه قاضي التحقيق اثناء مباشره سلطاته في قضيه تزوير الانتخابات الرئاسية لعام 2012، وادي عدم استجابه القاضي لذلك التدخل، الي صدور قرار من رئيس الاستئناف بانهاء ندب القاضي، وقد اكدت دائره طلبات رجال القضاء في حكمها، عدم مشروعيه القرار.. وانحرافه في استعمال السلطه وعدم جواز التدخل في اختصاص قاضي التحقيق، وان سلطه رئيس الاستئناف تقف عند حد الاشراف الاداري فقط ولا تمتد الي سلطه قاضي التحقيق! وقضت دائره طلبات رجال القضاء بمحكمه الاستئناف بالغاء القرار.. ومع ذلك لم ينفذ الحكم حتي الان.. رغم وجوبه.. ومازال الطعن بالنقض قائماً!

< ولقد اتت هذه التعديلات مؤكده ما قضت به دائره طلبات رجال القضاء وما استقرت عليه احكام القضاء العادي.. والقضاء الدستوري من عدم التدخل مطلقاً في سلطه القاضي، سواء كان القاضي يباشر سلطه التحقيق.. او سلطه الحكم، والا كان ذلك اهداراً للعداله.. ومساساً باستقلال القضاء وحيدته، وليؤكد التعديل ايضاً ان سلطه الندب لم تعد بقرار من رئيس المحكمه وانما اصبحت بقرار من الجمعيه العامه للمحكمه او من تفوضه في بدايه كل عام قضائي، وانها لا تملك عليه من سلطه سوي اشرافاً اداري!

< واذا كان ذلك التعديل حسناً، ليرد العدوان عن قضاه التحقيق في سابقه خطيره عندما قرر رئيس الاستئناف السابق المستشار نبيل صليب انهاء ندب القاضي عادل ادريس وسحب قضيه تزوير الانتخابات الرئاسيه من اختصاصه، فلقد كان من حسنات التعديل كذلك الحث علي سرعه انهاء التحقيقات في مده لا تجاوز سته اشهر.. او مده اخري مماثله، لكن الامر الذي لم يكن حسناً في التعديل الجديد اضافه ماده جديده نمره 66 الي قانون الاجراءات الجنائيه تلزم فيها قاضي التحقيق المنتدب، بانجاز التحقيق خلال مده لا تجاوز سته اشهر من وقت مباشرته، واذا حدث موجب يؤخر انجاز مهمته خلال هذه المده، عرض الامر علي الجمعيه العامه للمحكمه لاصدار قرار تجديد الندب لمده لا تجاوز سته اشهر اخري، واذا تجاوز المده ندبت الجمعيه العامه قاضيا اخر لاستكمال التحقيق، وتثير هذه الماده المضافه احياء لنص قديم تم الغاؤه منذ عام 1952، كما تثير عده اشكاليات في وجه العداله.

< فالمشرع لا يجوز له، مهما كان شانه وصفته، ان يتدخل في شئون العداله او القضايا، ويعتبر التدخل جريمه لا تسقط بالتقادم كنص الدستور في الماده 184، ومن صور التدخل التاثير علي عمل القاضي بعوامل خارجيه تؤثر في قراره او عمله، او اجبار القاضي علي انهاء عمله خلال مده معينه، فكيف للقانون ان يحدد لقاضي التحقيق او لاي قاض اخر حداً اقصي لانهاء التحقيق او الحكم.. وهل يجوز للقانون ان يحدد حداً اقصي لتحقيقات النيابه العامه او سلطه الحكم.. واذا كانت الاحكام كلها قالت لنا من قبل ان كافه المواعيد التي وردت في القوانين وخاطبت القاضي في كيفيه مباشره عمله انها مواعيد تنظيميه لا يترتب عليها البطلان!

كما يثور التساؤل كذلك لماذا هذا التعديل يصدر في مواجهه عمل قاضي التحقيق تحديداً، ولماذا هذا الوقت بالذات، ونحن نفترض دوماً ان المشرع حسن النيه.. وانه منزه عن السهو وعن الخطا.. فهل كان كذلك؟

< ثم ماذا عن قضاه التحقيق الذين استنفدوا المدد القصوي في قضايا سبق ندبهم لها، ومازالت قيد التحقيق منذ سنوات، وقد صدرت فيها الاوامر، وجار استكمال تقويم ادله الاتهام او الثبوت.. للوصول الي قرار من قاضي التحقيق بالاحاله او التقرير بالا وجه، والامر هنا يحتاج من مجلس القضاء الاعلي ان يقول لنا كلمته في كيفيه سريان هذا التعديل باثر مباشر من اليوم الثاني لتاريخ نشره.. فهل يستمر قضاه التحقيق في مباشره عملهم حتي لو كانوا قد تجاوزوا المده المحدده، وماذا لو انه في حاجه الي مده اخري من تاريخ صدور القانون، هل يحق للجمعيه العامه للمحكمه ان تقرر له مده اخري في نطاق احكام التعديل وهو امر لازم وضروري، وحتي لا يتعرض عملهم للبطلان!

< وتبدو اهميه هذه الاشكاليات اذا ما عرف ان قاضي التحقيق يباشر سلطاته منذ المرسوم بقانون 150 لسنه 1950 اي نحو ما يزيد علي ستين عاماً.. وقد سبق الغاء هذه الماده تحديداً بالمرسوم بقانون رقم 353 في ديسمبر 1952 لكنها عادت تطل علينا من جديد بالتعديل الذي صدر في اخر عام 2014!

< ومن يطالع سلطات قاضي التحقيق، الذي يندب في العاده لظروف قضيه بعينها او يكون الندب اكثر ملاءمه لها او بمناسبه جرائم معينه، يجد ان هذه السلطات قد وردت في فصول بلغت خمسه عشر فصلاً بالتمام والكمال، بدءاً من سلطات مباشره التحقيق وندب الخبراء والتفتيش والانتقال والضبط.. والتصرف وسماع الشهود والاستجواب والمواجهه واوامر الضبط والحبس والافراج حتي الانتهاء من التحقيق والتصرف، بل والعوده الي التحقيق لظهور ادله جديده، كما بلغ عدد هذه المواد نحو 133 ماده بدءاً من الماده 64 الي 197 فاذا كان الامر كذلك.. فهل يمكن ان نقيد القاضي عند الحكم او عند مباشره التحقيق.. او نقيد النيابه العامه بمده معينه لانهاء سلطه التحقيق او الحكم، فاذا كانت الاجابه بلا، فانه عندئذ يثور التساؤل عن ماهيه هذه الاسباب الجديده التي دفعت الي تعديل النص، باحياء ما تم الغاؤه منذ اكثر من ستين عاماً؟ كما يثور التساؤل كذلك.. فلماذا قاضي التحقيق.. ولماذا الان بالذات بعد سنوات من الجهد والوقت بحثاً عن العداله؟ سؤال بريء.. للعامه والمتخصصين يبحث عن اجابه!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل