المحتوى الرئيسى

بعد اعتزال« زيدان» الكتابة..هل يمكن للمثقف أن يضرب عن الثقافة؟!

11/22 12:16

“هل يمكن للمثقف ان يضرب عن الثقافه”؟!! .. سؤال مطروح في الحياه الثقافيه المصريه منذ ان اعلن الدكتور يوسف زيدان مؤخرا “التوقف عن اي فعل و تفاعل ثقافي” ، واعتزاله الانشطه الثقافيه بل والتوقف مجددا عن الكتابه في الصحف ليثير الجدل من جديد.

وكان الكاتب والمحقق والروائي يوسف زيدان قد اعلن ان هذا الموقف ياتي احتجاجا علي تعيين الدكتور إسماعيل سراج الدين في منصب المستشار الثقافي لرئيس الوزراء فيما اشتعل الجدل علي صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض.

واعلن الدكتور يوسف زيدان في صيف عام 2012 انه قرر التوقف عن كتابه اي مقالات اسبوعيه فيما اثار تساؤلات حول فائده الكتابه وجدواها غير انه عاد هذا العام ليستانف كتابه المقالات الصحفيه وهاهو يعود الان مجددًا ليعلن التوقف عن الكتابه.

ووفق وكاله انباء الشرق الاوسط، كان رئيس الوزراء المهندس ابراهيم محلب قد اصدر قرارا بتعيين الدكتور اسماعيل سراج الدين مدير مكتبه الاسكندريه مستشارا لرئيس الوزراء لشؤون الثقافه والعلوم والمتاحف فيما طلب سراج الدين عدم تقاضي اي اجور او بدلات مقابل اداء هذه المهمه.

ولم يخل رد فعل محمد سلماوي رئيس اتحاد كتاب مصر حيال استقاله الدكتور يوسف زيدان من هذا الاتحاد من سخريه عندما طالب يوسف زيدان “بتسديد الاشتراكات التي لم يسددها لاتحاد الكتاب منذ عام 2007” مشيرا الي ان قانون الاتحاد يقضي باسقاط عضويه من لا يسدد الاشتراك.

واوضح سلماوي ان اتحاد الكتاب مؤسسه ثقافيه اهليه لاعلاقه لها بالتعيينات الحكوميه في المناصب الثقافيه بينما كان غضب الدكتور يوسف زيدان قد طال ايضًا وزير الثقافة الحالي الدكتور جابر عصفور.

واعلن يوسف زيدان انه علي صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” “سيتوقف عن اي فعل او تفاعل ثقافي في مصر والبلاد العربيه وسينقطع عن الكتابه الاسبوعيه في جريدتي الاهرام والوطن او اي جريده اخري وسيكف عن كل الاجتهادات التثقيفيه والصالونات الثقافيه والندوات واللقاءات الفكريه ولن يشارك من الان فصاعدا في اي حدث عام”.

واكد زيدان علي ان الخلاف بينه وبين الدكتور اسماعيل سراج الدين “ليس شخصيا لكنه خلاف في العمل” الامر الذي جعله يستقيل منذ عامين من عمله كمدير لمركز المخطوطات ومتحف المخطوطات بمكتبه الاسكندريه بعد سبعه عشر عاما من الجهد.

وكان الاتحاد الدولي للمكتبات الرقميه قد اختار الدكتور اسماعيل سراج الدين رئيسا له فيما باتت مكتبه الاسكندريه في طليعه المكتبات الرقميه العربيه.

وفي سياق الجدل المستمر حول القرار الاخير لزيدان “بالاضراب عن الفعل الثقافي” قال الكاتب الصحفي ايمن المهدي في جريده الاهرام :”عندما يعلن يوسف زيدان المفكر والروائي المعروف اعتزاله الحياه الثقافيه والعامه لان رئيس الحكومه اختار غريمه الدكتور اسماعيل سراج الدين مستشارا ثقافيا له فان الرجل له اسبابه”.

غير انه اعتبر ان اعلان الاعتزال “جاء في صوره شمشونيه كمن يهدم المعبد علي الجميع او انه كمن يعاقب الناس باختفائه من حياتهم علي اساس انهم سينتفضون افواجا في الشوارع مطالبين بانصافه “.

اما الباحث والمحلل السياسي الدكتور اسامه الغزالي حرب فاعرب عن اعتقاده بان” رئيس الوزراء المهندس ابراهيم محلب سوف تتكون لديه عقده من المثقفين وسوف يكون معذورا تماما” مضيفا ان محلب اختار الدكتور اسماعيل سراج مستشارا ثقافيا له “وهو اختيار في تقديري موفق وفي محله غير ان هذا الاختيار ووجه بعاصفه من الرفض خاصه من الاديب الكبير يوسف زيدان”.

واستعاد اسامه الغزالي حرب تجربته الشخصيه بقوله :”هذا الموقف ذكرني بما حدث معي شخصيا عندما اختارني المهندس محلب وكنت قد زكيت له نفسي في ذلك الوقت بحكم معرفتي القديمه به لتولي حقيبه الثقافه”.

واردف قائلا :”بمجرد اعلان اسمي هبت رياح عاتيه من بعض المثقفين وموظفي الوزاره بل وصدر بيان طويل شديد اللهجه باسم المثقفين ضد هذا الاختيار لا اعرف حتي الان من كتبه تجمع كلها علي ان فلانا لاعلاقه له بالثقافه وان الثقافه تنتظرها ايام سوداء فما كان من الرجل الا ان انصاع لتلك الاعتراضات وسحب هذا الاختيار علي الفور”.

ومضي حرب في سرده لتلك الاحداث ليقول انها ” كانت نعمه من الله لم ادرك قيمتها وروعتها الا بعد حين” فيما استدرك :”لكنني هذه المره انصح السيد رئيس الوزراء بالا ينصاع لتلك الاعتراضات، ليس لان سراج الدين فوق النقد وانما لانه ببساطه ليس هناك شخص كامل والاهم ان المثقفين لن يتفقوا ابدا علي شخص يرونه مستشارا له فضلا عن ان يكون مثقفا اصلا حيث اكد بعضهم وفقا لما نشر ان اسماعيل سراج الدين لايمثل الثقافه والمثقفين !”.

واذا كان الدكتور يوسف زيدان قد اعترض بشده لاسباب لديه علي هذا الاختيار وهذا حقه كما يقول الدكتور اسامه الغزالي حرب ومع ذلك فهو يعتقد ان اسماعيل سراج الدين هو من افضل الترشيحات لتولي هذا المنصب بحكم ان مهمته سوف تتعلق وفق مااعلن بشئون الثقافه والعلوم والمتاحف وستتطلب تواصلا مع الخارج.

وتلك كلها - كما يؤكد اسامه الغزالي حرب - مهام يملك ناصيتها بقوه اسماعيل سراج الدين فيما اختتم طرحه بجريده الاهرام راجيا ان يتمسك رئيس الوزراء باختياره هذه المره “مع كامل الاحترام للمعارضين وفي مقدمتهم الدكتور يوسف زيدان” الذي تمني عليه حرب ان يعدل عن قراره “باعتزال الثقافه”.

وفي طرح كانت جريده “المصري اليوم” قد نشرته في شهر اغسطس عام 2012 بعنوان :” في الشان العام : طنطنه الخطابه وعبثيه الكتابه” - تسائل الدكتور يوسف زيدان عن فائده الكتابه وجدوي الكلام معيدا للاذهان انه كتب من قبل عن ضروره انقاذ مدينه الاسكندريه .

وقال زيدان :ان مدينه الاسكندريه التي يعيش فيها قرابه خمسه ملايين من المصريين تهددهم الامراض بسبب الزيت الفاسد الذي تسكبه السفن امام الشواطيء ومئات العمائر التي تشاهقت بلا تصاريح بناء او مراعاه للقواعد الهندسيه موضحا ان ماكتبه لم يهتم به اي مسئول في المدينه حتي انهارت واحده من تلك العمائر فقتلت تسعه عشر انسانا بريئا.

واعاد للاذهان انه كتب في نهايه عام 2011 وبدايه عام 2012عن مكتبه الاسكندريه وقال “انها تنهار فلم يتحرك احد” حتي ترك العمل بها وقرر قصر جهده علي الكتابه غير انه وجد ايضا انه لا فائده من الكتابه .

ومضي الدكتور يوسف زيدان ليقول ان المطاف انتهي به الي قرار بالكف عن كتابه المقالات الاسبوعيه لا في الشان العام ولا حتي في المعرفه مضيفا :”وليس ذلك لان ما ناديت به من امور بديهيه يتم دوما اهماله وانما الادهي من ذلك فيما اري ان الكتابه العبثيه هذه هي ابتذال للكلمات وتهوين من شان الكتابه ذاتها وهذا امر لا ارضاه لنفسي ولا للكلمات ولا للكتابه”.

واعرب زيدان حينئذ عن شعوره بالاسي لمفارقه قرائه فيما خلص للقول بانه قرر التوقف عن “هذا النزيف المجاني ” المتمثل في مقالاته الاسبوعيه مؤكدا من جديد علي ان “الكتابه لابد لها ان تكون محترمه ولا تبتذل نفسها بالمداومه من غير طائل والا صارت مثل طنطنه الخطابه والكلام المجاني المبتذل”.

لكن يوسف زيدان عاد من جديد ليكتب في الصحف ويغوص في الشخصيه المصريه وينتقد ما يعتبره سلبيات او مثالب وتناقضات في هذه الشخصيه او علي حد قوله “نقد الذات في مجتمع لايطيق النقد الذاتي” ليثير جدلا لا بد وان يسعد اي كاتب بصرف النظر عما يتضمنه هذا الجدل من مدح او ذم فالمهم ان تكون هناك جدوي للكتابه.

فالجدل الثقافي مطلوب وغياب النقاش الجاد للاراء والطروحات يشكل ظاهره غير صحيه وتثير القلق ، وقد اشار مثقف مصري مثل الدكتور محمد عبد الشفيع عيسي استاذ العلاقات الاقتصاديه الدوليه بمعهد التخطيط القومي “للتقليد الاخذ في الانتشار بتجاهل الجميع للجميع علي الصعيد الفكري”!.

وفي حاله غياب اي اهتمام بالكتابه لا بد وان يشعر الكاتب بالاحباط والاغتراب علي حد وصف المفكر والكاتب الكبير السيد يسين الذي لم يخف حرصه الشديد علي قراءه تعليقات القراء لما يكتبه علي الشبكه الالكترونيه وعبر بريده الالكتروني ولو كانت تحوي انتقادات عنيفه ورافضه لارائه حتي لايعاني من ظاهره “اغتراب الكاتب”.

والحقيقه ان هناك تساؤلات قلقه حتي في الصحافه الثقافيه الغربيه عن جدوي الكتابه وازمه الكلمه ، فيما تساءل الكاتب والناقد والاكاديمي البريطاني تيم باركز عما اذا كان العالم بحاجه لروايات وقصص ؟!.

ومن وجهه نظر الكاتب والروائي الامريكي جوناثان فرانزن فان “العالم يحتاج بشده للكتابه الابداعيه القصصيه” ، غير ان تيم باركز عاد ليتساءل عن طبيعه هذه الحاجه وما الذي سيحدث ان لم تلب ؟! مشيرا لراي يذهب الي ان اغلب القراء يطالعون القصص التي تعزز قناعاتهم ولاتثير اي شكوك في مدي صحه هذه القناعات.

واضاف في طرح بمجله “نيويورك ريفيو” ان الوسائط الاتصاليه الجديده باتت في حد ذاتها مشكله فكاتب مثل جوناثان فرانزن يتهم شبكه الانترنت وتويتر وفيس بوك بانها تلحق اضرارا بالثقافه الجاده ومتعه الكتاب الورقي .

وقبل ذلك بكثير كان الروائي البريطاني دي.اتش.لورانس قد هاجم بشده روايات الكاتب الروسي العظيم ليو تولستوي معتبرا انها “لا اخلاقيه وتطفح بالشر والفساد” ، ولم يتوقف الجدل حول جدوي الكلمه ومعني الابداع ، فيما راي تيم باركز انه علي المستوي الشخصي بات مقتنعًا بان الكتابه مهمه شريطه ان تتمتع بمستوي رفيع والا فالصمت افضل.

وفي الاونه الاخيره وقبيل قراره الاخير بالتوقف مجددا عن الكتابه ابدي يوسف زيدان اهتماما كبيرا بمفهوم وقضايا “الثورة الثقافية” معتبرا ان هذه الثوره لاغني عنها لبلادنا وباتت ضروريه “جراء تدهور مستوي التعليم وضعف الاداء الاعلامي وقصوره والعجز شبه التام للمؤسسات الحكوميه ذات الطابع الثقافي “.

وهذه “الثوره الثقافيه” - كما يوضح زيدان - تطرح وجهات نظر متعدده في المستقر من الافكار العامه وتنطوي علي اعاده النظر في الملامح المحوريه لواقعنا الثقافي المعاصر كما تعيد طرح التصورات الكليه العامه وهي بحاجه للتامل والتفكير المنطقي و”الضامن للسلامه العقليه العامه والطريق المؤدي الي تجديد وتطوير العقل الجمعي وطريقه النظر الي الموضوعات الكبري”.

وفي سياق مايعرف “بعلم اجتماع القراءه” ومتغيرات “مابعد الحداثه” في الغرب هناك الحاح علي ضروره الا يقدم الكاتب او المؤلف نصا مغلقا محملا بالاحكام القاطعه وزاخرا بالنتائج النهائيه والتي عاده ماتقوم علي وهم ان المؤلف يمتلك اليقين ويعرف الحقيقه المطلقه.

فالكاتب في ظل هذه المتغيرات عليه كما يوضح السيد يسين ان يقدم نصا مفتوحا بمعني تضمنه لكتابه قد لا تكون واضحه تماما بل يستحسن ان تكون غامضه نوعا ما حتي يتاح للقاريء ان يشارك بفعاليه من خلال عمليه التاويل في قراءه النص وهو تصور للكتابه قد لا يكون بعيدا عن تصور الكاتب والروائي الايطالي الراحل ايتالو كالفينو عن ضروره عدم اكتمال النص لان العالم ذاته غير مكتمل ويعاني من نقص ما.

واذا كانت الوسائط الاتصاليه تحمل مضامين ثقافيه فان هذه الوسائط تتعرض لانتقادات حاده طالت الجانب القيمي..ومن المفارقات الداله ان تشن اليزابيث ميردوخ الابنه الثانيه “لامبراطور الميديا” روبرت ميردوخ هجوما حادا علي الشركه الاعلاميه الجديده لوالدها بسبب ما وصفته “بغياب القيم في عمل هذه الشركه” ، ومؤكده علي ضروره ” اعلاء القيم الانسانيه فوق قيم الربحيه الماديه” - واعتبرت اليزابيث ميردوخ ان “العمل من اجل الربح المادي وحده دون اي غايه اخلاقيه هو الطريق للكارثه وافضل وصفه لها ” ، كما ان هذا النهج يهدد الراسماليه بمعناها الحقيقي والمنشود بقدر ما يهدد الحريه .

اما الكاتبه المصريه الكبيره الدكتوره نوال السعداوي صاحبه الـ 54 كتابا والتي بدات الكتابه منذ الطفوله وكتبت اول قصه وهي في الثالثه عشره من عمرها ونالت الكثير من الجوائز العالميه ، فقالت في مقابله صحفيه ان الجائزه الوحيده التي تسعدها ان “تستوقفني فتاه شابه في الطريق وتقول لي كتابك غير حياتي”.

ونوال السعداوي التي جمعت مابين الطب والادب والابداع عموما وكانت اخر رواياتها “انه الدم” عن ثوره 25 يناير تقول :”مهما بلغت الالام والتضحيات في حياتي فهي لاتساوي لذه الكتابه والابداع” معتبره ان “لذه الابداع تفوق كل متع الدنيا”.

ووسط احاديث ونقاشات عن مازق الكتابه في الربيع العربي من منظور التحديات الجماليه وعدم التسرع مع اهميه التقاط الصيروره في جوهرها الحقيقي ، كان الكاتب الصحفي اللبناني سمير عطا الله قد راي ان الربيع العربي نبت من دون الحاجه لمفكرين فقد اشعله بائع ثمار علي غفله من الطغاه الذين كانوا قد استكانوا الي فكره الابد العربي الذي لامكان فيه للتفكير والتامل واسئله التطور.

واعتبر سمير عطا الله ان الكف عن الكتابه خيانه في حق مئات الالاف من الضحايا مضيفا :”نحن نكتب للذين يؤمنون بان الانسان حر وله كرامه بشريه وله حياه يحياها “.

وكان هذا الكاتب المتميز في جريده الشرق الاوسط التي تصدر من لندن قد استعاد ذكري الشاعر اللبناني خليل حاوي الذي لم يطق الحياه امام مشهد الدبابات الاسرائيليه في بيروت عام 1982 فاطلق النار علي نفسه “وطائر الشعر الجميل”.

وقرار الدكتور يوسف زيدان بالتوقف عن كتابه المقالات الصحفيه ثم العوده لها فالتوقف مجددا ، يثير ايضا تساؤلات عن عمليه الكتابه في سياق الربيع العربي وما ينطوي عليه الحراك الثوري في المنطقه كلها من تحديات ابداعيه والطموح المشروع في التعبير الابداعي عن نبض اللحظه وملامح المرحله وامكانيه النفاذ لجوهر التحولات والاشكال والمضامين الجديده لعلاقه الثقافه بالسياسه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل