المحتوى الرئيسى

صاحبة الانشطار النووي تعزف ألحان أينشتاين

11/20 23:12

عندما ارسل اوتو هاهن نتائجه الغريبه الي ليزا مايتنر، اخذت تناقشها مع ابن اختها الذي كان ايضًا فيزيائيًّا ويدعي روبرت فريش. لقد كانت النتائج تشير الي انه بعد بضعه اشهر من عمل اوتو هاهن وزميله ستراسمان علي قذف نواه اليورانيوم بالنيوترونات وجدوا انهم يعثرون علي الراديوم من بين نواتج هذه العمليه علي الرغم من توقعهم العثور علي عنصر أكبر حجمًا، الا ان ما وصلا اليه كان عنصرًا اصغر حجمًا. ولقد كتبت ليزا الي هاهن تطلب منه ان يتاكد ثانيه من نتائج التجارب. وهذه المره ارسل لها يخبرها انه عثر علي الباريوم من بين نواتج التجربه، وهو عنصر أصغر في الحجم من الراديوم! وقد كان تحليل هذه التجارب وفهم نتائجها متوقفًا علي ما ستصل اليه ليزا مايتنر!

فلنتخيل نقطه ماء كبيره علي وشك التناثر، يمكننا تخيل نواه اليورانيوم في نفس الوضع تقريبا، وطوال اربع سنوات كان هاهن ومايتنر وجميع الفيزيائيون يظنون انك اذا دفعت المزيد من النيوترونات الي داخل هذه النواه فانها ستزداد حجمًا، ولكن فجاه خطر في ذهن مايتنر وهي تناقش فريش ان النواه اذا كبرت الي حد معين من الممكن الا تتحمل زياده حجمها عن ذلك مما يؤدي الي انقسامها الي نصفين! فاذا كانت النواه كبيره الي حد انها تعجز عن البقاء كبنيه واحده فلا يمكن ان تؤدي دفعه من النيوترونات الي زياده حجمها، ولكن الي انقسامها. ولقد راي فريش انه اذا انقسمت النواه فان الشقين الناتجين سينطلقان مولدان طاقه هائله. وبحساب التفاصيل الرياضيه توصلت مايتنر الي ان مقدار الطاقه المنبعثه من الانقسام الحادث لنواة الذرة يمكن حسابها بواسطه معادله الطاقه لاينشتاين! الطاقه تساوي الكتله ضرب مربع سرعه الضوء. لقد كان اكتشافًا مذهلًا! وبالطبع عند تطبيق هذه الحسابات علي كميات ضئيله من الماده في المعمل فان مقدار الطاقه المنبعث سيكون صغيرًا ولكنه بالنسبه الي ضاله الماده المنبعث منها فهو يعد كبيرًا نسبيًّا. الفكره ان كتله اليورانيوم المفقوده اثناء عمليه الانقسام قد تحولت الي طاقه وهو ما تطابق مع معادله الطاقه لاينشتاين. انها المره الاولي التي يثبت فيها عمليًا ان الطاقه والماده ما هما الا وجهان لعمله واحده!

نشر مايتنر وفريش اكتشافهما الذي سمياه الانشطار النووي، لكن الخيانه كانت في انتظارهما. اذ تعرض اوتو هاهن الي ضغط من النظام النازي لاستثناء ذكر زميلته من بحثه الذي احتوي علي تحليلها للنتائج التي ارسلها اليها من قبل. كل هذا لان النظام النازي لم يكن متاكدًا من ولائها لانها يهوديه وتعامل معها بنفس الطريقه الشكوكيه التي كان يتعامل بها مع كل اليهود. ادي هذا الي حصول هاهن وحده علي نوبل عام 1944. ولم يذكر دور مايتنر الهام في كلمته التي القاها عند استلام الجائزه. وبعد الحرب زعم هاهن انه هو وليس مايتنر من اكتشف الانشطار النووي. لقد كتبت مايتنر الي هاهن تذكره باربعين عام من الصداقه بينهما. وتساله كيف سيكون شعوره لو وصفوه اليوم بالمساعد السابق لليزا مايتنر كما يصفوها هي اليوم بالمساعده السابقه لهاهن وما يحتوي هذا علي تقليل من قدر اسهامها في عملهما المشترك واللذان قاما به علي قدم المساواه. فبعد ما عانته في الخمسه عشر عامًا الاخيره والتي لا تتمني لاحد من اصدقائها ان يمر بمثل ما مرت به، ها هي يُسلب اليوم منها انجازها العلمي. فهل هذا عدل؟ ولماذا يحدث ذلك؟

ولكن هل توقف سباق العلم عند اللحظه التي اُكتشِف فيها الانشطار النووي؟ بالطبع لا! ففي عام 1942 بدات الجهود تبذل لصنع القنبله النوويه. وفي انحاء امريكا كانت تجري اقامه المنشات تحت اسم سري وهو مشروع منهاتن. وقد عرض علي مايتنر المشاركه في هذا المشروع ولكنها رفضت ان يكون لها اي صله بصناعه القنبله النوويه. ولكن ابن اختها روبرت فريش كان موقفه مختلفًا عنها، فقد كان عضوًا فعالًا في فريق عمل القنبله لانه كان مقتنعًا بضروره التقدم علي النازيين في سباق التسلح النووي. ولكن القنبله النوويه لم تستخدم ضد المانيا، بل القيتا فوق مدينتين يابانيتين، وهما هيروشيما ونجازاكي لتعبّرا عن مدي القوه التدميريه الكامنه في معادله الطاقه تساوي الكتله ضرب مربع سرعه الضوء.

لقد تم تحرير كميات مهوله من الطاقه علي هيئه اشعاع كهرومغناطيسي من اليورانيوم والبلوتينيوم. وبهذا فان بحوث اكثر علماء الدنيا موهبه قد ادت الي اختراع سلاح دمار شامل. ولكن المعادله نفسها كانت لها حكايه موازيه تتصف بالابداع والجمال. فاليوم يحمل رساله اينشتاين علماء شباب يحاولون الاجابه علي اعظم الاسئله: من اين اتينا؟ ففي مسرعات الجسيمات، يدفع العلماء مكونات الذره باتجاه سرعه الضوء ويصدموها معًا ليخلقوا ظروفًا اشبه بظروف الانفجار الكبير. فالمعادله الاهم في تاريخ العلم تحكي لنا بشكل او باخر كيف وقع الانفجار الكبير نفسه. ففي بدايات الخلق الاولي، كان الكون عباره عن طاقه ثائره وعاليه وشديده التكثيف والتركيز حين جاءت لحظه تناثرت هذه الطاقه وامتدت في ارجاء الكون لتتحول كميات هائله منها الي كتل صلبه. وبهذا اصبحت الطاقه الخالصه ماده وشكلت الجزيئات والذرات التي كانت بدايه عمليه ولاده النجوم الاولي.

ولكن هل كان اينشتاين مصيبًا علي طول الخط! هل كانت نظرياته ومعادلاته التي خرجت عام 1905 لا تحتاج الي تطوير او تعديل! بالطبع لم يكن مصيبًا علي طول الخط، وبالطبع احتاج الي ان يطور من نظرياته وخاصه النسبيه الخاصه. ولكن لهذا مقال اخر.

انني اعد نفسي قارئا تجرا علي الكتابه، واجد ان ما قراته اهم بكثير مما كتبته، لان المرء يقرا ما يريد ولكنه يكتب ما يستطيع.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل