المحتوى الرئيسى

انتخابات تونس والعالم الذي يحكمه المماليك

11/23 20:11

تجري تونس اليوم انتخاباتها الرئاسيه الاولي منذ هروب بن علي، قد يبدو هذا غريبًا بعض الشيء اذ استطاعت مصر ان تضغط ثلاثه استفتاءات دستوريه وانتخابات علي نصفي البرلمان وانتخاب رئيسين وانقلاب في فتره اقل من مرحله تونس الانتقاليه، الا ان هذه قضيه اخري يستوجب الحديث عنها التفرغ والكثير من الدموع، واذ نري تونس اليوم وقد تكالبت علي وحدتها المطامع والاغتيالات والشكوك؛ يجب علينا ان نتساءل عن نتيجه انتهاء الانتخابات بفوز السبسي وما سيترتب عليها.

"الباجي قائد السبسي" الشخصيه التنويريه كما يمكن للقاموس ان يعرفها، يعود نسبه المباشر للبايات الحسينيين؛ وجده الاول هو الباي اسماعيل قائد السبسي المملوك الذي حكم جزيرة سردينيا اذ كانت تحت سيطره تونس لوهله قصيره في بدايه القرن التاسع عشر، تعلم القانون في جامعه باريس وكانت اولي قضاياه في تونس هي الدفاع عن الحزب الدستوري الجديد الذي طالب بحكم دستوري تحت الاستعمار الفرنسي، وعمل مستشارًا للحبيب بورقيبه من عام 1957 حتي 1971، واستمر في العمل مع نظام بن علي الذي استلم الرايه من بورقيبه العجوز ما بين وزير للخارجيه وسفير ببرلين ورئيس لمجلس النواب، وكانت اخر جهوده السياسيه هي تاسيس حزب "نداء تونس" الذي تغلب علي النهضه في الانتخابات البرلمانيه الاخيره وليترشح علي راسه لرئاسه الجمهوريه.

من الملفت للنظر كيف ان نخبًا عدد افرادها لا يعدو المئات استطاعت التحكم في سياسات عدد من الدول العربيه منذ استقلالها، بل وكيف ان افراد هذه النخب باعمارهم التي تقارب المائه عام هم احد المشكلين الرئيسيين لمستقبل شعوب اكثر من نصفها تحت الثلاثين او تحت خط الفقر، من الممكن تتبع اصول الادوار التي يقوم بها السبسي او نظيره كمال الجنزوري في مصر وغيرهم من رجال كل العصور الي شيئين ذوي محوريه في التاريخ العربي: المماليك والاستعمار.

قبل وصول الدوله العثمانيه للسيطره علي شمال افريقيا مع عصر السلطان سليم الاول؛ كانت المجموعه المضطلعه بالاداره السياسيه للدول المختلفه (المملوكيه في مصر وليبيا والحفصيه في تونس) هي المماليك، مجموعه من المقاتلين الذين تم استئصالهم من اسرهم الاصليه في القوقاز واسيا الوسطي وتم تدريبهم للتحول الي افضل اله قتل في العالم، كان المقاتلون المماليك هم القوي الضاربه لملوك المنطقه وترتب علي ذلك ان تم اختصاصهم بقدر ضخم للغايه من الامتيازات السياسيه والاقتصاديه، اهم ما يعنينا من صفات المماليك هو كونهم طبقه تحتكر استخدام العنف نيابه عن الدوله، وفي ذات الوقت هي طبقه تختلف تمامًا من الناحيه العرقيه والثقافيه عن الشعوب الاصليه لمناطق تواجدهم.

مع سيطره الدوله العثمانيه علي المنطقه ادركت اهميه هذه الطبقه ولم تحاول استئصالها لكونها منازع لها في سلطتها، بل قامت بالاستفاده من قدراتهم العسكريه وخبراتهم الطويله في التعامل مع الشعوب الاصليه وحولتها الي جماعه وسيطه، وعلي مرور الزمن اثبت هذا الاسلوب نجاحه وتبناه اغلب حكام المنطقه حتي وان حدث وقاموا بتغيير اعضاء الطبقات (كما حدث في حاله ذبح محمد علي للمماليك في مصر واستبدالهم بنخبه متعلمه في الخارج)، وكان اقتيات الدول الاستعماريه علي اراضي الدوله العثمانيه تدريجيًا بدايه تحول الوضع الي ما هو عليه حاليًا؛ فبالوصول الي هذه المرحله كانت الشعوب المحليه قد قضت فتره طويله تحت سيطره وتحكم جماعات لا تنتمي لها بشكل مباشر نيابه عن قوه اخري، وكان استبدال الاستعمار للمماليك (او رجال البايات) بالنخب الفرانكفونيه في تونس او الانجلوساكسونيه في مصر ضمانًا لشكل السياسات الداخليه والخارجيه لهذه الدول حتي اليوم.

كان الصف الاول لرجال السياسه في الدول الجديده التي نشات بعد تفتت الدوله العثمانيه اما ممن عملوا في جيوش المستعمر او درسوا في جامعاته، وجدير بالذكر ان كلاً من الحبيب بورقيبه والسبسي من خريجي جامعه باريس، وان كلاً من جمال عبد الناصر وانور السادات من تلامذه الكليه الحربيه البريطانيه بالقاهره، ومن الواضح ان عمليه التدريب والتعليم هذه تشكل رؤيه هؤلاء الافراد لواقعهم ومجتمعهم وما يطمحون الي الوصول اليه.

يبدا هؤلاء الافراد في تشكيل الواقع الثقافي للمجتمعات التي وضعت تحت رحمتهم وفقًا لتصور زائف واجابات غير واقعيه لسؤال الهويه، ويحدث هذا نتيجه لخليط من الامال التي زرعتها بهم عمليه التعليم الاستعماريه وانعزالهم من الاساس عن المجتمعات البعيده عن مراكز وعواصم دولهم؛ وبالتالي يصبح فقراء الجنوب التونسي ممن ارتاوا التصويت للنهضه علي سبيل المثال ظاهره غير مفهومه تمامًا بالنسبه لهؤلاء، اللهم الا في صوره المتخلفين السذج الساقطين في ظلام الدين؛ وبالتالي تصبح تلك الهويه المتخيله التي رسمتها النخب الفرانكفونيه بسيطرتها علي التعليم والاعلام والسياسه هي المعيار، ويصبح تازم اهل الجنوب منها وعدم تقبلهم لها شيئًا غير مفهومًا بالمره ولا يمكن تفسير نزعاتهم الانتخابيه به ابدًا.

ونتيجه لهذا يمكن ان نري صراع القوي الدوليه والاقليميه حول من يفوز بالانتخابات التونسيه من منظور جديد، فوفقًا لعدد من التقارير - التي قام نون بوست بنشرها بالفعل -  قامت السعوديه باخبار احد المسئولين التونسيين ان اجتثاث حركه النهضه كم تونس بشكل كامل هو شرط السعوديه الرئيس لدعم تونس، بينما علي صعيد اخر اعلنت كلاً من المملكه المتحده والولايات المتحده ان اي محاوله لحظر حركه النهضه او تهميش اي من القوي السياسيه لن تكون مقبوله، يصبح من الواضح تمامًا ان كل ما تقوم به المملكه السعوديه والامارات في المنطقه لا يعدو ان يكون حرب شعناء علي كل من يرغب في مشاركتهم في وكالتهم المحليه للاستعمار، وخصوصًا الاسلاميين، وان في خلفيه كل ذلك يبقي المواطنون ممن يقعون بعيدًا عن هذه النخب والوكالات وصورها عن الوطن غير ممثلين، بل وغير موجودين من الاساس في تصور الدول لانفسها.

ومن الجدير بالذكر ان دفاع القوي الاستعماريه عن تمثيل القوي الاسلاميه في الحاله التونسيه ذو دلاله عظيمه فيما يخص اصاله هذه القوي (وانا اتكلم عن حركه النهضه وما تنطلق منه من نقاط بالتشارك مع الاخوان المسلمين تحديدًا)، ففي نهايه الامر اي نظره الي هذه الكيانات خارج اطار كونها رده فعل للواقع الاستعماري هي نظره قاصره، فهذه الكيانات وجدت ارضها الخصبه في الاستعمار وارتات ان ادواته هي افضل سبل محاربته (ياللعجب!)؛ وبذلك تصبح قدره هذه الكيانات مع التعامل مع الواقع خارج الثقافات والمجتمعات القوميه المتخيله محدوده للغايه، بل ومن الممكن ان نقول انها تنطلق منها ابتداءً.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل